مرابطة

مرابطة

منذ 3 أيام

على نفسها جَنَت «السعودية»


على نفسها جَنَت «السعودية»

ـــــــــــــــــــــــــــــ علاء الرضائي* ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحادث الإرهابي الذي تعرّض له أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في ليلة العاشر من المحرّم بشرق «المملكة السعودية»، وبالتحديد في قرية الدالوة بالأحساء، لم يكن أمراً عارضاً، على الرغم من أنّه الأوّل من حيث استخدام السلاح الناري في الاعتداءات، بل جاء كنتاجٍ طبيعيٍّ ومنطقيٍّ لسياسة نظام آل سعود بحقّ المكوّن الشيعي في الجزيرة العربيّة والحجاز.. وعندما نقول طبيعي ومنطقي لا بدّ أن نحدّد سياسات وممارسات الحكم السعودي على مدى ثمانية عقود من هيمنته على البلاد..

1- تبنّى آل سعود وبشكلٍ علنيّ وفظّ المنهج الوهّابي الذي يكفّر جميع المسلمين، لا سيّما أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السّلام، ويعتبرهم ملّة أخرى، تحرم حتّى مجالستهم، بل يصحّ التقرّب إلى الله بقتلهم والتنكيل بهم! في حين أنّهم يسالمون الصهاينة ويوالون الغرب!!

2- اعتبار الشيعة في المملكة مواطنين من «الدرجة الثالثة».. يفضَّل عليهم حتّى المقيمون من الأجانب، فالشيعة مقصيّون عن معظم المناصب في الدولة، ولا سيّما في القوات المسلحة، بينما يتمّ استقدام وتوظيف مرتزقة من شرق آسيا ومن المغرب والأردن لحفظ الأمن!

3- قمع الأمراء والمسؤولين الحكوميّين للشيعة، فقد تُسجَن أسبوعاً أو أكثر إذا ما احتفلت في بيتك بذكرى مولد أحد الأئمّة عليهم السلام، ويشمل القمع أيضاً كلّ من يتعاطف مع الشيعة أو ينسج علاقات ودّيّة معهم.. ومؤخّراً قضت محكمة سعودية على شخص بالسجن والجلد مئتَي سوط لأنّه على علاقة تجارية بشيعة من أهل القطيف، ولأنّه التقط صورة مع عالم دين منهم!

4- الإهمال الذي تتعرّض له مناطق المكوّن الشيعي والتي تُعتَبر مصدر البترول الذي يتلاعب برَيعه الأمراء وأعوانهم ومرتزقتهم داخل «السعودية» وخارجها، والذي يصرَف الكثير منه على التَّرَف وعلى الإرهابيّين في معظم البلدان الإسلاميّة.

5- ازدياد الشحن الإعلامي والنفسي خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل هستيري ضد الشيعة، وارتفاع وتيرته مع التدخّل السعودي السافر والجنوني في الأزمة السورية، فاستَعَرت فتاوى التكفير مرّة أخرى وعَلَت نبرة التخوين والاستعداء، وصار كلّ مَن هبّ ودبّ وكلّ مرتزق يُستضاف في قنوات الفتنة والإرهاب (مثل وصال، وصفا) التي أُضيفت إلى قائمة أبواق السُّباب والشتم الوهّابي ضد «انحرافات» الشيعة وعقائدهم «الباطلة»!

وبغضّ النظر عن المناهج الدراسيّة التي يدرَّس فيها «كفر» الشيعة وارتدادهم.. صار الإعلام السعودي ودُعاته المحليّون والمستورَدون يحرّضون على قتل «الرافضة» علانية..

ومن الطبيعي مع هذا وذاك، أن ينشأ جيل في «السعودية» يتقرّب إلى الله بقتل الشيعة أينما كانوا؛ داخل البلاد أو خارجها، لأنّ القتل هَهنا يبرَّر عقائدياً وليس سياسياً.. فلماذا يحلّ قتل «الرافضي» في العراق وسوريا واليمن وباكستان وأفغانستان ولبنان ومصر بفتاوى «السعودية» وأموالها وسلاحها، ولا يجوز ذلك تحت سلطتها وفي «بلاد التوحيد» كما يسمونها؟!

6- التدخل العسكري السعودي في البحرين والتي لها علاقات اجتماعيّة وفكريّة متداخلة مع سكّان الأحساء والقطيف، فالجيش السعودي المحتلّ للبحرين يمارس يوميّاً بحقّ الشيعة ما مارسه الإرهابيّون في مجزرة الدالوة.

7- التخوين المستمرّ وإلصاق أي تحرّك لأهل المناطق الشرقية ذات الأغلبية الشيعيّة بأنّه يحمل أجندات إيرانيّة! حتى صار المتطرّفون الوهّابيون يدعون إلى طرد السكان وتهجيرهم من ديارهم إلى خارج البلاد لأنّهم لا يؤمنون بالوهّابية ومتمسّكون باتّباع مدرسة أهل البيت عليهم السّلام.

الحقد الأعمى وفقدان السيطرة

وفي مثل هذه الأجواء المشحونة بالحقد الأعمى والسياسات العدائيّة، التزم المكوّن الشيعي التهدئة معوّلاً على العقلاء في النظام السعودي وبعض الأصوات المعتدلة داخل الأسرة الحاكمة.. لكنّ هذه التهدئة من طرف واحد لم تزد المتطرّفين في الحكم وفي المؤسّسة الدينية وأتباعهم إلّا تمادياً في العداء والإيذاء والتضييق، حتى انتهى الأمر إلى مجزرة حسينية الدالوة.

يؤشِّر هذا الاعتداء الإرهابي إلى فقدان السلطة قدرتها في السيطرة على الأوضاع واختلال إمكانياتها في ضبط إيقاع سياساتها الداخلية والخارجية، ولعلّ القادم أصعب بكثير ما لم يعالَج بتغيير هيكلي للسياسات القائمة.. لا لأنّ جهاز الأمن السعودي ضعيف ومتهالك إلا في قمع أبناء شعبه، بل لأن منظومة الحكم السعودي قائمة على هذا العداء والتكفير والقمع، فهل يعقل أن يتمكّن النظام من نزع جلده الذي يحمله منذ ثمانية عقود بين ليلة وضحاها؟!

هذا الانفعال السعودي الواضح في التعامل مع مجزرة الدالوة في الأحساء وصيحات التهدئة وعويل الاستغاثة باللُّحمة الوطنية التي تذكّرتها اليوم أبواق النظام و«مكفّروه الرسميّون»، ما هو إلّا دليل على تخبّط النظام السعودي وشيخوخته واشتداد الصراعات بين أجنحته وأمرائه...

إنّ مشهد فقدان السيطرة على الأمن الذي شاهدناه لربما ينتهي إلى ما هو أسوأ إثر هزّة أمنية أخرى، وقد تكون المؤشّرات تسير بهذا الاتّجاه، لأنّ التكفير والحكم بالردّة لم يعد يقتصر على الشيعة فقط، بل صار يطال رجال أمن النظام ايضاً، فلم يعد النظام السعودي نفسه مشروعاً في نظر هؤلاء الذين أنتجتهم مؤسّسات النظام الإعلاميّة والعَقَديّة، بل هو – في نظرهم - حفنة من المرتدّين والمبتدعين الذين يتقرَّب إلى الله بقتلهم والتخلّص منهم.

لذلك، وأمام هذه الفوضى والتخبّط الرسمي السعودي، من الطبيعي أن تصدر أصوات مطالبة بأمن ذاتي للمكوّن الشيعي، لأنّه لا يمكن التعويل على المنظومة الأمنية الرسمية الضعيفة والمخترَقة، ولا على سلطات هي مصدر الإرهاب وداعمته بالفتوى والمال والسلاح..

وأيضاً يجب على دول العالم والمنطقة ومنظّمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام أن تضغط على «الحكومة السعودية» لوقف سياساتها الخاطئة والإذعان لمطالب المكوّن الشيعي، لأنّه السبيل الوحيد لبقاء منظومة السلطة في ظلّ الانتكاسات الخارجية والمشاكل الداخلية.

وليعلم حكّام وأمراء آل سعود أن أتباع أهل البيت عليهم السّلام في داخل المملكة وخارجها، ليسوا كغيرهم ممّن تربّوا في مدارسكم التكفيريّة، ولن يشكّلوا تهديداً لحكم عادل يحترم نفسه وأبناء شعبه، بل هم سند لمثل هذه الحكومات ويُمكن المراهنة على وطنيّتهم وسلميّتهم ووفائهم وأخلاقيّاتهم وتعايشهم مع المكوّنات الفكرية والمذهبيّة والدينيّة الأخرى.. فمن مصلحة «السعودية» أن تتصالح معهم وتكفّ عن استعدائهم وقتلهم في الداخل والخارج..

 
 
 

* نقلاً عن الموقع الإلكتروني لقناة العالم، بتصرّف

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 3 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات