تحقيق

تحقيق

26/01/2014

الوهّابيّة


الوهّابيّة

فرقةٌ انحَرَفَت عن أهلِ السُّنّة والجماعة

ـــــ إعداد: «شعائر» ـــــ

قال الشّيخ زيني دحلان، مفتي مكّة: «ويمنعون من الصَّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم على المنائر بعد الأذان، حتّى إنَّ رجلاً صالحاً كان أعمى، وكان مؤذِّناً، وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بعد الأذان بعد أنْ كان المنعُ منهم، فأتوا به إلى محمّد بن عبد الوّهّاب فأَمرَ به أن يُقتَل، فقُتِل. ولو تتبَّعتُ لك ما كانوا يفعلونه من أمثال ذلك لملأتُ الدّفاتر والأوراق، وفي هذا القدر كفاية».

(زيني دحلان، فتنة الوهّابيّة، ص 20، مكتبة الحقيقة، إسلامبول 1978م)

والتّحقيقُ الّذي بين يدَيك، هو خلاصة عدّةِ دراساتٍ نشرَتها أقلام علماء المسلمين السّنّة ومُثقّفيهم، على مواقع الشّبكة الإلكترونيّة، ومنها موقع «شبكة أهل السُّنة والجماعة» في التّعريف بفرقة الوهّابيّة المنحرفة، والكشفِ عن ضلالاتها وبدَعِها.

 

الوهّابيّة، مصطلحٌ يدلُّ على حركةٍ عقائديّةٍ نُسبت إلى مُبتَدعِها: محمّد بن عبد الوهّاب بن سليمان التّميميّ النّجديّ (1115 – 1206 للهجرة)، المولود في العيينة الواقعة شمال مدينة الرّياض، وقد نَشأَ فيها حنبليّ المذهب، ثمّ رحلَ إلى المدينة فمَكَث فيها مدّةً، وقرأَ بها على بعض أعلامها. وزار الشّام، ودخلَ البصرة، ثمّ عاد إلى نجد، فسكن (حريملاء)، وكان أبوه قاضيها بعد العيينة. ثمّ انتَقلَ سنة 1143 للهجرة إلى العيينة شارحاً «دعوته»، فناصرَه أميرُها عثمان بن حمد بن معمّر، ثمّ انقلَبَ عليه، فقصد الدّرعيّة (نجد) سنة 1157 للهجرة، فتلقّاه أميرُها الخارج على السّلطان العثمانيّ والمُتحالِف مع الاستعمار البريطانيّ محمّد بن سعود بالإكرام، وقَبِل «دعوتَه» وتبنّاه كما تبنّاه من بعدِه ابنُه عبد العزيز، ثمّ سعود بن عبد العزيز، وقاتَلوا من خلفه، واتّسع نطاقُ مُلكِهم، فاستَولوا على شرقِ الجزيرة كلِّه، ثمّ كان لهم جانبٌ عظيمٌ من اليمن. واحتلّوا مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، وأخضعوا قبائلَ الحجاز لِطغيانِهم.

وقد ظهر ابنُ عبد الوهّاب بدعوةٍ ممزوجةٍ بأفكار منه، زعَمَ أنَّها من الكتاب والسُّنّة، وأخذ ببعض بِدَع أحمد بن تيميّة الحرّانيّ (مات سنة 728 للهجرة) فأحياها، وهي: عقيدةُ التّجسيم لله تعالى، والتّحيُّز في جهةٍ، وتحريمُ التّوسّل بالنّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وتحريمُ السَّفر لزيارة قبر الرّسول صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وغيرِه من الأنبياء والصّالحين بِقصدِ الدُّعاء هناك رجاءَ الإجابة من الله، وتكفيرُ مَن ينادي بهذا اللّفظ: يا رسول الله، أو يا محمّد، أو يا عليّ، أو يا [فلان] أغِثني، أو بمثل ذلك إلّا للحيِّ الحاضر، وغير ذلك من الأباطيل.

وابتَدَع من عند نفسه: تحريمَ تعليق الحروز الّتي ليس فيها إلّا القرآن وذِكرُ الله، وتحريمَ الجهر بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عقبَ الأذان، وأتباعُه يحرِّمون الاحتفال بالمولد النّبويّ الشّريف.

قال الشّيخ أحمد زيني دحلان، مفتي مكّة المكرّمة في أواخر السّلطنة العثمانيّة، في كتابه (فتنة الوهّابيّة): «كان [ابنُ عبد الوهّاب] في ابتداءِ أمرِه مِن طلَبةِ العلم في المدينة المنوَّرة على ساكنِها أفضلُ الصَّلاة والسَّلام، وكان أبوه رجلاً صالحاً من أهل العلم وكذا أخوه الشّيخ سليمان، وكان أبوهُ وأخوهُ ومشايخُه يتفرَّسون فيه أنّه سيكون منه زَيْغٌ وضلالٌ لِما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزغاته في كثيرٍ من المسائل، وكانوا يوبّخونه ويحذّرون النّاسَ منه، فتحقَّقت فراستُهم فيه لمّا ابتدعَ ما ابتدعَه من الزّيغ والضّلال الّذي أغوى به الجاهلين، وخالفَ فيه أئمّةَ الدِّين، وتوصّل بذلك إلى تكفير المؤمنين..».

يُضيف المفتي دحلان: «وزَعمَ محمّد بن عبد الوهّاب أنَّ مُرادَه بهذا المذهب الّذي ابتَدَعهُ إخلاصُ التّوحيد والتّبرّي من الشّرك، وأنَّ النّاسَ كانوا على الشِّرك منذ ستّمائة سنة..»؛ يريد بالسّتمائة سنة الفترة الفاصلة بينه وبين ابن تيميّة، فكلاهما - على زَعمِه - أقامَ صرحَ التّوحيد بعد اندراسِه. وقد سأل أحدُهم محمّد بن عبد الوهّاب ذات مرّة: «هذا الدِّين الّذي جِئتَ به متَّصلٌ أم منفصلٌ؟»، فقال له ابنُ عبد الوهّاب: «حتّى مشايخي ومشايخكم إلى ستّمائة سنةٍ كلُّهم مشركون»، فقال له الرّجل: «إذاً، دينُك منفصلٌ لا متَّصل، فعمَّن أخذتَهُ؟»، فقال: «وحيُ إلهامٍ كَالخضر»، فقال له: «إذاً، ليس ذلك محصوراً فيك، كلُّ أحدٍ يمكنه أن يدّعي وحيَ الإلهام الّذي تَدَّعيه..».

مرتكزاتُ العقيدة الوهّابيّة

لا يُمكن القول، إلّا من بابِ التّسامح والتّهاون، إنّ للوهّابيّة فكراً، وإنّ لها مرتكزات، ذلك أنّ عقيدتَهم خليطٌ من متناقضاتٍ شتّى، وآراء تنفرُ منها الطِّباع، وهي أقربُ شيءٍ إلى نوزاع نفسيّة، فضلاً عن كونها خلاصةَ جهدٍ عقليٍّ وتبصُّرٍ ذهنيٍّ. ولا يَسع الوهّابيّين والحال هذه، إلَّا تكفيرُ كلِّ مَن يُشير بالدّليل والبرهان إلى تهافتِ عقائدهم، ورَميُه بالشّرك، أو التّرهيبُ والتّهديدُ بالقتل، أو الإسرافُ في استعمال المال شراءً للذّمم، وإخماداً لِصَولةِ العقل في تبرُّئه من اتّباع الهوى الّذي هو السّمةُ الأبرز في مدرسة أخلاف ابن تيميّة الحرّانيّ.

ومع ذلك، فإنَّ هناك عناوين ثابتة، تدور حولها جميعُ أقاويلهم وآرائهم، وأبرزها:   

1- التّجسيم والتّشبيه، ونسبة الباري عزّ وجلّ إلى الجهة والمكان: يعبدُ الوهّابيّون جسماً يزعمون أنَّه الله، ويسمُّونه شخصاً، ويقولون: له وجهٌ حقيقيٌّ وفمٌ ولسانٌ، وأنَّه يضحكُ حقيقةً ويتأذَّى، ويصيبه مَلل، ويوصَفُ بالمكرِ والخداعِ، وله يمينٌ وله شمالٌ عند بعضِهم، وعلى قولِ بعضهم له يمينٌ دون الشّمال.

وينعتونَهُ بالمشيِ والمَجيءِ والهرولةِ حِسّاً وحقيقةً، والنـُّزولِ حقيقةً من الأعلى، والصّعودِ والارتفاعِ من الأسفلِ إلى الأعلى، والقعودِ والجلوسِ على العرشِ، والحُلولِ في هواء الآخرة، وأنَّ له قدمَين يَحتاجُ على زعمهم للكرسيّ ليَضعَهما عليه. وبعضُهم يقول له قدمٌ واحدة، يعني جارحة، ويضعُها في جهنّم فلا تحترق، كما أنَّ ملائكة العذاب في النّار لا يتأذُّون بها.

وكذلك يَصفون اللهَ بالجوارح كالكفِّ والأصابع المتعدِّدة والذّراع والسّاعد، ويعتبرونه ساكناً متحرِّكاً هابطاً وصاعداً، وأنَّه لو شاءَ لاستقرَّ على ظهرِ بعوضةٍ، وأنَّه ينـزلُ بذاته حقيقةً من العرش العظيم إلى السّماء، ويقولون إنّه يأخذُ بقبضة يده العُصاةَ فيخرجُهم من النّار، وينـزل مع الغمام وجبريلُ عن يمينه وجهنّمُ عن يساره.

والحقيقةُ أنَّ الوهّابيّةَ يعبدون جسماً تخيَّلوه قاعداً فوق العرش وهو لا وجودَ له، فهم عَبَدَةُ الصُّوَر والأجسامِ والوَهمِ والخيالِ، ومع ذلك يُطلقون على أهل السُّنّة والجماعة أنّهم مشركون، وثنيُّون، قبوريُّون.

ومنشأُ هذه الأقوال، هي عقيدة ابن تيمية في الأخذِ بظاهر الألفاظ القرآنيّة من غير تأويل. يقول: «..وَقَدْ طَالَعْت التَّفَاسِيرَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَا رَوَوْهُ مِن الحَدِيثِ وَوَقَفْت مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا شَاءَ اللهُ تَعَالَى مِن الكُتُبِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ تَفْسِيرٍ فَلَمْ أَجِدْ - إلَى سَاعَتِي هَذِهِ - عَنْ أَحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ أَنَّهُ تَأَوَّلَ شَيْئاً مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ أَوْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ بِخِلَافِ مُقْتَضَاهَا الْمَفْهُومِ الْمَعْرُوفِ..». (ابن تيميّة، الفتاوى الكبرى: ج 6، ص 394، دار الكتب العلميّة، بيروت)

ومِن أغرب ما يقعُ عليه المُتَتبِّعُ لآرائهم في هذا الباب، استعمالُهم عينَ الألفاظ الواردة في نصوص العهد القديم، في نسبة القعود، والجلوس، والحركة، والسُّكون، والثِّقل، والوزن، والحجم إلى الباري عزّ وجلّ، والعياذُ بالله تعالى.

تجدرُ الإشارةُ إلى أنّ التّشابهَ الصّادم بين العقيدَتَين الوهّابيّة واليهوديّة المُحرَّفة السّائدة اليوم، في باب التّجسيم والتّشبيه، والحلول في مكانٍ، والتّحيّز إلى جهةٍ، وغير ذلّك ممّا يُفترى على المولى تبارك وتعالى، ستكون محوَرَ تحقيقٍ مستقلٍّ، يستقرئ ويبيّن بالنّصوص مدى التّطابق بين مدرستَي العداء لنبوّات السّماء.

2- العداء المقنّع لرسول الله صلّى الله عليه وآله: لا أدلَّ من النّصوص الآتية على موقف الوهّابيّة - أتباع ابن تيميّة الحرّاني - من رسول الله صلّى الله عليه وآله، فهي تلخِّص عقيدتَهم فيه صلّى الله عليه وآله:

أ- «فَصْلٌ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَا صَحِيحٌ..».

(ابن تيميّة، الفتاوى الكبرى: ج 3، ص 57، دار الكتب العلميّة، بيروت)

ب- «..وَأَمَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ بِالسَّفَرِ [إلى المدينة المنوّرة] زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ دُونَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ، فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَا مَأْمُورٍ بِهِ..». (المصدر: ج 5، ص 148)

ج- «..وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ، فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، بَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ، لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ الْمُعْتَمَدَةِ شَيْئاً مِنْهَا..». (المصدر: ص 289)

وبالمُجمل، فإنّ عقيدةَ ابن تيميّة والوهّابيّين مِن بعدِه في زيارة قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله، تتلخّص في تحريمِهم سفرَ المسلم إلى المدينة بِنِيّة زيارة الرّسول صلّى الله عليه وآله، فإنْ سافر بِنِيّةِ الصّلاة في المسجد، هل يجوزُ له أن يلتفتَ إلى القبر ويسلِّم؟ يفتون بجوازِ ذلك على كراهيةٍ في المرّة الأولى، وفي غيرها يَحرُم، مع التّحذير الشّديد من التّمسُّحِ بالضّريح والمنبر، أو تقبيلهما.

وهذا عبد العزيز بن باز - وهو إمام الوهّابيّة في وقتِه - يفتخرُ بأنهّ طيلة خمسةٍ وأربعين سنة تَردَّد إلى المدينة ولم يَزُر فيها رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، وللقارئ أن يقدِّر إذا كان ابنُ باز وأسلافُه وأتباعُه أشدَّ عداءً لنبيّ الرّحمة من المُرتدّ سلمان رشدي والكفّار الّذين تجرّأوا على رسول الله بأقلامهم ورسوماتهم وأفلامهم، أم لا.

ومن عقيدة هذه الجماعة الوهّابيّة تكفيرُ مَن يقول «يا مُحمَّد»، وتكفيرُ مَن يزور قبور الأنبياء والأولياء للتبرُّك، وتكفيرُ مَن يتمسَّح بالقبر للتّبرُّك.

قال الشّيخ زيني دحلان، مفتي مكّة: «ويمنعون من الصَّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم على المنائر بعد الأذان، حتّى إنَّ رجلاً صالحاً كان أعمى، وكان مؤذِّناً، وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بعد الأذان بعد أنْ كان المنعُ منهم، فأتوا به إلى محمّد بن عبد الوّهّاب فأَمرَ به أن يُقتَل، فقُتِل. ولو تتبَّعتُ لك ما كانوا يفعلونه من أمثال ذلك لملأتُ الدّفاتر والأوراق، وفي هذا القدر كفاية».

وكان محمّد بن عبد الوهّاب يخطبُ للجمعة في مسجد الدّرعيّة، ويقولُ في كلِّ خُطَبِه: «ومَنْ توسَّل بالنّبيِّ فقد كَفَر». وكان أخوه الشّيخ سليمان بن عبد الوهّاب من أهلِ العلم، فكان يُنكِرُ عليه إنكاراً شديداً في كلِّ ما يفعلُه أو يأمرُ به، ولم يَتبعهُ في شيءٍ ممَّا ابتَدَعَهُ، وكذا كان أبوه من قبله، حتّى قال فيه: «يا ما تَرون من ولدي محمّد من الشّرّ». ولمَّا طالَ النِّزاعُ بين ابن عبد الوهّاب وبين أخيه سليمان، خاف أخوه أنْ يأمرَ بقتله، فارتَحلَ إلى المدينة المنوَّرة، وألّف رسالتَين في الرّدِّ عليه سمّاهما: (الصّواعق الإلهيّة في الرّدِّ على الوهّابيّة)، و(فصلُ الخطاب في الرَّدِّ على محمّد بن عبد الوهّاب)، وأرسلَهما له، فلمْ يَنْتَهِ.

قال مفتي الحنابلة بمكّة، المتوفّى سنة 1295 للهجرة، الشّيخ محمّد بن عبد الله النّجديّ الحنبليّ في كتابه (السُّحب الوابِلة على ضرائح الحنابلة)، في ترجمة والد محمّد بن عبد الوهّاب بن سليمان، ما نصّه: «وهو والدُ محمّد صاحب الدّعوة الّتي انتَشَر شَرَرُها في الآفاق، لكنْ بينهما تبايُن، مع أنَّ محمّداً لم يَتَظاهر بالدَّعوة إلَّا بعد موتِ والدِه، وأَخبرني بعضُ مَن لقيتُه عن بعضِ أهل العلم، عَمَّن عاصَرَ الشّيخ عبد الوهّاب هذا، أنّه كان غضبانَ على ولدِه محمّد، لِكونِه لم يَرْضَ أن يشتغلَ بالفقه كأسلافه وأهلِ جهته، ويَتَفرّس فيه أنْ يَحدُثَ منه أمرٌ... وكذلك ابنُه سليمان أخو الشّيخ محمّد، كان منافياً له في دعوته وردَّ عليه ردّاً جيّداً بالآيات والآثار، لِكَوْنِ المردود عليه لا يقبلُ سواهما، ولا يلتفتُ إلى كلام عالمٍ -متقدِّماً كان أو متأخِّراً- غير الشّيخ تقيّ الدّين بن تيميّة وتلميذه ابن القيّم، فإنّه يرى كلامَهما نصّاً لا يقبلُ التّأويل، ويصولُ به على النّاس، وإن كان كلامُهما على غير ما يفهم..».

أضاف في (السُّحُب الوابلة): «فإنه [محمّد بن عبد الوهّاب] كان إذا بايَنَهُ أحدٌ وردَّ عليه، ولم يقدر على قتلِهِ مجاهرةً، يُرسل إليه مَن يَغتالهُ في فراشِه، أو في السُّوق ليلاً، لقوله بتكفير مَن خالَفَه واستحلالِه قتْلَه، وقيلَ إنَّ مجنونًا كان في بلدٍ، ومِن عادتِه أنْ يَضربَ مَن واجَهَه ولو بالسِّلاح، فأمَرَ محمّدٌ أن يُعطى سيفًا ويُدخَل على أخيه الشّيخ سليمان وهو في المسجد وحدَه، فأُدخِلَ عليه، فلمّا رآهُ الشّيخ سليمان خافَ منه، فرمَى المجنونُ السّيفَ من يده وصار يقول: يا سليمان لا تَخَف إنَّكَ من الآمِنين، ويكرِّرُها مراراً، ولا شكّ أنّ هذه من الكرامات».

3- تكفيرُ المسلمين: من مخازي الوهّابيّة أنّهم يكفِّرون المؤمنين، ويَستبيحون دماءَهم وأموالَهم ونساءَهم وذراريهم، وهم مع ذلك يَمدحون أهلَ الشِّرك والكفر كاليهود ومشركي قريش الّذين حاربوا رسولَ الله وتصدُّوا لِدعوته كأبي لهبٍ وأبي جهلٍ؛ فهُما، على زعمهم، أكثرُ توحيداً لله وأخلصُ إيماناً به من المسلمين الّذين يتوسّلون بالأولياء والصّالحين. [انظر: كيف نفهم التّوحيد، تأليف محمّد أحمد باشميل، الرّئاسة العامّة لإدارات البحوث والإفتاء، الرّياض 1987]

ومن موارد جرأة الوهّابيّين على معارضة القرآن الكريم أنّهم أطلقوا على أحد الشّوارع في مكّة اسم «شارع أبي لهب»، أخبرَنا بذلك مَن تأكّد من التّسمية من سائقي السّيّارات، ولمّا سألَ أحدَهم: كم تأخذ لتُوصلَنا إلى شارع أبي لهب؟ قال: 50 ريال، فسألَه: في أيّ منطقة يقع؟ قال: المنطقة الصّناعيّة!

وزادوا على هذا الضَّلال أنَّهم كَفَّروا أهلَ المذاهب الأربعة ومقلِّديهم، واعتَبروا أنَّ مُشركي قريش أخفُّ شِركاً وأيسرُ كُفراً من أهل المذاهب الأربعة، ذكروا ذلك في كتابٍ أسموه (الدَّين الخالص) تأليف محمّد صدّيق حسن القونجيّ.

بل زادوا ضلالاً وخبثاً حيث كفَّروا السّيّدة حوّاء وجعلوها مُشرِكةً، انظر إلى قولهم في كتابهم (الدّين الخالص للقونجيّ: ص 160، دار الكتب العلميّة، بيروت): «الصَّحيح أنّ الشّرك إنّما وَقَع من حوّاء فقط، دون آدم عليه السّلام»!

كما أنّ الوهّابيّين قد كَفَّروا بعض صحابة رسول الله محمّدٍ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. فقد ذكر عبد العزيز بن باز في تعليقه على (شرح البخاريّ: ج 2، ص 95، طبع دار المعرفة، بيروت) تكفيرَه للصّحابيّ الجليل بلال بن حارث المزنيّ، واعتَبَر أنَّ زيارتَه لقبر النّبيّ وتوسُّله بالرّسول عند القحطِ في زمنِ عمر شِرْكٌ. وليس هذا فقط، بل شيخُه أحمد بن تيميّة الحرّانيّ المُجسِّم، كفَّر عبد الله بن عمر ".." فبعد أنْ نقلَ ابنُ تيميّة في كتابه (اقتضاء الصّراط المستقيم) عن تتبُّع ابنِ عمر ".." للأماكن الّتي صلّى فيها رسولُ الله، وتحرّاها لأجل الصّلاة فيها، يقول ابن تيميّة: «وذلك ذريعةٌ إلى الشّرك بالله».

وذهب محمّد بن صالح العثيمين إلى حدّ تضليل النّوويّ والحافظ ابن حجر حيث يقول في كتابه (لقاء الباب المفتوح): «ليسا من أهل السُّنّة والجماعة».

وممّا يدلُّ على اعتقادهم بأنّهم وحدَهم المسلمون على زعمِهم، وأنَّ أهلَ السُّنّة عندهم كافرون، ما ذَكَرَه مفتي مكّة أحمد بن زيني دحلان في (تاريخه)، من أنَّ الوهّابيّة لمّا دخلوا مكّةَ المكرَّمة، وتملَّكوا المدينةَ المنوَّرة بقوّة السّلاح «صاروا يُكرِهون النّاسَ على الدُّخول في دِينهم». وهذا صريحٌ في أنَّهم لا يعتبرون أهلَ السُّنّة، ولو كانوا أهلَ الحرَمين - مكّة والمدينة - وأهل الطّائف، إلَّا كفَّاراً والعياذ بالله.. إلى غير ذلك من الشّواهد الّتي يَصعبُ حصرُها.

هذه الجرأة على معتقدات المسلمين، دفعت بالعشرات من كبارِ علماء أهل السّنّة والجماعة للتّصدّي لعقائد الوهّابيّة، والرّدّ عليهم بمؤلّفاتٍ قاربت المائة مصنَّفٍ، وفق إحدى الدّراسات الموثّقة.

الوهّابيّة والاستعمار

يُبيِّن الشّيخ سليمان بن عبد الوهّاب شدَّةَ التّحامل على المسلمين الّتي عند أخيه محمّد بن عبد الوهاب، وتكفيرَه لهم، ورميَهم بالشِّرك. فيقول في (الصّواعق الإلهيّة، ص 17) ردّاً عليهم: «ولكنّكم أخذتُم هذا بِمفاهيمكُم، وفارقتُم الإجماعَ، وكفَّرتُم أمّةَ محمَّدٍ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، كلّهم».

ويقول (ص 42): «بل والله كفَّرتُم مَن قال الحقَّ الصّرفَ حيثُ خالَفَ أهواءَكم». وفي (ص 54) ينصحُهم بقوله: «فَيَا عبادَ الله، تَنبَّهوا وارجِعوا إلى الحقِّ، وامشُوا حيثُ مشى السَّلفُ الصَّالحُ، وقِفُوا حيثُ وَقَفُوا، لا يَستفِزُّكُم الشّيطانُ ويُزيِّن لكُم تكفيرَ أهلِ الإسلام، وتجعلون ميزانَ كُفرِ النّاس مخالفتَكم، وميزانَ الإسلام موافقتَكم».

وهذه العبارةُ صريحةٌ في بيانِ مذهبِ (دين) الوهّابيّة حينما يُطلقون التّكفيرَ على كلِّ مَن خالفَهُم ويَسعَون لقتلِه، وذلك تنفيذاً للأوامر الّتي تلقَّاها محمّد بن عبد الوهّاب، ربيبُ الاستعمار المحتلّ

لبلاد المسلمين، وتلميذُ الجاسوسِ البريطانيّ في البلاد الإسلاميّة همفر Hempher، والّذي لقَّنَهُ ودَرَّبَهُ، ولم يَجِد مَطِيّةً يركبُها أسهل من محمّد بن عبد الوهّاب، كما اعتَرَف في كتابه المُسمَّى (مذكّرات مستر همفر) Memories of Mr Hempher أوConfessions of a British Spy and British Enmity Against Islam ، ترجمة الدّكتور جورج خالد.

فهو يذكر في (ص77) أنَّ أوَّلَ بندٍ من بنود العمالة والاتّفاقيّة الّتي حصلت بينه وبين محمّد بن عبد الوهّاب (ويُشير إليه في الكتاب باسم الشّيخ) هو: تكفيرُ كلِّ المسلمين، وإباحةُ قتلِهم، وسَلْبِ أموالِهم، وهَتْكِ أعراضِهم، وبَيْعِهم في أسواق النّخاسة.

ثانياً: هدمُ الكعبة باسم أنّها آثارٌ وَثَنِيّة.

ثالثاً: السَّعيُ لِخلعِ طاعة الخليفة، ومحاربة أشراف الحجاز.

رابعاً: هدمُ القِباب والأضرحة، والأماكن المقدَّسة عند المسلمين في مكّة والمدينة، وسائر البلاد الّتي يمكنُه ذلك فيها، باسمِ أنَّها وثنيّةٌ وشِركٌ، والاستِهانةُ بشخصيّةِ النّبيِّ محمّدٍ، وخلفائه، ورجال الإسلام.

خامساً: نشرُ الفوضى والإرهاب في البلاد.

هذا ما سَعَت إليه وزارة المستعمرات البريطانيّة عبر الجاسوس همفر، لِيَتمَّ تنفيذُه على يد محمّد بن عبد الوهّاب وجماعتِه. وممَّا يؤكِّد ويُثبِت تورُّط الجماعات الوهّابية مع الكافر الأجنبيّ المحتلّ وأنَّهم عملاءُ له، التّفاصيلُ الّتي وَرَدت في كثيرٍ من كُتُب الرّحّالة الغربيّين والمستشرقين، والجواسيس الأجانب الّتي تُثبِتُ تعامُلَهم واعتمادَهم على عملائهم الّذين زرعَوهم في البلاد العربيّة، ولا سيَّما محمّد بن عبد الوهّاب ومَن جاء بعدَه، ومَن شاء فليراجع كتاب مذكّرات الجاسوس البريطانيّ همفر المتقدّم ذِكرُه، وكتاب (الحركة الوهّابيّة في عيون الرّحّالة الأجانب) بقلم: لي ديفيد كوبّر، وترجَمَه للعربيّة الدّكتور عبد الله بن ناصر الوليعيّ. [وانظر أيضاً: (أعمدة الاستعمار) لخيري حمّاد، و(تاريخ نجد) لسنت جون فيلبي أو عبد الله فيلبي، و(مذكرات حاييم وايزمن) أوّل رئيس وزراء للكيان صهيوني، و(الوهابية نقد وتحليل) للدّكتور همايون همتي].

وللبحثِ في خصوص كَوْنِ الوهّابيّة ومعها حركة التمرُّد السّعوديّة في القرن الميلاديّ الثّامن عشر – كلاهما - صنيعة الاستعمار البريطانيّ، صِلةٌ إنْ شاء اللهُ تعالى.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

26/01/2014

دوريات

  كتب أجنبيّة

كتب أجنبيّة

نفحات