تحقيق

تحقيق

28/05/2014

مقام شمعون الصّفا في جبل عامل


وصيُّ السّيّد المسيح عليه السّلام، وجَدُّ الإمام المنتظَرعجّل الله تعالى فرجه الشّريف

مقام شمعون الصّفا في جبل عامل

ـــــ إعداد: أحمد الحسينيّ ـــــ

 

قريةُ «شَمع» السّاحليّة، من قرى قضاء صور، في جنوب لبنان. يقال إنّ اسمَها مخفّف كلمةَ «شَمعون»، ومَرَدُّ التّسمية إلى ضريحِ وليٍّ مدفونٍ بأرضِها، هو «شمعون بن حمون»، المُلقّب بـ «الصّفا».

فمَن هو شمعون الصّفا؟ وما حكايةُ هذا المقام الذي يقدّسُه العامليّون؟ وما مدى صحّة نسبتِه إلى صاحبِه؟

التّحقيق التّالي، المقتبَس عن كتاب (شمعون الصّفا بين المسيحيّة والإسلام) للباحث علي جابر، يحاول الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة.

 

هو شمعون بن حمون بن عامه، الملقّب بالصّفا، وشمعون اسمُ علَمٍ مذكّرٍ عبريّ، معناه: «السّامع، والمطيع». استخدمَ العرب هذا الاسم معرّباً بلفظ «سَمعان»، على وزن فَعْلان، وبتحويل الشّين إلى سين.

و«الصّفا» كلمة عربيّة تعني: «الحجر الصّلب الأملس»، كما في (العين) للفراهيديّ. ويقابلها باليونانيّة: «بطرس»، وبالآراميّة: «كيفا»، ومعناهما الحجر أو الصّخر.

يقول المسعوديّ في (مروج الذّهب): «بطرس: وهذا اسمه بالرّوميّة، واسمه بالعربيّة سَمعان، وبالسّريانيّة شمعون، وهو شمعون الصّفا».


شمعون الصّفا في المصادر الإسلاميّة

تزخر المصادر الإسلاميّة بالنّصوص المعرّفة بشَمعون الصّفا عليه السّلام، ويُفضي الاطّلاع على ما ورد فيها إلى جلاء أمورٍ أساسيّة مرتبطة به، وسنكتفي – رغم وفرة الشّواهد – بالإشارة إلى بعضها:

1- اسمُه ونَسَبُه:

أ) رُوي عن أمير المؤمنين عليه السّلام قولُه لجاثليق الرّوم [الجاثليق هو رأس النّصارى]: «إنّ وصيَّ عيسى، شمعون بن حمون الصّفا، ابنُ خَاله، اختلفَتْ عليه أُمّةُ عيسى».

(بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 30)

ب) ورد في هامش بعض أجزاء (بحار الأنوار)، سببُ إطلاق لقب «الصّفا»، أو «الصّخر» عليه، قال: «..وكان تلامذةُ المسيح يسمّون بالحَجر، لابتناء المسيحيّة والكنيسة عليهم».

 

2- كَونه وصيُّ النبيّ عيسى عليه السّلام، وانحصار الخطّ التّوحيديّ به دون سواه:

* عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «..وافترقت النّصارى على اثنتَين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون في النّار، وواحدةٌ في الجنّة، وهي الّتي اتّبعت شمعون وصيَّ عيسى عليه السّلام..».

(بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 28)

3- كراماتُه والمعاجِز:

* «..وكان يُبرئ الأكمَهَ والأبرصَ، ويأتي بالمعجزات والبراهين الّتي كان يُظهرها المسيح عليه السّلام على ما اتّفقت عليه روايات أصحاب الحديث..».

(نوادر المعجزات، الطّبريّ الشّيعيّ)

4- أنّه جَدُّ الإمام المهديّ عليه السّلام لوالدته:

أ) في كلام مولاتنا والدة الإمام المهديّ عليهما السّلام، وهي تعرّف عن نفسها: «أنا مليكة بنت يشوعا (يوشعا) بن قيصر ملك الرّوم، وأمّي من وُلد الحَواريّين، تُنسَب إلى وصيّ المسيح شمعون..».

(كمال الدّين، الشّيخ الصّدوق)

 

ب) حقيقة انتساب الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشّريف، من ناحية الأم، إلى شمعون الصّفا، ذُكرت بتفاصيلها في جميع المصادر التي تروي سيرة الإمام المهديّ عليه السّلام، ومنها: (الغَيبة، ح 178) للشّيخ الطّوسي؛ (دلائل الإمامة، ح 488) للطّبري الشّيعي؛ (روضة الواعظين، مجلسٌ في ذِكر ما رُوي في نرجس أمّ القائم عليه السّلام) للفتّال النيسابوري؛ (المناقب، باب إمامة الحسن بن عليّ العسكريّ عليهما السّلام) لابن شهرآشوب، وغيرها.

5- ﴿..فَعَزَّزْنَا بِثَالِث..﴾:

في (مجمع البيان) للشّيخ الطّبرسيّ، في تفسير قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ يس:13-14، قال: «بعثَ عيسى رسولَين من الحواريّين إلى مدينة أنطاكية ".." فَأَتياها ولم يَصِلا إلى ملكِها، وطالتْ مدّةُ مقامِهما، فخرجَ الملِكُ ذات يوم، فكبَّرا وذَكرا الله، فغضبَ الملكُ وأمر بحبسِهما، وجَلْدِ كلِّ واحدٍ منهما مئةَ جَلدة. فلمّا كُذِّبَ الرَّسولان، وضُرِبَا، بعثَ عيسى شمعون الصَّفا، رأسَ الحواريّين، على أثرهما، ليَنصرَهما. فدخلَ شمعون البلدةَ متنكّراً، فجعل يعاشرُ حاشيةَ الملك، حتّى أَنِسوا به، فرَفعوا خبرَه إلى الملِك، فدعاه ورَضِيَ عشرتَه..»، إلى آخر الخبر.

.. في المصادر التّاريخيّة

يسلّم المسعوديّ في كتابه (التّنبيه والإشراف)، بأنّ شمعون الصّفا، هو بطرسُ الحواريّ المعروف عند النّصارى، فيقول: «بطرس: ويسمّى شمعون، وسمعان، وهو خليفة أيشوع النّاصريّ»، يريد به السّيّد المسيح عليه السّلام.

والدُه حمون بن عامه (أو عمون) من سلالة النّبيّ سليمان بن داوود عليهما السّلام، ووالدتُه شقيقةُ عمران والد السّيّدة مريم عليها السّلام، الذي سُمّيت باسمه وآله سورة قرآنيّة. فعمران هو خالُ شمعون الصّفا، والسّيّدة مريم ابنةُ خاله، وقد تقدّم الخبر المرويّ عن أمير المؤمنين عليه السّلام بهذا الخصوص.

وفي بعض المصادر أنّ عمران وحمون، تزوّج كلٌّ منهما بشقيقة الآخر، وعليه تكون القرابة بين شمعون الصّفا، والسّيّدة مريم عليها السّلام، من ناحية الأب والأم معاً.

 

وُلد شمعون الصّفا في السّنة العاشرة قبل ميلاد النّبيّ عيسى عليه السّلام، وفي أحد التّواريخ الغربيّة أنّ مسقط رأسه هو بلدة «جسكالا»، المعروفة اليوم ببلدة الجِشْ شمال فلسطين، وهو قولٌ ضعيف، لعدم وجود ما يدعمه.

شمعون الصّفا بعد النّبيّ عيسى عليه السّلام

في كتاب (كمال الدّين) للشّيخ الصّدوق حديثٌ منسوبٌ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الفترة التي تَلتْ رفْعَ اللهِ النّبيَّ عيسى إليه: «فلم يزلْ شمعون يقومُ بأمر الله عزَّ وجلَّ، ويحتذي بجميع مقال عيسى عليه السّلام في قومه من بني إسرائيل، ويجاهد الكفّار..».

وتلتقي الرّوايات التّاريخيّة حول أنّ أيّامَ وصاية شمعون عليه السّلام كانت عصيبةً عليه خاصّة، وعلى الحواريّين والمؤمنين عموماً، حيث استمرّت مطاردة أحبار اليهود والرّومان لشمعون وشيعتِه، لكنّه بقيَ بين بني قومه في منطقة الجليل وما والاها، يدعوهم للثّبات على شريعة النّبيّ عيسى عليه السّلام، بالرّغم من جميع المصائب التي نزلت به، وقد وصل الأمر إلى حدّ تهديده بالقتل، ما اضطرّه إلى الاستتار، كما ينقل الشّيخ الصّدوق، عن رواية منسوبة للإمام الصّادق عليه السّلام: «واستَتَرَ شمعون بن حمون، والشّيعة، حتّى أفضى بهم الاستتارُ إلى جزيرةٍ من جَزائر البَحر، فأقاموا بها، ففجرَ اللهُ لهم فيها العيونَ العَذبة، وأخرجَ لهم من كلِّ الثّمرات..».

وفي العام 66م شهدت فلسطينُ اضطراباتٍ شديدة، كانت الغلَبة فيها على مدى سنواتٍ لليهود، ما أتاحَ لهم تتبُّع مناوئيهم، وعلى رأسهم شمعون الصّفا، الذي خرج حتّى «..وصل إلى قمّةِ جبلٍ في جليل الأُمم (أي صور حاليّاً)، لكنّ اليهود تَبعوه حتّى أدركوه هناك، وضُرِبَ بالسّيف على رأسه، وأُلقي جسدُه في جُبٍّ تظلّلُه شجرة بُطم ".." كان ذلك في العام 67م، وكان في السّابعة والسّبعين»، كما في المرويّات والنّقولات.

وخبرُ شهادة وصيّ النّبيّ عيسى عليه السّلام، تؤكّده المصادر الإسلاميّة، فقد أورد ابن قولويه في (كامل الزّيارات) روايةً عن الإمام الباقر عليه السّلام، جاء فيها: «... لَمّا كانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ التي قُتِلَ فيها أَميرُ المُؤْمِنينَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طالِبٍ عليه السّلام، لَمْ يُرْفَعْ حَجَرٌ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ إِلّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبيطٌ حَتّى طَلَعَ الفَجْرُ ".." وَكَذَلِكَ كانَتِ اللَّيْلَةُ الّتي قُتِلَ فيها شَمْعونُ بْنُ حَمونَ الصَّفا».

«مقام شمعون الصّفا» في بلدة شَمع العامليّة

بلدة شَمع، إحدى قرى قضاء صور في جنوب لبنان؛ تبعد عنها مسافة 18 كلم جنوباً، على ارتفاع 380 متراً عن سطح البحر، وتقع على جبلٍ مُشرفٍ على مدينة صور.

وعلى خمسة كيلومتراتٍ من بلدة شَمع، قريباً من مدينة النّاقورة، يُوجَدُ تلٌّ يُعرَف باسم «تلّ حامول»، يعتقد أهالي المنطقة أنّ أحد الأنبياء أو الصّالحين مدفونٌ في سفحِه الغربيّ، وهو حمون بن عامه، والد شمعون الصّفا، وصيّ عيسى عليه السّلام. ويرجّح بعض المؤرّخين أنّ العامَّة قلبتْ حرف «النّون» في لفظة «حمون»، إلى «لام»، لتقارب المخارج الصّوتيّة. وما يعزّز هذا القول، هو ما ورد في كتاب (ولاية بيروت)، المكتوب باللّغة التركية، حول وصف الطّريق بين صور وعكاّ؛ يقول: «وأمّا النّهر فيأتي من حامول، واسمها القديم Hammon [هكذا]..».

بدوره، يقول الرّحّالة الأميركيّ إدوارد روبنسون، الذي زار فلسطين ولبنان والأقطار المجاورة مرّتَين، في كتابه (يوميّات في لبنان تاريخاً وجغرافيا): «..وتحتَنا وادي حامول القصيرة ".." وفي هذه الوادي أطلالُ حامول، وربّما كانت حمون».

وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أنّ في بلدة القليلة السّاحليّة، القريبة من بلدة شَمع، ضريحٌ يُنسب إلى عمران والد السّيّدة مريم عليهما السّلام.

ما تقدّم، يرجّح بقوّة أنّ هذه المنطقة كانت موطنَ شمعون الصّفا وأُسرته وأقاربه، وبانضمامه إلى الشّواهد الآتيّة يقوى الاعتقاد في صحّة نسبة مقام بلدة شَمع، إلى وصيّ المسيح عليهما السّلام، ويتّضح أيضاً تاريخ بناء المقام نفسِه. من هذه الشّواهد:

1- كتاباتُ حَجَرِ المئذنة (490 للهجرة):

بعد اندحار العدوّ الصّهيونيّ من جنوب لبنان سنة 2000م، شهد المقام عمليّة ترميمٍ أشرفت عليها مجموعة من المختصّين، وفي أثناء عمليّة التّنقيب، عُثر على كتاباتٍ، تآكل بعضُها، منقوشةٍ على جانبَي حجر زاوية المئذنة، منها: «يا زائراً شمعون... فتوقّف، عجّل... نور النّبيّ له بحشر الموقف..».

وعلى الجانب الآخر، كتابات منها: «أشرف على هذا المكان المبارك.... سنة التّسعون وأربع مائة».

وأهمّيّة هذا الحجر تكمن في النّصّ الثّاني، إذ يؤرّخ بناء المقام سنة 490 هجريّة، أي ما يعادل 1096م، في فترة حكم الدولة الفاطمية (المُستعلي) على جبل عامل. ويبدو أنّ المقام تعرّض للإحراق من قبل الصّليبيّين إبّان غزوهم جبل عامل، بدءاً من العام 492 للهجرة، حيث ظهرت أثناء عمليّة إعادة التّرميم آثار حريق بعد إزالة الطّبقة الكلسيّة عن الحجارة. كذلك تعرّض المقام لتدمير جزئيّ أثناء العدوان الصّهيوني على لبنان في صيف العام 2006م.

2- وثيقة الشّيخ حسين خاتون العامليّ (1100 للهجرة):

على بعد أمتارٍ من المقام إلى جهة الشّرق، توجَد حجرة، تُسمّى «غرفة المنزول»، بناها الشّيخ حسين خاتون العامليّ سنة 1100 للهجرة، وثمّة صخرة نصف دائريّة في بعض زوايا هذه الغرفة، نُحِتت عليها كتابات وأبيات شعريّة، يؤرّخ آخرُها لزمن بنائها:

«بسم الله الرّحمن الرّحيم

[حجرةٌ] بل نزهةٌ للنّاظرين       

غرفةٌ مبنيّةٌ للزّائرين

في حِمى شمعونَ زادت         

رفعةً إذْ له فضلٌ وسرٌّ مستبين

أيّها الزّوّار طبتُم أنفساً          

فاقصدوها نعمَ دار المتّقين

جاء في التّاريخ عزٌّ كاملٌ      

ادخلوها بسلامٍ آمنين


أُنشئ هذا المكان بعون الله وتوفيقه، بأمر الشّيخ حسين خاتون، وسَعي الشّيخ نور الدّين، سنة 1100هـ».

 
3- وثيقة المحقّق البحرانيّ (1107- 1186 للهجرة):

تُعدّ وثيقة المحقّق الشّيخ يوسف البحرانيّ من أقدم الوثائق التي تصرّح بدفن شمعون الصّفا في قرية شمع، وهذه الوثيقة عبارة عن رسالة بعثَها أحد أبناء بلدة أنصار العامليّة للشّيخ البحرانيّ يعدِّد فيها أسماء قرى جبل عامل ومُدنها، وقد أوردها الشّيخ في (كشكوله). ومحلّ الشّاهد من هذه الرّسالة ما ورد فيها حول بلدة شَمع: «شَمع: بها مدفنُ شَمعون الصّفا، وصيّ عيسى، وله مقامٌ عظيم». وبما أنّ المحقّق البحرانيّ ألّف كتابه (الكشكول) بعد سنة 1163 للهجرة، يكون مقام شمعون الصّفا معروفاً – على الأقل - منذ 272 سنة.

