بسملة

بسملة

28/05/2014

..فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ

 

..فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ

§الشّيخ حسين كوراني

 

يَشْهَدُ مُفْتَتَحُ الأَلْفِيَّةِ الثّالِثَةِ تَحَوُّلاتٍ عالَمِيَّةً جِساماً، تُذَكِّرُ بِنُبوءَةِ الإِمامِ الخُمَيْنِيِّ عَنْ تَحَطُّمِ الأَصْنامِ الكَبيرَةِ في هَذا القَرْنِ.

بِنَظْرَةٍ كُلِّيَّةٍ يَتَبَدّى المَشْهَدُ بِوُضوحٍ: تَرَنَّحَتْ أَصْنامُ تَحْريفِ المَسيحِيَّةِ، وَاليَهودِيَّةِ وَتَحْريفِ الإِسْلامِ. وَالمَآلُ تَتابُعُ التَّدَحْرُجِ فَالتَّحَطُّمُ وَالزَّوالُ.

﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ آل عمران:137-139.

وَفي النَّظْرَةِ الكُلِّيَّةِ النَّجاةُ مِنْ غَرَقِ التَّفاصيلِ وَأَسْمَى الدُّروسِ وَالعِبَرِ:

﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ النّساء:26.

يَرْتَكِزُ حَديثُ السُّنَنِ إِلى رُؤْيَةِ التَّوْحيدِ الكَوْنِيَّةِ. يَسْتَعْصي هَذا الحَديثُ عَلى مَنِ ارْتَكَسَ في المادَّةِ وَأَسْفَلِ سافلين. ظَنَّ أَنَّ العاقِلَ يَنْفي السَّبَبِيَّةَ، وَأَنَّ العَقْلَ هُوَ تَخْريصُ اللّامُنتَمي، المُقيمِ في غَياهِبِ الجَهْلِ المُطْبَقِ وَالضَّلالِ البَعيدِ.

يَقومُ مَبْدَأُ السُّنَنِ عَلى قاعِدَةِ أَنَّ فَسادَ المُسْتَكْبِرينَ يَهْدِمُ بُنْيانَهُمْ، لِيَنْعَمَ المُسْتَضْعَفونَ بِالحُرِّيَّةِ التي طالَ ليلُ انْتِظارِها:

﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا﴾ فاطر:43.

 

***

هذا العَصْرُ بِراهِنِهِ السِّياسِيِّ وَالاجْتِماعِيِّ لَيْسَ بِدْعاً مِنَ العُصورِ. لَيْسَ خارِجَ مَسارِ السُّنَنِ الحَتْمِيَّةِ. وَهُوَ بَعْدُ مَفْصَلٌ يَجْري عَلى أَهْلِهِ ما جَرى في المُنْعَطفاتِ الحادَّةِ عَلى قَوْمِ نُمْرودَ، وَفِرْعَوْنَ، وَعَلى عادٍ، وثمودَ، وَأَهْلِ مَدْيَنَ وَغَيْرِهِمْ.

﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ الفرقان:37-39.

بَلى، يَمْتازُ هَذا العَصْرُ عَمّا سِواهُ، بِميزَتَيْنِ فارِقَتَيْنِ:

عَالَمِيَّةِ الفَسادِ وَالإِفْسادِ، وَالاسْتِكبارِ وَالتَّفَرْعُنِ، وَأَنَّهُ يَشْهَدُ يَوْمَ الفَصْلِ الدُّنْيَويِّ، في مُقابِلِ يَوْمِ الفَصْلِ في الحَياةِ الآخِرَةِ.

ما بَعْدَ يَوْمِ الفَصْلِ في الدُّنْيا، مُغايِرٌ - هَذِهِ المَرَّة - لِما قَبْلَهُ. لَنْ يَتَكَرَّرَ بَعْدَهُ ما اسْتُؤْنِفَ بَعْدَ طوفانِ نوحٍ. لَنْ تَشْهَدَ الأَرْضُ بَعْدَ طوفانِ هَذا الفَصْلِ فَراعِنَةً، وَلا أَباطِرَةً، أَوْ قَياصِرَةً وَأَكاسِرَةً.

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ القصص:5-6.


***

يَوْمُ الفَصْلِ الذي نُلامِسُ أَبْوابَهُ، يَوْمُ دَفْنِ طَواغيتِ تَحْريفِ الأَدْيانِ الثَّلاثَةِ: المَسيحِيَّة، وَاليَهودِيَّة، وَالإِسْلام، المُتَمَظْهِرينَ بِالإدارة الأَميرِكِيَّة، وَالصَّهْيونِيَّة العالَمِيَّة، وَرَبيبَتِهما الوَهّابِيَّةِ، التَّكْفيرِيَّةِ، الأُمَوِيَّةِ.

في الشّامِ شَبَّ تَحالُفُهمُ المَشْؤومُ. كانَ الوَليدُ بْنُ عُقْبَةَ - الفاسِقُ بِنَصِّ القُرْآنِ، والذي أَخْبَرَ الرَّسولُ الأَعْظَمُ صلّى الله عليه وآله بِخَطَرِهِ وَسُوءِ الطَّوِيَّةِ وَالعاقِبَةِ - يَهودِيّاً تَسَتَّرَ بِالأُمَوِيَّةِ، يُنَسِّقُ التَّحالُفَ الأُمَوِيَّ - اليَهودِيَّ - الهِرَقْلِيَّ مِنْ مَقَرِّهِ في «الجَزيرَة» بَيْنَ دِمَشْقَ وَأَنْطاكِيَةَ.

وَفي الشّامِ كَشَفَتْ إِيرانُ، اليَوْمَ، تَحالُفَهُمْ. أَحْرَجَتْهُمْ فَأَخْرَجَتْهُمْ. تَعالَتْ حَشْرَجَتُهُمْ فَتَمَزَّقَتِ البَراقِعُ. الإِدارَةُ الأَميرِكِيَّةُ، وَالصَّهايِنَةُ، وَالوَهّابِيّونَ التَّكْفيرِيّونَ جَبْهَةٌ واحِدَةٌ، وَهَدَفٌ واحِدٌ، وَالمَصيرُ، بِحَوْلِ اللهِ، واحِدٌ: الزَّوالُ المُحَتَّمُ.

«ثَقافَةُ» الفَسادِ في هَذا المِحْوَرِ واحِدَةٌ: التَّسَلُّطُ، وَالمالُ، وَالمُجونُ، وَتِجارَةُ الرَّقيقِ الأَبْيَضِ وَالأَسْوَدِ. رَكيزَةُ «ثَقافَةِ» الغابِ هَذِهِ: القَتْلُ المَعْنَوِيُّ وَالمادِّيُّ. لا يَسْتَقيمانِ إِلّا بِالفِتْنَةِ. وُحوشٌ في شَكْلِ بَشَرٍ. ﴿..إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ الفرقان:44. مَصّاصُو دِماءِ الهُنودِ الحُمْرِ، وَالفِلَسْطينيّينَ، وَمَحْرَقَةُ الشّامِ وَغَيْرِ الشّامِ حِلْفٌ إِبْليسِيٌّ، وَكَيانٌ واحِدٌ، بَعْضُ ذِئابِهِ أَتْباعُ آلِ أَبي سُفْيانَ وَهِنْدٍ آكِلَةِ الأَكْبادِ.

مُناشَدَةُ «القَرْضاوِيّ» أَميركا للتَّدَخُّلِ ضِدَّ النِّظامِ السّورِيِّ، وَتَطْمينُهُ الكيانَ الصَّهْيونِيَّ مِنْ بَأْسِ الوَهّابِيّينَ التَّكْفيرِيّينَ، وَعِيادَةُ «نتنياهو» جَرْحى التَّكْفيرِيّينَ، وَلِقاءاتُ «الجربا» - «أوباما»، وَدُماهُ، وَثائِقُ سِياسِيَّةٌ وَعَقائِدِيَّةٌ تَجْهَرُ بِحَقَيقَتَيْنِ: التّحريفيّون حَقيقَةٌ واحِدَةٌ، وَالأُمَّةُ بِأَلْفِ خَيْرٍ.

***

تَتَمَوْضَعُ الأُمَّةُ - شيعَةً وَسُنّةً - في الجَبْهَةِ المُقابِلَةِ لِهذا الثُّلاثِيِّ المَشْؤومِ المُتَصَهْينِ. زادَتِ الأُمَّةُ مِنْعَةً وَعَزْماً وَعِزَّةً، بِمِقْدارِ ما تَعافى جَسَدُها مِن غُدَّتَيْنِ سَرَطانِيَّتَيْنِ: الكِيانِ الصَّهْيونِيِّ المَأْزومِ، وَالوَهّابِيَّةِ التَّكْفِيريَّةِ المَهْزومَةِ. كِلْتا الغُدَّتَيْنِ مِنْ فَيْحِ الوَرَمِ السَّرَطانِيِّ الخَبيثِ «الشَّيْطانِ الأَكْبَرِ» الأَميرِكِيِّ.

لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِ هَذا التَّحالُفِ الثُّلاثِيِّ إِلّا الثُّمالَةُ وَالحَشْرَجاتُ، وَهِيَ بِمِقْياسِ ﴿..وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾. نِهايَةُ دَوْرٍ وَكَوْر، قَدْ تَطولُ النِّهايَةُ إِلّا أَنَّ كُلَّ أَطْوارِها إيذانٌ بِالزَّوالِ.

حَتْمِيّتانِ - لا بُدَّ مِنْهُما - تَنْدَرِجانِ في مَبْدَأِ ﴿سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ الفتح:23. اسْتِئْصالُ المُفْسِدينَ في الأَرْضِ. وَالمُسْتَقْبَلُ المُشْرِقُ الواعِدُ للمُسْتَضْعَفينَ.

يَتَنَفَّسُ صُبْحُ ما بعدَ طُوفانِ هَذا الفَصْلِ الأَخيرِ، عَنْ فَجْرِ «وَعْدِ اللهِ الّذِي ضَمِنَه»، فَجْرِ «السَّبَبِ المُتَّصِلِ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ»، «المَهْدِيِّ المُنْتَظَر» في مُستَهَلِّ قِيامَةِ «إِظْهارِ الدِّينِ عَلَى الدِّينِ كُلِّه» لِتَخْفِقَ عَلى أَرْبَعِ رياحِ الأَرْضِ بَيارِقُ العَدْلِ وَالتَّوْحيدِ وَالحُرِّيَّةِ مِنْ نِيرِ الطَّواغيتِ.

﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يونس:102-103.

***  

اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الواحد و الخمسون -شهر شعبان 1435 - حزيران 2014

شعائر العدد الواحد و الخمسون -شهر شعبان 1435 - حزيران 2014

نفحات