مرابطة

مرابطة

02/01/2014

نحو تحالفٍ مشرقيٍّ ضدّ الوهّابيّة


نحو تحالفٍ مشرقيٍّ ضدّ الوهّابيّة

معركةُ التّخلُّص من الانحراف

 ______أحمد فاخر*______

 

فَرَضَ الانتصارُ السّوريُّ واقعاً جديداً في المنطقة، ويبدو أنَّ أعداء الشُّعوب في هذه المنطقة قرَّروا أن يَزجّوا بثقلهم الدّمويّ العنيف في كلِّ الأرجاء، أملاً بتغيير معادلة هذا الانتصار الكبير. من هنا يمكن الفهم أنّ هذا السّعار الصّهيو- وهّابيّ المُنفَلت من عقالِه، ومن دون أيِّ ضابطٍ أخلاقيٍّ أو إنسانيٍّ، ليُلقي بظلاله الوحشيّة على سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، ومهدِّداً الأردنّ بعنفٍ دمويٍّ ليس له مثيل، ودون أن ننسى جرائمه اليوميّة المتكرِّرة في مصر.

يدركُ التّحالف الصّهيو- وهّابيّ أنّه يخوضُ معركته الأخيرة في ضوء المتغيِّرات الدّوليّة، وخاصّةً في منطقتنا العربيّة، هذه المتغيِّرات الّتي تحمل مشروع الخلاص من السّيطرة الاستعماريّة. ويدركُ هذا التّحالف المجرم أنَّ انكفاءَ حليفِه الأكبر الولايات المتّحدة الأميركيّة عن منطقة الشرّق الأوسط، سَيضطرّ الوهّابيّة السّعوديّة إلى دفعِ فاتورةٍ ثقيلةٍ، نتيجة لسياساتها كأداةٍ ماليّةٍ وإجراميّةٍ في أيدي أسيادها الإمبرياليّين.

سياسة البترودولار الخائبة

منذ سبعينيّات القرن المُنصرم، وسياسة البترودولار القائمة على تحالف أموال النّفط الخليجيّة مع السّياسات الإمبرياليّة للولايات المتّحدة الأميركيّة، عملت على فرض سياساتٍ قهريّةٍ على شعوب العالم. لَعبَت أموالُ النّفط دورَ المحرِّك الشّيطانيّ لِقمْعِ توجُّهات الشُّعوب وطموحاتها بالاستقلال الوطنيّ في كلِّ أرجاء المعمورة، وبالأخصّ في منطقتنا العربيّة، عدا عن أفريقيا وآسيا وأميركا اللّاتينيّة، وقد أَنتَجت هذه السّياسات الرّجعيّة الحمقاء «تنظيم القاعدة»، والحركات الإسلاميّة المتطرّفة، للتّصدّي لحركات التّحرّر الوطنيّ، واستغلال المشاعر الدّينيّة العفويّة لدى الغالبيّة العُظمى من المسلمين، عبر خلقِ أفكارٍ همجيّةٍ وإجراميّةٍ، والتّأسيس لوهّابيّةٍ دوليّةٍ تضمُّ كلّ الحركات الإسلاميّة السّنّيّة المتطرِّفة، ابتداءً بجماعة «الإخوان المسلمين»، إلى المجموعات السّلفيّة، للانخراط في عداءٍ شَرِسٍ مع الآخَر، بغضِّ النّظر عن دِينِه ومذهبِه وجنسِه، وشوَّهت الحركةُ الوهّابيّةُ معنى الدِّين الإسلاميّ أمام العالم وشعوبه.

تحت شعاراتها الإجراميّة، أطلَقَت الحركةُ الوهّابيّة حملةً إرهابيّةً دمويّة في العراق، وعندما بَدأتْ نُذُر المؤامرة على سوريا تتجمّع، قامت الصّهيو- وهّابيّة بإطلاق المئات من التّنظيمات الإسلاميّة المختلفة في سوريا، من أجلِ خلقِ حربٍ طائفيّةٍ شعواء ضدّ كلّ فئات المجتمع السّوريّ، وجَلَبَت عشرات الآلاف من الشّباب المسلم البسيط، مُستغِلَّةً جهلَهم وفقرَهُم، وعملت على تشويه مفاهيمهم الدّينيّة بحقدٍ أعمى على كلّ الفئات الاجتماعيّة السّوريّة، بِمَن فيهم المسلمون السّنّة المخالفون والمعترضون على الفكر الوهّابيّ.
أَنفقت الوهّابيّة السّعوديّة والخليجيّة المليارات من الدّولارات لفرضِ المذهب الوهّابيّ، وتقديمِه كمذهبٍ خامسٍ مُعتَمَدٍ ومرجعٍ وحيدٍ للسُّنّة، وكان هذا جزءاً من سياسة البترودولار، هذه السّياسة الّتي فَرَضَت ظلالَ الجهل، والتَّخلُّفِ، والقَهرِ، والرّجعيّة، على شعب الجزيرة العربيّة.

إنَّ العملَ الإجراميّ الأخير في بيروت الموجّه ضدّ السّفارة الإيرانيّة وحزب الله، ليس سوى خدمة معتادة لمصالح الصّهيونيّة، ومحاولة جرِّ أتباعِ المذهب السّنّيّ لعداءِ الشّيعة تحت حجَّة الخطر والمدّ الشّيعيّ، ويُعدّ هذا التّفجير جزءاً من سلسة العمليّات الإرهابيّة الّتي تنفِّذها الوهّابيّة السّعودية في لبنان الشّقيق، كمحاولةٍ للتّأثير في الهزيمة النَّكراء الّتي يتلقّاها حلفاؤها وأتباعُها على الأرض السّوريّة. وهي تعرف تماماً أنّها بلا جدوى، إلَّا أنَّ الثّمن المرتفع من الدّماء والضّحايا والّذي يدفعه الشّعب اللّبنانيّ، هو محاولة مُستميتة لفرضِ سياساتٍ وهّابيّةٍ عبر حلفائها اللّبنانيّين، والّتي ستقود حتماً إلى خروج النّفوذ السّعوديّ من لبنان نهائيّاً وإلى الأبد.

الثّمن الباهظ للرّعونة سيُدفَع

إنَّ دولَ المشرق تعرف أنَّ معركتَها مع الوهّابيّة السّعوديّة هي معركةُ الانتصار، والوُلوجُ إلى مستقبلٍ آخَر تُحقِّق فيه أمنياتها بالتّحرُّر والتّقدُّم والدّيموقراطيّة، وبالتّالي فإنَّ أحد سُبُل الانتصار لشعوب المشرق في معركتها هو تصفية الحساب مع الوهّابيّة السّعوديّة، وبالتّأكيد سيكون الثّمنُ باهظاً نتيجةً لجنونِ القادة السّعوديّين ورعونتهم، وعدم تقديرهم نتائج هذه الجرائم الوحشيّة الّتي سيكون عليهم دفع حسابها الثّقيل.
إنَّ المعركة ضدّ الوهّابيّة تتطلَّب جهوداً مشتركة من كلِّ الأطراف المُتضرِّرة من هذه السّياسات الإجراميّة، وتحالفاتها المُشينة مع الصّهيونيّة، والّتي لم تَعُد تَخجل بها أو تداري عليها.

هذه المعركة مع الوهّابيّة معركةٌ مُتعدِّدةُ الأوجُه، ابتداءً من إلحاق الهزيمة العسكريّة السّاحقة بها في سوريا والعراق ولبنان، وإبعاد خطرها عن الأردنّ، وذلك بمنع أميرِها من الإقامة فيه، أمّا في جانبها السّياسيّ فتتطلَّب جهوداً سياسيّةً وفكريّةً وثقافيةً وقانونيّةً لِتعريَة الوهّابيّة كَحركةٍ رجعيّةٍ لا تمتُّ إلى الدِّين الإسلاميّ بِصِلَةٍ، بل هي حركةٌ إجراميّةٌ دخيلةٌ ذاتُ أهدافٍ وتطلُّعاتٍ سياسيّةٍ معاديةٍ للشُّعوب والإنسانيّة، وبالتّالي ضرورة عزلِها وتجريمِها وملاحقتِها أسوةً بالحركات النّازية والفاشيّة، وملاحقة مسؤوليها ومتعهِّديها أمام المحاكم الدّوليّة بِتُهَمِ الإبادة والتّطهير العرقيّ والدّينيّ. والشَّواهدُ والأدلّةُ على جرائمهم تمتدُّ موغلةً في القِدم عبر تاريخ الوهّابيّة كحركةٍ سياسيّةٍ إرهابيّةٍ منذ نشوئها، والّتي لم تُدارِ في يومٍ من الأيّام توجُّهاتها الإجراميّة ضدّ البشريّة.

إنَّ انتصارَ فكرة المشرقيّة، وتأسيس التّحالف المشرقيّ القائم على العلمانيّة والدّيموقراطيّة، وتحقيقَ التّنمية الوطنيّة الشّاملة، والتَّحالف الكبير مع القوى العالميّة الصّاعدة «دول البريكس»، وتحالف أميركا اللّاتينيّة المناهض للإمبرياليّة، هو أحدُ أوجُه الانتصار السّياسيّ على الفكر الوهّابيّ، وتكتسبُ الفكرةُ المشرقيّة فخرَها وعدالتَها في أنَّ دُولها هي الأكثر تحمُّلاً للإرهاب الوهّابيّ، وبالتّالي تعمل على مساعدة شعب الجزيرة العربيّة والخليج على التّخلُّص من هذا الفكر المنحرف، وانفتاح شعب الجزيرة على العالم بروحٍ أُخرى مختلفة، تعرفُ قِيَمَ التّسامح والتّعاطف مع الشُّعوب الأخرى، والاشتباكَ مع الآخَر بروحٍ توّاقة إلى الاندماج مع العالم المعاصر. فالواجبُ الأخويُّ لشعوب الدّول المشرقيّة يلزم عليها تبنِّي قضايا الشّعوب المضطَهدة والّتي يقودُها حكّامُها باتّجاهٍ مغايرٍ للتّاريخ الإنسانيّ.

يجب على قوى اليسار المشرقيّ أنْ تعملَ جاهدةً من أجل تشكيل المنظّمات القانونيّة والحقوقيّة على المستوى العربيّ والعالميّ، لِخَوضِ معركةٍ قانونيّةٍ سياسيّةٍ لإدانة الفكر الوهّابيّ واعتباره فكراً إجراميّاً، وسَوْقِ مُمَوِّليه ورعاتِه إلى المحكمة الجنائيّة الدّولية بِتُهَمِ الإبادة الجماعيّة ضدّ الأعراق والطّوائف الدّينيّة.

________________________
* عضو الأمانة العامّة لحركة اليسار الاجتماعيّ - الأردنّ.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

02/01/2014

دوريّات

نفحات