مرابطة

مرابطة

22/10/2014

أميركا والنّفط العربيّ


أميركا والنّفط العربيّ

طبيعة إمبرياليّة، أم حاجة إلى الطّاقة؟

_____ منير شفيق* _____


ثمّة مقولة شديدة السّذاجة أخذت تشيع في السّنوات الأخيرة، وخلاصتها أنّ أميركا لم تعد بحاجة إلى النّفط العربيّ بعد أن اكتشفت كمّيّات من النّفط في الولايات المتّحدة الأميركيّة. ما سيجعلها من أكبر مصدِّري النّفط في السّنوات القليلة القادمة. الأمر الذي يفسّر تفكيرها الجدّيّ بالانسحاب من المنطقة، وقد ترافق ذلك مع انزياح أولويّتها الاستراتيجيّة العالميّة إلى المحيط الهادئ، أو كأنّ اكتشاف النّفط بكمّيّاته الهائلة في أميركا دافعٌ لحدوث ذلك الانزياح في الاستراتيجيّة وأولويّاتها.

أصل سذاجة المقولة

اتّهام هذه المقولة بالسّذاجة ينبع من تفسيرها الاستراتيجيّة الأميركيّة في السّيطرة على النّفط انطلاقاً من حاجتها الدّاخليّة إليه، وليس باعتباره جزءاً أساسيّاً بالنّسبة إلى الرّأسماليّة الأميركيّة الإمبرياليّة لجني أقصى الأرباح من النّاحية الاقتصاديّة، كما باعتبار السّيطرة على النّفط إلى أعلى مستوى ممكن يشكّل أولويّة استراتيجيّة عسكريّة – اقتصاديّة – سياسيّة في التّنافس العالميّ ضدّ المنافسين الدّوليّين، كما في الهيمنة على المتمرّدين المحلّيّين والإقليميّين ضمن ما بَنت وستبني من إمبراطوريّة إمبرياليّة أميركيّة.

فالمقرّر الأوّل هنا ليس الحاجة الذّاتيّة الدّاخليّة إلى النّفط، وإنّما الطّبيعة الإمبرياليّة. أمّا المدى الّذي تذهب إليه هذه الطّبيعة توسّعاً أو انحساراً، فمسألة مرهونة بموازين القوى.

ولهذا فإنّ اكتشاف المزيد من الثّروة النّفطيّة الهائلة في الولايات المتّحدة لا علاقة له، من قريبٍ أو بعيدٍ، بانسحاب أو مدى انسحابها من المنطقة العربيّة – الإسلاميّة، ولا بانتقال أولويّتها الاستراتيجيّة إلى المحيط الهادئ، علماً أنّ أولويّتها الاستراتيجيّة في مرحلة الحرب الباردة كانت ضدّ الاتّحاد السّوفياتيّ، مع التّركيز على أوروبا ثمّ جنوب شرق آسيا. ومن ثمّ كانت الهيمنة على النّفط العربيّ والبلاد العربيّة يندرجان ضمن استراتيجيّتها العالميّة. ومن الدّرجة الثّالثة من حيث الأهمّيّة.

انحسار السّيطرة الأميركيّة، وبروز روسيا والصّين

أمّا إعطاء الأولويّة في الاستراتيجيّة العالميّة للمنطقة الّتي أسماها الاستعمار البريطانيّ بالشّرق الأوسط، فقد تمّ تبنّيها، عمليّاً، بعد انتهاء الحرب الباردة في عهدَي بيل كلينتون، ونظريّاً وعمليّاً، في عهدَي جورج بوش الابن. وكان ذلك بسبب تعاظم سيطرة اللّوبي الصّهيونيّ والمحافظين الجدد على القرار الاستراتيجيّ والسّياسيّ الأميركيّ.

 فصهاينة الكونغرس والإدارة الأميركيّة استغلّوا انهيار منافسة المعسكر الاشتراكيّ وتصوّروا أنّ السّيادة العالميّة المطلقة، أو شبه المطلقة، آلت لأميركا، ما يسمح بإعادة بناء شرق أوسط جديد يؤبّد سيطرة أميركا والكيان الصّهيونيّ عليه. فجنحوا إلى إعطائه الأولويّة الاستراتيجيّة بدلاً من أن تبقى الأولويّة لنزع السّلاح النّوويّ والصّاروخيّ لروسيا واحتواء الصّين. وهو ما يفترض عضّ الأصابع ندماً بسبب هذا الخلل الاستراتيجيّ، بعد أن عادت كلّ من روسيا والصّين منافسَين عالميَّين كبيرَين بما لا يقلّ عن المنافسة السّابقة للمعسكر الاشتراكيّ. فضلاً عن بروز الهند وعدد من الدّول الإقليميّة الوازنة في مرحلة الخلل في الاستراتيجيّة الأميركيّة في نقل الأولويّة للبلاد العربيّة وإيران. وهو ما ثبت فشله إذ أفسح المجال لِما نشهد من انحسار للسّيطرة الأميركيّة – الأوروبيّة على العالم. وذلك من دون التّقليل من أهمّيّة العوامل النّهضويّة في الصّين وروسيا، والهند، وإيران، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، والشّعوب والمقاومات والممانعات بعامّة.

فمن هنا لا يجوز اعتبار اكتشاف كمّيّات جديدة وافرة من النّفط في أميركا سبب لما يُسمّى بانسحاب أميركا من منطقتنا أو لتقليل الاهتمام بها، أو للتّحوّل بالأولويّة الاستراتيجيّة إلى الصّين- المحيط الهادئ.

 والسّؤال: إذا أصبحت الصّين مركز الأولويّة الاستراتيجيّة الأميركيّة، فهل تُترك السّيطرة على النّفط العربيّ – الإسلاميّ لها، أو يُترك وصولها إليه سهلاً، أم يُصبح الإمساك بالنّفط العالميّ من النّاحية الاستراتيجيّة أكثر أهمّيّة لحرمان الصّين منه؟ كما للتّحكّم بأسعاره لمحاصرة روسيا. فهذه المسألة لم تخطر ببال أصحاب تلك المقولة السّاذجة، بل شديدة السّذاجة.

 عندما تنسحب أميركا أو تتراجع عن أيّة أرض أو منطقة لا يكون ذلك إلّا اضطراراً، إذ لا بدّ من أن تكون رياح موازين القوى قد راحت تهبّ في غير مصلحتها. ومن ثمّ يجب أن تُقرأ دائماً معادلات موازين القوى ومتغيّراتها في تفسير متغيّرات السّياسة، وانتقال الأولويّة الاستراتيجيّة من «نقطة» إلى أخرى.

***

وأخيراً، كيف لا يُلاحَظ بأنّ الاتّجاه العالميّ يتمثّل في تعاظم الطّلب على الطّاقة وعدم التّكافؤ المتفاقم بين زيادة استهلاكها وإنتاجها، فضلاً عن نضوب النّفط المتواصل باعتباره مادّة غير مستديمة التّجدّد. ومن ثمّ حتميّة زيادة أسعاره بسبب تعاظم الطّلب عليه، حيث تكمن الأرباح الخياليّة وتكمن الحاجة الاستراتيجيّة إليه، الأمر الّذي يجعل الأسباب الاستراتيجيّة التّنافسيّة والعسكريّة، فضلاً عن الرّبحيّة، أقوى من أيّ يومٍ مضى في الاستراتيجيّة الإمبرياليّة الأميركيّة. وهنا تزيد سذاجة المقولة آنفة الذّكر في تفسير ما أخذ يطرأ من تراجع وضعف في السّياسات الأميركيّة في المنطقة العربيّة والإسلاميّة، وفي العالم عموماً بزيادة توفّر النّفط لديها، ومن ثمّ عدم حاجتها إلى النّفط العربيّ.

وبالمناسبة، إنّ زيادة الطّلب المتفاقمة على استهلاك الطّاقة الأحفوريّة عالميّاً، وما تسبّبه، وسوف تسبّبه، من انبعاثات لثاني أوكسيد الكربون، ومن ثمّ للانحباس الحراريّ وزيادة التّلوّث، سوف يؤثّر سلباً في المسار البشريّ الاستهلاكيّ الّذي صنعه النّظام الرّأسماليّ وحداثته العولميّة نحو الدّمار الذّاتيّ المحتوم. وذلك إذا لم يوضع حدّ، وفي الوقت المناسب، لهذا النّظام وطبيعته الاستهلاكيّة الجنونيّة الّتي لا تحتملها كرتنا الأرضيّة، ولا يقبلها خالق هذا الكون وصانع توازنه.

________________________________

* مفكّر سياسيّ فلسطينيّ - نقلاً عن موقع الأمان الالكتروني

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

22/10/2014

دوريات

نفحات