موقف

موقف

28/03/2014

«..لَوَفاؤكم له بعدَ موتِه أعجَبُ»


«..لَوَفاؤكم له بعدَ موتِه أعجَبُ»

موقف الزّرقاء بنت عديّ أمام معاوية

ـــــ الشّيخ علي أحمدي ميانجي ـــــ

 

يحفل كتاب (مواقف الشّيعة) للشّيخ علي أحمدي ميانجي بوقفات موالين لأهل البيت، عليهم السّلام، من علماء وفقهاء وأُدباء وغيرهم بوجه المعاندين وسلاطين الجور، في مختلف العصور.

النّصّ الآتي، موقف الزّرقاء بنت عديّ الهمدانيّة أمام معاوية بن أبي سفيان، وقد تمّ ضبطُه على مصادر أُخَر، منها (تاريخ دمشق) لابن عساكر، و(بلاغات النّساء) لابن طيفور.

 

..عن الشّعبي، قال: حدَّثني جماعةٌ من بني أميّة مِمَّن كان يَسمرُ مع معاوية، قالوا:

بينما معاوية ذات ليلةٍ مع عمرو وسعيد، ابنَي العاص، وعُتْبة بن أبي سفيان، والوليد بن عُقبة، إذ ذكروا الزّرقاءَ بنت عديّ بن غالب بن قيس الهمدانيّة [امرأة من أهل الكوفة] وكانت شَهِدَتْ مع قومها صفِّين.

فقال معاوية: أيُّكم يحفظُ كلامَها؟

قال بعضُهم: نحن نحفظُه. قال: فأَشيروا عليَّ في أمرها، فقال بعضُهم: نُشيرُ عليك بقتلها، قال: بِئْسَ الرّأيُ أشرتُم به عليّ! أيَحسنُ بمثلي أن يُتَحَدَّثَ عنه أنّه قتلَ امرأةً بعدما ظفرَ بها؟

فكتب معاوية إلى عامله بالكوفة أن يوفدَها إليه مع ثقةٍ من ذوي محارمها وعدَّةٍ من فرسان قومها، وأنْ يمهِّدَ لها وطاءً ليِّناً، ويَسترها بسترٍ حصيف [محكَم النَّسج]، ويُوسع لها في النّفقة.

فأرسل عاملُ الكوفة إليها فأقرأَها الكتاب. فقالت: إن كان [معاوية] جعلَ الخيار إليَّ فإنِّي لا آتيه، وإنْ كان حَتْمٌ، فالطَّاعةُ أَوْلى.

فحمَلَها وأَحسَن جهازها على ما أُمِرَ به، فلمّا دَخلت على معاوية، قال لها: مرحباً وأهلاً! قَدِمْتِ خيرَ مقدمٍ قَدِمَهُ وافدٌ، كيف حالكِ؟ قالت: بخير ".." أدامَ اللهُ لكَ النّعمة. قال: كيف كنتِ في مسيرك؟ قالت: ربيبةَ بيتٍ أو طفلاً ممهَّداً. قال: بذلك أمرناهم، أتدرينَ فيمَ بعثتُ إليك؟

قالت: أنَّى لي بعلمِ ما لم أعلم؟ قال: ألستِ الرّاكبةَ الجملَ الأحمر، والواقفةَ بين الصَّفَّين يومَ صِفِّين، تحضِّين على القتال وتُوقدين الحرب؟ فما حَمَلَكِ على ذلك؟

قالت: يا [معاوية]، ماتَ الرَّأسُ وبُتِرَ الذَّنَب، ولم يَعُد ما ذهب، والدَّهرُ ذو غِيَرٍ، ومَن تفكَّر أبصر، والأمرُ يَحدثُ بعدَه الأمرُ. قال لها معاوية: صدقتِ، أتحفظينَ كلامَك يوم صفين؟ قالت: لا والله! لا أحفظُه، ولقد أُنسيتُه. قال: لكنّي أحفظُه، للهِ أبوك! حين تقولين:

أيُّها النّاس! ارعَوُوا وارجعوا، إنَّكم قد أصبحتم في فتنةٍ غشَّتكُم جلابيبَ الظُّلَم، وجارَت بكُم عن قصدِ المحجّة، فيا لها من فتنةٍ عمياء صمَّاء بكماء، لا تَسمعُ لِناعِقها ولا تَنساقُ لِقائدها.

إنَّ المصباحَ لا يُضيءُ في الشّمس، ولا تنيرُ الكواكبُ مع القمر، ولا يقطعُ الحديدَ إلَّا الحديدُ، ألا مَنِ استَرشَدَنا أرشدناه، ومَن سَأَلنا أخبرناه. أيُّها النّاس! إنّ الحقَّ كان يطلبُ ضالَّتَه فأصابَها، فصبراً يا معشرَ المهاجرين والأنصار على الغُصَصِ، فكأنْ قد اندملَ شعبُ الشّتات، والتَأَمَت كلمةُ العدل، ودمغ الحقُّ باطلَه، فلا يجهلنّ أحد، فيقول: كيف العدلُ وأنَّى؟ لِيقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولاً، ألا وإنَّ خضابَ النِّساء الحنَّاء، وخضابَ الرِّجال الدِّماء، ولهذا اليوم ما بعدَه، والصَّبرُ خيرٌ في الأمور عواقباً، إيهاً في الحرب قُدماً غيرَ ناكصين ولا متشاكسين.

ثمّ قال لها: والله يا زرقاء! لقد شَركْتِ عليّاً في كلِّ دمٍ سفكَه.

قالت: أحسنَ اللهُ بشارَتَك وأدامَ سلامتَك! فمثلُك بَشَّر بِخَيرٍ وسرَّ جليسه.

قال لها: أوَيَسرُّك ذلك؟ قالت: نعم والله لقد سُرِرْتُ  بالخبر، فأنَّى لي بتصديقِ الفعل؟

فضحك معاوية، وقال: واللهِ، لَوفاؤكم له بعدَ موتِه أعجبُ من حبِّكم له في حياته!

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

28/03/2014

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات