فكر ونظر

فكر ونظر

01/03/2014

العُجْب


العُجْب

ما هي حقيقتُه، وهل يُبطِلُ العبادة؟

ـــــ الفقيه الشّيخ محمّد تقيّ الآمليّ رحمه الله ـــــ

 

هل العُجْبُ كالرِّياء، في كَونه مُبطلاً للعبادة مطلقاً، أم لا؟

أو يُفصَل بين المُقارِن منه للعمل، والمتأخِّرِ عنه؟ فيُقال بالبطلان في الأوّل دون الأخير..؟

في هذا السّياق، كتب أحد أبرز أركان مدرسة الفقيه الكبير السّيّد علي القاضي، الفقيه الشّيخ محمّد تقيّ الآمليّ قدّس سرّهما الشريف في موسوعته الفقهيّة (مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى، 12 مجلّداً)، فقال: «الكلامُ في العُجبِ ذو وجوه:

 

الأوّل: في تحديده:

اِعلم أنَّه عُرِّف [العُجْب] في علم الأخلاق: باستعظامِ النّفس بوَاجديّتها [أي بحيازتها واشتمالها على] ما تراهُ نعمةً ولو لم تكن نعمةً واقعاً، والرّكونِ إليها مع نسيانِ إضافتِها إلى مُنعمِها.

وعن بعضهم: أنَّه إعظامُ النّعمة والرُّكونُ إليها مع إضافتِها إلى المُنعِم، والتّعريف الأوَّل أَوْلى، وإنْ قيلَ برجوع الأخير إليه، كما في (جامع السّعادات).

وأمّا تعيُّنُ الأخير، والرّدُّ على مَن عرَّفه بالتّعريف الأوّل - كما في (مصباح الفقيه) [للشّيخ رضا الهمدانيّ] الرّادِّ على بعض السّادة من معاصريه، حيث يقول: «العُجْبُ في العبادة عبارةٌ عن إعظامِ العبادة، وأمّا رؤيةُ الإنسان نفسَه عظيمةً فهي كِبْرٌ متولِّدٌ من العُجْب، فما ذكره بعضُ السّادة من المعاصرين: من أنّ العُجْبَ بالعبادة [هو] أن يجدَ العاملُ نفسَه عظيمةً بسببِ عملِه، مبتهجةً خارجةً عن حدِّ التّقصير، لا الابتهاجَ بتوفيق الله تعالى وتأييدِه، لا يخلو عن مسامحة» - فلا وجهَ له. [أي لا وجه للرّدّ]

وأنت ترى أنَّ ما ذكره بعضُ السّادة من معاصريه، ذكرَه أكثرُ علماء الأخلاق ولا مسامحةَ فيه أصلاً، بل لعلَّ المسامحةَ في ما أفاده إذ لا معينَ له. وأمّا ما أفاده قدّس سرّه بقوله: «وأمّا رؤية الإنسان نفسَه عظيمةً فهي.. إلخ»، ففيه أنَّ الكِبْرَ كما عرفْتَ يلزمُه لحاظُ المتكبَّر عليه وأرفعيَّتِه عنه، ونفسُ رؤيةِ الإنسان نفسَه عظيمةً لا يكون كِبْراً، إذ يمكنُ مع تلك الرّؤية أن يرى غيرَه أعظمَ منه، فيَخضع عندَه، كما لا يَخفى.

والإدلال: هو العُجْبُ مع توقُّع جزاءٍ عليه، فاستعظامُ النّفس بالنّعمة عُجْبٌ، وهو مع توقُّع الجزاء عليه إدلالٌ، والتّكبُّر هو العُجْبُ مع ملاحظةِ ترفُّعِه على المتكبَّر عليه، ويلزمُه ملاحظةُ المتكبَّر عليه، ومع قطعِ النَّظر عن الغَير لا يحصلُ التّكُّبر، بخلاف العُجْب.

الثّاني: في ذكر ما ورد في ذمِّه من الكتاب والسُّنّة:

فمن الكتاب قولُه تعالى: ﴿..وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ الكهف:104، فإنّه كما يشمل ما إذا كان المُعْجَبُ بحُسنِ عمله مخطئاً في حُسْنِه، كذلك يشمل ما إذا كان مُصيباً في حُسْنه.

وقوله تعالى: ﴿..فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ..﴾ النجم:32. وقوله تعالى: ﴿..ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً﴾ الكهف:35. وقوله تعالى: ﴿..ولَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً﴾ الكهف:36، ولعلّ الآية الأخيرة تدلّ على ذمِّ الإدلال أيضاً، إذ عدمُ ظنّه بهلاك ما في يده كان ناشئاً عن زعمِه استحقاقَ ما في يده، ومع استحقاقه لا يُسْلَبُ منه، ويدلُّ عليه: ﴿..ولَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً﴾ الكهف:36.

وبالجملة فهذا ما اطَّلعْتُ عليه من الآيات في ذمّ العُجْب، ولعلّ المتدبِّر في القرآن يطَّلِع على غيرها أيضاً.

ومن السُّنّة: طوائفُ من الأخبار لا يُمكن نقلُها كثرةً، ونشير إلى بعضٍ منها لئلّا يحتاجَ النّاظرُ إلى مراجعة سائر الكُتب، منها:

* المرويّ عن النّبيّ صلَّى الله عليه وآله: «لَوْ لَمْ تُذنِبوا لَخَشِيتُ عليكُم ما هو أكبرُ من ذلك: العُجْبَ، العُجْبَ».

* وعنه صلَّى الله عليه وآله في حديثِ إقبالِ إبليسَ على موسى عليه السّلام، وعليه برنسٌ ذو ألوان - إلى أن قال موسى: «فَأَخْبِرني بالذَّنبِ الّذي إذا أذنَبَه ابنُ آدمَ استَحوذْتَ عليه؟ قال إبليس: إذا أعجَبَتْهُ نفسُه، واستَكثَر عملَهُ، وصَغُرَ في عينِه ذَنْبُه».

* والمرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام في رَجُلَين دخلا المسجدَ؛ أحدُهما عابِدٌ والآخَر فاسقٌ، فخرجا منه والعابدُ فاسقٌ والفاسقُ صدِّيقٌ - إلى أن قال عليه السّلام: «..وذَلِكَ أَنَّه يَدْخُلُ الْعَابِدُ الْمَسْجِدَ مُدِلّاً بِعِبَادَتِه يُدِلُّ بِهَا فَتَكُونُ فِكْرَتُه فِي ذَلِكَ، وتَكُونُ فِكْرَةُ الْفَاسِقِ فِي التَّنَدُّمِ عَلَى فِسْقِه ويَسْتَغْفِرُ اللهَ عَزَّ وجَلَّ مِمَّا صَنَعَ مِنَ الذُّنُوبِ».

* والمرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام، قال: «العَجَبُ كلُّ العَجَبِ ممَّن يُعجَبُ بعملِه وهو لا يَدري بمَ يُختَمُ له - إلى أن قال عليه السّلام- والعُجْبُ نباتٌ حَبُّها الكُفرُ، وأرضُها النِّفاق، وماؤها البَغْيُ، وأغصانُها الجَهلُ، وَوَرَقُها الضَّلالةُ، وثَمرُها اللّعنةُ والخلودُ في النّار، فمَن اختارَ العُجْبَ فقد بَذَرَ الكُفْرَ وزَرَعَ النِّفاق، ولا بدَّ أنْ يُثْمِر».

* ومنها المرويّ عن النّبيّ صلَّى الله عليه وآله في حديث داوود عليه السّلام: «..أنْذِرِ الصِّدِّيقين ألَّا يُعجَبوا بِأَعمالِهِم، فإنَّه ليسَ عبدٌ أنصبُهُ للحسابِ إلّا هَلَكَ».

* وعن الإمام الصّادق عليه السّلام: «إنَّ اللهَ تعالى عَلِمَ أنَّ الذَّنبَ خيرٌ للمؤمنِ من العُجْب، ولولا ذلك ما ابتُليَ مؤمنٌ بِذَنْبٍ أبداً».

* وعنه عليه السّلام: «من دَخَلَه ُالعُجْبُ هَلَكَ».

* ومنها المرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام أيضاً: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَنْدَمُ عَلَيْه، ويَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيَسُرُّه ذَلِكَ فَيَتَرَاخَى عَنْ حَالِه تِلْكَ، فَلأَنْ يَكُونَ عَلَى حَالِه تِلْكَ خَيْرٌ لَه مِمَّا دَخَلَ فِيه».

* وقال عليه السّلام في حديثِ إتيان العالم العابدَ، إلى أن قال: «.فقَالَ له العالمُ: فإنَّ ضَحِكَكَ وأنتَ خائفٌ أفضلُ مِن بُكائِكَ وأنت مُدِلٌّ، إنَّ المُدِلَّ لا يصعدُ مِن عَمَلِهِ شيءٌ».

* وعنه عليه السّلام عندما سُئل عن الرَّجُلِ يعملُ العملَ وهو خائفٌ مشفِقٌ، ثمّ يعملُ شيئاً من البِرّ فيدخله شبهُ العُجْب به، فقال عليه السّلام: «هُوَ فِي حَالِه الأُولَى وهُوَ خَائِفٌ أَحْسَنُ حَالاً مِنْه فِي حَالِ عُجْبِه». ويدلُّ على قُبحِه [قُبح العُجب] من الاعتبار ما لا يخفى على المُراجع لكُتُب الأخلاق.

الثّالث: عدمُ اختصاصه بالعبادات:

الظّاهر عدمُ اختصاصِ قُبحِ العُجْب بالعبادات، بل هو قبيحٌ بكلِّ ما يراهُ صفةَ كمالٍ له ولو لم يكن كمالاً واقعاً، فيقبحُ العُجْبُ بالمالِ والجاهِ والحَسَبِ والنَّسَبِ ونحوها، وهذا واضحٌ لا يحتاجُ إلى مزيد عنايةٍ في البيان.

الرّابع: في حُرمة العُجْب شرعاً:

[وردَ] في (مصباح الفقيه) المنعُ عن حرمتِه بادِّعاء نفيِ الاختيار عنه، و[بادّعاء] عدمِ كونه مسبوقاً بالإرادة، وإنْ كانَ أشدَّ تأثيراً في البُعد عن رحمة الله من الحرام كسائر الأخلاق الرّذيلة، كحُبِّ الدُّنيا ونحوِه ممّا هو خارجٌ عن الاختيار. إلى أن قال [في مصباح الفقيه]: «ولأنَّ الأخبارَ الواردةَ في ذمِّه لا يكادُ يُستَفادُ منها أزيدَ من ذلك، فلو تعلَّقَ به خطابٌ بظاهرِه يدلُّ على ذلك لَوَجَبَ صرفُه: إمّا إلى مباديه من إهمالِ النّفس حتّى تتأثّرَ عن مباديه، وإمّا إلى وجوبِ إزالتِه - بعد حصوله -  بالتّفكّر في سوء المنقلب»، انتهى بمعناه. وما أفادَه قدّس سرّه لا يُمكن المساعدةُ عليه.

والحقُّ أنَّ العُجْبَ أمرٌ اختياريٌّ. غاية الأمر يكون من المسبّبات التّوليديّة الّتي اختياريَّتُه بعين اختياريّة أسبابه، وإنَّ تحقُّقَه بتحقِّق مباديه وزوالَه بزوالِها، وإذ أمكنَ إزالتُه بعد حصوله فيكون وجوبُ الدّفعِ عنه أيضاً مُمكناً، كيف وجميع الأخلاق الّتي [هي] متعلّقاتٌ للأمر والنّهي أيضاً كذلك، وبالجملة فمَن أراد الاطِّلاعَ بأزيد من ذلك فليَرجع إلى علم الأخلاق، وإنّما الكلامُ هنا في أنّ الأخبار المتقدِّمة، هل تدلُّ على حرمتِه شرعاً حتّى يصير المُعْجَبُ بعمله مرتكباً لمحرَّمٍ شرعيٍّ، ويكون ارتكابه قادحاً في العدالة أم لا؟

فنقول: أمّا العُجْبُ في غير العبادات كالعُجْبِ بالمال والجاه والعقلِ والعلمِ والحَسَبِ، فلا ينبغي التّأمُّل في عدم كونِه حراماً شرعيّاً، ولم يُحكَ حُرمتُه عن أحدٍ، وليس في الأخبار المتقدِّمة ولا في غيرها ما يُمكن أن يُتوهَّم دلالتُه على حُرمتِه.

 وأمّا في العبادات، فقد عرفتَ دعوى المحقِّق الهمدانيّ قدّس سرّه، إنَّه لا يظهرُ منها الأزيدُ من كونه من الأخلاق الرّذيلة والمُهلكات، لكنَّ الإنصاف أنَّ الطّائفةَ الأولى منها تدلّ على الحُرمة، وإنّه ذنبٌ بل هو أعظمُ من الذَّنبِ، بل الذَّنبُ خيرٌ منه، فالأقوى أنَّه حرامٌ يعاقَبُ عليه كما يدلُّ عليه دليلُ الاعتبار أيضاً، حيث إنّه ليس للعبد أن يعجبَ بنعمةٍ وينسى نسبتَها إلى مولاه».

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

01/03/2014

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات