حوارات

حوارات

26/07/2014

الشّيخ محسن الآراكي: الإمامة في القرآن


﴿..لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾

الإمامة في القرآن الكريم

ــــــــــ  إعداد: شعائر  ــــــــــ

(نظريّة النّصّ على الإمامة في القرآن الكريم) عنوان كتاب صادر عن «المجمع العالميّ لأهل البيت عليهم السّلام»، وهو حصيلة أربع محاضرات لآية الله الشّيخ محسن الآراكيّ، ألقاها في «قاعة دار الإسلام» في لندن سنة 1418 للهجرة، وقد عملت «شعائر» على اقتباس أبرز مطالب الكتاب، مستعرضةً إيّاها بصورة السّؤال والجواب.

 

* ما معنى الإمامة في القرآن الكريم؟

الإمامة في القرآن الكريم تَعني قيادةَ الإنسان إلى ذروة الكمالِ المُمكن له. وهي ليست إمامةً في الدّين بمعنى العبادات فقط، كما أنّها ليست إمامةً في الدّنيا، أي ما سوى العبادات من أمور الحياة فحسب، وإنّما هي إمامةُ الإنسان في كلّ أفعاله الاختياريّة. وبعبارةٍ أخرى: هي إمامةٌ في كلّ فعلٍ يَقبلُ أن يكون عدلاً أو ظلماً، سواء أكان اجتماعيّاً أم فرديّاً، دُنيويّاً أم أخرويّاً.

* ما هي مواصفاتُ الإمامة الّتي وردَتْ في القرآن الكريم؟

الإمامة في القرآن الكريم لها مواصفاتٌ ثلاث:

الأولى: أنّها شاملةٌ لكلّ ما يختلفُ فيه النّاس.

الثّانية: أنّها شاملةٌ لكلّ ما يحتملُ العدلَ أو الظّلم.

الثّالثة: أنّها شاملةٌ للإنسان، مجتمَعاً وفرداً.

ثمّ إنّ هذا المفهوم الّذي يحدّده القرآن الكريم للإمامة يَكفي بنفسه دليلاً على ضرورة النّصّ على الإمام، وأن يكون منصوباً من قِبل الله سبحانه وتعالى، لأنّ الإنسان في أفعاله الاختياريّة نحو الفضيلة والكمال الأسمى، لا يُمكن أن يعرف أهلَها إلّا بالوحي والنّصّ الإلهيّ، قال تعالى: ﴿..َفلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ النّجم:32.

* كيف دلّت الآياتُ القرآنيّة على أنّ الإمامة لا تكونُ إلّا بالنّصّ، وبتَعيينٍ من الله عزَّ وجلَّ؟

الآيات في هذا المجال كثيرة، منها «آياتُ الأمر»، وهي الّتي تدلّ على أنّ «الأمر» خاصٌّ بالله تعالى، يقول سبحانه: ﴿..بَلْ للهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا..﴾ الرّعد:31، ويقول: ﴿..أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ..﴾ الأعراف:54، والمقصود بِكَون «الأمر» له سبحانه وتعالى، أنّ السّلطة والحكمَ بيَدِه لا بيد غيره، فهو الّذي يحدّد مصيرَ السّلطة والحُكم في المجتمع البشريّ، وهو الّذي يعيّنُ للحكم والإمارة أهلَها، وهو الّذي يحقّ له، دون غيره، تعيينُ الحاكم والإمام والأمير.

ومنها «آيات الحُكم»، وهي الّتي تدلّ على أنّ الحكم لله وليس لغيره، فالحكمُ خاصٌّ به، وهو الّذي يحكم، وليس لغيره ذلك، وهذا ما صرّحَ به قولُه تعالى: ﴿..ألَا لَهُ الْحُكْمُ..﴾ الأنعام:62، وقوله: ﴿..إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله..﴾ يوسف:40، وقوله: ﴿..وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ الكهف:26.

ومنها «آيات المُلك»، وهي الّتي تحصر المُلكَ في الله وحده، كقوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ..﴾ آل عمران:26، فالآية صريحةٌ في أنّ المُلك لله وحدَه، وهو الّذي يُؤتيه من يشاء، وينزعُه عمّن يشاء.

ومنها «آيات الولاية»، وهي الّتي تدلّ على أنّ الولاية بيَد الله تعالى، وهي كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ..﴾ الشّورى:9، فالولاية له خاصّة على النّاس أجمعين، وهو الّذي يُعيّن للنّاس من يتولّى أمورهم.

وسوى ذلك من الآيات، كـ «آيات الطّاعة: النّساء/80؛ وغيرها»، و«آية الاختيار: القصص/68»، و«آية التّحكيم: النّساء/65»، و«آيات الإيتاء: آل عمران/26؛ وغيرها».

* آية الاختيار هي قولُه تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ القصص:68، والّتي تعني أنّه سبحانه هو الّذي يختار للإنسان، ويعيِّن له ما هو الخير وما هو الحقّ، ومن ذلك الإمام المفترض الطّاعة. كيف نوفِّق بين ذلك وبين قوله تعالى: ﴿..وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ..﴾ الشّورى:38؟

آية (الشّورى) المذكورة تدلّ على أنّ صاحب القرار الشّرعيّ ينبغي أن يستشيرَ غيرَه في اتّخاذ القرار، فإذا نصّب الله سبحانه إماماً على النّاس، كرسول الله صلّى الله عليه وآله، فإنّ عليه أن يُشاور المؤمنين في ما يريد أن يتّخذه من قرار، ثمّ إنّ القرار النّهائيّ بيَده هو بعد المشورة، فله أن يتّخذ القرار الّذي يخالف رأيَ أصحاب المشورة، إذا رأى أنّ آراءهم لا توافق الحقّ والمصلحة. ثمّ إنّ الآية لا تتحدّث عمّن يتّخذ القرار، فقوله تعالى: ﴿..وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ..﴾، تعني أنّ عليهم أن يتشاوروا في ما يعرض لهم من الأمر قبل اتّخاذ القرار، لكنّها لا تتعرّض لمن يصلُح أن يكون صاحبَ القرار، وكذلك قوله تعالى: ﴿..وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ..﴾ آل عمران:159، تدلّ على أنّ القرار ليس بيَد من استُشيروا، وإنّما هم «أصحاب شورى الأمر الّذي بيَدهم»، والموكولُ إليهم هو أن يُشيروا إذا استُشيروا، فالشّورى تكون مع النّاس، لكنّ القرار بيد الله سبحانه وتعالى، ومن ينصّبه.

* ماذا عن النّصّ على الأئمّة في القرآن الكريم؟

لقد أشار القرآن الكريم إلى عمليّة النّصّ على الإمام أو على الإئمّة عليهم السّلام، في صِيغ كثيرة متنوّعة، يمكن ترتيبها ضمن صيغ ثلاث:

الأولى: هي الآيات التي دلّت على «الأئمّة على مدى التّاريخ»، إذ أكّدت أنّ هنالك أئمّةً نُصِّبوا من قِبل الله سبحانه وتعالى على مدى تاريخ البشريّة، وأنّ الله سبحانه أمَر النّاس بطاعتهم. من تلك الآيات قوله تعالى في سورة (النّحل): ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ..﴾ النّحل:36، والمقصود بـ «العبادة» في هذه الآية - كما هو واضح، وكما هو معناها اللُّغويّ - إنّما هو الخضوعُ التّامّ لله سبحانه، وهو يشملُ كلّ الأفعال الإراديّة للإنسان، فالإمامة في واقعها إمامةُ النّاس في عبادة الله سبحانه في كلِّ شؤونهم، وهذا هو الّذي يقفُ على النّقيض من «الطّاغوت»، ويعارضُه، وينافيه، فإنّ معنى «الطّاغوت» الكثير الطّغيان، الّذي يدعو النّاس إلى الخروج عن طاعة الله. فمعنى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا..﴾، أنّنا بعثنا في كلّ أمّةٍ قادةً إلهيّين سياسيّين، يحكمون بما أمَر الله، ويدعون النّاس إلى عبادة الله، والخضوع لحُكمه، ورفض حكومة الطّواغيت، وعدم الخضوع لهم.

الثّانية: هي آياتُ النّصّ على «الأئمّة من آل إبراهيم»، وهي كثيرةٌ ومتنوّعة.

فمنها ما دلّت على بشارة الله تعالى لإبراهيم بجَعْلِه وذرّيّته أئمّةً صالحين، يَهدون بأمر الله، استجابةً لدعائه الّذي دعاه وهو في شبابه، وفي أوج صراعه مع المشركين والكافرين من قومه، ومع عمّه بالذّات. قال تعالى في سورة (الشّعراء): ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ الشّعراء:69-83.

فهذا الدّعاء، دعا به إبراهيمُ عليه السّلام ربّه عندما كان شابّاً، وكان عمُّه حيّاً، وكان في صراعٍ مع قومه ومع عمّه، وكان إذ ذاك في بابل، فقد سألَ الله أن يهبَ له حُكماً، وأن يجعلَه إماماً يحكمُ بين النّاس بالحقّ، ويَهديهم إلى عدلِ الله وصراطِه المستقيم. وقد قرَن دعاءَه هذا بدعاءٍ آخر، وهو أن يرزقه الله ذرّيّةً صالحةً تواصلُ دربَه، وتحمل رسالتَه إلى الأجيال كافّة، فقال: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ﴾ الشّعراء:84.

ومن آيات النّصّ على أنّ الأئمّة من آل إبراهيم، الآيةُ المعروفة من سورة (البقرة): ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ البقرة:124، ففي هذه الآية طلَبُ إبراهيم عليه السّلام من ربّه تعالى أن يجعل الإمامةَ في ذرّيّته، وسؤالُ الأنبياء اللهَ، وطَلَبُهم منه، عزّ وجلّ، مأذونٌ به من قِبل الله سبحانه وتعالى، أي أنّهم لا يطلبون إلّا ما يعلمون برضى الله به، وإذنه لهم بطَلبِه وسؤاله.

فقد أُذن لإبراهيم أن يدعو الله بجعل الإمامة في ذرّيّته، واللهُ سبحانه حكيمٌ في الإجابة، كريمٌ في العطاء، فقد استجابَ لدعاء إبراهيم وسؤاله الّذي سأله بإذنٍ من الله تعالى: ﴿..وَمِنْ ذُرِّيَّتِي..﴾، فجاءه الجوابُ من الله سبحانه: ﴿..لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾، وقد استجابَ تعالى لإبراهيم دعاءه، وجُعلت الإمامة مستمرّة في ذرّيّته ضمن شرطٍ اقتضَته الإرادة الإلهيّة، وهو شرطُ العدالة التّامّة.

* كيف عرفنا أنّ الله سبحانه قد استجاب لإبراهيم عليه السّلام، وجعَل الإمامة في ذرّيّته بالفعل؟

هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم دلّت بوضوح على أنّ الله سبحانه قد جعل الإمامة في ذرّيّة إبراهيم استجابةً لدعائه، قال تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ الأنبياء:71-73.

فهذه النّافلة، وهي هذه الذّرّيّة الطّيّبة، جعلَهم اللهُ أئمّةً استجابةً لدعائه: ﴿..وَمِنْ ذُرِّيَّتِي..﴾، فقد جاءت الآية تؤكّد هذه الاستجابة بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾.

ومن الآيات الدّالّة أيضاً على استجابة الله تعالى لإبراهيم بجَعل الأئمّة من ذرّيّته، قولُه تعالى في سورة (النّساء): ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ النّساء:54، فدلّت هذه الآية على أنّ الله سبحانه قد استجاب دعاء إبراهيم، فآتى آلَ إبراهيم مُلكاً عظيماً، وهي «الإمامة»، زائداً على ما آتاهم من الكتاب والحكمة، وهي النّبوّة.

النّصّ على أئمّة أهل البيت عليهم السّلام

وبالعودة إلى السّؤال عن ذِكر نصّ القرآن على الأئمّة عليهم السّلام، فقد قلنا إنّ ذلك جاء بصِيَغ ثلاث: النّصّ العامّ، النّصّ على الأئمّة من ذرّيّة إبراهيم، والثّالثة، هي النّصّ على الأئمّة من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله بالإشارة والوَصف. ومن الأمثلة على الصّيغة الثّالثة «آية الولاية»، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ المائدة:55، وقد اتّفق المفسّرون عامّة على نزول هذه الآية في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، ودلالتُها على الإمامة واضحةٌ لا لُبْسَ فيها، والحَصرُ الواردُ في الآية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ﴾ يُلغي كلّ احتمالٍ آخر في معنى الولاية، غير معنى السُّلطة والحُكم، فإنّ أيّ معنًى آخر من معاني الولاية لا يُتصوَّر كونه خاصّاً بالله ورسوله وعليّ أمير المؤمنين.

ومن الآيات الّتي نصّت على إمامة أهل البيت عليهم السّلام – كذلك - «آيةُ التّطهير»، وهي قولُه تعالى: ﴿.. إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ الأحزاب:33، وهي تدلُّ على طهارة أهل البيت من الرِّجْس كلِّه، وخلاصةُ الأمر المتيقّن من معنى «الرّجس» أنّه كلّ ما ينبغي اجتنابه، ولا شكّ في أنّ معصية الله، صغيرةً كانت أم كبيرة، هي ممّا ينبغي الاجتنابُ عنه، فيكون معنى تطهيرهم من الرّجس أنّهم مُطهَّرون من الذّنوب كلّها، صغيرِها وكَبيرِها.

وقد اتّفقت كلمةُ المسلمين، وتَواترت الرّواياتُ الصّحيحة أنّ الآية نزلتْ بشأن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السّلام.

* أين تَكمن دلالةُ آية التّطهير على إمامة أهل البيت عليهم السّلام؟

لقد دلّت آية ﴿..لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ البقرة:124، على اشتراط العِصمة في الإمام، والعِصمةُ لا تُعرَف إلّا من الله، ولم يدلّ دليلٌ من الله تعالى على عِصمة غير هؤلاء، وقد دلّت هذه الآية على عِصمتهم، فتدلّ، إذاً، على إمامتهم.

* لماذا كان النّصّ القرآنيّ على إمامة أهل البيت عليهم السّلام بالصّفة، وليس بالاسم الصّريح؟

الحكمة في ذلك معلومةٌ وواضحة، ويدلّ عليها الواقع الّذي مرّت به الأمّة الإسلاميّة بعد عصر الرّسول صلّى الله عليه وآله، لا سيّما في زمن الحُكم الأمويّ، والحُكم العبّاسيّ، فلو كان القرآنُ الكريمُ قد صرّح بِاسمِ أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وأسماء الأئمّة من بعده، لمُزِّقَ تمزيقاً في حياة الرّسول نفسه، مثلما أنّ العترة الّتي أوصى بها، قُتِّلت وحُورِبَت بعد حياته صلّى الله عليه وآله.

أليس الإمام الحسينُ عليه السّلام من ذرّيّة الرّسول صلّى الله عليه وآله الّذين أوصى بهم القرآن الكريم بقوله: ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ الشّورى:23؟

أليس التّاريخ القطعيّ، لا سيّما في القرنَين الأوّل والثّاني بعد الرّسول صلّى الله عليه وآله، يحدّثنا عن القتل الذّريع لذرّيّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله؟ أليس هؤلاء هم «القُربى» الذّين قُتِّلوا بصورة وحشيّة؟

فلَو كان القرآن قد ذكر اسمَ الإمام عليّ صراحةً لمُزِّقَ ولم يبقَ منه أثرٌ أبداً، فحكمةُ الحفظ كما قال سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ الحجر:9، دعَتْ إلى أن يدلَّ كتابُ الله على الحقّ وعلى الإمام بالطّريقة التي تحُول دون تحريف القرآن الكريم والمسّ بكرامته. فمَن أرادَ الحقّ في الإمامة ورجعَ إلى القرآن، لَوَجدَ الحقّ واضحاً لا لُبس فيه بين آيات القرآن، والسّنّة الثّابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، فيتّبعه. ولم يدَع اللهُ سبحانه ذريعةً بيد الانتهازيّين والمُعاندين والمُغرضين ليَنالوا من كرامة القرآن، فحافظَ على سلامته من جهة، ودلّ على الحقيقة من جهةٍ أخرى، وهذا هو السّبب في ما نجدُه في القرآن المجيدِ من استعمال أسلوب الكناية في التّدليل على الإمام من بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله.        

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

26/07/2014

دوريّات

نفحات