الملف

الملف

30/12/2013

مجيءُ الشّجرة كلّها، ورجوعُها، ثمّ كلّ نصفٍ منها

مجيءُ الشّجرة كلّها، ورجوعُها، ثمّ كلّ نصفٍ منها

جَاءَتْ ولَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ - وقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ

----- ابن أبي الحديد المعتزليّ-----

من المعاجز النّبويّة المُغيّبة، معجزةُ مَجيء الشّجرة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله بدعوتِه إيّاها، وقد تكرّر ذلك منه صلّى الله عليه وآله في عدّة موارد، أبرزها ما تحدّث عنه أمير المؤمنين عليه السّلام حين طلبَ الملأُ من قريشٍ هذه المعجزةَ بالخصوص.

ما يلي نصُّ كلامِ أمير المؤمنين عليه السّلام كما أوردَه ابنُ أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) مع تعليقه حول ذلك.

 

«ولَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ صلّى الله عليه وآله لَمَّا أَتَاهُ الْمَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ - فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً - لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ ولَا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ - ونَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وأَرَيْتَنَاهُ - عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ ورَسُولٌ، وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ.

 فَقَالَ صلّى الله عليه وآله: ومَا تَسْأَلُونَ؟ قَالُوا: تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا، وتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْك.

 فَقَالَ صلّى الله عليه وآله: إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - فَإِنْ فَعَلَ اللهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَتُؤْمِنُونَ وتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ؟

قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ، وإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ، وإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي "الْقَلِيبِ" [حفرةٌ أُلقِيَ فيها مَن قُتل منهم يومَ بدر] ومَنْ يُحَزِّبُ الأَحْزَاب.

 ثُمَّ قَالَ صلّى الله عليه وآله:

يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ - إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ، وتَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ الله فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ، حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ الله.

والَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا، وجَاءَتْ ولَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ، وقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ، حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله مُرَفْرِفَةً، وأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الأَعْلَى عَلَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وكُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ صلّى الله عليه وآله.

فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً واسْتِكْبَاراً: فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا ويَبْقَى نِصْفُهَا.

فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا، كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وأَشَدِّهِ دَوِيّاً فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله، فَقَالُوا كُفْراً وعُتُوّاً: فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ، فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ، فَأَمَرَهُ صلّى الله عليه وآله فَرَجَع.

فَقُلْتُ أَنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ الله، وأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى، تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وإِجْلَالاً لِكَلِمَتِك.

فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ: بَلْ ساحِرٌ كَذَّابٌ، عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ، وهَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلَّا مِثْلُ هَذَا، يَعْنُونَنِي.

وإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي الله لَوْمَةُ لَائِمٍ، سِيمَاهُمْ سِيمَا الصِّدِّيقِينَ وكَلَامُهُمْ كَلَامُ الأَبْرَارِ. عُمَّارُ اللَّيْلِ ومَنَارُ النَّهَار، مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ الله وسُنَنَ رَسُولِهِ، لَا يَسْتَكْبِرُونَ ولَا يَعْلُونَ، ولَا يَغُلُّونَ ولَا يُفْسِدُونَ، قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ وأَجْسَادُهُمْ فِي الْعَمَلِ».

قال ابنُ أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة: ج 4، ص 320):

«وأمّا حديثُ الشّجرة فمشهورٌ مستَفاضٌ رواه المحدِّثون في كُتُبهم، وذكرَه المتكلَّمون في معجزاته، صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومنهم مَن روى ذلك مختصراً أنّه دعا شجرةً فأقبلت تخدُّ الأرض خدّاً. ونقلَه البيهقيّ في كتاب (دلائل النّبوّة)، وأمّا نداؤه، صلّى الله عليه وآله وسلّم، للشّجرة، وقوله لها: إنْ كنتِ تؤمنينَ بالله، إلى قوله: بإذنِ الله، فقد علمتَ أنّ الخطابَ مخصوصٌ في عُرف العقلاء لِمَن يعقل، لكنّه، صلّى الله عليه وآله وسلّم، لمّا وجّهَ نفسَه القُدسيّة من إعداد الشّجرة لِما يرومُ منها، وعلمَ أنّها واجبةُ الاستعداد بذلك لقبول أمر الله بما أرادَ منها، خاطبَها خطاب مَن يعقل استعارة ملاحظة لشِبهها بمَن يعقل في إجابة ندائه وإتيانه، وفائدةُ ذلك الخطاب أن يكونَ وجودُ ما رامَ منها عقيبَ خطابِه أغربَ، وفي نفوسِ الحاضرين أبلغَ وأعجب، فإذا كان وقوعُ تلك الحالِ بها غريباً كان كَونُها على تلك الحال وفقَ خطابِه ودعائه لها أغرب، لزيادة إيهامِ كَونها سمعتْ ذلك النّداء وعَقِلتْ ذلك الخطابَ، مع أنّها ليس من شأنها ذلك، وأعجب في نفوس السّامعين. ولذلك خرجَ هذا عن كونه سَفَهاً وعَبَثاً.

وقال الإمام الوبريّ رحمه الله: ونحو ذلك قوله تعالى ﴿وقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ويا سَماءُ أَقْلِعِي..هود:44».

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

02/01/2014

دوريّات

نفحات