4- كتابات صندوق الضّريح (1294 للهجرة):

صندوق الضّريح خشبيّ، قديم الصّنع، لا توجد عليه نحوتات تؤرّخ زمنَ صناعته، لكنّ بعض الزائرين، دوّنوا على أخشابه كتابات مؤرّخة، نكتفي بذكر أقدمها:

«بسم الله الرّحمن الرّحيم. قد أودعت في هذا المقام... شهادةَ أنْ لا إله إلّا الله وحدَه لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وليّ الله، وأشهد أنّ الساعة آتيةٌ لا ريبَ فيها، وأنّ الله يبعثُ مَن في القبور. وقد حرّرها الحقير الفقير المعترف بالذّنوب والتّقصير، زين بنُ أبي الحسن، بن محمّد، بن زين قاسم الحسنيّ، في شهر رجب 1294..».

5- غرفة الدّيوان (1303 للهجرة):

هي غرفة مبنيّة على بُعد أمتار من النّاحية الشّرقيّة للمقام، وقد ذُكر اسم شمعون الصّفا ضمنَ أبياتٍ حفرت على حجرٍ فوق إحدى نافذتَيها، ويؤرّخ أحد الأبيات لزمن بناء الحُجرة، وهو سنة 1303 هجريّة.

6- يؤكّد الشّيخ إبراهيم سليمان (1910 – 2004م) بأنّ «النّبيّ شمع» هو شَمعون الصّفا، وينقل عن الكتاب المخطوط (أزهار الخمائل) حديثاً عن موقع بلدَتي «مجدل زون» و«المنصوريّ»، حيث ورد: «المجدل، واقعة شرقيّ مقام نبيّ الله شَمع، أي شمعون الصّفا».

وتحت عنوان «مشهد شمع»، يقول في كتابه (بلدان جبل عامل): «وشمعون الصّفا هو وصيّ عيسى، ومشهدُه كان يزوره علماؤنا الأعلام في نصف شعبان قبل عهدِنا، كالسّيّد نجيب فضل الله، والسّيّد علي محمود الأمين، والسّيّد حيدر مرتضى، والسّيّد جواد، والشّيخ حسين مغنيّة، والسّيّد عبد الحسين شرف الدّين، ومَن لا يحصى كثرةً، وقد تشرّفنا بزيارته مراراً، وهو شمعون بن حمون الصّفا».

7- من المُتسالَم عليه بين أبناء المنطقة، وجبل عامل عموماً، أنّ قرية شَمع، إنّما سُمّيَت باسمها نسبةً إلى شمعون الصّفا المدفون فيها، وقد توارثوا ذلك خلَفاً عن سلَف، وكان هذا الأمر شائعاً ومعروفاً أيضاً في أوساط العلماء والفقهاء العامليّين.

الوصف الحالي للمقام

البوّابة الأساسيّة لمزار شمعون الصّفا عليه السّلام حديثةُ الصّنع، تُفضي إلى السّاحة الخارجيّة التّابعة في ملكيّتها للمقام، وتمتدّ أمامه من النّاحيتَين الشّماليّة والغربيّة، أرضُها مرصوفةٌ بالحجارة المنصوريّة [نسبةً إلى بلدة المنصوري المجاورة لشَمع]، وإلى جانبها حديقتان صغيرتان فيهما عددٌ من القبور، تتوسّط إحدى الحديقتَين غرفةٌ قديمة البناء، أمامها مِزولةٌ لمعرفة أوقات الصّلاة، وتحت هذه السّاحة بئرٌ كبيرةٌ، شبهُ السّاقية الجوفيّة، ولا تجفّ إلّا نادراً.

* ساحةُ الرّوضة: تقع في الجهة الجنوبيّة، وفيها المئذنة، وأواوين، وثلاثُ قناطر شبه دائريّة في غاية الدّقّة والجمال. تجتاز إحدى هذه القناطر، فتبلغ بوّابةَ الرّوضة، وعلى جانبَي هذه البوّابة الخشبيّة الخضراء ركيزتان صخريّتان أثرِيّتان.

* الرّوضة: هي من حُجرتَين، شُيّدتا في السّنوات الأخيرة، تُظلّلهما قبّتان، الغربيّةُ منهما حجارتُها كلسيّة، والقبّة الشّرقيّة أجمل وأدقُّ صُنعاً، فحجارتها رمليّة، وهي مستديرةٌ بشكلٍ مُحكَم، وللرّوضة بابان: شماليّ وجنوبيّ، والأخير يؤدّي إلى حجرةٍ ثالثة، تُعرف بـ «غرفة أمّ النّبيّ»، في حائطها الجنوبيّ محرابٌ حجريٌّ جميل، وفي الجهة الغربيّة الموازية لهذه الحجرة، غرفةٌ رابعةٌ تسمّى «غرفة الجامع»، في حائطها محرابٌ حجريّ أيضاً، وعلى الأخيرتّين قبّتان بحَجم الأوليَين، لكنّ هندستهما مختلفة.

* الصّندوق الخشبيّ: موجودٌ داخل الرّوضة، سَنَمِيُّ الشّكل [من سَنام النّاقة، أي أعلى ضهرها]، مكسوٌّ بقماشٍ أخضر، صُنع قبل سنة 1294 هجرية. في كلٍّ من زواياه الأربع، قطعٌ نحاسيّةٌ مدبّبة، تمتاز بعدم فقدانها لرائحتِها الطّيّبة منذ زمنٍ بعيد.

* المئذنة: تقع في ساحة الرّوضة، ارتفاعُها خمسةٌ وعشرون متراً، وفي بعض زواياها الحجر الذي تقدّم ذِكرُه، والّذي أُرِّخَ عليه زمنُ بناء المقام.

..وفي مقامه روحانيّة

يقول الشّيخ إبراهيم سليمان في كتابه (بلدان جبل عامل)، متحدّثاً عن مقام الوصيّ شمعون الصّفا: «وفي مقامه روحانيّة، وله كراماتٌ، ونذرُه مستجابٌ مجرَّبٌ مراراً».

هذه الميزة، أي حالة السّكينة والصّفاء التي تُعانق النّفس، ملحوظةٌ في جميع مشاهدِ أولياء الله تعالى، إلّا أنّها تكون أقوى وأبعد أثراً في مشاهد بعينِها. ومن الأمور التي يُجمع عليها زائرو مقام الوصيّ شمعون الصّفا – يستعمل العامليّون عبارة «النّبيّ» عند حديثهم عنه – أنّ زيارته تورِثُ بهجةً وطُمأنينةً خاصّتَين، وأنّه ممّن لا يخيبُ قاصدُه، ولا يرَدُّ السّائلُ من عنده بغير قضاء حاجتِه بإذن الله تعالى، كيف لا، وهو الوصيُّ الشّهيد، وجَدُّ خاتم الأوصياء، ولذلك غدا مقامه محجّة الزّائرين، يفدون إليه طوال أيّام السّنة، وتتقاطرُ الوفود إليه في أيّامٍ بعينِها، لا سيّما في الخامس عشر من شعبان، ذكرى ولادة حفيده الإمام المهديّ المنتظَر عجّل الله تعالى فرجه الشّريف، ويوم الغدير، وفي العيدَين، وليالي القدر، وأيّام الجمعة، وفي المناسبات الإسلاميّة عموماً.

اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الواحد و الخمسون -شهر شعبان 1435 - حزيران 2014

شعائر العدد الواحد و الخمسون -شهر شعبان 1435 - حزيران 2014

نفحات