مصطلحات

مصطلحات

04/11/2013

البراغماتيّة


البراغماتيّة

مذهب مادّيّ محض غايتُه المنفعة

_____ أحمد فقيه_____

يَردُ مصطلحُ «البراغماتيّة»، أي الذّرائعيّة، كثيراً هذه الأيّام وخصوصاً في ميدان العمل السّياسيّ وفي العلاقات بين الدّول الّتي تحكمها المصالح. علماً أنَّ نشوء هذا المصطلح يعود إلى حقل الجَدَل الفلسفيّ والعلميّ، الّذي انفجر مع بدايات القرن العشرين، وهو يتعلّق بتطوُّر مناهج البحث العلميّ الّذي ترافق مع طغيان الرّوح المادّيّة على المجتمعات العالميّة.

تمثّل البراغماتيّة فلسفة المجتمع الرّأسماليّ، حيث ساهَمَت الثّقافةُ السّياسيّة الأميركيّة في تغذيتها، لتبرير وتسويغ هَيْمنتها الاقتصاديّة على العالم.

وكلمة البراغماتيّة في أصلها اللّغويّ مشتقَّة من كلمةٍ يونانيّةٍ تعني العمل النّافع أو المزاولة المُجدِيَة، حيث يصبح المقصود منها هنا هو «المذهب العمليّ»، أو «المذهب النّفعيّ».

يرجع إلى الكلمة اليونانيّة Progma وتعني (عمل) أو (مسألة عمليّة)، واستعار الرّومان المصطلح واستخدموا عبارة Progmaticus فقصدوا بها المتمرّس وخاصّة في المسائل القانونيّة.

تحارب البراغماتيّة المذاهب المثاليّة في نزاعها مع الواقعيّة، وترفض بحث مشكلة أَسبقيّة الفكر على الواقع، أو العكس، لأنّ فلاسفتها يريدون أن يجعلوا نظريّة المعرفة أداةً للعمل ووسيلةً للاستفادة من الواقع والسّيطرة عليه، بدلاً من النّزاع حوله. لذلك كانت البراغماتيّة منهجاً علميّاً وواقعيّاً من قبل أن تكون فلسفةً ميتافيزيقيّة. ولذا فهي طريقة للعمل والممارسة وليست نَسَقاً عقليّاً مجرَّداً، إذ أنَّ قيمة الأفكار غير كامنة في طبيعتها، وإنّما في ما ينتج عنها من آثارٍ عمليّةٍ ذات نتائج مفيدة للحياة.

نشأت البراغماتيّة كمذهبٍ عمليٍّ نفعيٍّ في أميركا مع بداية القرن العشرين المنصرم، وقد ساعد على نشأتها انتشارُ استخدام التّقنيّات العلميّة والتّقدُّم الصّناعيّ وتطوُّر رأس المال. وقد وجدت البراغماتيّة في النّظام الرأسماليّ الأميركيّ التّربة الخصبة والمناسبة للنّموّ والازدهار، لأنّ الرّأسماليّة عموماً تقوم على مبدأ المنافسة الفرديّة الحرّة، الّتي يرتبط بها العملُ النّافع والمُنتِج. لذلك سنجد كيف أنَّ المؤسِّسين لهذا المذهب، بل وأغلب فلاسفته، هم من الأميركيّين الّذين انتشرت أفكارهم بعد ذلك في بقيّة العالم.

مؤسِّسو المذهب

المؤسِّس الأوّل للمذهب هو الفيلسوف الأميركيّ تشارلز بيريس Charles Peirce (1839-1914م)، الّذي وضع الأفكار الأولى للبراغماتيّة. وقد قرَّر أنَّ كلّ فكرةٍ لا بدَّ أن تكون تمهيداً لعملٍ ما. ثمّ جاء بعده وليام جيمس William James (1842-1910م) ليستكمل بناء المذهب، ويؤكِّد أنَّ العمل والمنفعة هما مقياس صحّة الفكرة ودليل صدقيّتها. ثمَّ ظهر بعد ذلك الأميركيّ جون ديوي John Dewey (1859-1952م) ليتابع المسيرة، ويقرِّر أنَّ العقل هو أداة العمل ووسيلة المنفعة.

كان تشارلز بيرس الآنف ذكره، هو أوَّل مَن تعرَّض لبحث مشكلة المعرفة؛ فرأى أنَّه توجد في عقول النّاس أفكار متعدِّدة، لها مقابلات مادّيّة في العالم الخارجيّ. وأنَّ معيار صدق الأفكار أو كذبها يكون في مدى تطابقها أو عدم تطابقها مع مقابلاتها الخارجيّة.

باختصار، تقوم البراغماتيّة على الواقعيّة الحادّة الّتي تستبعد الجانب القِيَمِيّ والأخلاقيّ في مجال التّعامل مع القضايا الّتي تحكم الاجتماع البشريّ. وهذا هو السَّبب الّذي يجعل أميركا -كممثِّلٍ شرعيٍّ للبراغماتيّة- تمضي بعيداً في الهيمنة على مُقدّرات الشّعوب، من دون أن تعير أيّ قيمةٍ للأخلاق والعدالة بين الدُّول والشُّعوب.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

04/11/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات