بسملة

بسملة

24/06/2014

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا


قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا

§        الشّيخ حسين كوراني

شهرُ الله ربيعُ القرآن. القرآنُ تزكيةٌ وتعليم. ﴿.. وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ..آل عمران:164.

شهرُ الله، إذاً، شهرُ النّاس، وربيعُ التّزكية والتّعليم.

التّزكيةُ أخصُّ من التّربية وأدقّ. قد يُربّى الحيوان إلّا أنّه لا يَتزكّى.

العِلمُ المقترنُ بالتّزكية سعةٌ وحِكمة ﴿.. وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ البقرة:268-269.

العلمُ المفارِقُ للتّزكية، ضلالٌ: ﴿..فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى طه:123.

والعِلمُ المفارقُ للتّزكية ضِيقٌ وضَنكٌ: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ الأنعام:125.

* ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى طه:124-126.

تتجاوزُ العلاقةُ بين التّزكية والعِلم حدودَ التّلازم، فتبلغ التَّماهي.

التّزكيةُ طلبُ العلم للعَملِ به، والمرابطةِ على ثَغْرِ القلبِ في هَدْي حكومةِ العقل لسَدِّ الثّغرات وصَدِّ العادِيات.

قال الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام: «لَا يَقْبَلُ اللهُ عَمَلاً إِلّا بِمَعْرِفَةٍ، ولَا مَعْرِفَةَ إِلّا بِعَمَلٍ، فَمَنْ عَرَفَ دَلَّتْهُ الْمَعْرِفَةُ عَلَى الْعَمَلِ، ومَنْ لَمْ يَعْمَلْ فَلَا مَعْرِفَةَ لَه، أَلَا إِنَّ الإِيمَانَ بَعْضُه مِنْ بَعْضٍ».

***

تَقَدُّمُ التّزكيةِ على التّعليم – من وجهةِ نظرِ الإسلام - رُتْبِيٌّ. لا يُمكِنُ الفَصلُ بينَهما والهدفُ التّزكية. للتّزكية يُطلَبُ العِلمُ، وبه تَتبلور، وبها تَتجَوهرُ حقيقتُه.

يتّضحُ بما لا مزيدَ عليه أمران:

الأوّل: أنّ التّزكيةَ الأخصُّ من التّربية بمفهومها الإسلاميّ، تُغايرُ التّربيةَ بمفهومها السّائد والذي يُقصَدُ عادةً عندما يُقال، مثلاً: «وزارة التّربية والتّعليم». أو «المَناهج التّربويّة».

الثّاني: أنّ العِلمَ بمفهومه الإسلاميّ يُغايرُ «العِلمَ» بمفهومه السّائد.

تُمسِكُ التّزكيةُ بتَلابيبِ التّعليمِ ونَاصيَتِه، لا فرقَ في ذلك بين الفَردِ والجَماعة، ولا بينَ تطبيقِ المَعرفةِ المنجَزة، أو عمليّة إدراكِ غَيرِ المُنجَزِ منها.

بديهيٌّ جدّاً أن يؤدّي مَسْخُ التّزكية - بما يُقال له تربية - أو إخراجُها من دائرة الاهتمام، إلى تَقزيمِ بشريّة الإنسان ومَسْخِها لصالحِ الآلة والوسيلة. تلك هي الأزمةُ المَعرفيّةُ العُضال التي تواجهُ البشريّةَ اليوم على أعتاب الألفيّة الثّالثة.

 

إنّها أزمةُ تَزكِيَة.

 

ليست القيمةُ في عالَمنا إلّا للمواصلاتِ والاتّصالاتِ ووسائلِ الرّاحة، بما يشملُ أحدثَ مبتكَراتِ الدّمار الشّامل! لما تؤمِّنُه من «راحة» للسّيّد الأميركيّ، مثلاً، الذي يُصَنِّعُ الآلاتِ الأضخم.

 

يتمُّ ذلك بالمُطْلَق على حسابِ قيمة الإنسان وكرامتِه ومِحوَريّته.

 

لم تَعُد إنسانيّةُ الإنسان هدفًا، ولم تَعُد الفكرةُ مطلباً إلّا إذا كانت تسبحُ في فضاءِ المَردود الرِّبْحِيّ والشّهوات.. ولم يَعد الالتزامُ بالفكرة القيمة مثارَ اهتمام، الأمر الذي يُلغي مبدأَ الاستقامةِ في السّلوك، ليَحلّ بدلاً منه إشباعُ الغرائز والتّفلّتُ من كلّ الضّوابط.

 

يعني ذلك ببساطة استبدالَ الإنسانيّةِ بالحيوانيّة. ﴿..بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ الفرقان:44.

***

مآلُ ما سبقَ أنّ الثّقافةَ الإسلاميّةَ ثقافةُ التّزكية، والثّقافةَ المادّيّةَ «ثقافةُ» الغريزة، والحيوان، والآلة. أمثَلُها طريقةً هو ثقافةُ وَهْمِ التّربية. ثقافتان مُتنافرتان محالٌ أن تَلتقيا.

للنّاس في ثَقافاتهم ما يَشاؤون. ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ..الإسراء:84. بيتُ القصيدِ هنا أُعجوبةُ الأرَضين السّبع وسماواتها. أن يبلغَ نفوذُ «ثقافة» الغابِ المادّيّةِ في غالبِ دوائر الثّقافة المُنتمية إلى الإسلام – ولو بِنِسَبٍ مختلفة - إلى حدِّ إنكارِ أصلِ وجودِ المناهجِ التّربويّةِ في الثّقافَةِ الإسلاميّة!!

تُمْعِنُ النَّظَرَ، بعدَ أن لا يكاد يَنقضي منك العَجَبُ، فتُوقِنُ بأمرَين هما سببُ هذا الخَلْطِ والخَبط: أنّ هؤلاء لا يُفرّقونَ بين التّزكيةِ والتّربية. أنّهم يبحثونَ في النّصّ الدّينيّ عن تلبيةِ ما فَهموه من مصطَلح التّربية في ضوء مَسْخِ الغَزوِ الثّقافيّ لأجيالنا المُتتالية.

يبحثون عن بناء الشّخصيّة المُوقِنة بأنّ الدّنيا كلُّ شيء والغيبَ غائبٌ لا بدَّ من عدمِ إنكارِه. لا يَجِدونَ في النّصّ الشّرعي ما يُلبّي هذا «الهَمَّ التّربويّ الحَضاريّ»!!

لم يبلغوا رُشْدَ اليقينِ الثّقافيّ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ﴿..وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا!

***

حَتْمٌ علينا أن نقاربَ هذه الحقيقةَ الصُّراح بموضوعيّة. بتَمامِ المسؤوليّةِ بين يدَي الله تعالى. لا يُخْرِجَنّ أحدٌ منّا نفسَه من حدّ التّقصير وشوْبٍ من المَسْخِ الثّقافيّ والتّغريب.

مقياسُ مبلغِ هذا الشَّوبِ خطورةً أو تَضاؤلاً، موقفُنا من المنهَج التّربويّ الإسلاميّ الأصيلِ المَبنيِّ بإحكامٍ معصومٍ على الرّؤيةِ التّوحيديّةِ والأعمالِ العباديّة. على النّظريّةِ والتّطبيقِ في مسارِ ﴿..يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ..آل عمران:191، ومضمارِ ﴿..وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَالمطفّفين:26 ...  ﴿..أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.. هود:7.

مقياسُ هذا الموقف «حُسْنُ التّأسّي». أن لا نفصلَ بين تزكيةِ المحمّديِّ وبين ما بلَّغَه سيّدُ النّبيّين للأجيال في صراطِ التّزكية. المنهجُ الذي التزمَه هو صلّى الله عليه وآله، وأهلُ بيتِه عليهم السّلام، والصّحابةُ الأبرار، والتّابعون الذين أحسَنوا التّأسّي والاتّباع.

من مفرداتِ مقياسِ «حُسن التّأسي» أمران: أن نجدَ مدرسةً إسلاميّةً تحاولُ تطبيقَ هذا المنهجِ النّبويّ في التّزكية. وأن نجدَ فينا مَن يقتنعُ بضرورةِ تأسيسِ جامعة (مصباح المُتهَجّد) أو (إقبال الأعمال) أو (مفاتيح الجنان).

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

27/06/2014

دوريّات

نفحات