خصائص السيّدة زينب الكبرى

خصائص السيّدة زينب الكبرى

03/05/2011

هكذا تحدَّث عنها المعصومون، وتحدَّثَتْ عنهم

إبراهيم الرفيعي
 
أمام الباحث المتأمّل في شخصيّة عقيلة الهاشميّين عليها السلام طريقان لتحديد ملامح تلك الشخصيّة الفذّة:
أ ـ دراسة سيرتها الذاتيّة وكلامها وخُطبها عليها السّلام.
ب ـ دراسة كلام المعصومين عليهم السلام في شأنها، وكيفيّة تعاملهم معها.
في هذه المقالة نتحدّث عن شخصيّة السيّدة زينب عليها السلام من خلال كلمات النبيّ صلّى الله عليه وآله وأئمّة الهُدى عليهم السّلام في شأنها عليها السّلام، والطريقة التي كانوا يتعاملون بها معها.
أطلّت السيّدة زينب عليها السّلام على الدنيا في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة، في بيتٍ أَذِن اللهُ أن يُرفع ويُذكر فيه اسمُه، وفتحت الوليدة المباركة عينيها تتطلّع إلى وجوهٍ أكرمها ربّ العزّة عن أن تسجد لصنمٍ قطّ، مُتسلسلةً في أصلاب الطاهرين وأرحام المطهّرات.
وسألت سيّدةُ نساء العالمين فاطمة عليها السّلام خيرَ الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، سألته أن يختار للنسمة الطاهرة المباركة اسماً، فأبى أن يَسبِق رسولَ الله صلّى الله عليه وآله -وكان غائباً يومذاك- في تسميتها، ثمّ عاد النبيُّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة، فسمّاها خاتم الرسل صلّى الله عليه وآله «زينب».

لماذا بكى رسول الله صلّى الله عليه وآله في ولادة زينب؟

من غير المعهود أنّ الأب أو الجدّ إذا رُزِق ولداً أو حفيداً بكى وانتحب وذرف الدموع سِخاناً، فلماذا يحدّثنا التاريخ أنّ الحسين عليه السّلام حَمَل إلى أبيه أمير المؤمنين عليه السلام بشارةَ ولادة أخته زينب، وأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام بكى -بأبي هو وأمّي- لَمّا بُشِّر بولادتها، فسأله الحسينُ عليه السّلام عن علّة بكائه، فأخبره أنّ في ذلك سرّاً ستُبيّنه له الأيّام.
ثمّ حُملت الوليدة الطاهرة إلى جدّها الحبيب محمّد صلّى الله عليه وآله، فاحتضن رسولُ الله صلّى الله عليه وآله الطفلةَ الصغيرة وقبّل وجهها، ثمّ لم يتمالك أن أرخى عينَيه بالدموع.
وكان جبرئيل عليه السّلام الذي هبط باسم «زينب» من ربّ العزّة، قد أخبر حبيبه المصطفى صلّى الله عليه وآله بأنّ هذه الوليدة ستشاهد المصائب تلو المصائب، وأنّها ستُفجَع بجدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبأمّها فاطمة سيّدة النساء عليها السلام، وبأبيها أمير المؤمنين عليه السلام، وبأخيها الحسن المجتبى عليه السلام سِبطِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ تُفجع بمصيبةٍ أعظمَ وأدهى، هي مصيبة قتل أخيها الحسين عليه السلام سيّد شباب أهل الجنّة في أرض كربلاء.

أُمّ المصائب

تُسمّى العقيلة زينب سلام الله عليها «أمَّ المصائب»، وحقّ لها أن تُسمّى بذلك، فبالإضافة إلى ما تقدم آنفاً، فقد قُتل ولداها عَونٌ ومحمّد مع خالهما أمام عينيها، وحُملت أسيرةً من كربلاء إلى الكوفة، وأُدخلت على ابن زياد في مجلس الرجال، وقابلها بما اقتضاه لُؤمُ عنصره من الكلام الخشن الموجع وإظهار الشماتة المُمِضّة. وحُملت أسيرةً من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام، ورأسُ أخيها ورؤوس ولدَيها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طوال الطريق، حتّى دخلوا دمشق على هذه الحالة، وأُدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مُقرّنون بالحبال.

ثواب البكاء على مصائب زينب عليها السلام

روي أنّ جبرئيل عليه السّلام لمّا أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله بما يجري على زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السّلام من المصائب والمحن، بكى النبيّ صلّى الله عليه وآله وقال: «مَن بكى على مصاب هذه البنت، كان كَمَن بكى على أخوَيها الحسن والحسين عليهما السلام».

احترام الإمام الحسين عليه السلام لأخته زينب عليها السلام

نُقل عن الإمام الحسين عليه السلام أنّه كان إذا زارته زينب عليها السلام، يقوم إجلالاً لها، وكان يُجلِسُها في مكانه.
قال السيّد جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي: «ويكفي في جلالة قَدْرِها ونَبالةِ شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنّها دخلت على الحسين عليه السلام، وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن وقام لها إجلالاً».

السيّدة زينب عليها السلام مفسّرة القرآن

ذكر السيّد نور الله الجزائري في كتاب (الخصائص الزينبيّة)، أنّ السيّدة زينب عليها السلام كان لها مجالس في بيتها في الكوفة أيّام خلافة أبيها أمير المؤمنين عليه السّلام، وكانت تفسّر القرآن للنساء. وفي بعض الأيّام كانت تفسّر «كهيعص» إذ دخل عليها أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها: «يا قرّةَ عيني، سمعتكِ تفسّرين «كهيعص» للنساء، فقالت: نعم. فقال عليه السّلام: هذا رمز لمصيبة تُصيبكم عترةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله». ثمّ شرح لها تلك المصائب، فبكت بكاءً عالياً.

السيّدة زينب عليها السلام المحدّثة العالِمة

 قال الإمام زين العابدين عليه السّلام لعمّته زينب عليها السّلام: «أنتِ بحمد الله عالِمةٌ غيرُ مُعلَّمة، فَهِمةٌ غيرُ مُفهَّمة».
وكلام الإمام زين العابدين عليه السلام يدلّ -بما لا غبار عليه- على المنزلة العلميّة الرفيعة التي كانت فيها عقيلة الهاشميّين عليها السلام، فهي عالمة بالعلم اللدُنّيّ المُفاض من قِبل ربّ العزّة تعالى، وليس بالعلم المتعارَف الذي يُكتسب بالدرس والبحث.
وقال الشيخ المامقاني في (تنقيح المقال) في معرض حديثه في السيّدة زينب عليها السّلام: «زينب، وما زينب! وما أدراك ما زينب! هي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يَحُزْها بعد أمّها أحد، حتّى حقّ أن يُقال: هي الصدّيقة الصغرى، هي في الحجاب والعفاف فريدة، لم يَرَ شخصَها أحدٌ من الرجال في زمان أبيها وأخوَيها إلى يوم الطفّ، وهي في الصبر والثبات وقوّة الإيمان والتقوى وحيدة، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنّها تُفرِغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السّلام كما لا يَخفى على مَن أنعم النظر في خُطبتها. ولو قلنا بعصمتها لم يكن لأحد أن يُنكر -إن كان عارفاً بأحوالها في الطفّ وما بعده. كيف ولولا ذلك لما حمّلها الحسين عليه السلام مقداراً من ثقل الإمامة أيّام مرض السجّاد عليه السلام، وما أوصى إليها بجملة من وصاياه، ولَما أنابَها السجّادُ عليه السلام نيابةً خاصّة في بيان الأحكام وجملة أخرى من آثار الولاية».

العقيلة تُحدِّث بعهد رسول الله صلّى الله عليه وآله

(أنظر: «العهد المعهود» في هذا الملف).

السيّدة زينب عليها السّلام تنقل خطبة أمّها الزهراء عليها السّلام

قال أبو الفرج الإصفهاني:«والعقيلةُ هي التي روى ابنُ عبّاس عنها كلامَ فاطمةَ عليها السّلام في فدك، فقال: حَدّثتني عقيلتُنا زينبُ بنت عليّ عليه السلام» .
وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن أحمد بن محمّد بن جابر، عن زينب بنت عليّ عليها السّلام قالت: «قالت فاطمة عليها السلام في خطبتها في معنى فدك:
للهِ فيكم عَهدٌ قَدَّمه إليكم، وبقيّةٌ استخلفها فيكم: كتاب الله بيّنةٌ بصائرُه، وآيٌ منكشفةٌ سرائرُه، وبرهانٌ متجلّيةٌ ظواهرُه، مديمٌ للبريّة استماعُه، وقائدٌ إلى الرضوان اتّباعُه (أتباعَه)، ومُؤدٍّ إلى النجاة أشياعَه، فيه تِبيانُ حُجج الله المنيرة ومَحارمِه المحرّمة، وفضائله المدوّنة، وجُمَله الكافية، ورُخَصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، وبيّناته الجالية؛ فَفَرَض الإيمانَ تطهيراً من الشِّرك، والصلاةَ تنزيهاً من الكِبْر، والزكاةَ زيادةً في الرزق، والصيامَ تثبيتاً للإخلاص، والحجَّ تسنيةً [التسنية: الشرف، المجد، ارتفاع المنزلة] للدِّين، والعدلَ مَسْكاً للقلوب، والطاعةَ نظاماً للملّة، والإمامةَ لَمّاً من الفُرقة، والجهادَ عِزّاً للإسلام، والصبرَ مَعونةً على الاستيجاب، والأمرَ بالمعروف مصلحةً للعامّة، وبِرَّ الوالدين وِقايةً عن السخط، وصِلةَ الأرحام مَنْماةً للعَدد، والقِصاصَ حَقْناً للدماء، والوفاءَ للنَذرِ تعرّضاً للمغفرة، وتوفيةَ المكائيل والموازين تغييراً للبخسة، واجتنابَ قَذف المُحصَناتِ حَجْباً عن اللعنة، واجتنابَ السرقةِ إيجاباً للعِفّة، ومُجانبةَ أكلِ أموالِ اليتامى إجارةً عن الظلم، والعدلَ في الأحكامِ إيناساً للرعيّة، وحرّمَ اللهُ عزّوجلّ الشِّركَ إخلاصاً للرّبوبيّة، فاتّقوا الله حقَّ تُقاته فيما أمَرَكم به، وانتَهُوا عمّا نهاكم عنه
».
ثمّ ذكر الشيخ الصدوق أنّه يروى هذا الحديث بطريقين آخرين عن السيّدة زينب عليها السّلام.

السيّدة زينب عليها السلام تروي قصّة ولادة أخيها الحسين عليه السلام

روى الخزّاز القمّي بإسناده عن الإمام زين العابدين عليه السلام، عن عمّته زينب بنت عليّ عليها السلام، عن فاطمة عليها السلام، قالت: «دخل إليَّ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله عند ولادة ابني الحسين، فناولتُه إيّاه في خرقةٍ صفراء، فرمى بها وأخَذ خرقةً بيضاءَ فلفّه (بها)، ثمّ قال: خُذيه يا فاطمة، فإنّه الإمام وأبو الأئمّة؛ تسعةٌ من صُلبه أئمّة أبرار، والتاسع قائمُهم».

العقيلة تروي عبادةَ أمّها الزهراء عليها السلام

وروي عن عبد الله بن الحسن، عن أمّه فاطمة الصغرى، عن أبيها الحسين عليه السلام وعمّتها زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام، أنّ فاطمة عليها السّلام قامت في محرابها في جُمعتِها، فلم تَزَل راكعةً ساجدةً حتّى اتّضحَ عمود الصبح، وكانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتُكثِرُ الدعاءَ لهم ولا تَدعو لنفسِها بشيء، فقال لها الحسين عليه السّلام: «ألا تَدعِينَ لنفسكِ كما تَدعِينَ لغيرِك؟ فقالت: الجارُ ثمّ الدار».

العقيلة تروي قصّة دفن أمير المؤمنين عليه السلام

ورُوي عن السيّدة زينب عليها السلام أنّها قالت: «كان آخر عهدِ أبي إلى أخوَيّ عليهما السلام أنّه قال لهما: يا بَنيّ، إذا أنا متُّ فغَسِّلاني ثمّ نَشّفاني بالبُردةِ التي نُشِّفَ بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وفاطمة، وحنِّطاني وسَجّياني على سريري، ثمّ انظُرا حتى إذا ارتَفَع لكما مُقدَّمُ السرير فاحمِلا مؤخَّره.
قالت: فخرجتُ أُشيّعُ جنازةَ أبي، حتّى إذا كنّا بظهرِ الكوفة وقَدِمنا بظهرِ الغَريّ ركزَ المقدَّم، فوَضَعنا المؤخّر، ثمّ بَرَز الحسنُ عليه السّلام مُرتدياً بالبُردةِ التي نُشِّف بها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وفاطمةُ وأميرُ المؤمنين عليهما السّلام، ثمّ أخذَ المِعوَلَ فضرَبَ ضربةً فانشَقّ القبرُ عن ضريح، فإذا هو بساجةٍ [لوح من شجر الساج] مكتوبٍ عليها سطران بالسريانيّة: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا قبرٌ حَفَره نوحٌ النبيّ لعليٍّ وصيِّ محمّدٍ قَبلَ الطُّوفان بسبعمائة عام.
قالت عليها السّلام:... سمعتُ ناطقاً لنا بالتعزية وهو يقول: أحسَنَ اللهُ لكم العزاءَ في سيّدكم وحجّة الله على خلقه
».

السيّدة زينب عليها السلام تروي قصّة نزول طعام الجنّة

روى عماد الدين الطوسيّ عن زينب بنت عليّ عليهما السلام، قالت: «صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله صلاة الفجر، ثمّ أقبل على أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: هل عندكم طعام؟
فقال: لم آكل منذ ثلاثة أيّام طعاماً، وما تركتُ في بيتنا طعاماً.
فقال صلّى الله عليه وآله: سِرْ بنا إلى فاطمة!
فلمّا دخلا على فاطمة، نظرا إليها وقد أخَذَها الضَّعف من الجوع وحولَها الحَسَنان عليهما السّلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة فِداكِ أبوكِ، هل عندكِ شيء من الطعام؟
فاستَحيَت فاطمةُ أن تقول لا. وقامت واستقبلت القِبلة لتصلّي ركعتَين، فأحسّت بحسيس، فالتفتت وإذا بصُحفة ملأى ثَريداً ولحماً، فأتت بها ووضعتها بين يدَي أبيها صلّى الله عليه وآله، فدعا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بعليّ والحسن والحسين، ونظر عليّ عليه السلام إلى فاطمة متعجّباً وقال:
يا بنتَ رسول الله، أنّى لكِ هذا؟
فقالت: هو من عند الله، إنّ الله يَرزقُ مَن يشاء بغير حساب
».

العقيلة زينب عليها السلام المتهجّدة العابدة

أشبَهَت عقيلةُ بني هاشم عليها السلام أمَّها سيّدةَ نساء العالمين فاطمةَ الزهراء عليها السلام في عبادتها، فكانت تقضي ليلها بالصلاة والتهجّد، ولم تترك نوافلها حتى في أحلَك الظروف وأصعبها، فقد رُوي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّ عمّته زينب ما تَرَكت نوافلها الليليّة مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقهم إلى الشام.
لم تَقعُد بها تلك المصائب الفادحة التي تَهدّ الجبالَ عن أن تتهجّد وتُناجي ربّها الكريم.
ونُقل عن ريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله، الإمام الحسين عليه السلام، أنّه لمّا ودّع أخته زينب عليها السلام وَداعَه الأخير قال لها: يا أُختاه، لا تنسيني في نافلة الليل.
ورُوي عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام أنّه قال: «إنّ عمّتي زينب كانت تؤدّي صلواتها من قيام -الفرائض والنوافل- عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك، فقالت: أصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال؛ لأنّها كانت تُقسّم ما يُصيبها من الطعام على الأطفال، لأنّ القوم كانوا يدفعون لكلّ واحد منّا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة».
وفي هذه الأخبار دلالة لا أوضح منها، على أنّ السيّدة زينب عليها السلام كانت من القانتات اللائي وَقَفنَ حركاتهنّ وسكناتهنّ وأنفاسهنّ للباري تعالى، فحصلن بذلك على المنازل الرفيعة والدرجات العالية التي حَكَت برفعتها منازلَ المُرسلين ودرجات الأوصياء عليهم الصلاة والسلام.

العقيلة زينب عليها السّلام وصيّة الإمام الحسين عليه السلام

ومن الشرف الذي لا يَلحقه شرف، أنّ الإمام الحسين عليه السلام ائتمن أختَه العقيلةَ عليها السلام على أسرار الإمامة، فقد روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى أحمد بن إبراهيم، قال:
«دخلتُ على حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا أخت أبي الحسن [عليّ الهادي] العسكريّ عليهم السلام في سنة 262 للهجرة بالمدينة، فكلّمتُها من وراء حجاب وسألتُها عن دِينها، فسَمَّت لي مَن تأتمّ بهم، ثمّ قالت: فلان ابن الحسن عليه السلام، فسَمّته [يقصد أنّها سَمَّت الإمام الحجّة بن الحسن العسكريّ عليه السلام].
فقلتُ لها: جَعَلني اللهُ فِداكِ، مُعايَنةً أو خَبَراً؟
فقالت: خبراً عن أبي محمّد عليه السلام كَتَب به إلى أمّه.
فقُلت لها: فأين المولود؟
فقالت: مستور.
فقلت: فإلى مَن تَفَزَعُ الشيعة؟
فقالت: إلى الجدّةِ أمّ أبي محمّد عليه السلام.
فقلت لها: أقتدي بمَن وصيّتُه إلى امرأة؟!
فقالت: اقتداءً بالحسين بن عليّ عليه السلام؛ إنّ الحسين بن عليّ عليه السلام أوصى إلى أخته زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الظاهر، وكان ما يخرج عن عليّ بن الحسين عليه السّلام من عِلمٍ يُنسَب إلى زينب بنت عليّ، سَتراً على عليّ بن الحسين عليه السلام. ثمّ قالت: إنّكم قومٌ أصحابُ أخبار، أما رَوَيتُم أنّ التاسع من وُلد الحسين عليه السّلام يُقسّم ميراثَه وهو في الحياة؟».
 وروي أنّه كانت لزينب عليها السّلام نيابة خاصّة عن الحسين عليه السلام، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام، حتّى برئ زينُ العابدين عليه السلام من مرضه.

السيّدة زينب عليها السلام المدافعة عن حريم الولاية

أ. مع أمير المؤمنين والإمام الحسن عليهما السلام: نافحت عقيلة الهاشميّين عليها السلام عن حريم الولاية، ووقفت إلى صفّ إمام زمانها عليه السلام سواءً في زمن أمير المؤمنين، أم الإمام الحسن عليهما السلام، تدافع عنه وتجاهد بالكلمة والموقف.
ب. مع الحسين الشهيد عليه السلام: أمّا مع أخيها وإمامها الحسين الشهيد عليه السلام، فقد رافقته إلى كربلاء، ووقفت إلى جانبه خلال تلك الشدائد التي يَشيبُ لها الوِلدان، وقدّمت ابنَيها (عوناً ومحمّداً) شهيدَين في طفّ كربلاء، ولم يُنقَل عنها عليها السلام أنّها نَدبت ابنَيها بكلمةٍ ولا ذَرَفت لِفَقدهما دمعة، فقد كان همّها الشاغل مواساة أخيها الحسين عليه السلام بكلّ وجودها.
يُكتفى هنا بذكر بعض مواقفها عليه السلام في كربلاء، لأنّها أشهر من أن يُعرّف بها.
* روى المجلسي أنّ الإمام الحسين عليه السلام لمّا طُعن في خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن، خرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي: «واأخاه واسيّداه واأهلَ بيتاه! لَيت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل».
* قال الراوي: فواللهِ لا أنسى زينبَ بنت عليّ عليه السلام وهي تندبُ الحسينَ وتنادي بصوتٍ حزين وقلبٍ كئيب:
«وامحمّداه! صلّى عليك مَليكُ السماء، هذا حسينٌ مُرمَّلٌ بالدماء، مُقَطَّعُ الأعضاء، وبَناتُك سبايا، إلى الله المُشتكى... وامحمّداه! هذا حُسينُ بالعراء، يَسفي عليه الصَّبا، قتيلُ أولادِ البغايا، يا حُزناه يا كَرباه! اليوم مات جدّي رسول الله. يا أصحابَ محمّداه، هؤلاء ذريّةُ المصطفى يُساقُونَ سَوقَ السبايا!».
ج. مع الإمام زين العابدين عليه السلام: تولّت عقيلة بني هاشم عليها السّلام تمريضَ الإمام زين العابدين عليه السلام ورعايتَه والمحافظةَ عليه في كربلاء والكوفة والشام. وكان من المواقف التي خلّدها لها التاريخ في دفاعِها عن إمام زمانها؛ الإمام زين العابدين عليه السلام بعد شهادة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، موقفٌ في مجلس ابن زياد في الكوفة، حين قال ابنُ زياد للإمام السجّاد: ولكَ جرأةٌ على جوابي؟! ثمّ قال: اذهَبوا به، فاضربوا عُنُقَه!
سَمِعَت عمّتُه زينبُ ذلك فقالت: «يا ابنَ زياد، إنّك لَم تُبقِ منّا أحداً، فإن عَزَمتَ على قتلهِ فاقتُلني معه»، وكانت قد دفعت عنه عليهما السلام القتل في كربلاء، وكذلك بعد السبي إلى الشام.
كانت كلمات العقيلة عليها السّلام استمراراً لنهضة أخيها الشهيد عليه السّلام، وكان ثباتها وصمودها وصبرها السُّورَ الحصين الذي صان مُعطيات الثورة الحسينيّة المباركة، والترجمانَ الصادق الذي نقل للأجيال تفاصيل تلك النهضة الظافرة.

***


لا تمحو ذكرنا

فَكِدْ كيدك، واسْعَ سَعْيَك، وناصِبْ جهدك، والله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميتُ وَحْينا، ولا تُدرك أمَدَنا، ولا يَرْحَض عنك عارها، وهل رأيك إلّا فَنَد، وأّيامك إلّا عدد، وجمعك إلّا بَدَدْ، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين.

فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء!


اخبار مرتبطة

  العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

04/05/2011

  خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

04/05/2011

نفحات