الملف

الملف

26/07/2014

الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام

الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام

مَدرسةُ الإسلام الكُبرى

 

اقرأ في الملفّ

استهلال

من وصايا الإمام الصّادق عليه السّلام

خازنُ علوم الدّين، وفقيه الوحي

المستشار عبد الحليم الجنديّ

المؤلّفات المنسوبة إلى الإمام الصّادق عليه السّلام

«شعائر»

كتاب «منافع القرآن العظيم»

علي موسى الكعبيّ

روائع من كلام الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام

الحسين بن محمّد الحلوانيّ

 

استهلال

في وصايا الصّادق عليه السّلام، لمُؤمن الطّاق

يَا ابنَ النُّعمان: وَلَا يَكُونُ العَبدُ مُؤمناً حتّى تكونَ فيه ثَلاثُ سُنَن: سُنَّةٌ من اللهِ، وسُنَّةٌ مِن رَسولِه، وسُنَّةٌ من الإمام، فأمّا السُّنَّةُ من اللهِ، جلَّ وعزّ، فَهُو أن يكونَ كَتوماً للأَسرار، يقولُ اللهُ جَلَّ ذِكرُه: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾. وأمّا السُّنّةُ مِن رَسولِ الله، فَهو أن يُداري النّاسَ ويُعاملَهم بالأخلاق الحَنيفيّة. وأمّا الّتي مِن الإمام، فَالصَّبرُ في البَأْسَاء والضّرّاءِ حتّى يَأتيَه اللهُ بالفَرَج.

(الأصفهاني، مكيال المكارم: 2/266)

 

الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام

خازنُ علوم الدّين، وفقيهُ الوَحي

ـــــ المستشار عبد الحليم الجنديّ ـــــ

 

هذا النّصّ المستعاد للمفكِّر الإسلاميّ المصريّ المستشار عبد الحليم الجنديّ، مستلٌّ من الكتاب الشّهير الّذي وضعَه الجنديّ حول سيرة الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام، في سبعينيّات القرن العشرين المنصرم.

أهمّيّة هذا الكتاب والنّصّ الّذي اخترناه لهذا العدد أنّه يعكس مناخَ نخبةٍ واسعةٍ من مفكِّري العالمَين العربيّ والاسلاميّ وعُلمائهم، حول المنزلة العظيمة الّتي يرتقيها الإمام الصّادق عليه السّلام في ضميرِهم الجَمعيّ ووجدانهم الدّينيّ.

وقد ارتأينا نشرَ هذا النّصّ الّذي وضعَه الكاتب تحت عنوان «المدرسة الكبرى»، وهو جزءٌ ممّا ورد في الفصل الأوّل من الكتاب.

«شعائر»

 

أخذَ الفروعَ والأصول عن الإمام جعفر جمعٌ غفيرٌ من ثقات الشّيعة، ورَووا ذلك لمَن بعدهم على سبيل التّواتر القطعيّ. ورواه هؤلاء، لمَن خلَفوهم قرناً بعد قرنٍ. فالصّادق يروي علمَ مَن قبله، ويروي الأئمّةُ من أبنائه علمَه، كما يرويه تلامذتُه. فهو الحلقةُ التي تتوسّط السّلسلة، أو العروة الوثقى بين كُتب آبائه وبين ما كتب بعده «الإماميّة».

 

المصحف الخاصّ، أو كتاب الأصول

آلى أمير المؤمنين عليه السّلام على نفسه بعد الفراغ من تجهيز الرّسول صلّى الله عليه وآله، ألّا يرتدي إلّا للصّلاة أو يجمع القرآن. فجمعه مرتّباً على حسب النّزول. وأشار إلى عامِّه وخاصِّه، ومُطْلَقه ومقيّده، ومُحكَمه ومُتشَابهه، وناسخِه ومَنسوخه، وعَزائمِه ورُخَصِه، وسُننِه وآدابِه، ونبّه على أسباب النّزول فيه.

ومن جلال شأن هذا الكتاب، قال فيه محمّد بن سيرين: «لو أصبتُ هذا الكتابَ، كان فيه العِلم». فهو كما يظهر من محتوياته مصحفٌ خاصّ، وكتابُ أصولٍ من صُنع عليّ عليه السّلام.

الجامعة

و(الجامعة): كتابٌ طولُه سبعون ذراعاً، من إملاء النّبيّ صلّى الله عليه وآله وخطّ عليٍّ عليه السّلام. فيه ما يحتاجُه النّاسُ من حلالٍ وحرامٍ وغيره، حتّى ليصلَ في التّفصيل إلى أَرْش الخدش [التّعويض عنه]. وقد وصفَها بذلك الباقر والصّادق عليهما السّلام. شهدها عندهما الثّقات من أصحابهما ومنهم أبو بصير.

قال الصّادق عليه السّلام: «أَما وَاللهِ عِنْدَنا ما لا نَحْتاجُ إِلى أَحَدٍ، وَالنّاسُ يَحْتاجونَ إِلَيْنا، إِنَّ عِنْدَنا الكِتابَ بِإِمْلاءِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَخَطِّ عَلِيٍّ بِيَدِهِ. صَحيفَةٌ طولُها سَبْعونَ ذِراعاً، فيها كُلُّ حَلالٍ وَحَرامٍ».

وقال: «إِنَّ الجامِعَةَ لَمْ تَدَعْ لِأَحَدٍ كَلاماً. فيها الحَلالُ وَالحَرامُ. إِنَّ أَصْحابَ القِياسِ طَلَبوا العِلْمَ بِالقِياسِ فَلَمْ يَزِدْهُمْ مِنَ الحَقِّ إِلّا بُعْداً. وَإِنَّ دينَ اللهِ لا يُصابُ بِالقِياسِ».

قالوا: سُمِّيت: «الجامعة»، و«الصّحيفة»، و«كتاب عليّ»، و«الصّحيفة العتيقة».

كان أمير المؤمنين عليه السّلام يخطبُ النّاسَ فيقول: «وَاللهِ ما عِنْدَنا كِتابٌ نَقْرَأُهُ عَلَيْكُمْ إِلّا كِتابَ اللهِ تَعالى، وَهَذِهِ الصَّحيفَة - وكانت مُعلّقةً بسَيفه - أَخَذْتُها عَنْ رَسولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ».

ولقد دعا الخليفة أبو جعفر المنصور [العبّاسيّ] بكتابٍ عليٍّ هذا، فجاءَ به الإمام الصّادق وقرأ فيه أنّ: النّساء ليس لهنّ من عقار الرّجل، إذا توفّى عنهنّ، شيء. وقال أبو جعفر [المنصور العبّاسيّ]: «هَذا واللهِ، خَطُّ عَلِيٍّ وَإِمْلاءُ رَسولِ اللهِ، صلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآلِه] وَسَلَّمَ».

وأبو جعفر من العلماء كما قال عنه مالكٌ إمامُ المدينة، وكما أقرَّ له الجاحظ كبيرُ النَّقَدَة. فهو قد يقسمُ لأنّه قرأ كتابةً قبل ذلك لِعَليٍّ، أو لأنّ لديه من العلم، ما يُعرِّفُه أنّها بإملاء النّبيّ صلّى الله عليه وآله.

كتاب الدّيات

وكتاب (الدّيات): وهو يغطّي ما يُسمّى في الفقه المعاصر «المسؤوليّة المدنيّة» عن الفعل الضّارّ بالجسم، أوردَ محتوياتِه ابنُ سعد في كتابه المعروف بـ (الجامع). وروى عنه أحمد بن حنبل في (المسند الأعظم)، وذكره البخاريّ ومسلم، ورَويا عنه.

مصحف فاطمة عليها السّلام

ومن التّراث العلميّ عند الشّيعة ما يُسمَّى «مصحف فاطمة». حدّثوا عن الصّادق عليه السّلام إذ سُئل عنه: «أَنَّ فاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسولِ اللهِ خَمْسَةً وَسَبْعينَ يَوْماً، وَكانَ قَدْ دَخَلَها حُزْنٌ عَلى أَبيها. وَكانَ جِبْريلُ يَأْتيها فَيُحْسِنُ عَزاءَها وَيُطيبُ نَفْسَها، وَيُخْبِرُها بِما يَكونُ بَعْدَها في ذُرِّيَّتِها، وَكانَ عَلِيٌّ يَكْتُبُ ذَلِكَ. فَهَذا مُصْحَفُ فاطِمَةَ».

فليس هذا مصحفاً بالمعنى الخاصّ بكتاب الله تعالى، وإنّما هو أحدُ المدوّنات.

التّدوين

يروي «الصّدوق» في (الأمالي) أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: «المُؤْمِنُ مَنْ إِذا ماتَ تَرَكَ وَرَقَةً واحِدَةً عَلَيْها عِلْمٌ، تَكونُ تِلْكَ الوَرَقَةُ يَوْمَ القِيامَةِ سِتْراً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النّارِ».

وفي حياة النّبيّ صلّى الله عليه وآله، أو حياة عليٍّ عليه السّلام، اقتدت بعليٍّ عليه السّلام شيعتُه في التّدوين. أو قل: هُدِيَت لتنفيذ أمر الرّسول صلّى الله عليه وآله.

يقول ابنُ شهر آشوب: «أوّلُ مَن صنّفَ في الإسلام عليُّ بنُ أبي طالب، ثمّ سلمانُ الفارسيّ، ثمّ أبو ذرّ». والاثنان (من) شيعة عليٍّ عليه السّلام.

والسّيوطيّ يروي أنّ عليّاً والحسنَ بن عليّ، عليهما السّلام، ممَّن أباحوا كتابةَ العلم بين الصّحابة وفعّلوها.

وألّف أبو رافع مولى الرّسول صلّى الله عليه وآله، وصاحبُ بيتِ مالِ عليٍّ عليه السّلام بالكوفة، كتاب (السُّنن والأحكام والقضايا).

يقول موسى بن عبد الله بن الحسن: «سألَ أبي رجلٌ عن التّشهُّد، فقال أبي: هاتِ كتابَ أبي رافع. فأخرجَه فأملاه علينا».

أمّا عليُّ بنُ أبي رافع فكتبَ كتاباً في فنون الفقه على مذهب أهل البيت - أي آراء عليّ بن أبي طالب عليه السّلام - وكانوا يُعَظِّمون شأنَ هذا الكتاب، ويحملون شيعتَهم عليه.

ومن الشّيعة:

* زَيدُ الجَهْضَمِيّ، حاربَ مع عليٍّ عليه السّلام، وألّف كتاباً يحوي خُطَبَه.

* ومنهم ربيعة بن سميع: له كتابٌ في زكاة النَّعَم.

* ومنهم عبد الله بن الحرّ الفارسيّ: له لمعةٌ في الحديث جمعَها في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله.

* ومنهم الأصبغُ بن نباتة، صاحبُ عليٍّ عليه السّلام، روى عنه عهدَه إلى الأشتر النَّخْعيّ، ووصيّتَه إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة.

* ومنهم سُلَيم بنُ قيس الهلاليّ صاحبُ أمير المؤمنين، له كتابٌ في الإمامة، وله مكانةٌ عُليا في المذهب من حيث الأصول.

وذات يومٍ كان الحكمُ بن عُيَينة عند الباقر يسأله، فقال [الإمام الباقر عليه السّلام]: «يَا بُنَيَّ، قُمْ فَأَحْضِرْ كِتَابَ عَلِيٍّ». فأحضر كتاباً مدرجاً عظيماً ففتحَه. وجعل ينظرُ حتّى أخرجَ المسألة، وقال: «هَذَا خَطُّ عَلِيٍّ وَإمْلَاءُ رَسُولِ الله». وأقبلَ على الحَكم، وقال: «اذْهَبْ أَنْتَ وَسَلَمَةُ وَأبُو المِقْدَام حَيْثُ شِئْتُمْ يَميناً وَشِمالاً. فَواللهِ لا تَجِدونَ العِلْمَ أَوْثَقَ مِنْهُ عِنْدَ قَوْمٍ كانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ جِبْريلُ».

ومن قبل الإمام الباقر، وُجِدَت عند الإمام زين العابدين، عليهما السّلام، الصّحيفةُ المسمّاة: (الصّحيفة الكاملة). وعن زين العابدين عليه السّلام آلَتْ إلى الشّيعة رسائلُ عدّة، منها: (رسالة الحقوق)، ورسالةٌ إلى ابن شهاب الزّهريّ.

وكذلك ألّف عمرو بن أبي المقدام جامعاً في الفقه، يَرويه عن الإمام زين العابدين عليه السّلام.

فلمّا صارت الإمامة للصّادق عليه السّلام، حضَّ على تدوينِ العلم أيّاً كان موضوعُه، دينيّاً أو دنيويّاً، فقهاً، عباداتٍ أو معاملاتٍ، أو علوماً تطبيقيّة. وكان يقول: «القَلبُ يتَّكِلُ عَلى الكِتَابة»، وكان يُملي على تلاميذه، ويَجيئهم بالدّواةِ والقرطاس، ويقول: «اكتُبوا، فَإنّكُم لا تَحفظونَ حَتّى تَكتُبوا».

ويلتمسُ سفيانُ الثّوريّ إليه أن يحدّثه بحديثِ خطبةِ الرّسول صلّى الله عليه وآله بمَسجد الخِيف، ويرجوه ليأمرَ له بقرطاسٍ ودواةٍ ليثبتَه، فيأمر له، ثمّ يُمليه: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ. خُطْبَةُ رَسولِ اللهِ في مَسْجِدِ الخَيْفِ. نَضَّرَ اللهُ عَبْداً سَمِعَ مَقالتي فَوَعاها، وَبَلَّغَها مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ. يا أَيُّها النّاسُ: لِيُبَلِّغِ الشّاهِدُ مِنْكُمُ الغائِبَ، فَرُبَّ حامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقيهٍ، وَرُبَّ حامِلِ فِقْهٍ إِلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ...».

وكتب عبد الله الحلبيّ كتاباً عرضَه على «الصّادق عليه السّلام»، فصحّحَه واستحسنَه.

وسنرى حفيده الإمامَ العسكريّ يعرضُ عليه يونسُ بن عبد الرّحمن كتاب (يوم وليلة)، فيُصَحِّحه، ويأمرُ بالعمل به.

ولمّا غابَ «المهديّ عليه السّلام» في النّصف الثّاني من القرن الثّالث، أحوَجت «الغَيبةُ» إلى الرّجوع للمُدوّنات الّتي تزخرُ بها خزائنُ الشّيعة؛ إذ لم يَكن لديهم إمامٌ ظاهرٌ يسألونه، وكَثُرت الكتابةُ عندَهم في القرن الرّابع.

* * *

كان أوّلُ المستفيدين بالتّدوين الباكر أولئك الّذين يَلوذون بالأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام، فيتعلّمون شفاهاً أو تحريراً، أي من فمٍ لفمٍ، أو بالكتابة.

فما تناقلتُه كُتبُ الشّيعة من الحديث، هو التّراثُ النّبويّ - في صميمِه - بلغَ الشّيعةَ في يُسْرٍ طَوَّعَ لعلمِهم الازدهار. في حين لم يجمع أهلُ السُّنّة هذا التّراث إلّا بعد أن انكبَّ عليه علماؤهم قرناً ونصف قرن، حتّى حصّلوا ما دوّنوه في المدوّنات الأولى. ثمّ ظلّوا قروناً أخرى، يجوبون الفَيافي والقفارَ في كلّ الأمصار، فتطابقت السُّنّةُ - في مجموعها - عند هؤلاء وأولاء، إلّا أموراً لا تتّصلُ بأصل الدِّين، وخلافاتٍ في الفروع ليست بِدْعاً في الأمّة.

 وربّما كان اختلافُ مذاهب أهل السُّنّة في ما بينَهم وبين أنفسِهم أكثرَ ظهوراً في بعض المسائل من خلافِهم فيها مع فقهاء الشّيعة. وإذاً لاحظنا أنّ من الرّواة مَن قيل إنّه روى عشراتِ الآلاف من الحديث عن الإمام، تجلّت كفايةُ التّراثِ الموثوق به عندَ الشّيعة لحاجاتِ الأُمّة. ".."

والشّيعةُ يَكفيهم أن يصلوا بالحديث إلى الإمام، لا يطلبون إسناداً قبل الإمام جعفر الصّادق، بل لا يطلبون إسناداً قبل الأئمّة عموماً. لأنّ الإمام بين أن يكون يَروي عن الإمام الّذي أوصى له، وبين أن يكون قرأ الحديثَ في كُتُب آبائه - إلى ذلك - فإنّ ما يقولُه سُنّةٌ عندَهم. فهو ممحَّصٌ من كلّ وجه. فليست روايتُه للحديث مجرّدَ شهادةٍ به، بل هي إعلانٌ لصحّتِه. ".."

ولا مريةَ كان منهجُ عليٍّ عليه السّلام ومَن تابعَه في التّدوين خيراً كبيراً للمسلمين، منعَ المساوئَ المنسوبةَ إلى بعض الرّوايات، وأقفلَ الباب دون افتراء الزّنادقة والوضّاعين. فالسّبقُ في التّدوين فضيلةُ الشّيعة. ولمّا أجمعَ العلماءُ بعد زمانٍ طويلٍ على الالتجاء إليه، كانوا يُسَلّمون بهذه الفضيلة - بالإجماع - لِعَليٍّ وبَنيه. والسُّنّة شارحةٌ للكتاب العزيز، وهو مكتوبٌ بإملاء صاحب الرّسالة، فهي كَمثله حقيقةٌ بالكتابة.

إنّما كان المحدِّثون من أهل السُّنّة في القرون الأولى مضطرّين لسُماع لفظ الحديث من الأَشيُخ، أو عرضِه عليهم، لأنّ السُّنن لم تكن مدوَّنة. فكانت الرّحلةُ إلى أقطار العالَم لتلقّي الحديث على العلماء وسيلتُهم الأكيدة. ولم يغيِّر ذلك النّظرَ انتشارُ التّدوين في نهاية القرن الثّاني ومنتصفِ الثّالث، وكَثْرة الحديثِ المدوَّنِ في المَسانيد والمجاميع والصّحاح الّتي أُلَّفت بعد تلك الفترة، ومنها مسند أحمد بن حنبل، (ت: 241 للهجرة)، حوى ثلاثين ألفاً دون المكرّر. اختارها من ثلاثة أرباع مليون جمعَها من أفواه العلماء من أقصى الأرض وأدناها، وحدّث بها تلاميذَه لينقلوها إلى الأجيال التّالية. وكان في أواخر أيّامه يستوثقُ لنفسه، فيَروي للنّاس الحديثَ ويطلبُ المسندَ يقرأُ فيه.

ثم ّجاءت أجيالٌ تأخذُ الحديثَ من الصُّحفِ الموثوقِ بصَحّةِ صدورِها من صاحبِها دون أن يُرتَحَلَ إليه. وهذا ما أطلقوا عليه الوَجادة [لفظ مولَّد من «وجد» غير مسموع من العرب] يقولون: «وَجَدنا بخطّ فلان». وفي القرن الرّابع اعتبر ابن يونس الصّفديّ (ت: 347 للهجرة) إماماً حافظاً للحديث، وإنْ لَم يَرحَل. ".."

* * *

وفي كتابنا (الإمام الشّافعيّ) أجملَنا الكلام عن موضعِ الإمام من الإسلام كلِّه في كلمات: «الإمام جعفر.. يمثّلُ صميمَ الإسلام ".." وهو إمامٌ في الدّينِ والفقه، وبحرٌ في العلوم الطّبيعيّة». ".."

وهذا البحر ".." إمامٌ يَهتدي بهَديِه واجتهادِه أئمّةُ أهل السّنّة كافّة. أمّا الشّيعة الإماميّة، فقَولُ الإمام المعصوم يَجري عندَهم مَجرى قول النّبيّ صلّى الله عليه وآله، من كَوْنه حُجّةً على العباد. ولقد توسّعَ علماؤهم في اصطلاح السُّنّة إلى ما يشملُ «قولَ كلِّ واحدٍ من المعصومين، وفعلَه، وتقريرَه». فالأئمّةُ المعصومون ليسوا، بهذه المنزلة، من قبيل رُواة السُّنن، بل هم مَنصوبون من الله تعالى، على لسان النّبيّ، صلّى الله عليه وآله، لتبليغ الأحكام عن طريق الإلهام، كالنّبيّ بطريقِ الوَحي إليه، وهو خاصٌّ به، أو عن طريق التّلقّي من المَعصوم الّذي يسبق. أمّا فعلُ المعصوم فَدليلٌ على الإباحة. وأمّا تَرْكُه فَدليلٌ على عَدم الوجوب.

 

المؤلّفات المنسوبة إلى الإمام الصّادق عليه السّلام

تحدّث الرّواة والمؤرّخون عن الكثير ممّا نُسب إلى الإمام الصّادق عليه السّلام من مؤلّفات في مجال العلوم الدّقيقة والمعارف الإلهيّة المختلفة. ومن إجمالي ما ورد من أحاديث ومدوّنات أصحاب الإمام وما نقل عنهم المحقّقون، نورد ما يلي:

«شعائر»

1- رسالةٌ في شرائع الدِّين.

2- ووصاياه للإمام الكاظم عليه السّلام.

3- ورسالةٌ في الغَنائم ووجوبِ الخمس.

4- و(توحيد المفضَّل).

5- وكتاب (الإهليلجة).

6- وكتاب (مصباح الشّريعة).

7- وكتاب (مفتاح الحقيقة).

8- ورسالةٌ إلى أصحابه.

9- ورسالةٌ إلى أصحاب الرّأي والقياس.

10- ورسالةُ لمحمّد بن النّعمان.

11- وأخرى لعبد الله بن جُنْدب.

12- ورسالةٌ في وجوه المَعايش للعباد، ووجوه إخراج الأموال.

13- ورسالةٌ في احتجاجه على الصّوفيّة فيما يَنهون عنه من طلب الرّزق.

14- ورسالةُ حِكَمٍ قصيرة.

والرّسالتان الأخيرتان عملان أساسيّان في الاقتصاد والاجتماع، يدلّان على منهاج الإمام في صلاح الدّنيا بالعمل والعبادة معاً.

15- وثمّة الرّسائل العلميّة المقترنة بجابر بن حيّان.

16- أمّا كتابُ (الجَفْر) المنسوب إلى الإمام الصّادق عليه السّلام، فيقول عنه ابنُ خلدون: «واعلم أنّ كتاب (الجَفْر) كان أصلُه أنّ هارونَ بنَ سعيد العِجليّ - وهو رأسُ الزّيديّة - كان له كتابٌ يَرويه عن جعفر الصّادق، وفيه علمُ ما سَيقعُ لأهلِ البيت على العموم، ولبعضِ الأشخاص منهم على الخصوص. وقعَ ذلك لجَعفر ونظائره من رجالاتِهم على طريق الكرامة والكَشف الّذي يقعُ لمثلِهم. وكان مكتوباً عند جَعفر في جِلْدِ ثَورٍ صغيرٍ، فَرواه عنه هارون العِجليّ وكتبَه وسمّاهُ (الجَفْر)، باسم الجِلد الّذي كُتِبَ عليه، لأنّ الجَفْرَ في اللّغة هو الصّغير، وصارَ هذا الاسمُ علَماً على الكتاب عندَهم. وكان فيه تفسيرُ القرآن وما في باطنِه من غرائب المَعاني مرويّةً عن جعفر الصّادق. وهذا الكتاب لم تتّصل روايتُه ولا عُرِف عينُه، وإنّما يظهرُ منه شَواذٌّ من الكلماتِ لا يصحبُها دليل. ولو صحّ السَّنَدُ إلى جعفر الصّادق لكانَ نِعْمَ المستنَد من نفسِه أو من رجالِ قَومِه، فَهُم أهلُ الكرامات. وقد صحَّ عنه أنّه كان يحذِّرُ بعضَ قرابتِه بوقائع تكونُ لهم، فتُصبح كما يقول».

والرّواياتُ متضافرةٌ على أنّ (الجَفْرَ) غيرُ (الجَامعة). والبعض يقول إنّ (الجَفْر) من مؤلّفات عليٍّ عليه السّلام، أملاه عليه النّبيّ صلّى الله عليه وآله.

وهو جَفْران: الأبيض، وهو وعاءٌ من أَدَمٍ فيه علومُ الأنبياء والوصيّين والّذين مَضوا من علماء بني إسرائيل، والأحمر فيه علمُ الحوادثِ والحروب.

 

كتاب (منافعُ القرآن العظيم)

حقائق حول هذا المؤلَّف المنسوب للإمام جعفر الصّادق عليه السّلام

ـــــ علي موسى الكعبي* ـــــ

 

لا يَخفى أنّ حديثَ أهل البيت عليهم السّلام هو أحدُ المفاتيح الأساسيّة التي يعوَّل عليها في فهم النّصّ القرآنيّ، ومعرفة أسرار بلاغتِه، وروعة تعبيره، وتَحَرّي مواضع الدّقّة فيه، ذلك لأنّهم عليهم السّلام أعدالُ القرآن الكريم، وقرناؤه في الفضل، وشركاؤه في الهداية بنصّ حديث الثَّقلَين المقطوع بصحّة صدوره عند الفريقَين.

وعليه فإنّ مَن يريد أن يفهم كتاب الله تعالى، ويقف على معانيه الدّقيقة، ومراميه السّامية، وأسرار إعجازه، لا يُمكنه أن يستغنيَ عن حديث الرّاسخين في العلم - النّبيّ المصطفى وعترته الميامين عليهم السّلام - كي يَستضيءَ به في تدبُّر معاني الكتاب الكريم، والتّفكُّر في مقاصده وأهدافه وخصائصِه وآثاره، باعتبارهم أدلّ النّاس على سُموّ قدره، وأعرفِهم بمنزلتِه، وأعلمِهم بفضله. قال أمير المؤمنين عليه السّلام : «وَاللهِ ما نَزَلَتْ آيَةٌ إِلّا وَقَدْ عَلِمْتُ فيما نَزَلَتْ، وَأَيْنَ نَزَلَتْ، وَعَلى مَنْ نَزَلَتْ، إِنَّ رَبّي وَهَبَ لي قَلْباً عَقولاً، وَلِساناً طَلِقَاً سَؤولاً».

وقال الإمام الباقر عليه السّلام: «إِنَّ رَسولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَفْضَلُ الرّاسِخينَ في العِلْمِ، قَدْ عَلِمَ جَميعَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزيلِ وَالتَّأْويلِ، وَما كانَ اللهُ لِيُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأْويلَهُ، وَأَوْصِياؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمونَهُ كُلَّهُ».

وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: «نَحْنُ الرّاسِخونَ في العِلْمِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ تَأْويلَهُ».

ولقد اعتاد أغلبُ المفسِّرين بالمأثور، والمصنّفون في علوم القرآن الكريم والحديث الشّريف، إيرادَ فريدٍ من أحاديث النّبيّ صلّى الله عليه وآله وعترتِه المعصومين عليهم السّلام التي تتضمّنُ بيانَ فضائل سُوَر القرآن الكريم ومنافعِها وخواصّها، وما لها من آثارٍ على النّفس والبَدَن، وسائرِ أحوال الإنسان.

وتلك الأحاديث هي مصاديقُ واضحةٌ لقوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ..الإسراء:82، وقولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يونس:57، وغيرِها من الآيات الدّالّة على أنّ القرآن الكريم شفاءٌ للنّفس والبَدن، وضياءٌ للرّوح، وتهذيبٌ للأخلاق.

وجاء في الحديث الشّريف ما يؤكّد هذه المعاني أيضاً، فقد أخرجَ ابنُ ماجه وغيرُه من حديث ابن مسعود، قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: عَلَيْكُمْ بِالشِّفاءَيْنِ: العَسَلِ، وَالقُرْآنِ».

وأخرج أيضاً من حديث أمير المؤمنين عليه السّلام، قال : «خَيْرُ الدَّواءِ القُرآنُ».

وجاء عنه عليه السّلام في (نهج البلاغة): «عَلَيْكُم بِكِتَابِ الله، فَإنَّه الحَبْلُ المَتِينُ، وَالنّورُ المُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ...».

وقال عليه السّلام: «إِنَّ فيهِ شِفاءً مِنْ أَكْبَرِ الدّاءِ، وَهُوَ الكُفْرُ وَالنِّفاقُ، وَالغَيُّ وَالضَّلالُ...».

وقد أكّدت البحوثُ الطّبّيّةُ الحديثةُ أنّ الطّبَّ الرّوحانيّ من أهمّ الأسباب المؤدّية إلى تخفيفِ الأمراض النّفسيّة المُستَعصية، والكثيرةِ الشّيوع في زماننا هذا، ولا ريبَ في أنّ القرآن الكريم والدّعاء يقفان على رأس مفردات الطّبّ الرّوحانيّ والعلاج النّفسانيّ، لما لهما من الأثر البالغ في نفوس المؤمنين المعتقدين. أخرج ابنُ ضُريَس عن سعيد بن جبير، أنّه قرأ على رجلٍ مجنونٍ سورةَ (يس)، فَبَرِئ.

على أنّ الآثار العلاجيّة وغيرَها المترتّبة على القراءة أو التّعوّذ بسورةٍ أو آيةٍ قرآنيّة، تتوقّفُ بالدّرجة الأولى على شرطِ الإيمان والاعتقاد، وأن تجريَ على لسان الأبرار من الخَلْق ليَحصلَ بها الشّفاء، أو يترتّبَ عليها الأثرُ بإذن الله تعالى، قال سبحانه: ﴿.. قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى..﴾ فصّلت:44.

أوّلُ مَن صنّفَ في فضائل القرآن، وخواصّه

أفردَ كثيرٌ من مُصنِّفي العامّة والخاصّة هذا العلمَ بتأليفٍ خاصّ، وقد ذكرَ ابنُ النّديم الكُتُبَ المصنّفةَ في فضائل القرآن، وعدَّ منها كتاب أُبَيّ بن كَعب الأنصاريّ، المتوفّى سنة 21 للهجرة. فيَظهر من كلامه أنّ أُبيّاً أوّلُ مَن ألّف في فضائل القرآن، لأنّ الذين ذكرَهم مع أُبَيّ، طبقتُهم متأخّرةٌ عنه.

وهذا يعارضُ وينقضُ ما نُقل عن السّيوطيّ، وما ذكره حاجي خليفة من أنّ أوّل مَن صنّف في علم فضائل القرآن، هو الإمام محمّد بن إدريس الشّافعيّ المتوفى سنة 204 للهجرة، في كتابه (منافع القرآن).

ولو فرَضنا عدمَ صحّة ما نقلَه ابن النّديم، فإنّ الشّافعيّ مسبوقٌ بالإمام الصّادق عليه السّلام المتوفّى سنة 148 للهجرة، في هذا الكتاب المنسوب إليه (خواصّ القرآن العظيم) والذي أشار إليه حاجي خليفة في مَوضِعٍ آخر من (كشف الظّنون)، لكنّه لم يذكر تقدُّمَه في هذا المضمار.

نسبةُ الكتاب

نُسِبَ كتاب (خواصّ القرآن) إلى الإمام أبي عبدالله، جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام في النّسخة المخطوطة التي اعتمدناها في تحقيقنا، فقد جاء على صَفحتها الأُولى: «كتابٌ فيه خواصُّ القرآن العظيم، لجَعفر الصّادق رضي [الله] عنه، ونفعَ به». ثمّ جاء بعد البَسملة اسمُ الإمام الصّادق عليه السّلام موصلاً نسبَه إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

وذكر حاجي خليفة، المتوفّى سنة 1067 للهجرة، في (كشف الظّنون) جماعةً ممّن أفردوا (منافع القرآن) بالتّصنيف، ثمّ قال: «وفيه مختصَرٌ مرويٌّ عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام». والظّاهر أنّه يريدُ كتابنا هذا، لأنّه وردَ بالاسمين في نسخة الأصل، فقد جاءَ في أوّلها: (كتابٌ فيه خواصّ القرآن العظيم)، وفي آخرها: (تَمّ منافع القرآن العظيم).

وعبّر عنه بعضُ علمائنا عند النّقل عنه تارةً بعنوان (منافع القرآن)، وتارةً بعنوان (خواصّ القرآن).

هذا هو أهمّ ما جاء في نسبة الكتاب إلى الإمام الصّادق عليه السّلام، ويُضاف إليه تأكيدُ النّاقلين عن الكتاب على تلك النّسبة، وسيأتي بيانُه.

النّقل عن الكتاب

لم نَجِد أحاديثَ كتاب (خواصّ القرآن) المنسوب إلى الإمام الصّادق عليه السّلام في شيءٍ من كُتب الرّواية المتقدّمة عند الإماميّة، كالكُتب الأربعة والأُصول السّابقة أو المَجاميع الحديثيّة المعاصرة لها. ويبدو أنّ أوّل مَن نقل عنه هو السّيّد ابن طاوس، المتوفّى سنة 664 للهجرة، فقد وجدنا في كتابه (الأمان من الأخطار) بعضَ النّقول عن الإمام الصّادق عليه السّلام، تُطابق ما ورد في كتابنا هذا، نقلَها عن كتابه (السّعادات بالعبادات التي ليس لها أوقات معيّنات) من دون أن يشير إلى كتاب (الخواصّ).

* ونقل السّيّد هبة الله بن أبي محمّد الحسن الموسويّ الرّاونديّ، المعاصر للعلّامة الحلّيّ المتوفى سنة 726 للهجرة، في كتابه (المجموع الرّائق من أزهار الحدائق) عدّة أحاديث في خواصّ القرآن الكريم، مرويّةً عن الإمام الصّادق عليه السّلام، وبعضُها يطابقُ ما وردَ في كتابنا هذا.

* ونقلَ عن كتاب (الخواصّ) المنسوب إلى الإمام الصّادق عليه السّلام، الشّهيدُ الأوّل الشّيخ محمّد بن مكّيّ العامليّ، الشّهيد سنة 786 للهجرة، في مجموعته، عدّةَ أحاديث في خواصّ القرآن الكريم، مرويّةً عن الإمام الصّادق عليه السّلام، وبعضُها يطابق ما جاءَ في كتابنا هذا.

وذكر المحدِّث النّوريّ بعد نقله بعضَ تلك الأحاديث عن (مجموعة الشّهيد)، أنّ الشّهيد قد صرّح في (مجموعته) أنّ ما ذكره من خواصّ القرآن مَرويٌّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام. ولهذا نجدُ أنّ المحدّث النّوريّ عندما ينقل عن (خواصّ القرآن) بواسطة مجموعة الشّهيد، يصرّح بنسبة الكتاب إلى الإمام الصّادق عليه السّلام حيث يقول: «من (خواصّ القرآن) المنسوب إلى الإمام الصّادق عليه السّلام»، ويُسمّيه في بعض المواضع: (منافع القرآن).

* ونقل الشّيخ إبراهيم بن عليّ الكفعميّ، المتوفى سنة 905 للهجرة، في كتابه (جنّة الأمان الواقية) عن كتاب (خواصّ القرآن) مختصَراً من أحاديث الإمام الصّادق عليه السّلام، يطابقُ من حيث المضمون ما جاء في كتابنا هذا، وبعضُه يطابقُه في اللّفظ أيضاً. ونقل عنه المحدّث النّوريّ بعض تلك الأحاديث في (مستدرك الوسائل)، وقال: «الكفعميّ في (الجنّة) نقلاً عن كتاب (خواصّ القرآن)، والظّاهر أنّه المنسوب إلى الصّادق عليه السّلام».

* ونقل السّيّد هاشم البحرانيّ، المتوفّى سنة 1107 للهجرة، في (البرهان في تفسير القرآن) عدّة أحاديث في خواصّ السّوَر وفضائلِها مرويّةً عن الإمام الصّادق عليه السّلام، ومصرّحاً بأنّها من (خواصّ القرآن)، وأغلبُها يطابق ما وردَ في كتابنا هذا لفظاً ومضموناً. ".."

وما دمنا في معرض ذكر المصادر التي نقلت عن هذا الكتاب، لابدّ من الإشارة إلى أنّه قد ورد في (المجموع الرّائق)، و(مجموعة الشّهيد)، و(جنّة الأمان)، و(تفسير البرهان) الكثير من الأحاديث المنقولة عن كتاب (خواصّ القرآن) لكنّها لم تَرِد في كتابناهذا، وبعضُها مرويٌّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وبعضُها في خواصّ الآي، لا خواصّ السّوَر. ولا يخلو ذلك من احتمالَين:

الأوّل: أنّ كتابنا هذا هو الأصلُ المُعَوَّلُ عليه، والكتابُ الذي نَقلوا عنه هو كتابٌ آخر، قد ضمّنَه مؤلِّفُه بعضَ الأصل المنسوب إلى الإمام الصّادق عليه السّلام، أو كلَّه، وأضافَ إليه ما تَسنّى له من أحاديث في هذا المضمون .

الثّاني: أنّ الكتاب الذي نقلوا عنه هو الأصل المعوّل عليه والأكثر انتشاراً بين العلماء، ثمّ إنّ بعضَهم اختصَره فكان كتابنا هذا. واللهُ العالمُ بحقيقة الحال.

نُسَخ الكتاب

لهذا الكتاب نسختان مخطوطتان، كِلاهما في «دار الكتب الظّاهريّة» بدمشق، الأُولى تامّة وقد اعتمدنا مصوّرةً لها في تحقيقنا هذا، والثّانية ناقصة مخرومةُ الأوّل والآخر، وفي ما يلي مواصفات كِلا النّسختين:

* النّسخة الأُولى: رقمُها في المكتبة الظّاهريّة (7365).

أوّلها: «قال الإمام أبو عبد الله، جعفر الصّادق بن محمّد بن عليّ زين العابدين بن الحسين الشّهيد بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم: مَنْ كَتَبَ سورَةَ البَقَرَةِ وَعَلَّقَها عَلَيْهِ زالَتْ عَنْهُ الأَوْجاعُ كُلُّها، وَإِنْ عُلِّقَتْ عَلى صَغيرٍ زالَتْ عَنْهُ الأَوْجاعُ وَهانَ عَلَيْهِ الفِطامُ، وَلَمْ يَخَفْ هَوامّاً بِإِذْنِ اللهِ تَعالى، وَإِنْ عُلِّقَتْ عَلى المَصْروعِ زالَ عَنْهُ الصَّرْعُ بِإِذْنِهِ تَعالى؛ وَفيها مِنَ المَنافِعِ ما لا حَدّ لَهُ وَلا نِهايَة» .

آخرُها: «سورَةُ الفاتِحَةِ مَنْ قَرَأها في كُلِّ ساعَةٍ تُغْفَرُ [له] جَميعُ الذُّنوبِ. وَهِيَ لِكُلِّ مَرَضٍ يُقْرَأُ عَلَيْهِ يَبْرَأُ بِإذْنِ اللهِ تَعالى. تمّ منافعُ القرآن العظيم» .

أوصافُها: «نسخةٌ من القرن الثّامن الهجريّ مكتوبةٌ بخطٍّ نُسَخيّ معتاد. أسماء السّوَر مكتوبةٌ بالأحمر. توجَد هذه النّسخة في مجموعٍ يَحوي منافعَ القرآن في المنام، ومنافع القرآن للتّميميّ».

والمجموع مفروط الأوراق. الورقة الأولى والورقتان الأخيرتان من المجموع مكتوبةٌ بخطٍّ مغايرٍ للأصل، على الورقة الأولى قيدُ تملُّك باسم محمّد بن محسود لطف الله، تاريخه سنة 1009 للهجرة. وقيد تملُّك آخر باسم محمّد عطا الأيوبيّ، وثالث باسم محمّد سعيد الأيوبيّ، ثمّ مجموعة من الفوائد المختلفة. على الورقة الأخيرة، وقيد مطالعة باسم سليمان القادريّ تاريخه 1198، وقيود تملّك بأسماء أحمد مهدي بن محمّد الأيوبيّ، وآخر باسم محمّد أمين الأيوبيّ سنة 1195.

* النّسخة الثّانية: رقمُها في المكتبة الظّاهريّة (9594).

أوّلها: «في قرطاسٍ بمِسكٍ وماءِ وَرد. وجعلَها في أنبوبة قصَب ريحيّ قد قُطعت قبلَ طلوع الشّمس، وشُدَّت بشَمع، وعلّقَها على طِفل، أَمِنَ من الشّيطان ومن جَميعِ الحَوادث. سورة النّساء: عن جعفر الصّادق رضي الله عنه أنّ مَن كتبَها وجعلَها في منزلٍ أربعينَ ليلة...».

آخرها: «سورةُ القارعة: إذا كُتبَت وعُلِّقت على مَن هو مقتّر الرّزق، رزقَه اللهُ».

أوصافها: «نسخةٌ من القرن العاشر الهجريّ، كُتبت بخطٍّ نسخيّ جيّد مشكول. أسماء السّوَر والفواصل بين الآيات مكتوبة بالذّهب. أُصيبت بالرّطوبة الشّديدة وبالتّلَف، وقد رُمّمت بعضُ الأوراق قديماً وبخاصّة في أوائلها وأواخرها».

وواضحٌ أنّ هذه النّسخة تختلفُ عن النّسخة المتقدّمة، لأنّ الحديثَين اللّذَين في (النّساء) و(القارعة) يخالفان من حيث اللّفظ متنَ الحديثَين في النّسخة الأُولى، كما أنّ المقطعَ الذي في أوّلها لم يرِد في النّسخة الأُولى، ممّا يدلّ على احتمال كَون هذه النّسخة هي المزيدة والمتضمّنة لأحاديث الإمام الصّادق عليه السّلام.

عملُنا في الكتاب

1) قام الأخ الشّيخ اللّبّان باستنساخ الكتاب عن مصوَّرةِ الأصل، واشترَكنا معاً بتَخريج أحاديث الكتاب باعتماد المصادر التي نقلتْ عنه أو عن نسختِه المزيدة، ولم نَجِد في بعض تلك المصادر تطابقاً تامّاً في ألفاظ الحديث، وخصوصاً كتاب (الجنّة الواقية) للشّيخ الكفعميّ، حيث أخرج مختصَراً منه يشتمل على مضامينه .

2) قابلنا نسخة الأصل بنُقُول مؤلّفي المصادر عن كُتُب أُخرى، وخصوصاً نُقُول السّيّد البحرانيّ في كتاب (البرهان في تفسير القرآن) والتي تطابق ما جاء في كتابنا هذا في أغلب مواردها لفظاً ومحتوىً، وأثبتنا الاختلافات الضّروريّة في هامش الكتاب، ولم نُعوّل على المصادر إلّا في الموارد التي لا تساعدُ فيها نسخة الأصل .

3) قطّعنا النّص، ورقّمنا الأحاديث بحسب الخواصّ الواردة في كلّ سورة .

4) شرَحنا الغريبَ الوارد في الكتاب باعتماد أهمّ مصادر اللّغة .

5) خلَّصنَا النّصّ من موارد التّصحيف والتّحريف، مع الإشارة إلى الأصل في هامش الكتاب .

 
 
 

* باحث ومحقّق إسلامي

الحِكَمُ الصّادِقة

روائع من كلام الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام

ـــــ رواية الحسين بن محمّد الحلوانيّ* ـــــ

 

يتضمّن النّص التّالي سبعين حكمةً ممّا ورد في الرّوايات عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام، وقد اقتُبست هذه الحِكَم من روائع ما وردَ عنه عليه السّلام في ميادين العبادة والسّياسة والاجتماع والأخلاق. وسيَظهر للقارئ العزيز إلى أيّ مدى يحتاج فيه الأفراد والجماعات في مجتمعاتنا الإسلاميّة، بل في المجتمع البشريّ بعامّة، إلى مثل هذه الأنوار الهادية إلى سبيل الصّلاح والنّجاة.

وفي ما يلي مختاراتٌ من هذه الرّوائع التي ارتَأَينا أن نوردَها، على شكلٍ مُتَتالٍ، طبقاً لوقوعها في النّص الأصليّ للرّوايات.

«شعائر»

 

1- قال الإمام الصّادق عليه السّلام: «مَنْ تَطَأْطَأَ للسُّلْطانِ تَخَطّاهُ، وَمَنْ تَطاوَلَ عَلَيْهِ أَرْداهُ».

2- وقال عليه السّلام: «الاسْتِرْسالُ إِلى المُلوكِ مِنْ عَلامَةِ النُّوكِ [أي الحُمق]، وَالحَوائِجُ فُرَصٌ فَخُذوها عِنْدَ إِسْفارِ الوُجوهِ، وَلا تَعْرُضوا لَها عِنْدَ التَّعْبيسِ وَالتَّقْطيبِ».

3- وقال عليه السّلام: «لَوْ عَلِمَ سَيِّءُ الخُلُقِ أَنَّهُ يُعَذِّبُ نَفْسَهُ لَتَسَمَّحَ في خُلُقِهِ».

4- وقال عليه السّلام: «ما ارْتَجَّ امْرُؤٌ، وَأَحْجَمَ عَلَيْهِ الرَّأْيُ، وَأَعْيَتْ بِهِ الحِيَلُ، إِلّا كانَ الرِّفْقُ مِفْتاحَهُ».

5- وقال عليه السّلام: «آفَةُ الدِّينِ العُجْبُ وَالحَسَدُ وَالفَخْرُ».

6- وقال عليه السّلام: «مَنِ اعْتَدَلَ يَوْماهُ فَهُوَ مَغْبونٌ، وَمَنْ كانَ غَدُهُ شَرَّ يَوْمَيْهِ فَهُوَ مَفْتونٌ، وَمَنْ لَمْ يَتَفَقَّدِ النُّقْصانَ في نَفْسِهِ دامَ نَقْصُهُ، وَمَنْ دامَ نَقْصُهُ فَالمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ، وَمَنْ أَذْنَبَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ كانَ للعَفْوِ أَهْلاً».

7- وسُئل عليه السّلام عن الرّقّة؟ فقال عليه السّلام: «مَنْعُ اليَسيرِ، وَطَلَبُ الحَقيرِ». [في مصادر أخرى: طلبُ اليَسير، ومَنعُ الحقير، وردت تفسيراً من الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام للدَّنيئة]

8- وقال عليه السّلام: «لا تَكْمُلُ هَيْبَةُ الشَّريفِ إِلّا بِالتَّواضُعِ».

9- وقال عليه السّلام: «لا يُحْفَظُ الدّينُ إِلّا بِعِصْيانِ الهَوى، وَلا يُبْلَغُ الرِّضا إِلّا بِخيفَةٍ أَوْ طاعَةٍ».

10- وقال عليه السّلام: «مَنْ كانَ الحَزْمُ حارِسَهُ، وَالصِّدْقُ جَليسَهُ، عَظُمَتْ بَهْجَتُهُ وَتَمَّتْ مُروءَتُهُ، وَمَنْ كانَ الهَوى مالِكَهُ، وَالعَجْزُ راحَتَهُ، عاقاهُ عَنِ السَّلامَةِ، وَأَسْلَماهُ إِلى الهَلَكَةِ».

11- قيل: وسأله بعضُ الملحدين، فقال: ما يفعلُ ربّك في هذه السّاعة؟ فقال عليه السّلام: «يَسُوقُ المَقاديرَ إِلى المَواقيتِ». وسأل آخر فقال: ما فعل ربّك؟ فقال عليه السّلام : «فَسَخَ العَزْمَ، وَكَشَفَ الغَمْرَ».

12- وقال عليه السّلام: «اطْلُبوا العِلْمَ وَلَوْ بِخَوْضِ اللُّجَجِ، وَشَقِّ المُهَجِ».

13- وقال عليه السّلام: «جاهِلٌ سَخِيٌّ، أَفْضَلُ مِنْ ناسِكٍ بَخيلٍ».

14- وقال عليه السّلام: «ثَلاثَةٌ لا يُصيبونَ إِلّا خَيْراً: أُولو الصَّمْتِ، وَتارِكو الشَّرِّ، وَالمُكْثِرونَ ذِكْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.. وَرَأْسُ الحَزْمِ التَّواضُعُ»، فقال له بعضُهم: وما التّواضع؟ قال عليه السّلام: «أَنْ تَرْضى مِنَ المَجْلِسِ بِدونِ شَرَفِكَ، وَأَنْ تُسَلِّمَ عَلى مَنْ لَقِيتَ، وَأَنْ تَتْرُكَ المِراءَ وَإِنْ كُنْتَ مُحِقّاً».

15- وسُئل عليه السّلام عن فضيلةٍ لأمير المؤمنين، صلوات الله وسلامه عليه، لم يَشرَكْهُ فيها غيرُه، فقال عليه السّلام: «فَضَلَ الأَقْرَبينَ بِالسَّبْقِ، وَسَبَقَ الأَبْعَدينَ بِالقَرابَةِ».

16- وقال عليه السّلام: «خُذْ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِطَرَفٍ، تُرَوِّجُ بِهِ أَمْرَكَ، وَتُرَوِّحُ بِهِ قَلْبَكَ».

17- وقال عليه السّلام: «المُؤْمِنُ الذي إِذا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجْهُ غَضَبُهُ مِنْ حَقٍّ، وَإِذا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضاهُ في باطِلٍ، وَالذي إِذا قَدَرَ لَمْ يَأْخُذْ أَكْثَرَ مِمّا لَهُ».

18- وقال عليه السّلام: «امْتَحِنْ أَخاكَ عِنْدَ نِعْمَةٍ تَتَجَدَّدُ لَكَ، أَوْ نائِبَةٍ تَنوبُكَ».

19- وقال عليه السّلام: «مِنْ حَقِّ أَخيكَ أَنْ تَحْتَمِلَ لَهُ الظُّلْمَ في ثَلاثَةِ مَواقِفَ: عِنْدَ الغَضَبِ، وَعِنْدَ الذِّلَّةِ، وَعِنْدَ الهَفْوَةِ».

20- وقال عليه السّلام: «مَنْ ظَهَرَ غَضَبُهُ ظَهَرَ كَيْدُهُ، وَمَنْ قَوِيَ هَواهُ ضَعُفَ حَزْمُهُ».

21- وقال عليه السّلام: «مَنْ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ رُضِيَ حَكَماً لِغَيْرِهِ».

22- وقال عليه السّلام: «مَنْ لَمْ يُقَدِّمِ الامْتِحانَ قَبْلَ الثِّقَةِ، وَالثِّقَةَ قَبْلَ الأُنْسِ، أَثْمَرَتْ مُروءَتُهُ نَدَماً».

23- وقال عليه السّلام: «لا تَتَّبِعْ أَخاكَ بَعْدَ القَطيعَةِ وَقيعَةً فيهِ، فَتَسُدَّ عَلَيْهِ طَريقَ الرُّجوعِ إِلَيْكَ، وَلَعَلَّ التَّجارِبَ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيْكَ».

24- وقال عليه السّلام: «لَحْظُ الإِنْسانِ طَرَفٌ مِنْ خَبَرِهِ».

25- وقال عليه السّلام: «أَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ هَواكَ».

26- وقال عليه السّلام: «العُجْبُ يَكْلِمُ [أي يجرح] المَحاسِنَ، وَالحَسَدُ للصَّديقِ مِنْ سُقْمِ المَوَدَّةِ، وَلَنْ تَمْنَعَ النّاسَ مِنْ عِرْضِكَ إِلّا بِما تَنْشُرُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِكَ».

27- وقيل له عليه السّلام: بمَ يُداوى الحرص؟ فقال عليه السّلام: «لَنْ تَنْتَقِمَ مِنْ حِرْصِكَ بِمِثْلِ القَناعَةِ».

28- وكان عليه السّلام يقول: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ بِما أَنْتَ لَهُ أَهْلٌ (مِنَ) العَفْوِ، أَوْلى مِنِّي بِما أَنا لَهُ أَهْلٌ مِنَ العُقوبَةِ».

29- وقال عليه السّلام: «اسْتَحِ مِنَ اللهِ بِقَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ، وَخَفْهُ بِقَدْرِ قُدْرَتِهِ عَلَيْكَ».

30- وقال عليه السّلام: «كِتابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْياءَ: عَلى العِبارَةِ، وَالإِشارَةِ، وَاللَّطائِفِ، وَالحَقائِقِ، فَالعِبارَةُ للعَوامِّ، وَالإِشارَةُ للخَواصِّ، وَاللَّطائِفُ لِلأَوْلِياءِ، وَالحَقائِقُ لِلأَنْبِياءِ».

31- وقال عليه السّلام: «مَنْ سَأَلَ فَوْقَ قَدْرِهِ اسْتَحَقَّ الحِرْمانَ».

32- وقال عليه السّلام: «العِزُّ أَنْ تَذِلَّ للحَقِّ إِذا أَلْزَمَكَ».

33- وقال عليه السّلام: «صَلاحُ مَنْ جَهِلَ الكَرامَةَ في هَوانِهِ».

34- وقال عليه السّلام: «المُؤمِنُ مَن يُدَارِي، وَلَا يُمَارِي».

35- وقال عليه السّلام: «مَنْ أَكْرَمَكَ فَأَكْرِمْهُ، وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِكَ فَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْهُ».

36- وقال البراديّ: قلت للمفيد الجرجرائيّ: رُوي عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال: «الحَزْمُ سوءُ الظَّنِّ». ورُوي عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: «مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ رَوَّحَ قَلْبَه». فما هذه المضادّة؟

قال: يريدون بسوء الظّنّ أن لا تَستنيم [أي لا تستريح] إلى كلّ أحَد، فتودعَه سرَّك وأمانتَك، ويريدون بحُسن الظّنّ أن لا تُسيءَ ظنَّك بأحدٍ أظهرَ لك نُصحاً، وقال لك جميلاً، وصحَّ عندك باطنُه، وهو مثلُ قولِهم: «اِحمِلْ أمرَ أخيكَ عَلى أحسَنِه، حتّى يبدوَ لكَ ما يغلبُك عَليه».

37- وقال عليه السّلام: «مِنْ أَخْلاقِ الجاهِلِ الإِجابَةُ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ، وَالمُعارَضَةُ قَبْلَ أَنْ يَفْهَمَ، وَالحُكْمُ بِما لا يَعْلَمُ».

38- وقال عليه السّلام: «مِنْ أَدَبِ الأَديبِ دَفْنُ أَدَبِهِ». [هكذا في المصدر، ولم نعثر عليها في غيره، وقد وجّهها بعض الباحثين بأنّ على الأديب ألّا يُبالغ في إظهار أدبه، من قبيل قولهم: البلاغةُ الإيجاز]

39- وقال عليه السّلام: «سِرُّكَ مِنْ دَمِكَ، فَلا يَجْرِيَنَّ في غَيْرِ أَوْداجِكَ».

40- وقال عليه السّلام: «صَدْرُكَ أَوْسَعُ لِسِرِّكَ».

41- وقال عليه السّلام: «أَوْلى النّاسِ بِالعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلى العُقوبَةِ، وَأَنْقَصُ النّاسِ عَقْلاً مَنْ ظَلَمَ مَنْ دونَهُ، وَمَن لَمْ يَصْفَحْ عَمَّنْ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ».

42- وقال عليه السّلام: «القادِرُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ سُلْطانٌ».

43- وقال عليه السّلام: «المُسْتَبِدُّ بِرَأْيِهِ مَوقوفٌ عَلى مَداحِضِ الزَّلَلِ».

44- وقال عليه السّلام: «حِشْمَةُ الانْقِباضُ أَبْقى للعِزِّ مِنْ أُنْسِ التَّلاقِ».

45- وقال عليه السّلام: «إِيّاكَ وَسَقْطَةَ الاسْتِرْسالِ، فَإِنَّها لا تُسْتَقالُ».

46- وقال عليه السّلام: «القُرْآنُ أَنيقٌ، وَباطِنُهُ عَميقٌ».

47- وقال عليه السّلام: «الهَوى يَقْظانُ، وَالعَقْلُ نائِمٌ».

48- وقال عليه السّلام: «لا تَكونَنَّ أَوَّلَ مُشيرٍ، وَإِيّاكَ وَالرَّأْيَ الفَطيرَ [الفطير: كلّ شيء أعجلتَه عن إدراكه وَتَجَنَّبِ ارْتِجالَ الكَلامِ، وَلا تُشِرْ عَلى مُسْتَبِدٍّ بِرَأَيْهِ، وَلا عَلى وَغْدٍ، وَلا عَلى مُتَلَوِّنٍ، وَلا عَلى لَجوجٍ. وَخَفِ اللهَ في مَواقِعِ هَوَى المُسْتَشيرِ، فَإِنَّما التِماسُ مُوافَقَتِهِ لُؤْمٌ، وَسوءُ الاسْتِماعِ مِنْهُ جِنايَةٌ».

49- وكان عليه السّلام يقول في سُجوده: «اللَّهُمَّ احْفَظْ إِقْرارِي لَكَ بِالوَحْدانِيَّةِ، وَإِقرارِي إِيّاكَ بِالعبادَةِ، وَرَجائِي لَكَ في الشِّدَّةِ».

50- وقال عليه السّلام: «إِنَّ القَلْبَ يَحْيا وَيموتُ، فَإِذا حَيَّ فَأَدِّبْهُ بِالتَّطَوُّعِ، وَإذا ماتَ فَاقْصِرْهُ عَلى الفَرائِضِ».

51- أنفذ أبو عبد الله كاتبُ المهديّ رسولاً إلى الصّادق عليه السّلام بكتابٍ منه يقول فيه: وحاجتي إلى أن تهدي إليَّ من تبصيرِك على مداراةِ هذا السّلطان، وتدبير أمري، كحَاجتي إلى دعائك لي.

فقال عليه السّلام لرسوله: قُل له: «احْذَرْ أَنْ يَعْرِفَكَ السُّلْطانُ بِالطَّعْنِ عَلَيْهِ في اخْتِيارِ الكُفاةِ، وَإِنْ أَخْطَأَ في اخْتِيارِهِمْ، أَوْ مُصافاةِ مَنْ يُباعِدُ مِنْهُمْ وَإِنْ قَرُبَتِ الأَواصِرُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّ الأُولى تُغْريهِ بِكَ، وَالأُخْرَى تُوحِشُهُ مِنْكَ، وَلَكِنْ تَتَوَسَّطُ في الحالَيْنِ. وَاكْتَفِ بِعَيْبِ مَنِ اصْطَفَوْا لَهُ [أي من اصطفاهم السّلطان]، وَالإمْساكِ عَنْ تَقريظِهِمْ عِنْدَهُ، وَمُخالَفَةِ (وَمُخَالَطَة) مَنْ أُقْصوا بِالتَّنائي عَنْ تَقْريبِهِمْ.

وَإِذا كِدْتَ فَتَأَنَّ في مُكايَدَتِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ عَنَّفَ بِخَيْلِهِ كَدَحَتْ فيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ كَدْحِها في عَدُوِّهِ، وَمَنْ صَحِبَ خَيْلَهُ بِالصَّبْرِ وَالرِّفْقِ كانَ قَمِناً [أي خليقاً وجديراً] أَنْ يَبْلُغَ بِها إِرادَتَهُ، وَتَنْفُذَ فيها مِكائِدُهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَدّاً، فَإِنْ جاوَزَهُ كانَ سَرَفاً، وَإِنْ قَصُرَ عَنْهُ كانَ عَجْزاً، فَلا تَبْلُغْ بِكَ نَصيحَةُ السُّلْطانِ إِلى أَنْ تُعادِيَ لَهُ حاشِيَتَهُ وَخاصَّتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حَقِّهِ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّ الأقضى لِحَقِّهِ، وَالأَدْعى إِلَيْكَ للسَّلامَةِ أَنْ تَسْتَصْلِحَهُمْ جُهْدَكَ، فَإِنَّكَ إِذا فَعَلْتَ ذَلِكَ شَكَرْتَ نِعْمَتَهُ، وَأَمِنْتَ حُجَّتَهُ، وَطَلَبَ عَدُوِّهُ عِنْدَكَ (عَدُوِّكَ عِنْدَه).

وَاعْلَمْ أنَّ عَدُوَّ سُلْطانِكَ عَلَيْكَ أَعْظَمُ مَؤونَةً مِنْهُ عَلَيهِ (عليكَ)، وَذَلِكَ أنَّهُ تَكيدُهُ في الأَخَصِّ مِنْ كُفاتِهِ وَأَعْوانِهِ، فَيُحْصي مَثالِبَهُم وَيَبْلُغُ آثارَهُم، فَإِنْ نَكَأهُ فيكَ وَسَمَكَ بِعارِ الخِيانَةِ وَالغَدْرِ، وَإِنْ نَكَأَهُ بِغَيْرِكَ أَلزَمَكَ مَؤونَةَ الوَفاءِ وَالصَّبْرِ».

52- وقال عليه السّلام: «يُهلِكُ اللهُ سِتّاً بِسِتٍّ: الأُمَراءَ بِالجَورِ، وَالعَرَبَ بِالعَصَبِيَّةِ، وَالدَّهاقينَ بِالكِبَرِ، وَالتُّجّارَ بِالخِيانَةِ، وَأَهْلَ الرُّسْتاقِ [الرُّستاق والرُّزداق: أطراف المناطق والقرى، معرّب] بِالجَهالَةِ، وَالفُقَهاءَ بِالحَسَدِ».

53- وقال عليه السّلام: «لا تُحَدِّثْ مَنْ تَخافُ أَنْ يُكَذِّبَكَ، وَلا تَسْأَلْ مَنْ تَخافُ أَنْ يَمْنَعَكَ، وَلا تَأْمَنْ مَنْ تَخافُ أَنْ يَغْدُرَ بِكَ. ومَنْ لَمْ يُواخِ إلّا مَنْ لا عَيْبَ فيهِ قَلَّ صَديقُهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْ صَديقِهِ إلّا بِإيثارِهِ إِيّاهُ عَلى نَفْسِهِ دامَ سَخَطُهُ، وَمَنْ عاتَبَ عَلى كُلِّ ذَنْبٍ كَثُرَ تَعَبُهُ».

54- وقال عليه السّلام: «دِراسَةُ العِلْمِ لِقاحُ المَعرِفةِ، وَطولُ التَّجاربِ زِيادَةٌ في العَقْلِ، وَالشَّرَفُ التَّقْوى، والقُنوعُ راحَةُ الأَبْدانِ».

55- وقال عليه السّلام: «مُرُوَّةُ الرَّجُلِ في نَفْسِهِ نَسَبٌ لِعَقِبِهِ وَقَبيلَتِهِ».

56- وقال عليه السّلام: «مَن صَدَقَ لِسانُهُ زَكا عَمَلُهُ، وَمَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زِيْدَ في رِزْقِهِ، وَمَنْ حَسُنَ بِرُّهُ بِأَهْلِ بَيْتِهِ زيدَ في عُمُرِهِ».

57- وقال عليه السّلام: لبَعض شيعته يُوصيه، لمّا أخبره أن السّلطان قد قبلَه وأقبلَ عليه:

«اعْلَمْ أنَّ التَّشاغُلَ بِالصَّغيرِ يُخِلُّ بِالمُهِمِّ. وَإفْرادَ المُهِمِّ بِالشُّغلِ يَأْتي عَلَى الصَّغيرِ وَيُلْحِقُهُ بِالكَبيرِ. وَإِنَّما يُمْنى بِهاتَيْنِ الخَلَّتَيْنِ السُّلْطانُ الذي تَحمِلُهُ قِلَّةُ الثِّقةِ عَلى تَرْكِ الاسْتِكْفاءِ، فَيكونُ كَالنَّهرِ بَيْنَ الأَنْهارِ الصِّغارِ، تَتَفَجَّرُ إِلَيْهِ عِظامُ الأَوْدِيَةِ، فَإِنْ تَفَرَّدَ بِحَمْلِ ما تُؤَدّي إلَيْهِ لَمْ يَلبَثْ أنْ يَغْمُرَهُ فَيَعودَ نَفْعُهُ ضَرَراً، فَإن تَشَعَّبَتهُ مَجارٍ تَعْلَقُ بِهِ، حَمَلَ بَعضُهُ بَعْضاً، فَعادَ جَنابُهُ خَصْباً. فَابْدَأْ بِالمُهِمِّ، وَلا تَنْسَ النَّظَرَ في الصَّغيرِ، وَاجْعَلْ للأُمورِ الصِّغارِ مَنْ يَجْمَعُها وَيَعْرِضُها عَلَيكَ دُفْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ عَلى كَثْرَتِها وَقِلَّتِها، وَانْصِبْ نَفْسَك لِشُغُلِ اليَومِ قَبلَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ شُغُلُ غَدٍ، فَيَمْتَلِئَ النَّهْرُ الذي قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ. وَتَلَقَّ كُلَّ يَوْمٍ بِفَراغِكَ فيما قَدْ رَسَمْتَهُ لَهُ مِنَ الشُّغُلِ في أَمْسِ. وَرَتِّبْ لِكُفاتِكَ في كُلِّ يَوْمٍ ما يَعمَلونَهُ في غَدٍ. فَإِذا كانَ في غَدٍ فَاسْتَعرِضْ مِنْهُمْ ما رَتَّبتَهُ لَهُمْ بِالأَمْسِ، وَأَخْرِجْ إِلى كُلِّ واحِدٍ بِما يوجِبُهُ فِعلُهُ مِن كِفايةٍ أوْ عَجْزٍ، فَامْحُ العاجِزَ وَأَثْبِتِ الكافي. وشَيِّعْ جَميلَ الفِعْلِ بِجَمِيلِ القَوْلِ؛ فَإنَّكَ لَنْ تَستَميلَ العاقِلَ بِمِثْلِ الإِحْسانِ. وَاجْعَلْ إِحْسانَكَ إِلى المُحْسِنِ تُعاقِبُ بِهِ المُسيءَ؛ فَلا عُقوبةَ للمُسيءِ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَراكَ قَدْ أَحْسَنْتَ إِلى غَيْرِهِ وَلَمْ تُحْسِنْ إِلَيْهِ، وَلا سِيَّما إِنْ كانَ ذلِكَ مِنْكَ بِاسْتِحْقاقٍ؛ فَإِنَّ المُسْتَحِقَّ يَزيدُ فيما هُوَ عَلَيْهِ، وَالمُقَصِّرَ يَنْتَقِلُ عَمّا هُوَ فيهِ. وَمِلاكُ أَمْرِ السُّلْطانِ مُشاوَرَةُ النُّصَحاءِ، وَحِراسَةُ شَأْنِهِمْ، وَتَرْكُ الِاسْتِقْرَاءِ (الاسْتِفْزازِ)، وَاسْتِثْباتُ الأُمورِ».

58- وقال عليه السّلام: «تَأْخيرُ التَّوْبَةِ اغْتِرارٌ، وَطولُ التَّسْويفِ حَيْرَةٌ، وَالِاعْتِلالُ عَلَى اللهِ هَلَكَةٌ، وَالإصْرارُ [عَلَى الذَّنْبِ] أَمْنٌ، وَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إلّا القَوْمُ الخاسِرونَ».

59- وروي أنّه عليه السّلام قال، وقد قيلَ بمجلسه: جاوِرْ مَلِكاً أو بَحراً. فقال عليه السّلام: «هَذا كَلامٌ مُحالٌ، وَالصَّوابُ: لا تُجاوِرْ مَلِكاً وَلا بَحْراً؛ لِأَنَّ المَلِكَ يُؤْذيكَ، وَالبَحْرَ لا يَرْويكَ».

60- وقال عليه السّلام لزُرارة بن أعين: «يا زُرارَةُ، أُعْطيكَ جُمْلَةً في القَضاءِ والقَدَرِ؟»، قال زرارة: نعم جُعِلتُ فداك. قال عليه السّلام: «إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ وَجَمَعَ اللهُ الخَلائِقَ، سَأَلَهُمْ عَمّا عَهِدَ إلَيْهِمْ، وَلَمْ يَسأَلْهُمْ عَمّا قَضى عَلَيْهِمْ».

61- وروى حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السّلام، أنه قال: «النّاسُ في القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ: رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ تَعالى أَجْبَرَ خَلْقَهُ عَلَى المَعاصي، فَهَذا قَدْ أَظْلَمَ اللهَ تَعالى في حُكْمِهِ، فَهُوَ كافِرٌ. ورَجُلٌ يَزعُمُ أَنَّ الأَمْرَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِمْ، فَهَذا أَوْهَنُ في سُلْطانِ اللهِ، فَهُو مُنافِقٌ. وَرَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ تَعالى كَلَّفَ العِبادَ ما يُطيقونَ، ولَم يُكَلِّفْهُمْ ما لا يُطيقونَ، فَإِذا أَحْسَنَ حَمِدَ اللهَ، وَإذا أَساءَ اسْتَغْفَرَ اللهَ تَعالى، فَهُوَ مُسْلِمٌ بالِغٌ».

62- وقال عليه السّلام لهشام بن الحَكَم: «إِنَّ اللهَ لا يُشْبِهُ شَيْئاً، وَلا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ، وَكُلُّ ما وَقَعَ في الوَهْمِ فَهُوَ بِخِلافِهِ».

63- وقال عليه السّلام: «ما كُلُّ مَنْ أَرادَ شَيْئاً قَدَرَ عَلَيهِ، ولا كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلى شَيْءٍ وُفِّقَ لَهُ، ولا كُلُّ مَنْ وُفِّقَ أَصابَ لَهُ مَوْضِعاً، فَإِذا اجْتَمَعَتِ النِّيَّةُ وَالقُدْرَةُ وَالتَّوْفيقُ وَالإِصابَةُ، فَهُناكَ تَجِبُ السَّعادَةُ».

64- وقال عليه السّلام: «مَنْ أمَّلَ رَجُلاً هابَهُ، وَمَنْ قَصَرَ عَن شَيْءٍ عابَهُ».

65- وقال عليه السّلام: «لا يَزالُ العِزُّ قَلِقاً حَتّى يَدْخُلَ داراً قَدْ أَيِسَ أَهْلُها مِمّا في أَيدي النّاسِ، فُيوطِنُها».

66- وقال عليه السّلام: «إنّ الزُّهّادَ في الدُّنْيا نورُ الجَلالِ عَلَيهِم، وَأَثَرُ الخِدْمَةِ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ، وَكَيْفَ لا يَكونونَ كَذلِكَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْقَطِعُ إِلى بَعْضِ مُلوكِ الدُّنْيا فَيُرَى أَثَرُهُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ لِمَنْ يَنقَطِعُ إِلى مَلِكِ المُلوكِ لا يُرَى أثَرُهُ عَلَيْهِ؟».

67- وقال عليه السّلام: «صِلَةُ الرَّحِمِ تُهَوِّنُ الحِسابَ يَوْمَ القِيامةِ؛ قالَ اللهُ تَبارَكَ وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ الرّعد: 21».

68- وقال عليه السّلام: «ما مِنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيَّ مِن رَجُلٍ سَلَفَت مِنّي إِلَيْهِ يَدٌ أَتْبَعْتُها أُخْتَها، وَأَحْسَنْتُ رَبَّها، لِأَنّي رَأَيْتُ مَنْعَ الأَواخِرِ يَقطَعُ لِسانَ شُكْرِ الأَوائِلِ». [في بحار الأنوار: وأحسنتُ ربَّها: أي تَربيتِها بعَدم المنع بعد ذلك العطاء..]

69- وقال عليه السّلام: «يَنْبَغي للمُؤْمِنِ أَنْ يَكونَ فيهِ ثَمانُ خِصالٍ: وَقورٌ عِندَ الهَزاهِزِ، صَبورٌ عِنْدَ البَلاءِ، شَكورٌ عِنْدَ الرَّخاءِ، قانِعٌ بِما رَزَقَهُ اللهُ، لا يَظْلِمُ الأَعْداءَ، ولا يَتَحامَلُ للأَصْدِقاءِ، بَدَنُهُ مِنْهُ في تَعَبٍ، والنّاسُ مِنْهُ في راحةٍ».

70- وقال عليه السّلام: «إِنَّ العِلْمَ خَليلُ المُؤْمِنِ، وَالحِلمَ وَزيرُهُ، وَالعَقلَ أَميرُ جُنودِهِ، والرِّفْقَ أَخوهُ، وَالبِرَّ والِدُهُ».

 
 
 

* من أعلام القرن الخامس، تلميذ الشّريف أبو يعلى الجعفريّ خليفة المفيد، والنّصّ من كتابه (نزهة النّاظر وتنبيه الخاطر).

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

26/07/2014

دوريّات

نفحات