قواعد الحوار

قواعد الحوار

04/05/2011

بين الإفهام والإفحام

الشيخ حبيب الكاظمي

من قواعد الحوار:
*السلامة من مرض حبّ الإفحام والغلبة       *الصدق في طلب الحقيقة
            *الحوار في الأصول ثمّ في الفروع     *والإحترام المتبادل.

لقد جعل التقدّم التكنولوجي هذا العصر عصرَ حوار الحضارات، بل صراع الحضارات! حيث نرى أنّ خصوصيّات وأسرار المدارس الفكريّة والدينيّة المختلفة قد طُرحت على بساط البحث والنقاش للجميع. وفي خضمّ هذه المناظرات الثقافيّة، نرى من الضروري وضع قواعد علميّة وعمليّة، ليكون أيّ حوار ثقافي حواراً بنّاءً، له أهدافه وآدابه، وليس جدالاً فارغاً مضيِّعاً للوقت والجهد.

وثمّة أصناف من المجادلين عرَّفتهم آيات الكتاب الحكيم: فهناك المجادلون عن جهل، وهناك المجادلون اتّباعاً أعمى لآبائهم أو لشياطين الجنّ والإنس: ﴿ومِن الناس مَن يجادل في الله بغير علم ويتّبع كلّ شيطان مريد﴾ الحج:3، وهناك المجادلون عن كِبْرٍ وتعالٍ على الغير: ﴿إنّ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلّا كِبْر..﴾ غافر:65، وأخيراً هناك المجادلون لأجل هدف مقدَّس، وذلك للدعوة إلى سبيل الله تعالى، وتوعية المجتمع ﴿أدعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن..﴾ النحل:125.

ولأجل تحقّق الحوار السليم والهادف، ينبغي للمؤمن أن يُراعي القواعد التالية:

أوّلاً: التخصّص في موضوع الحوار. فمن المؤسف أن نرى كثيرين ينبرون للإدلاء بِدَلوِهم في أمور الدين من دون سلطان مبين، في الوقت الذي يحترم فيه جميع العقلاء أرباب التخصّص فى الطبّ والهندسة وغير ذلك من فروع المعرفة. فإذا بشخصٍ لا يُتقن العربيّة أو فهم ظواهر الكلمات الواردة فى الدين، يتحدّث باسم القرآن والرسول صلّى الله عليه وآله! بينما نرى علماء الدين يبذلون جهود سنوات طويلة، في فهم ما ورد في سنّة النبيّ وآله عليهم السلام، وتمييزها إلى صحيح وحَسَن وموثّق ومرسل ومُسند، كلّ ذلك خوفاً من الوقوع فى الظنّ الذي لا يُغني عن الحقّ شيئاً. ولطالما نهى أئمّة أهل البيت عليهم السلام عن الجدال بغير أدلّة دامغة، لأنّ ذلك ممّا يزيد من عداوة المحاوَر وتعصُّبه
وممّا يؤكّد الحاجة إلى التخصّص، هو هذا الكمّ من المفاهيم الهُلاميّة التي يُساء استغلالها نظراً لعدم وضوح معانيها وحدودها بدقّة، مثل: مفهوم الحريّة، والديمقراطيّة، وحريّة المرأة، والانفتاح على الغير، وغير ذلك. ومن الواضح أنّ هذه المفاهيم تتوقّف عليها مواقف عمليّة، تغيّر مجرى حياة الفرد والأمّة إمّا سلباً أو إيجاباً.

ثانياً: نفي الإنّيّة والذاتيّة، وحبّ الإفحام والغلبة الفكريّة، وهذا من أصعب الأمور على النفس، ذلك لأنّ المُحاوِر الذي لم يخرج من أسْر «الأنا»، يحبّ أن يُبرز نفسه من خلال إظهار قوّته وتمكّنه في الحوار، ومن ثمّ الانتصار فيه ولو كان على حساب الحقيقة التى يفترض لزوم الوصول إليها! وقد قيل إنّ آخر ما يخرج من قلوب الصدّيقين هو حب الرئاسة!

ثالثاً: التحرّز عن الحوار مع مَن لا يريد الوصول إلى الحقيقة. فهناك صنف من السفسطائيّين الذين يُجادلون لهدف الجدال نفسه، فتراهم يتكلّمون في كلّ ما هبّ ودبّ، وكلّ همّهم هو أن يُشار إليهم بالبنان. وشتّان ما بين هذا النموذج، وبين أمثال سلمان الفارسي الذي قضى عمره متنقّلا ً بين البلاد بحثاً عن الحقيقة، إلى أن استقرّ عند نَمير الوحي المحمّدي.

رابعاً: الإبتعاد عن النقاش في الفروع، قبل تثبيت الأصول. فلا بدّ من التركيز على القواسم المشتركة، ليكون النقاش مبنيّاً على أساس علمي ومنطقي سليم. فهل من المعقول أن نُقنع المُنكِر لوجود الله تعالى بعدالته مثلاً؟ أو نقنع المُنكِر لمبدأ الإمامة واستمراريّة التشريع من خلالها، بفروع المذهب الثابتة، كالتقيّة والتبرّك وغير ذلك من التفريعات الفقهيّة؟

خامساً: التحبّب إلى الطرف الآخر، واحترامه، وملاطفته، وخصوصاً إذا كان من المُستضعفين في عقيدتهم الذين ليس لهم غرض مشبوه من وراء النقاش. فالمُناظر الناجح هو الذي يتكلّم بثقة واطمئنان بما يعتقد به، ملتزماً حدود الأدب، متورّعا عن أسلوب التجريح والغوغائيّة. إذ إنّه بذلك يدخل فى قلب الطرف المقابل، مقدّمةً لإدخال الفكرة إلى عقله.


اخبار مرتبطة

  العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

04/05/2011

  خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

04/05/2011

نفحات