لولا دعاؤكم

لولا دعاؤكم

03/12/2013

معنى الدُّعاء وأثَره في النّفس


معنى الدُّعاء وأثَره في النّفس

ترجمانُ الجوانحِ والجوارح

______المرجع الدّينيّ الشّيخ ناصر مكارم الشّيرازيّ______

 

«الدُّعاء هو طلبُ تهيئة الأسباب والعوامل الخارجة عن دائرة قدرة الإنسان، وهذا الطّلب يتَّجه به العبدُ إلى مَن قدرته غير متناهية، وإلى مَن لا يُعجزه شيء».

حول معنى الدُّعاء وأثَره في النّفس، وردّاً على إشكاليّة أنّ الدّعاء يتعارض مع الرِّضا، توضيحٌ للمرجع الدّينيّ الشّيخ ناصر مكارم الشيرازيّ في هذا النّصّ المختصَر من كتابه (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل).

 

الجاهلون بحقيقة الدُّعاء وآثارِه التّربويّة والنّفسيّة، يطلقون أنواعَ التّشكيك بشأنه. يقولون: الدّعاء عاملٌ مخدِّر، لأنّه يَصرفُ النّاس عن الفعاليّة والنّشاط وعن تطوير الحياة، ويَدفعهم بدلاً من ذلك إلى التّوسّل بعوامل غيبيّة.

ويقولون: إنّ الدُّعاءَ تدخُّلٌ في شؤون الله تعالى، واللهُ يفعلُ ما يريد، وفِعلُه منسجمٌ مع مصالحنا، فما الدّاعي إلى الطَّلب منه والتّضرُّع إليه؟

ويقولون أيضاً: إنَّ الدُّعاء يتعارض مع حالةِ الإنسان الرَّاضي بقضاء الله، المُستسلمِ لإرادته سبحانه!

هؤلاء يطلقون هذا التّشكيك لِجهلهِم الآثارَ التّربويّة والنّفسيّة والاجتماعيّة للدُّعاء. فالإنسانُ بحاجةٍ، دائماً، إلى الملجأ الّذي يلوذُ به في الشَّدائد، ووحده الدُّعاء يُضيء نورَ الأمل في نفس الإنسان. ثمّ إنّ المُعرضَ عن الدُّعاء يواجه صدماتٍ نفسيّةً واجتماعيّةً عنيفةً، وعلى حدِّ تعبير أحد علماء النّفس المعروفين: «ابتعادُ الأمّةِ عن الدُّعاء يعني سقوط تلك الأمّة! المجتمعُ الّذي قَمَع في نَفسِه روحَ الحاجة إلى الدُّعاء، سوف لا يبقى مَصوناً من الفساد والزَّوال».

ومن نافل القول، إنّ الحثَّ على الدُّعاء لا يعني تجاهل العِلَل والوسائل الطبيعيّة واللّجوء إليه وحده بدلاً منها، بل المقصود أنْ يقترنَ الدّعاء والتّضرّع ببَذلَ غاية جهدنا في استنفاد كلِّ الوسائل والعِلل الطّبيعيّة والماديّة المتاحة. وبعد ذلك، إن انسدَّت أمامنا الطُّرُق وأعيَتْنا  الوسائل المادّيّة، لا نَيأس ولا نُحبَط، وإنّما نلجأ إلى الدُّعاء، وبهذا اللُّجوء إلى الله -الّذي هو مُسبِّبُ الأسباب- يحيا في أنفسنا روحُ الأمل والحركة المتجدّدة، ونستمدّ القوّة مِن عَوْنِ المبدأ الأوحد سبحانه.

مواهبُ وفيوضات

ما تقدَّم، هو الرّدُّ على القائل إنّ الدّعاء يخالف روح الرّضا والتّسليم؛ فهو، أي الدّعاءَ، نوعٌ من كسبِ القابليّة على تحصيل سهمٍ أكبر من فَيْض الله اللّامتناهي.

بعبارةٍ أخرى: يَنالُ الإنسانُ بالدّعاء لياقةً أكبر للحصول على فيض الباري تعالى. وواضحٌ أنّ السّعيَ للتّكامل ولِكسبِ مزيدٍ من اللّياقة هو عينُ التّسليم أمام قوانين الخليقة، لا عكس ذلك. أضف إلى ذلك، أنّ الدُّعاء نوعٌ من العبادة والخضوع والطّاعة، وعن طريقه يزدادُ الإنسانُ ارتباطاً بالله تعالى، وكما أنّ كلّ العبادات ذاتُ أَثَرٍ تربويٍّ، كذلك الدُّعاء له مثل هذا الأَثَر.

وأمّا القائلون إنَّ الدُّعاء تدخُّلٌ في أمرِ الله سبحانه، وأنَّه تعالى يفعلُ ما يشاء، فهؤلاء لا يفهمون أنّ المواهب الإلهيّة تُغْدَقُ على الإنسانِ حَسَب استعداده وكفاءته ولياقته، وكلّما ازداد استعدادُه ازداد ما يناله من مواهب؛ لذلك يقول الإمام الصَّادق عليه السلام: «إنَّ عند الله عزَّ وجلَّ منزلةً لا تُنال إلَّا بمسألة».

كيف يطلبُ المُضطرّ؟

المفهوم الحقيقيّ للدُّعاء يعلِّمنا أنّه إنّما يكون في ما خرج عن دائرة قدرتنا؛ وبعبارةٍ أخرى، الدُّعاء المستجاب هو ما صدر لدى الاضطرار وبعد بذل كلّ الجهود والطّاقات ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..النّمل:62.

وفي المحصّلة، يتّضح ممّا تقدّم أنَّ مفهومَ الدُّعاء طلبُ تهيئةِ الأسباب والعوامل الخارجة عن دائرة قدرة الإنسان، وهذا الطَّلب يتَّجه به العبدُ إلى مَن قدرتُه غير متناهية، وإلى مَن يَهونُ عليه كلُّ أمرٍ. ويجدر التّأكيد هَهنا أنّ هذا الطَّلب يجب أن لا يَصدر عن لسانِ الإنسان فقط، بل عن وُجودِه كلِّه، فاللّسان ترجمانُ جميع ذرّات وجود الإنسان وجوانحِه وجوارحه. يرتبط القلب والرُّوح بالله عزّ وجلَّ عن طريق الدُّعاء ارتباطاً وثيقاً، ويكتسبان القدرة عن طريق اتِّصالهما المعنويّ بالمبدأ الأوحد، مثلما تتّصل قطرة الماء بالبحر الواسع  الكبير.

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

05/12/2013

دوريات

نفحات