وصايا

وصايا

04/11/2013

وصيّة الإمام الصّادق عليه السّلام لعبد الله بن جُنْدَب -2


 

«إنَّما أقبل الصَّلاة ممَّن يَتواضع لِعظَمتي، ولا يتعظّم على خَلْقي.

«شاوِر قلبَك، وأَطِع علمَك، وجاهِد نفسَك»

-------- إعداد: أسرة التّحرير--------

 

عَجزَ مَن لمْ يُعدّ لكلِّ بلاءٍ صبراً، ولكلِّ نعمةٍ شكراً: وقد عَجزَ مَن لمْ يُعدّ لكلِّ بلاءٍ صبراً، ولكلِّ نعمةٍ شكراً، ولكلِّ عُسرٍ يسراً. صَبِّر نفسَك عند كلِّ بليَّةٍ في ولدٍ أو مالٍ أو رَزِيّةٍ، فإنّما يَقبضُ عاريتَهُ ويأخذُ هِبَتَهُ لِيَبْلُوَ فيهما صبرَكَ وشُكرَكَ. وارْجُ اللهَ رجاءً لا يُجرّيكَ على معصيَتِهِ، وخَفْهُ خوفاً لا يُؤيِسكَ من رحمتِه.

 

إيّاك والتَّكبُّر: ولا تغترَّ بقولِ الجاهلِ ولا بِمدحِه فتَكبّر وتجبّر [فتتكبّر وتتجبّر] وتُعجَب بِعملِك، فإنَّ أفضلَ العمل العبادة والتّواضع. فلا تُضَيِّعْ مالَك وتُصلح مال غيرك ما خلّفته وراء ظهرك. واقنَع بما قسَمَهُ اللهُ لك. ولا تنظُر إلَّا إلى ما  عِندَك. ولا تَتَمَنَّ ما لستَ تَنالُه. فإنَّ مَن قَنعَ شَبِعَ، ومَن لم يَقنعْ لم يَشبَعْ. وخُذْ حَظَّكَ من آخرتِكَ. ولا تَكُن بَطِراً في الغِنى، ولا جَزِعاً في الفقر. ولا تَكُنْ فظّاً غليظاً يَكرهُ النَّاسُ قُربَكَ، ولا تَكُنْ واهِناً يُحقِّرُك مَن عَرَفَك. ولا تشارِّ [تُخاصم] مَن فوقِكَ ولا تَسخَر بِمَن هو دُونَك. ولا تُنازِع الأمرَ أهلَه.

 

وإيَّاك والذُّلّ: ولا تُطِعِ السُّفهاء. ولا تكُن مهيناً تحت كلّ أحد. ولا تتَّكِلَنَّ على كِفايةِ أحد. وقِفْ عند كلِّ أمرٍ حتّى تعرف مدخله من مخرجه، قبل أنْ تَقع فيه فتَندَم.

 

شاوِر قلبَك، وأَطِع علمَك، وجاهِد نفسَك: واجعل قلبك قريباً تُشاركه (تُشاوره). واجعَل علمَك والداً تتَّبعه. واجعل نفسَك عدوّاً تُجاهده وعاريةً تَردُّها، فإنَّك قد جُعِلْتَ طبيبَ نفسِكَ، وعُرِّفْتَ آية الصّحّة، وبُيِّنَ لك الدَّاء، ودُلِلْتَ على الدَّواء، فانظُر قيامك على نفسك.

لا تفسد إحسانك بالذِّكر والمَنِّ: وإنْ كانت لكَ يدٌ عند إنسانٍ فلا تُفسدها بكثرة المنِّ والذِّكر لها، ولكن أَتبِعْها بأفضل منها، فإنَّ ذلك أجملُ بك في أخلاقك، وأوجبُ للثّواب في آخِرَتك.

 

وعليك بالصَّمت: وعليك بالصَّمت تعدّ حليماً -جاهلاً كنت أو عالماً- فإنَّ الصَّمت زَيْنٌ لك عند العلماء، وسترٌ لك عند الجهَّال.

 

في محضر خير السَّاترين: يا ابن جُندَب، إنَّ عيسى بن مريم عليه السَّلام قال لأصحابه: أرأيتُم لو أنَّ أحدكم مرَّ بأخيه فرأى ثوبَه قد انكَشف عن بعض عَوْرته، أكان كاشفاً عنها كلّها أم يردّ عليها ما انكشف منها؟ قالوا: بل نردُّ عليها.

قال: كلّا، بل تكشفون عنها كلّها -فعرفوا أنَّه مَثَلٌ ضَرَبَه لهم- فقيل: يا روحُ الله وكيف ذلك؟ قال: الرّجل منكم يطَّلع على العورة من أخيه فلا يَسترها. بحقٍّ أقول لكُم إنّكم لا تُصيبون ما تريدون إلَّا بِتَرْكِ ما تشتهون. ولا تنالون ما تأملون إلَّا بالصَّبر على ما تكرهون. إيَّاكم والنَّظرة فإنّها تزرع في القلب الشّهوة، وكفَى بها لِصاحبها فتنة. طوبى لِمَن جَعلَ بَصَرَهُ في قلبِه، ولم يَجعل بصرَه في عينه. لا تنظروا في عيوب النَّاس كالأرباب، وانظروا في عيوبكم كهيئة العبيد. إنَّما النّاسُ رجلان: مبتلًى ومعافى، فارحمُوا المبتلى واحمدوا اللهَ على العافية.

 

وسلِّم على مَن سبّك: يا ابن جُندَب، صِلْ مَن قطعك. وأعطِ مَن حَرَمَك. وأحسِن إلى مَن أساء إليك. وسلِّم على من سبّك. وأنصِف مَن خاصَمَك. واعفُ عمّن ظلَمَك، كما أنَّك تحبُّ أن يُعفى عنك، فاعتَبِر بِعفوِ الله عنك، ألا ترى أنَّ شمسَه أشرقت على الأبرار والفُجَّار. وأنَّ مطرَه ينزل على الصَّالحين والخاطئين.

 

لا تتصدّق على أعيُن النّاس لِيُزَكُّوك: يا ابن جُندَب، لا تَتَصدّق على أعيُن النَّاس ليزكُّوك، فإنَّك إن فعلت ذلك فقد استَوْفَيْتَ أجرَك، ولكن إذا أعطيت بيمينِك فلا تُطلِع عليها شمالك، فإنَّ الّذي تتصدَّق له سرّاً يجزيك علانيةً على رؤوس الأشهاد في اليوم الّذي لا يضرّك أن لا يطّلع النّاس على صدَقتك. واخفِضِ الصَّوت، إنَّ ربَّك الّذي يعلمُ ما تُسِرُّون وما تُعلنون، قد عَلِمَ ما تريدون قبل أن تسألوه. وإذا صمْتَ فلا تَغْتَب أحداً. ولا تلبِسوا صيامَكُم بِظُلمٍ. ولا تكُن كالّذي يَصوم رِئاء النّاس، مغبرّةً وجوهُهم، شَعثةً رؤوسُهم، يابسةً أفواهُهم لكي يعلمَ النّاسُ أنَّهم صيام.

 

