أيّها العزيز

أيّها العزيز

27/06/2014

ظهورُ الأعمال عند الاحتضار


 

ظهورُ الأعمال عند الاحتضار

لا بدّ أن تعرف أنّ عالم برزخ كلّ شخص هو أنموذجٌ من نَشْأَتِه يوم القيامة، تنفتحُ منه على هذا العالم كُوَّةٌ من الجنّة أو النّار، كما في النّبويّ الشّريف: «الْقَبْرُ إِمّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرانِ».

فالإنسانُ يشاهدُ، عند سَكَرات الموت والاحتضار، صوَر أعماله وآثارَها، ويسمعُ من ملَك الموت بشارةَ الجنّة أو الوعيد بالنّار.

وكما أنّ هذه الأمور تنكشفُ عليه قليلاً، كذلك تنكشفُ عليه الآثارُ الّتي تركَتْها أعمالُه وأفعالُه في قلبِه، من النّورانيّة، وشَرِح الصّدر ورحابته... أو أضدادها، من الظّلام، والكدُورة، والضّغط، وضِيق الصّدر؛ فإنْ كان من أهل الإيمان والسّعادة، يستعدّ قلبُه عند معاينة البَرزخ لمشاهدة النّفَحات اللّطيفة اللُّطفيّة والجمال، وتظهر فيه آثارُ تجلّيات اللُّطف والجمال، وتشتعلُ في قلبه جذوةُ الاشتياق إلى جمال المحبوب...

وإنْ كان من أهل الشّقاء، والجُحود، والكفر، والنّفاق، والأعمال القبيحة، والأفعال السّيّئة، انكشف عليه - بقدر نصيبه من دار الدّنيا، وما وفّره واكتسَبه لنفسه منها، من آثار السّخط الإلهيّ والقهر - نموذجٌ من دار الأشقياء، فيدخلُ الذّعرُ والهَلَعُ في نفسه بدرجةٍ لا يكون عندَه شيءٌ أبغض من التّجلّيات الجلاليّة والقاهريّة للحقّ المتعال، وتستولي عليه من جرّاء هذا البغض والعداوة الشّديدين، الضّغوطُ، والظّلامُ، والصِّعاب، والعذابات الّتي لا يعرف حجمَها أحدٌ إلَّا الذّات الحقّ المقدّس، وهذه المِحن تكون لمَن كان من الجاحدين، والمنافقين، ومن أعداء الله وأعداء أوليائه في هذه الدّنيا...

إنّ الحياة الدّنيويّة كانت ستاراً ملقًى على عيوبنا، وحجاباً على وجهِ أهل المعارف، وعندما يُزاح هذا السّتار، ويُخترَق هذا الحجاب، يرى الإنسانُ أنموذجاً ممّا أعدَّه لنفسه، وممّا كان فيه.
إنّ الإنسان لا يرى في العوالم الأخرى من العذاب والعقاب إلَّا ما وفّره وهيّأه في هذه الدّنيا، ولا يشاهد في العالَم الآخر إلَّا صورةَ ما أنجزه في هذا العالم من الأعمال الصّالحة، والخُلُق الحسن، والعقائد الصّحيحة...

فلا بدّ أن نعلم بأنّنا إذا تعلّقنا بالحقّ المتعال وأوليائه، ووضعنا في رقابنا حبلَ طاعة الذّات المقدّس، وجعلنا اتّجاه القلب إلهيّاً وربّانيّاً، لظهرتْ أمامنا حين النّزع الحقائقُ بعينِها في صوَرٍ بهيّة.

وعلى العكس، إذا كانت قلوبنا ذات صِبغة دنيويّة، وانصرافٍ عن الحقّ، فمن الممكن أن تُبذَر فيها شيئاً فشيئاً بذورُ عداوة الحقّ والأولياء، وتشتدّ هذه العداوة، حين المعاينة، فتظهر آثارُها الغريبة الموحشة.

إذاً، من الأمور المهمّة السّعيُ في سبيل تطوير حالة القلب، وجَعْلِها إلهيّة، وتوجيهِها نحو الحقّ المتعال وأوليائه ودار كرامته، ويتمّ هذا قطعاً بواسطة التّفكّر في آلاء الذّات المقدّس ونعمائه، والمحافظة على طاعتِه وعبادته. ولكن يجب أن لا يعتمدَ الإنسانُ على نفسه ومساعيه، بل يستعينُ بالله على ذلك في جميع الأحوال، وخاصّةً في حالات الخَلوة مع الله بكلِّ تذلّلٍ وتضرّعٍ وبكاءٍ، ويطلب منه أن يُلقيَ حبَّه في قلبه، ويُضيئه بنور محبّته ومعرفته، ويُخرجَ حبّ الدّنيا، وما عدا الله تعالى، من قلبه.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

27/06/2014

دوريّات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات