كلمة سواء

كلمة سواء

03/12/2013

عاشوراء قضيّة الإنسان


«لا أرى الموتَ إلَّا سعادة»

عاشوراء قضيّة الإنسان

-----حسين زين الدِّين*-----

حين نستحضر ثورة الإمام الحسين عليه السّلام، فإنَّنا نستحضرُ تلكَ القِيَم والمبادئ الإسلاميّة الّتي تَحرَّك من أجلِها الإمامُ الحسين لِطلبِ الإصلاحِ والتّغيير في أمَّة جدِّه المصطفى صلّى الله عليه وآله.

في كلِّ عامٍ نعيش الذِّكرى ونَحتفي بها ".. من أجلِ الاستلهام مِن نَمِيرِ تلك النّهضة روحيّاً وفكريّاً وسلوكيّاً، انطلاقاً مِن تحديد هويّة تلك الحركة، وذلك التَّحرُّك الّذي انطَلَق منه الإمام الحسين عليه السّلام.

وفي تحليلِ واقعةِ كربلاء، نجدُ إشاراتٍ عديدةً تعبِّر عن طبيعةِ المجتمعِ الإسلاميِّ وحدودِ ما وَصَل إليه في ذلك الوقت من انحطاطٍ أخلاقيٍّ، واجتماعيٍّ، ودينيٍّ، تبعاً لممارسات السُّلطات المتعاقبة المنافية لِقِيَمِ الإنسان ومقاصد الإسلام؛ يقول الإمام الحسين عليه السّلام: «ألَا تَرَوْنَ إلى الحقِّ لا يُعْمَلُ به، وإلى الباطلِ لا يُتناهَى عنه، لِيَرغبَ المؤمنُ في لقاء الله، فإنِّي لا أرى الموتَ إلَّا سعادةً، والحياةَ مع الظّالمين إلَّا بَرماً».

وفي خطبته بمنطقة البيضة، يقول: «أيُّها النّاس، إنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله قال: مَن رأى سلطاناً جائراً مُستحِلّاً لِحَرامِ اللهِ ناكثاً عهده، مخالِفاً لِسُنّةِ رسولِ الله، يَعمل في عبادِ الله بالإثمِ والعدوان، فلمْ يغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ، كان حقّاً على الله أنْ يدخلَهُ مدخلَه. ألا وإنَّ هؤلاء قد لَزمُوا طاعةَ الشّيطان، وترَكوا طاعةَ الرّحمن، وأَظهروا الفساد، وعطَّلوا الحدود، واستَأثَروا بالفَيء، وأحلُّوا حرامَ الله، وحرَّموا حلالَه، وأنا أحقُّ مَن غيَّر..».

لم تكُن حركةُ الإمام الحسين ونهضتُه حركةً فِئويّةً كما يحاولُ البعضُ تصويرها، ولم يكُن تحرُّكُه من أجلِ قضيّةٍ شخصيّةٍ، بل كان تحرُّكاً من أجل الأمّة ومصالِحها، وتأسيساً لمجتمعٍ إنسانيٍّ جديدٍ تتجسَّدُ فيه القِيَم الإسلاميّة الأصيلة، وهو ما يَظهرُ جليّاً من خلال تلك الخُطَب مع ما تحمله من معانٍ وقِيَمٍ، ومن إعلامٍ ساهَمَ في تَعرِيَةِ واقعِ الأمّة المنحرف، واحتجاجٍ صارخٍ تجاه سياساتِ الاستبداد والظُّلم.

إنَّ قضيّةَ الإمام الحسين عليه السّلام لم تكُن يوماً من الأيام قضيّةٌ متعلِّقةٌ (ببعض النّاس)، بل هي قضيّةٌ إنسانيّةٌ جَسَّدت أروع معاني الإنسان وقِيَمها. فالإمام الحسينُ عليه السّلام، ثارَ من أجلِ كرامةِ الإنسان وحرِّيَّتِه، ومن أجلِ إرساءِ العدلِ، ومجابهةِ الظُّلم والجَوْر. وعلى هذا الأساس، حَرِيٌّ بنا ونحن نعيش هذا العصر بكلِّ تحدّياته وتجلّياته، أنْ نستحضرَ قِيَمَ واقعة كربلاء  ومبادئها، وأن نستفيد من دروسِها، من أجل أنْ نُفَعِّلَ ضميرَ الأمَّةِ ووجدانَها لِمواجهةِ التّحدّيات الّتي تعيشها، وتذليلِ العقبات الّتي تَحُول دون التّفاعل الاجتماعيّ والإنسانيّ بين أبنائها، والانطلاق نحو العمل للدِّفاع عن قيَمِها وحرِّيَّتها وكرامتها، والاندفاع تجاه تعزيزِ السَّلام والسّلم، ونبْذ العنف، تأسِّيّاً بسيّد الشّهداء صلوات الله عليه.

أخيراً، لا بدّ من تأكيد أنّ الواجب يحتِّم علينا الارتفاع بالنّاس إلى مستوى الخطاب الحسينيّ من خلال التّبنّي لمنهجٍ تربويٍّ، وتثقيفيٍّ عقائديٍّ وإيمانيٍّ، يَعتمدُ تعريفَ النّاس بالمعايير والضّوابط الإيمانيّة، ويقدِّم لهم ثقافةً شاملةً ومتنوِّعةً تجعلهم يطلُّون من خلالها على مختلف حقائق الدِّين الحنيف، وعلى الكثير من آفاقه الرَّحبة، ليَخرجوا بذلك عن هذا الرُّوتين الّذي أفهَمَهُم بصورةٍ تلقينيّةٍ خفيّةٍ، أنَّ الإسلام مجرَّد سياسة واقتصاد وطُقوس، في عمليّةِ فصلٍ خطيرةٍ جدّاً عن المعارف الشّاملة والمتنوِّعة الّتي ترفد ذلك كلّه وسواه، وتُشكِّل -بمجموعها- قاعدةً إيمانيّةً قويّةً وراسخةً، تفتح أمام هذا الإنسان آفاقاً يشتاقُ إلى اقتحامها، وتعطيه المزيد من الإحساس بالغَيب، وبالحكمة الإلهيّة، ومزيداً من القُرْبِ والزُّلفى منه تعالى.

__________________

* كاتب وباحث من  الحجاز - بتصرّف

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

05/12/2013

دوريات

نفحات