أمَا إنّه لو وقعت الواقعة: يا ابنَ جُنْدَب، الخير كلُّه أمامَك، وإنَّ الشّرَّ كلّه أمامَك. ولنْ ترى الخيرَ والشَّرَّ إلّا بعد الآخرة، لأنَّ اللهَ جلَّ وعزَّ جعلَ الخيرَ كلّه في الجنّة، والشَّرَّ كلّه في  النّار، لأنَّهما الباقيان. والواجب على مَن وَهَبَ اللهُ له الهُدى، وأكرَمَهُ بالإيمان، وألهَمَهُ رشدَهُ، وركّب فيه عقلاً يتعرَّف به نِعَمهُ، وآتاهُ عِلماً وحكماً يُدبِّر به أمر دِينه ودُنياه، أنْ يوجِبَ على نفسه أنْ يشكرَ اللهَ ولا يَكفُرهُ، وأنْ يَذكرَ الله ولا يَنساه، وأنْ يُطيع اللهَ ولا يعصيه، للقديم الَّذي تفرَّد له بِحُسنِ النَّظر، وللحديث الّذي أنعمَ عليه بعد إذ أنشأه مخلوقاً، وللجزيلِ الَّذي وَعَدَه، والفضل الّذي لم يكلِّفه من طاعته فوق طاقتِه وما يَعجز عن القيام به، وضَمِنَ له العَوْنَ على تيسيرِ ما حَمَّلَهُ من ذلك، ونَدَبَهُ إلى الاستعانة على قليل ما كلَّفه وهو مُعرِضٌ عمّا أَمَرَه، وعاجزٌ عنه، قد لبسَ ثوبَ الاستهانة في ما بينه وبين ربِّه، متقلّداً لهواه، ماضياً في شهواته، مؤْثِراً لِدُنياه على آخرته وهو في ذلك يَتمنَّى جنان الفرْدَوس، وما ينبغي لأحدٍ أنْ يطمعَ أنْ ينزل بعمل الفجَّار منازلَ الأبرار. أما إنَّه لو وقعت الواقعةُ، وقامت القيامةُ، وجاءت الطّامّةُ، ونَصَبَ الجبّارُ الموازين لِفصلِ القضاء، وبَرَزَ الخلائقُ ليوم الحساب، أيْقَنْتَ عند ذلك لِمَن تكون الرِّفعة والكرامة، وبِمَن تَحلُّ الحسرةُ والنَّدامة: فاعمَل اليومَ في الدُّنيا بما ترجو به الفوزَ في الآخرة.

 

تُقْبَلُ الصَّلاة ممَّن يَتواضع ويَخدم الفقراء: يا ابن جُنْدَب، قال اللهُ عزَّ وجلَّ في بعض ما أَوْحى: «إنَّما أقبلُ الصَّلاة مِمَّن يَتواضع لِعظمتي، ويكفُّ نفسَه عن الشَّهوات من أجلي، ويقطع نهارَه بِذِكْري، ولا يَتعظَّم على خَلْقي، ويُطعمُ الجائعَ، ويَكسو العاري، ويرحمُ المُصاب، ويُؤوي الغريبَ، فذلك يُشرقُ نورُه مثل الشّمس، أَجعلُ له في الظُّلمة نوراً وفي الجهالة حِلماً؛ أَكْلَؤُهُ بعزَّتي، وأستحفظُه ملائكتي، يَدعوني فأُلبِّيه، ويسألني فأُعطيه، فمثلُ ذلك العبد عندي كَمثلِ جنَّات الفردوس، لا يسبق (تيبَس) أثمارُها ولا تتغيَّر عن حالها».

 

أساسُ الإسلام حبُّنا أهل البيت: يا ابن جُنْدَب، الإسلامُ عريانُ فلباسه الحياء، وزينَته الوقار، ومروءته العمل الصّالح، وعمادُه الورع، ولكلِّ شيءٍ أساسٌ، وأساسُ الإسلام حبُّنا أهل البيت.

 

أولياء الله في سُوْرٍ من نور: يا ابن جُنْدَب، إنَّ للهِ تبارك وتعالى سُوْراً من نور، محفوفاً بالزّبرجد والحرير، منجّداً بالسُّندس والدِّيباج، يُضرب هذا السُّور بين أوليائنا وبين أعدائنا، فإذا غلى الدّماغ وبَلَغَتِ القلوبُ الحناجر، ونَضجت الأكبادُ من طول الموقف، أُدخل في هذا السُّور أولياءُ الله، فكانوا في أمنِ الله وحِرْزه، لهم فيها ما تشتهي الأنفسُ وتلذُّ الأعيُن. وأعداءُ الله قد ألجمَهم العرَق، وقطَّعهم الفَرَق، وهم ينظرون إلى ما أعدَّ اللهُ لهم، فيقولون: ﴿..مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ ص:62،  فيَنظر إليهم أولياء الله فيَضحكون منهم، فذلك قوله عزَّ وجلَّ: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُص:63. وقوله: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ المطفّفين:34-35، فلا يبقى أحدٌ ممَّن أعان مؤمناً من أوليائنا بكلمةٍ إلَّا أدخلَهُ اللهُ الجنَّةَ بغيرِ حسابٍ.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

04/11/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات