حوارات

حوارات

21/02/2015

الشّيخ محمّد السّند: إجابات في السّير والسّلوك


العلّامة الشّيخ محمّد السند في إجابات على أسئلة في السّير والسّلوك

لا يُمكن الاستغناء عن معادلاتٍ أرشدَ إليها الوحي

______ إعداد: «شعائر» _____

ما يلي ملخّص حوارات أجرتها الإذاعة العربية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع سماحة العلامة المحقّق الكبير الشّيخ محمّد السند حفظه الله في عناوينَ شتّى ترتبط بسلوك المؤمن طريقَ تحصيل رضا الله، عزّ وجلّ، والعُمدة فيها التّمسّك بالثّقلين: القرآن والعترة النّبويّة المباركة، من خلال التزام الأحكام الشّرعيّة، والتّدبّر في نصوص الشّريعة المقدّسة، والإخلاص.

 

س: من القضايا المهمّة التي يكثُر الحديث عنها فيما يرتبط بحركة السّلوك إلى الله تبارك وتعالى، قضيّة الالتزام بالشّريعة، فما هي آثار ذلك، خصوصاً، في حفظ حركة السّالك على الصّراط المستقيم؟

ج: إنّ العروج والتّسامي هما في الحقيقة سيرٌ في منازل غيبيّة وعوامل عظيمة لا يعرف طريقها وسنَنها وأوديتَها إلّا من كان محيطاً بالملكوت، وما هؤلاء إلّا الأنبياء والرّسل وأوصياؤهم عليهم السلام. لأنّ الله، عزّ وجلّ، قد أودعهم هذا العلم المحيط بكيفيّة الوصول والسير والسلوك والعروج إلى تلك المقامات، ومهما بلغ من شأن العارف أو الزاهد أو المتّقي أو الحكيم أو أيّ صاحب مقام من هذه المقامات المعنوية الكبيرة، فإنّ معرفته أو إحاطته لن تصل يوماً ما إلى إحاطة الأنبياء، لا سيّما سيّد الأنبياء والأوصياء، صلّى الله عليه وآله وسلّم وعترته عليهم السلام.

 أمّا السالك، أو العارف، أو الزاهد، أو المتّقي، أو الحكيم، أو صاحب اليقين إنّما يتلفّت إلى درب من الدروب، وتغيب عنه بحورٌ ومحيطات كثيرة، ربّما لو لم يتّبع منهاج النّبوة وهَدي الإمامة وملّة الأنبياء لأَهوتْ به تلك المنازل وتلك الرياضات أو تلك السلوكيات إلى حافّة الهاوية من حيث لا يشعر، لأن المؤمن يأخذ دينه من ربّه لا من رأيه، والدّين في الحقيقة يرتبط بالوصول إلى زُلف القربى والحظوة بالقربى الإلهية، ولذلك ورد إلينا في الحديث النّبوي: «العِلْمُ ثَلاثَةٌ وَما سوى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ - وهي العقائد والمعارف - وَسُنَّةٌ قائِمَةٌ، وَفَريضَةٌ عادِلَةٌ»، وفي الحقيقة توصية الأكابر - وهي توصية نبويّة، وتوصية المعصومين عليهم السلام - هي أنّ مَن لا ينظر في فقه المعارف من الكتاب والسنة، أو في فقه الفروع، أو في فقه السُّنن والآداب - وهو الفقه الأوسط - فسوف ينتابه زَللٌ وانحراف وضلال وابتداع وإحداث في الدّين ما ليس فيه، وكم شوهد ذلك كثيراً على مرّ التجارب.

الصّلاة.. الذّكر الأكبر

 س: ورد في الأحاديث الشّريفة أنّ الصّلاة معراج المؤمن، هل في ذلك إشارةٌ إلى أثَر الصّلاة في السّير والسلوك الى الله تبارك وتعالى؟

ج: إنّ البيان النّبويّ بيانٌ للغايات والثمار التي تُنتجها الصلاة، وفي الحقيقة إنّه في الصّلاة يتمّ عروجٌ روحيّ عظيم وكبير وشامخ وربّما لا يستشعره المصلّي، فالشّحنة الرّوحية، والجرعات المعنوية التي تتفتّق له في أنحاء من المعارف، وفي الانضباط السّلوكي، وفي الإرادة، هي كلّها من غنائم العروج الرّوحي الذي يتمّ في الصلاة.

أحد مشايخنا العظام، رحمة الله عليه، وهو الميرزا هاشم لاريجاني الآملي يقول: «إنّ هناك عدّة من كبار أهل المعنى والتّقوى والقرب الإلهي قد وصلوا إلى مقامات عبر برنامج الصّلاة». هذه الصّلاة، على المكلّف والمؤمن أن يتّخذها برنامجاً وهندسةَ رُقِيّ، ويراقب النتائج المستثمَرة من هذه الصلاة بلحاظ كلّ يوم وكلّ شهر.. كما ورد التّأكيد أنّ آخر صِلة بين الله تعالى وعبده هي الصّلاة، فاذا قطعَها انقطعت الصِّلة، وإذا وصل هذا الحبل خشيَ منه الشّيطان وجنود إبليس؛ والواقع إنّ هذه الخشية نتيجة لما يستثمره المصلّي من هيئات نورية رادعة عن خروقات الشياطين ووَسوستهم وميولاتهم.. هناك هيئة نفسانية تحدث لدى الإنسان تكون بمنزلة القوّة التي تشدّد على إرادة الانسان في قدرته، وعلى مناعته عن المعاصي والمنكرات... ففوائد الصلاة أمور جمّة. يقول أحد أهل المعنى: «متى غنِمنا من غنائم الصلاة كي نبحث عن غنائم أو مشاهدات أو مكاشفات أُخرى؟».

فالصّلاة أمر عظيم، وشأن كبير وفيها يتمّ الذّكرُ الأكبر، ﴿.. وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ..﴾ العنكبوت:45، وفّقنا الله وجميع المؤمنين للتعالي إلى معارج أكثر فأكثر بتوسّط الصلاة وبرنامج الصلاة.

س: هل للأنس بالقرآن الكريم، وتلاوته، وتدبّره، من آثار في القرب من الله تبارك وتعالى، وفي السّير والسّلوك إليه عزّ وجلّ؟

ج: ورد في الحديث أنّ القرآن مأدبة الله تعالى، والجالس على تلك المأدبة ينتهل من ألوان الأطعمة النّورانية والإلهية، وكلّما طال جلوسه زاد في الحقيقة نهلاً وانتفاعاً من تلك المأدبة، وفي الحقيقة إنّ قراءة القرآن، بالآداب التي أوصى بها أئمّة أهل البيت عليهم السلام (وهي: أن يعظ القارئ نفسه ويزجرها عندما يصل إلى موعظة قرآنية، ويردّدها مرّة بعد أخرى لتنفذ تلك المعاني إلى أعماق قلبه ويحصل على الرقّة وانكسار القلب، أو عندما يصل إلى آيات مبشَّرات أيضاً، كذلك يتدبّرها ويقرأها مليّاً) هذه كلّها أمور، توجب صقلاً تربوياً نورانياً في النفس، كذلك عندما يصل إلى حُكمها يتدبّر، فبالتالي سيشاهد ألواناً من الأطعمة النّورية والمعارف الكثيرة، وتلقائياً سيتربّى عُلوياً وخُلُقياً بنظام القرآن وتوصياته، فكلّما ازداد قراءةً وتدبّراً وإمعاناً كلّما انصبغ بأنوار القرآن أكثر فأكثر، وكان سابحاً في هداية القرآن تلقائياً لا شعورياً، فيعبّأ العقل الباطن والذّاكرة لدى الإنسان بمعادلات وبرامج ونُظم قرآنية، ثمّ يجعل القرآن محاسِباً مراقباً له، وبالتالي يحاسب نفسه: إنّ هذه هي الوصيّة القرآنية كيف لا أعمل بها.. وبالتالي سيكون هناك نوع من محاكمة الضمير للإنسان اتّجاه المسؤوليات التي يُوصي وينادي بها القرآن الكريم في مقام العمل.

التّمسّك بأهل البيت عليهم السّلام ومعرفتهم

س: أهل البيت، عليهم السلام، هم الثّقل الآخر الذي يعصم من الضّلال، كما في الحديث المتواتر عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، كيف يُسهم التّمسك بأهل البيت وولايتهم في سير وسلوك أهل المعرفة إلى الله عزّ وجلّ؟

ج: في الحقيقة هناك إشاراتٌ قرآنية كبيرة وعظيمة إلى أنّ التّسليم والعبودية - وهما من الصّفات والمنازل العظيمة التي يرمي إليها السّالك - لا يحصلان إلّا بالتّسليم لولاية الله عزّ وجلّ، المُتجلّية في ولاية الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وفي ولاية الأوصياء، عليهم السلام، من بعده، فها هو القرآن الكريم يبيّن لنا مثال إبليس الذي أخفق في هذا المنزل العظيم، وهو منزل العبودية ومنزل التّسليم، ومنزل الانقياد والانصياع للباري تعالى، فهو، رغم دعواه التّسليم بتوحيد ذات الله عزّ وجلّ، وبالمعاد، فإنّه أخفق في مقام آخر من مقامات التّوحيد والعبودية والتّسليم لأمر الله، عزّ وجلّ، في ولاية الخليفة الذي نصَبه الله، عزّ وجلّ، خليفةً له في الأرض، فمن ثمّ إنّ من أكبر المقامات وأكبر العقبات التي تواجه السّائر في تهذيب النّفس والسّالك في تنوير الرّوح هو طواعيته للأوامر الإلهية وللحاكمية الإلهية المتجلّية والمتمثلة في ولاية وليّ الله، فهذه الولاية في الحقيقة هي نوع من التجلّي والظّهور لولاية الله عزّ وجلّ وولاية نبيّه، صلّى الله عليه وآله، فالإخفاق في هذه الولاية يمثّل إخفاقاً في مقام عظيم من مقامات التّوحيد.

توصيات للأذكار

س: ما هو الفارق والمميِّز بين الأذكار الشّرعية والأذكار غير الشّرعية، باعتبار أنّ توصيات الشّريعة وأهل المعرفة تؤكّد الالتزام بالأذكار التي وردت في الشّريعة المقدّسة؟

ج: طبعاً، عموم ذكر الله تعالى مشروعٌ كما ورد في الأدعية «يا مَن ذِكرُه حُلو»، فعموم ذكر الله، عزّ وجلّ، أمر مشروع، وراجح، وزهيّ، وزاهٍ، ومُبهج، وبالنّسبة إلى خصوصيّات الأذكار الواردة بأنماط وقوالب وأُطر خاصّة في الشّريعة - في القرآن الكريم، أو من قِبل النّبيّ الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو من أهل بيته عليهم السلام - لا ريب أنّ لها خصوصياتٍ وتأثيرات خاصّة تختلف سواء من حيث المجيء بها في وقت معيّن، بشاكلة معيّنة، وبألفاظ معيّنة، وبشرائط مذكورة معيّنة.

مثلاً: لدينا روايات تحثّ على الإتيان بتسبيحات فاطمة الزّهراء، سلام الله عليها، عقيب الصّلاة، بأن لا يتكلّم المصلّي بعد تسليمه وفراغه من الصّلاة (صلاة الفريضة أو بقيّة الصلوات). إذا أتى بتسبيحة الزهراء عليها السلام بانَ لها بالغُ التّأثير الخفيّ الذي لا يعلم كنوزَه إلّا الله، عزّ وجلّ، ولكن شريطة أن يأتيَ به من دون أن يتحدّث مع أحد، وقبل أن يتلفّت يمنةً ويُسرة بعد تسليمه من الصلاة.

طبعاً، قد تتّخذ الأذكار قوالب أخرى، يعني نفس العبادات هي أذكار، إذا أخذتْ قوالب أخرى كقالب الصلاة، والاعتكاف، والحجّ، والعمرة، إذا أخذتْ الأذكارُ قوالب أخرى، تلك القوالب قد يكون فيها أُطر وضوابط وتحديدات شرعيّة تختلف عن بقية قوالب الأذكار، فلا بدّ أن يؤتى بها حسب المقرّرات الشّرعية.

الكلام بالنّسبة إلى عموم الذّكر اللساني، أو الذّكر القلبي، أو التوجّه القلبي، ذاك بابه مفتوح لا يقتصر على نمط دون نمط، كلّ هذه الأنماط مشروعة، مشروعة بعمومات الحثّ على ذكر الله تعالى، وشاملة لها حسب التّوصية الشّرعية، وإذا أردنا الخواصّ الخاصّة لكلّ تأثير، فإنّ الواقفين على بيانات الشّرع العديدة والرّوايات المتواترة المستفيضة المختلفة نوعاً وأنماطاً، يعلمون أنّ لكلّ مقام ومنزل أو خاصّية يريد الإنسان أن يصل إليها، هناك ذكر كالمفتاح الأكبر لذلك الغرض، وقد التقينا بجملة من أهل المعنى ممّن مضَوا، رحمهم الله، كانوا قد وُفِّقوا وسُدِّدوا إلى كيفيّة التّفطّن إلى تلك الأذكار، وقفوا عليها من خلال الرّوايات والبيانات الشّرعية الواردة في الكتاب والسّنّة بلُطف خفي.

العلم الموروث: كسب وإلهام

س: ما هو العلم الموروث الذي يهتمّ به كثيراً أهلُ السّير والسّلوك، وهو الذي يُشير إليه المروي عن أئمّة الهدى عليهم السلام، ومضمونه: «مَن عملَ بما علِم أورثَه اللهُ علمَ ما لم (لا) يعلم»؟

ج: في الحقيقة هناك جدليّة معروفة بين نظريّتَين؛ نظريّة ربّما تحسَب أنّ العلم ليس إلّا من الباطن، باطن الرّوح، باطن الملكوت، يُفاض على القلب، وأنّه ليس للعلم الكسبي أيّ شأن ولا دور، وإنّما الشّأن والمقام كلّه نابعٌ، ومنبعه بالتّالي الرّوح والقلب، وما يفاض على الرّوح والقلب من إلهامات وتسديدات وما شابه ذلك، أو مكاشفات.

في قبال هذا القول هناك قول آخر يتنازع القولَ الأوّل، مفادُه أنّ العلمَ دارُه الكسب، ولا بدّ منه، وإلّا لَدخلنا في فوضى من الخَبط والتّخليط والهلوسة وما شابه ذلك.

ولكنّ الصّحيح أنّ هناك قولاً ثالثاً جامعاً بين إيجابية كِلا القولين، ويتفادى المؤاخذة على كلٍّ من القولَين، القول الثّالث هو أنّ للكسب دوراً ومجالاً، وللإلهامات دوراً ومجالاً، ولا يُمكن الاستغناء بأحدهما عن الآخر في التّكامل.

مثلاً: في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ البقرة:2. الكتاب هو القرآن الكريم، وهو بيان وهدى ونور للنّاس أجمعين، إلّا أنّه سبحانه وتعالى خصّه في سورة البقرة للمتّقين، لماذا؟ لأنّ المعاني النّورانية للقرآن لا تُفاض أو لا يُلتفت إليها إلّا بعد شرط طهارة الرّوح الإنسانية، توسُّط التّقوى، المتّقي يحاول أن يحافظ ويوقي روحه عن التلوّث بظلمات المعاصي، فإذاً توقية المتّقي روحه عن التلوّث بظلمات المعاصي يؤمّن للرّوح التلألؤ، وبالتّالي قوّة بصيرة لدرك معاني الكتاب، فالكتاب، مع أنّه كتاب يُقرأ ومصحف يُتلى، فلا بدّ من التدبّر في تلك المعاني ولا بدّ فيها من موضع، وهذا جمع للجَنبتين، الجَنبة الكسبية: القراءة المحسوسة، وجَنبة ضرورة طهارة الرّوح لفيض الإلهامات من المعاني، فإذاً، هذا منهاج جامع ليس فيه هلوسة ادّعاءات الإلهام، أو ادّعاءات النّبوّات، أو من يهلوس ويدّعي مقامات عديدة من دون ضابطة، ولا هو سجن للمعرفة فقط مجرّد القراءة ولقلقة اللسان، بل هو جامع بين موازين محسوسة من بيانات القرآن الكريم الذي هو من أمّهات وأُسس ومنابع المعرفة، أو الحديث النّبوي وحديث المعصومين عليهم السلام، ولكن بضميمة هذا أيضاً ضميمة الطّهارة والتقوى لكي تكون الرّوح مؤهّلة لأن تلتفت إلى معانٍ نورانية وحقائق نورانية للآيات القرآنية وللأحاديث الشّريفة.

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

21/02/2015

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات