الملف

الملف

20/12/2014

حرمةُ الغدر والخيانة

دعوةُ المشركين إلى الحقّ

حرمةُ الغَدر والخيانة

------ الشهيد السيّد محمّد الصدر قدّس سرّه -----

في كتابه الموسوعيّ (ما وراء الفقه) تناول المرجع الديني الراحل الشهيد السيّد محمّد محمّد صادق الصدر، موضوعَ آداب الحرب في الإسلام، وقد اختارت منه «شعائر» ما يلي:

لا يجوز البدء بقتال المشركين، إلَّا أن يدعوهم إلى الإسلام عقيدةً ومفهوماً. إذ لعلّهم إنّما جاؤوا لقتاله، باعتبار جَهْلهم به وبُعدهم عن السّماع بتعاليمه. فلا بدّ من عرض محاسن الإسلام أمامَهم. فإنْ قبلوا فهو المطلوب، وإنْ رفضوا استحقّوا القتال.

- عن الإمام الصّادق عليه السلام، قال: «قالَ أَميرُ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ: بَعَثَني رَسولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، إِلى اليَمَنِ فَقالَ: يا عَلِيُّ، لا تُقاتِلَنَّ أَحَداً حَتّى تَدْعُوَهُ إِلى الإِسْلامِ. وَأَيْمُ اللهِ لَئِنْ يَهْدِي اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى يَدَيْكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ..»، الحديث.

- وعن «الزّهريّ»، قال: «دخلَ رجالٌ من قُرَيش على عليّ بن الحسين، عليهما السّلام، فسألوه كيف الدّعوةُ إلى الدِّين؟ فقال: بِسْمِ اللهِ الرّحمنِ الرحّيمِ. أَدْعوكَ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلى دينِهِ، وَجِماعُهُ أمران: أَحَدُهُما: مَعْرِفَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالآخَرُ: العَمَلُ بِرِضْوانِهِ. وَإِنَّ مَعْرِفَةَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُعْرَفَ بِالوَحْدانِيَّةِ، وَالرَّأْفَةِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالعِزَّةِ، وَالعِلْمِ، وَالقُدْرَةِ، وَالعُلُوِّ عَلى كُلِّ شَيْءٍ. وَأنَّهُ النافِعُ [الضّارّ] القاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ. وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسولُهُ، وَأَنَّ ما جاءَ بِهِ هُوَ الحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَما سِواهُ هُوَ الباطِلُ. فَإِذا أَجابوا إِلى ذَلِكَ فَلَهُمْ ما للْمُسْلِمينَ وَعَلَيْهِمْ ما عَلى المُسْلِمينَ».

أقول: وهذا هو المضمون العامّ، وليس المهمّ هذا اللّفظ، بل المهمّ أن يفهمَ المخاطَب ويَستوعب ما يُقال له. مضافاً إلى أنّ بعضَ ما ورد في هذا الخبر غيرُ واجبِ الاعتقادِ به بالتّفصيل، وخاصّةً مع الغَفلة عنه. ولذا علَّق عليه (صاحب الوسائل): «الظّاهر أنّ هذه أفضلُ الكيفيّات».

قضاءُ الله سبحانَه

إنّ المحاربين والمعارضين مهما أوتوا من جهد وقوّة أو كَثرة أو قلّة، لن يستطيعوا أن يُغيّروا قضاء الله وقَدَره. وإنّ لكلّ حكمٍ مهما كانت صفتُه أمَداً يبدأ به وينتهي إليه، ولا رادَّ لقضاء الله سبحانه بذلك.

- عن الإمام الصادق عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام (في وصية النّبيّ صلّى الله عليه وآله لعليٍّ عليه السّلام)، قال: «يا عَلِيُّ، إِنَّ إِزالَةَ الجِبالِ الرّواسي أَهْوَنُ مِنْ إِزالَةِ مُلْكٍ لَمْ تَنْقَضِ أَيّامُهُ».

- وقال الإمام السجّاد، زينُ العابدين عليه السّلام، في الدّعاء: «.. ذَلَّتْ لِقُدْرَتِـكَ الصِّعَابُ، وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأَسْبابُ، وَجَرى بِقُدْرَتِكَ الْقَضَاءُ، وَمَضَتْ عَلى إرَادَتِكَ الأَشْياءُ، فهيَ بِمَشِيَّتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ، وَبِإرَادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةٌ. أَنْتَ الْمَدْعُوُّ لِلْمُهِمَّاتِ، وَأَنْتَ الْمَفزَعُ فِي الْمُلِمَّاتِ، لاَ يَنْدَفِعُ مِنْهَا إلّا مَا دَفَعْتَ، وَلا يَنْكَشِفُ مِنْهَا إلّا مَا كَشَفْتَ».

إلى أن يقول صلوات الله عليه: «فَلاَ مُصْدِرَ لِمَا أَوْرَدْتَ، وَلاَ صَارِفَ لِمَا وَجَّهْتَ، وَلاَ فَاتِحَ لِمَا أغْلَقْتَ، وَلاَ مُغْلِقَ لِمَا فَتَحْتَ، وَلاَ مُيَسِّرَ لِمَا عَسَّرْتَ، وَلاَ نَاصِرَ لِمَنْ خَذَلْتَ..». إلى آخر الدّعاء.

حرمةُ الغدر والخيانة

- عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله، الإمام الصادق عليه السلام: «.. لا يَنْبَغي للمُسْلِمينَ أَنْ يَغْدُروا، وَلا يَأْمُروا بِالغَدْرِ، وَلا يُقاتِلوا مَعَ الّذينَ غَدَرُوا..». الحديث.

- وعن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين، عليه السّلام، ذاتَ يومٍ وهو يخطبُ على منبر الكوفة: «أَيُّها النّاسُ! لَوْلا كَراهَةُ الغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهى النّاسِ. أَلا إِنَّ لِكُلِّ غُدَرَةٍ فُجَرَةً، وَلِكُلِّ فُجَرَةٍ كُفَرَةً، أَلا وَإِنَّ الغَدْرَ وَالفُجورَ وَالخِيانَةَ في النّارِ». إلى غير ذلك من الأخبار.

الذِّمَام

الذِّمام محترمٌ بين المسلمين، فمَن أجار شخصاً أو جماعةً من الأعداء، وجب َعلى الآخرين الالتزام بذِمامه واحترام عَملِه. وقد وردت في ذلك عدّة أخبار:

- منها: عن الإمام الصّادق عليه السلام، قال الرّاوي: «قلتُ له: ما معنى قولِ النبيّ صلَّى الله عليه وآله: يَسْعَى بِذِمَّتِهم أَدْنَاهُم؟ قال: لَوْ أَنَّ جَيْشاً مِنَ المُسْلِمينَ حاصَروا قَوْماً مِنَ المُشْرِكينَ، فَأَشْرَفَ رَجُلٌ فَقالَ: أعْطوني الأَمانَ حَتّى أَلْقَى صاحِبَكُمْ وَأُناظِرَهُ، فَأَعطاهُ أَدْناهُمُ الأَمانَ، وَجَبَ عَلى أَفْضَلِهِمُ الوَفاءُ بِهِ».

* والمُراد من «صاحبكم»: الإمام أو القائد. وإنّما عبّرَ بذلك لكونه غيرَ مؤمنٍ به لحَدِّ قوله ذلك.

- رُوي أيضاً عن الإمام الصّادق عليه السّلام: «أَنَّ عَلِيّاً أَجازَ أَمانَ عَبْدٍ مَمْلوكٍ لِأَهْلِ حِصْنٍ مِنَ الحُصونِ. وقَال: هُوَ مِنَ المُؤْمِنينَ».

- وعن الإمام الباقر عليه السّلام: «ما مِنْ رَجُلٍ آمَنَ رَجُلاً عَلى ذِمَّةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ يَحْمِلُ لِواءَ الغَدْرِ».

وهذا بالطبع ثابتٌ ومن ضروريّات الفقه، ما لم تَحدث هناك مصلحة أعلى من ذلك في حفظ المجتمع المسلم، إلَّا أنّ حدوثَ ذلك نادر، لأنّ الذي يُعطي الأمان إنّما يُعطيه بعد أخْذِ كلّ ما يعرف من الملابسات بنَظر الاعتبار. فلا يقع في الخطأ إلَّا نادراً.

الأمان

مَن تخيّلَ خطأ من الأعداء المشركين - فرداً أو جماعةً - أنّه داخلٌ في أمان المسلمين أو ذِمّتهم، بأيّ سببٍ كان ذلك؛ كان ذلك الفرد أو الجماعة في أمان حتّى يرجعوا إلى مأمنِهم.

عن أبي عبد الله، الإمام الصادق عليه السلام، قال: «لَوْ أَنَّ قَوْماً حَاصَروا مَدينَةً فَسَأَلوهُمُ الأَمانَ، فَقالوا: لا. فَظَنّوا أَنَّهُمْ قالوا: نَعَمْ، فَنَزَلوا إِلَيْهِمْ، كَانوا آمِنينَ».

* ومعنى: «نَزلوا إليهم»: تخلّوا عن تحصُّنهم أو سلاحِهم اطمئناناً بأمان المسلمين.

وبعد التجريد عن الخصوصيّة يعمُّ الحكم لكلّ حالة. وهذا ما فعلَه المحقّق الحلّي. فقد كرّر - في كتاب الجهاد من (الشّرائع) - ذلك في عدّة مسائل:

* قال عن الذِّمام: «وَلَو أذمَّ المراهقُ أو المجنون لم ينعَقِد، لكنْ يُعاد إلى مَأْمَنِه. وكذا كلُّ حّربيٍّ دخلَ في دار الإسلام بشُبهة الأمان. كأنْ يسمعَ لفظاً فيعتقدَه أماناً، أو يصحبَ رِفقةً فيتوهّمها أماناً».

* وقال: «ولو ادّعى الحربيُّ على المسلم الأمان، فأنكرَ المسلمُ فالقولُ قولُه. ولو حِيلَ بينَه وبين الجواب بموتٍ أو إغماءٍ لم تُسمَع دعوى الحربيّ. وفي الحالَين يُرَدُّ إلى مأمنِه. ثمّ هو حرب».

* وقال: «ولو مات الحاكم (بالهدنة) قبل الحُكم بطلَ الأمان، ويُرَدّون إلى مأمنِهم». إلى غير ذلك من الفتاوى.

(الشهيد السيد محمّد الصدر، ما وراء الفقه: ج 2، ص 378، بتصرّف)

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

20/12/2014

دوريّات

نفحات