حوار مع مدير عام إذاعة «النور»

حوار مع مدير عام إذاعة «النور»

03/04/2011

مقابلة إذاعة النور
صوت المقاومة الإسلامية في لبنان

أجرى الحوار : سليمان بيضون

مدير عام الإذاعة الحاج يوسف الزين:
موقع متقدّم في مسيرة الاستنهاض

وردةٌ تفتّح برعمها في روض الخطاب الدعوي المجاهد في لبنان إثر انطلاقة المقاومة الإسلاميّة في لبنان.
نادراً ما تسمح دورة الزمن بتكرّر مثل تلك الأجواء المحمّديّة - الخمينيّة الفريدة، التي شّكلت الحضن والمناخ لإرسال أول إذاعة إسلاميّة -في البقاع، لم تدم طويلاً رغم فرادة المهمّة والروح- هي «صوت المستضعفين» التي جايلتها وتفرّدت بأداء الرسالة بعدها إذاعة «النور».
ولقد طال تفرّد إذاعة «النور» بشغاف القلوب، في الحنين إلى أخبار الجهاد والنصر والشهادة، وفي مجال «مكارم الأخلاق» وبناء الإنسان الملتزم، قبل أن تنزل إلى الميدان شقيقتها الصغرى قناة «المنار» التي قدِّر لها أن تتفرّد بالساحة -إلى حدٍّ كبيرٍ جداً- ثمّ تُعولمها.
من هنا كان أوّل همّ هذا الحوار معرفة ما آل إليه الصوت بلا صورة في عالم المرئيّات اليوم، وأين نجحت إذاعة «النور»، وما أكثر ميادين نجاحها، وأين أخفقت أو تلعثمت، أو أخطأت في التطبيق، فكانت هذه المقابلة التي أجرتها «شعائر» مع مدير عام إذاعة «النور» الأخ المجاهد الحاج يوسف الزين.

هل ترون أنّ الإذاعة كوسيلة إعلاميّة حافظت على موقعها في ظلّ عصر الفضائيّات ووسائل الاتصال الحديثة؟ وهل هي مهدّدة في مستقبلها لحساب كلّ الوسائل؟

بالرغم من ظاهرة انتشار الفضائيّات واعتماد الإنترنت كوسيلة اتصال، ما زالت الإذاعة تحتلّ مكاناً واسعاً كوسيلة إعلاميّة، حيث إنّ لكلّ وسيلة إعلاميّة مرئيّة أو مسموعة أو مكتوبة خصائص لا تستطيع أيّ وسيلة أخرى أن تأخذها. وما تمتاز به الإذاعة، هو إمكانية الاستماع إليها خلال التنقّل، أو خلال أداء أيّ عمل في المنزل أو في المكتب دون الحاجة إلى الجلوس المتواصل كما في حال مشاهدة التلفاز. كما أنّ التقنيات الحديثة قد فتحت المجال أمام تمازج وسائل الاتصال والتواصل. وفي عصر الإنترنت يُمكن لك أن تقوم بأعمال كثيرة على الشبكة العنكبوتيّة ومن ضمنها الاستماع إلى إذاعتك المفضلّة، وإنّ استطلاعات الرأي ما زالت تُظهر حضور الإذاعة كوسيلة إعلاميّة فاعلة، وآخر استطلاع أُجري في الإتحاد الأوروبي يُظهر أنّ المعدّل الوسطي لمشاهدة التلفاز أسبوعيّاً بحدود خمس وعشرين ساعة، وأنّ نسبة الإستماع إلى الإذاعة هي إحدى وعشرين ساعة أسبوعيّاً، وهذا مؤشّر إيجابي.

تعرّض مبنى الإذاعة في الحرب الصهيونية الغاشمة عام 2006 إلى تدمير كامل، كيف استطعتم النهوض وإكمال عملكم بشكلٍ طبيعي؟

الواقع أنّ الإذاعة تعمل في ظروف استثنائيّة، فالعدوان لم يستهدف المبنى المركزي فقط، وإنّما محطات الإرسال في المناطق اللبنانيّة كافّة. وبعد انتهاء العدوان لم يجتمع فريق العمل في مكانٍ واحد، ممّا زاد من صعوبات في التواصل. وإن شاء الله تعالى في مرحلة قريبة سيكون هناك مبنى واحد يجمع أقسام الإذاعة وفريقها العامل.
ولكن، بالرغم من ذلك، تجهد الإذاعة لتقديم ما يليق بجمهورها وما يرضيه ويوفّر له فرص الاستفادة والمتابعة الدائمة لبرامج الإذاعة في مختلف المجالات، وهي تضع لذلك البرامج والخطط المستمرّة بما يؤهّلها لتبوُّأ الموقع الريادي، وتحافظ من خلاله على جمهورها ومستمعيها الذين نقدّر عالياً وفاءهم للإذاعة واهتمامهم الدائم بما تقدّمه عبر أثيرها.

الرسالة والخطاب

كيف هي إذاعة «النور» بعد 23 عاماً من انطلاقتها؟

بعد هذه التجربة، يمكن القول أنّها في ريعان الشباب، وهي في موقع إعلامي متقدّم على الساحة المحليّة، كما حقّقت على مستوى العالم العربي حضوراً متميّزاً، لا سيّما في مشاركاتها بالمهرجانات الإعلاميّة الإذاعيّة والتلفزيونيّة العربيّة. وأيضاً لها حضور فاعل في الإعلام العربي من خلال مشاركتها في «اتحاد إذاعات الدول العربيّة» وكذلك في «اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلاميّة».
أمّا بخصوص رسالة «إذاعة النور»، فهي رسالة مرتبطة بمشروع المقاومة في لبنان لإيجاد رأي عام واعٍ مدرك لمخاطر الإحتلال «الإسرائيلي»، ومخاطر وجود الاحتلال الأميركي في المنطقة.
كذلك فهي تعمل على بناء جيل مُلتزم بالقِيَم، ومرتبط بالرسالات السماويّة، وساهمت بشكل جيّد في  تعميم ثقافة الفضيلة في المجتمع.
إضافة إلى ذلك، هي مصنّفة ضمن إذاعات الفئة الأولى حيث تتعاطى الشأن السياسي بمختلف عناوينه المحلية والإقليميّة والدوليّة، ملتزمةً قانون الإعلام المرئي والمسموع في لبنان. وتواكب الأحداث بالتغطية والتحليل، وتسعى لإيجاد وعي حول ما يجري من مشاريع سياسيّة في منطقتنا العربيّة، وفي عالمنا الإسلامي بشكل عام. من هنا يمكنني القول أنّها تقف في موقع متقدّم ضمن مشروع الاستنهاض والوعي السياسي والثقافي والاجتماعي والتربوي والتنموي، الخ.

كيف وفّقت الإذاعة بين خطابها المنطلق من القيَم الدينية التي تؤمن بها وتبنّيها للمقاومة، وبين خطابها للشرائح المختلفة؟

أصل الرسالة الإسلاميّة أنّها رسالة للعالمين، والله عزّ وجلّ أرسل أنبياءه لخلاص البشريّة، وانسجاماً مع هذه القناعة كان لا بدّ من أن يكون خطاب الإذاعة خطاباً لكلّ الناس الذين يُمكن أن يصلهم بثّها. ثمّ إنّ المضمون الإسلامي ينطلق من قوله تعالى ﴿..وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا..﴾، فهو خطاب يدعو إلى الحوار وإلى الانفتاح وإلى تبادل المعارف والتجارب، لذا نحن حرصاء على مخاطبة الآخر والتفاعل معه، كما نحرص على الحوار بين الأديان، وعلى تبادل التجارب الحضاريّة على مستوى الإنسانيّة ككلّ بما يخدم المجتمع، أيّ مجتمع بمعزل عن وجوده في دائرة من الدوائر. إذاً، المواءمة بين هويّة الإذاعة وطبيعة الجمهور المتنوّع كانت بالنسبة إلينا، ولا تزال، الهدف المنشود.

التعاون مع الإذاعات العربيّة

أنتم عضو في «اتحاد إذاعات الدول العربيّة» واتّحادات أخرى، كيف تسنّى لكم ذلك وأنتم إذاعة خاصة وليست إذاعة رسمية؟

«اتحاد إذاعات الدول العربيّة» هو في الأساس منظّمة عربيّة رسميّة تابعة لجامعة الدول العربيّة، وهي تأسّست لكي تكون تجمّعاً يضمّ المؤسّسات الإعلاميّة العربيّة الرسميّة. وفي نهاية عقد التسعينيات وبداية العام ألفين، حصل تعديل في قوانين هذه المنظمة، فُتح الباب لانضمام الإعلام الخاص إليها، لا سيّما وأنّ العالم كان قد شهد طفرة في البثّ الفضائي، وتطوّراً كبيراً في مجالات الاتصالات في ميادينه كافة، هذا التعديل سمح بانضمام المؤسسات الإعلاميّة الخاصّة ضمن دفتر شروط محدّدة، فقمنا كـ«مجموعة لبنانيّة للإعلام» (تلفزيون «المنار» وإذاعة «النور») بتقديم طلب الانتساب في إطار قناعتنا بضرورة التعاون مع الأطر الإعلاميّة العربية لاستنهاض وتفعيل العمل الإعلامي العربي المشترك، وتبادل التجارب والخبرات، وتعزيز تجربتنا الخاصة. ومن خلال مشاركة إذاعة «النور» في «اتحاد الإذاعات العربيّة»، أثبتت جديّة واحتراماً ممّا جعلها موضع احترام وتقدير في الوسط الإعلامي العربي، وعزّز ذلك النتائج التي كانت تحصدها في المهرجانات التي كانت تُنظَّم في إطار التنافس بين المؤسسات الإعلاميّة. ومنذ فترة قريبة انضمّت الإذاعة إلى «اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلاميّة»، وكلّ ذلك جعل الأنظار موجّهة نحو هذه التجربة المتواضعة والمتألّقة في الوقت نفسه.

حصدت إذاعة «النور» عشرات الجوائز في المهرجانات الإذاعيّة، ما هي الأسباب والدلالات؟

ما بلغته إذاعة «النور»من مكانة إعلاميّة متقدّمة إنّما هو نتاج تجربة متدرّجة، إذ كانت البدايات بإمكانيّات متواضعة جداً، وبعدد محدود من الأفراد غير المتخصّصين بالشأن الإعلامي. لكنّ الإذاعة أدركت في مرحلة مبكرة ضرورة أن يكون هناك مسار تطويري ورؤية بعيدة المدى، يُعمل لتطبيقها على مراحل من خلال برامج عمل وخطط ومشاريع يتم اجتيازها للوصول إلى النجاح والريادة. هذا المسار حقّق هذا النموّ المتدرّج للإذاعة، وأوصلها إلى هذه المكانة. وعلى مستوى الكادر الذي نعتبره الرصيد الأساسي والقيمة الأساسيّة لعمل المؤسسة، عملت الإذاعة على فتح آفاق ومجالات لتنمية فريقها العامل وإعطائه الفرص والثقة، وهو يبادل الإذاعة علاقة الانتماء وعلاقة الارتباط بالمشروع الواحد وليس علاقة وظيفيّة، وبالتأكيد هذا الأمر ساعد على إيجاد التفاعل بين ما تحتاجه المؤسسة وبين قناعات العاملين في داخلها. وهذا التماهي جعل الإذاعة تنمو وتتقدّم بطريقة مطّردة، وتحقّق هذه النتائج الطيّبة.
ما يثير الاهتمام والتساؤل هو أنّكم لا تعتمدون الموسيقى والمؤثِّرات الرائجة في الانتاجات الفنيّة العربيّة لا سيّما الأغاني، فكيف لم يشكّل هذا الأمر عقبة في وجه نيلكم للجوائز المتعدّدة؟

هذا دليل إضافي على أنّ أيّ عمل إذاعي مُنتَج بمواصفات مهنيّة لا يحتاج إلى هذه الإضافات حتى يكون ناجحاً، فيُمكن أن يكون عملاً جادّاً ولكنْ له مستمعون، وبالتالي له حظوظ من النجاح من دون اللجوء إلى بعض المواد الفنيّة التي يُعمل عادةً على استخدامها كعناصر جذب لأيّ عمل.

البرامج الدينيّة

ما هي سياسة الإذاعة تجاه المناسبات الدينيّة؟

في الواقع، إنّ إذاعة «النور» لديها ثلاث دورات برامج في السنة. واحدة خاصّة بشهر رمضان المبارك، والدورتان الأخريان تحتويان على أكثر المناسبات التي تواكبها الإذاعة بالإحياء، كمناسبتَيْ الحجّ ومحرّم، وولادات وشهادات المعصومين عليهم السلام، وتخصّص طبعاً برامج خاصة بمختلف الأشكال الإذاعيّة، من التنويه الإذاعي، إلى الحلقات السرديّة، ومجالس العزاء، والزيارات، والحوارات.
هناك إنتاج شبه دائم لما يرتبط بالمعصومين عليهم السلام بمعزل عن مناسبات الولادات والوفيّات. فهناك برنامج سيرة مفصّلة لكلّ المعصومين عليهم السلام، إضافة إلى الحِكَم والروايات المأثورة التي تُنتج كتنويهات إذاعيّة، كذلك الأدعية الواردة عنهم عليهم السلام، وبرامج تسلّط الضوء على مفاهيم محدّدة وشرح للأدعية المأثورة كالمناجاة الشعبانيّة، ودعاء أبي حمزة الثمالي، ودعاء عرفة وأدعية الصحيفة السجاديّة وغيرها من البرامج التي تعرّف بالمعصومين عليهم السلام والمأثور عنهم.

ما هي حصّة القرآن الكريم من البثّ الإذاعي تلاوةً وتفسيراً ومفاهيم؟

خصّصت الإذاعة مساحة ثابتة ودائمة للبرامج القرآنية، مثل فترات التلاوة اليوميّة وبرنامج التفسير للقرآن الكريم، وجعلت أيضاً مساحة متحرّكة ترتبط بالمناسبات وبتوزيع البرامج خلال دورات برامج الإذاعة المختلفة من خلال تنوّع المواضيع الدينيّة.

الإذاعة .. والمقاومة

ماذا عن البرامج التي ترتبط بالمقاومة وثقافتها في غير أيّام الحرب الميدانيّة؟

قد يعتقد البعض أنّه بعد إنجاز التحرير في عام ألفين وتراجع عمليات المقاومة ميدانيّاً، انعكس ذلك على البرامج الإذاعيّة ذات العلاقة بالمقاومة، والواقع أنّ هذا الأمر لم يحصل لأنّ في برامجنا دائماً مساحة للمقاومة وما يرتبط بها. فهناك البرامج التي تتحدّث عن الشهداء ووصاياهم، وقمنا بإنتاج مجموعة من البرامج حول جرحى المقاومة الإسلاميّة، وأخرى لها علاقة بالأسرى، وهناك سلّة كبيرة من التنويهات الإذاعيّة التي تدخل في إطار التعبئة، وإحياء المناسبات المرتبطة بالمقاومة الإسلاميّة وبقادتها، وأيضاً الخواطر الأدبيّة التي تمجّد المقاومة، وبرامج دراما منها مسلسل «عزّالدين القسّام» و«عبد القادر الجزائري»، والآن يُحضّر مسلسل عن سيرة ومواقف السيّد عبد الحسين شرف الدين قدّس سرّه والسيّد عباس الموسوي رضوان الله عليه، كلّ ذلك إنتاج له علاقة بالمفهوم الشامل للمقاومة.
نقطة أخرى في هذا الموضوع، وهي أنّ العدو انسحب من معظم الأراضي اللبنانيّة، إلّا أنّه لا يزال يمارس بشكلٍ يوميٍّ ما يمثّل اعتداءً على البلد وعلى الناس، ويمارس الحرب النفسيّة، ونحن نواكب ذلك ونظهّر مؤامرات العدوّ. وقد شهدنا العدوان الغاشم في حرب 2006 وكان للإذاعة دور بارز في مواجهته، على الأقل من خلال استمرار صوتها، وكان هذا العدوان تحدّياً كبيراً في هذا المجال، أي إسكات صوت الإذاعة وكلّ صوت ينطق باسم المقاومة أو يدافع عنها. ولا شكّ في أنّ حركة التوعية التي تقوم بها الإذاعة هي في إطار حماية المقاومة من استهداف هذا المشروع وهذا الخيار.

الإذاعة .. وفلسطين

بخصوص فلسطين والشعب الفلسطيني، كيف تعبّرون في الإذاعة عن التزامكم بهذه القضيّة المحقّة؟

القضيّة الفلسطينيّة قضيّة مركزيّة في عالمنا العربي والإسلامي، وإذاعتنا مع القضايا العادلة والمحقّة في كلّ العالم، وعلى رأسها قضيّة فلسطين ورمزها القدس الشريف، وتؤكّد على مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» في لبنان وسوريا وفلسطين. لذلك لدينا مساحة من البرامج بهذا الخصوص لمواكبة كلّ ما يجري في فلسطين من الأخبار إلى التحليل السياسي، إضافة إلى البرامج المتخصّصة مثل برنامج «المحور» وبرنامج «فلسطين القضيّة».
في المقابل هناك برنامج «المرصاد» الذي يضيء على مجتمع العدوّ ويعكس صورته الحقيقيّة والتي هي في الواقع صورة بشعة ومليئة بالتناقضات، وكلّ ذلك تقدّمه من خلال رصد إعلام العدو. وكذلك هناك إحياء للمناسبات التي لها علاقة بفلسطين وبجهاد الشعب الفلسطيني، مثل «يوم القدس العالمي» وذكرى انطلاقة «الانتفاضة». وثمّة مساحة من البرامج كانت موجّهة للجمهور الذي نقدّره من شعبنا الفلسطيني المقيم في لبنان؛ حيث دلّت إستطلاعات الرأي على مدى سنوات عديدة أنّ نسبة استماع الأخوة الفلسطينيّين في لبنان لإذاعة «النور» هي نسبة عالية جداً، فكان من مسؤوليّتنا مخاطبة هذا الجمهور والتفاعل معه.


 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

04/04/2011

  إصدارت

إصدارت

  إصدارات

إصدارات

نفحات