الملف

الملف

منذ أسبوع

النّبيّ الأعظم سيّد الأحياء وعين الحياة

النّبيّ الأعظم سيّد الأحياء وعين الحياة

الحسين سرُّ سرِّ الأحياء والحياة

----- الشيخ حسين كوراني-----

من بديهيّات الإسلام أن الشهيد حيّ، فالحسين عليه السّلام سيّد الأحياء لأنه سيّد الشهداء.

والسؤال: هل نتعامل معه عليه السّلام على هذا الأساس؟ هل نشعر بأنه حيّ؟

وهو سؤالٌ يقودُنا إلى تصحيح معرفتنا بالمعصومين جميعاً خصوصاً برسول الله صلّى الله عليه وآله.

 

حياةُ الشهداء حقيقية

يحاول بعض الماديّين، وإنْ كانوا من المتظاهرين بالإسلام أو المسلمين الجاهلين، أن يصوّروا أن حياة الشهيد اعتبارية، فهو لِما يتركه من آثار عظيمة بشهادته كما لو أنه كان حيّاً. وهو تصوّرٌ باطل.

 في معرض تفسير الآية المباركة: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ البقرة:154، قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة:

«فإنْ قيلَ: هل الشّهداءُ أحياءٌ على الحقيقة، أم معناه أنّهم سَيُحيَون وليسوا أحياء؟ قلنا: الصّحيح أنّهم أحياء إلى أن تقومَ الساعة، ثم يُحييهم اللهُ في الجنّة، لا خلافَ بين أهل العلم فيه إلّا قولاً شاذّاً من بعض المتأخّرين. والأوّل قولُ الحسن، ومجاهد، وقتادة، والجبائي، وابن الأحشاد، والرمّاني، وجميع المفسّرين. والقول الثّاني حكاه البلخيّ.

واستَدلّ أبو علي الجبائي على أنّهم أحياء في الحقيقة بقوله: ﴿.. وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ فقال: لو كان المعنى سَيحيون في الآخرة، لم يقُل للمؤمنين المُقرّين بالبَعث والنّشور: (ولكنْ لا تَشعرون)، لأنّهم يَعلمون ذلكَ ويَشعرون به».

(التبيان: 2/34-35)

وإذا كان كلّ شهيد حيّاً، وسيّدهم سيّد الأحياء، فما هو حالُ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكيف يجب أن يكون التعامل معه؟

إن الحياة الثابتة للشهيد فرعُ اتّباعه للمصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله ولأهل البيت عليهم السّلام، وحياة النبيّ عند ربه فوق حياة الشهيد عند ربّه بمراتب لا يُدرَك كُنهها.

 

حياةُ الأنبياء أسمى

قال ابنُ حزم:

«مسألة: وإنّ الأنفسَ حيث رآها رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ليلةَ أُسرِيَ به أرواحُ أهل السّعادة عن يمين آدم عليه السّلام وأرواحُ أهل الشّقاء عن شماله عند سماء أهل الدّنيا، لا تَفنى ولا تنتقلُ إلى أجسامٍ أُخَر، لكنّها باقيةٌ حيّةٌ حسّاسةٌ عاقلةٌ في نعيمٍ أو نَكَدٍ إلى يوم القيامة، فتُردّ إلى أجسادها للحسنات وللجزاء بالجنّة أو النّار، حاشى أرواح الأنبياء عليهم السّلام وأرواح الشّهداء فإنّها الآن تُرزَق وتُنعَّم. ومَن قال بانتقال الأنفس إلى أجسامٍ أخَر بعد مفارقتِها هذه الاجسادَ فقد كَفَر.

وأمّا الشّهداء فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ..﴾ آل عمران:169-170، ولا خلافَ بين المسلمين في أنّ الأنبياء عليهم السّلام أرفعُ قدراً ودرجةً وأتمُّ فضيلةً عند الله عزّ وجلّ وأعلى كرامةً من كلّ مَن دونهم، ومَن خالف في هذا فَلَيس مُسلِماً».

(المحلّى:1/24)

حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله أسمى

وبملاحظة إجماع المسلمين على أن رسول الله صلّى الله عليه وآله الشاهد على الأنبياء طِبقاً لما ورد في القرآن الكريم، فإنّ هذا يستدعي نحو حياةٍ للمصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله تختلف في البدء عن حياة الخلق أجمعين، وطبيعيٌّ أن يكون ذلك سبب اختلافها في الحاضر والمستقبل؛ بمعنى أنّ حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله في نشأة الدنيا وما بعدها استمرارٌ لحياته في النشأة الأولى، فهي تختلف جذرياً عن أي حياة، لأنّها بإذن الله تعالى سرّ كلّ حياة.

يتأكّد ذلك بملاحظة الروايات حول ما يلي:

ارتباط وجود الدنيا والحياة عليها وسَير الأفلاك بوجوده صلّى الله عليه وآله.

ويتفرّع على ذلك أمور منها:

1-   روايات التقدير في ليلة القدر حيث تنصّ على أنّ الله عزّ وجلّ يُمضي ما أبرمَه إلى المصطفى ومنه إلى الأوصياء واحداً بعد واحد.

2-        ما تؤكّده الروايات من عرْض الأعمال عليه صلّى الله عليه وآله.

3-        أنّه يرى أعمال العباد: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...﴾ التوبة:105.

4-        وأنّ ما من مسلمٍ يصلّي عليه وآله إلّا ويبلغه ذلك.

حسينٌ منّي وأنا من حُسَين

هنا بالذات ينبغي أن نبحث عن معنى حياة الإمام الحسين عليه السّلام، في هذه المرتبة من حياة المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله.

وقد تقدّمت الإشارة إلى أن من بين المحاور التي وردت الروايات في تأكيدها أن وجود الدنيا وبقاءَها مرتبطان بوجود المصطفى وبقائه صلّى الله عليه وآله، وهذه المرتبة ثابتةٌ أيضاً من بعده لأهل البيت عليهم السّلام، فقد روى الشيعة والسنّة بألفاظ مختلفة قوله صلّى الله عليه وآله:

«مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي، كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ، فَهُم أَمَانٌ لِأَهْلِ الأَرْضِ، كَمَا أَنّ النّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ السّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ، طُوِيَتِ السّمَاءُ، وَإِذَا ذَهَبَ أَهْلُ بَيتِي خَرِبَتِ الأَرْضُ، وَهَلَكَ العِبَادُ».

(المحقّق الحلّي، المعتبر: 1/23؛ والشهيد الأول، الذكرى: ص 6)

* قال الشيخ الصّدوق:

«وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: (النُّجُومُ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّماءِ وأَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأَهلِ الأَرْضِ فإِذا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى أهلَ السّماءِ مَا يَكْرَهُونَ، وإِذا ذَهَبَ أَهْلُ بَيْتِي أَتَى أَهْلَ الأَرْضِ ما يَكْرَهُونَ)، يعني بأهل بيته الأئمّة الذين قرنَ اللهُ عزّ وجلّ طاعتَهم بطاعتِه فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...﴾ النساء:59».

أضاف: «وهم المعصومون المطهَّرون الذين لا يُذنبون ولا يَعصون، وهم المؤيّدون الموفَّقون المسدَّدون، بهم يرزقُ الله عبادَه، وبهم تعمُر بلادُه، وبهم يُنزِلُ القطْرَ من السماء، وبهم يُخرج بركاتِ الأرض، وبهم يُمهِل أهلَ المعاصي ولا يعجَل عليهم بالعقوبة والعذاب. لا يفارقُهم روحُ القُدُس ولا يفارقونه، ولا يُفارقون القرآنَ ولا يُفارقهم، صلوات الله عليهم أجمعين».

(عِلل الشرائع: 1/123)

* وقال ابن حجر في (الصواعق المحرقة): «وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارةٌ إلى عدم انقطاع متأهِّلٍ منهم للتّمسُّك به إلى يوم القيامة كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق: في كلّ خَلَفٍ من أُمّتي عدولٌ من أهل بيتِي إلى آخره».

بن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: 2/442)

* «وفي رواية صحّحها الحاكم على شرط الشيخَين: النّجُومُ أمَانٌ لِأَهلِ الأَرْضِ مِنَ الغَرَقِ، وأَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأُمَّتِي مِنَ الاخْتِلافِ، فَإِذا خَالَفَتْها قَبِيلةٌ مِنَ العَرَبِ اخْتَلَفُوا فَصَارُوا حِزْبَ إِبْلِيس». أضاف ابن حجر: «وجاء من طُرق ٍعديدةٍ يقوّي بعضُها بعضاً: إنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُم كَمَثَلِ سَفِينةِ نُوح، مَن رَكِبَها نَجَا. وفي رواية مسلم: (.. ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْها غَرِق)، وفي رواية: (هَلك)».

(المصدر: 2/445)

يضيف ابن حجر: «وقال بعضهم: يحتمَل أنّ المراد بأهل البيت الذين هم أمان، علماؤهم، لأنّهم الذين يُهتدى بهم كالنّجوم، والذين إذا فُقِدوا جاءَ أهلَ الأرض من الآيات ما يوعَدون ".." قال [بعضهم]: ويحتمَل، وهو الأظهر عندي، أن المراد بهم سائرُ أهل البيت، فإنّ الله لمّا خلقَ الدنيا بأَسْرها من أجل النبيّ جعلَ دوامَها بدوامِه ودوامِ أهل بيتِه، لأنّهم يُساوونه في أشياء مرّ عن الرازي بعضُها، ولأنّه قال في حقّهم: (أللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم)، ولأنّهم بضعةٌ منه بواسطة أنّ فاطمة رضي الله عنها أمّهم بضعتُه، فأُقيموا مقامَه في الأمان، انتهى ملخّصاً».

(ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: 2/441 [برنامج:مكتبة العقائد والملل، قرص مدمج، اعتمد من الصواعق طبعة مؤسّسة الرسالة، بيروت1997، الطبعة الأولى]، عن كتاب: [مناهل الرجاء: أعمال شهر شعبان، للكاتب، بتصرّف).

وهكذا نكون حتّى الآن أمام حقيقتَين:

الأولى: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله سرّ الحياة، فهي مرتبطةٌ به وجوداً ومرتبطةٌ به استمراراً.

الثانية: أن هذه المرتبة ثابتةٌ لأهل البيت عليهم السّلام من بعده.

فإذا لاحظنا أن أكثر الأئمّة المعصومين الذين ثبتت لهم هذه المرتبة هم من ذريّة الإمام الحسين عليه السّلام عرفنا أنّ ارتباط الحياة وجوداً وبقاءً بالإمام الحسين عليه السّلام متكثِّرٌ بعدد الأئمّة من بَنيه عليهم جميعاً سلام الله تعالى، وقد ورد أنّ هذه الخصوصية: «أنّ الأئمّة من بَنيه» بعضُ التعويض الإلهي له على شهادته عليه السلام.

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات