فكر ونظر

فكر ونظر

منذ 5 أيام

المناجاة الشعبانيّة في كلام الإمام الخامنئيّ دام ظلّه


المناجاة الشعبانيّة في كلام الإمام الخامنئيّ دام ظلّه

صراطُ الفؤاد إلى الحضرة الإلهيّة المقدّسة

____ إعداد: «شعائر» ____

المناجاة الشعبانيّة هي واحدة من عيون المعارف الإلهيّة التي ظهّرها أكابر علماء الإماميّة عن إمام المتّقين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام. ولأهمّيتها المتعالية، وبما تستفيض به من معانٍ روحيّة وفيوضات ربّانيّة، تقدّم «شعائر» في ما يلي نصوص مختارة من خُطب ومواقف وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئي دام ظلّه، وهي تبيّن عظَمة المنزلة التي تتصدّرها المناجاة الشّعبانيّة – والأدعية عموماً - في تزكية النّفس وتَرقِيَتها والتقرّب إلى جناب الحقّ تقدّست أسماؤه.

نُشير إلى أنّ هذه النّصوص وردت في مناسبات ومواقيت مختلفة من توجيهات السّيّد القائد لطلَبة الحوزات العلميّة والجامعات وسائر الشّرائح الاجتماعيّة في إيران والعالم الإسلاميّ. وممّا يجدر ذكره هنا، جواب الإمام الخميني قدّس سرّه، لمّا سأله الإمام الخامنئي عن أيّ الأدعية يرجّح، فذكر دعاءين اثنين: أحدهما المناجاة الشّعبانيّة والثّاني دعاء كميل، ما يدلّ على الأهمّيّة العظمى لهذين الدّعاءين وأثرهما الروحي في توثيق التعلّق والارتباط بالحضرة الإلهيّة المقدّسة.

 

المناجاة الشعبانيّة لأمير المؤمنين عليه السّلام

«هناك قصص عديدة عن عبادة أمير المؤمنين عليه السلام مثل قصة نوف البكّالي. وهذه الصحيفة العلويّة التي جمعَها أكابر العلماء تعكس الأدعية المأثورة عن أمير المؤمنين عليه السلام، وأحدها هو دعاء كُميل الذي تقرأونه ليالي الجمعة.

في أحد الأيام سألتُ إمامنا الراحل: أيّ دعاء من الأدعية الموجودة أحبّ إليك؟ تأمَّل قليلاً، وقال: (أَحَبُّها إليَّ دعاءان، هما دعاء كميل، والمناجاة الشعبانيّة)، ويحتمَل أنّ المناجاة الشعبانية هي لأمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنّ هناك رواية تشير إلى أنّ جميع الأئمّة عليهم السلام قرأوا هذه المناجاة. وهذا ما جعلني أحتمل بقوّة أنها لأمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنّ كلماتها ومضامينها تشبه كلمات ومضامين دعاء كميل».

 

عظَمة المناجاة الشعبانيّة

«إنّ المناجاة الشعبانيّة المأثورة - والتي رُوي أنّ أهل البيت عليهم السلام كانوا يُداومون عليها - هي من الأدعية التي لا يُمكن إيجاد نظير لمعانيها العرفانيّة، ولسانِها البليغ، ولمضامينها العالية جداً، المليئة بالمعارف الرفيعة، على الألسنة الجارية وفي المحاورات العاديّة، بل ليس ممكناً أصلاً أن تنشأ بمثل تلك الألسنة.

إنّ هذه المناجاة هي النموذج الكامل من تضرّع أكثر عباد الله الصالحين قُرباً واصطفاءً، بين يدَي معبوده ومحبوبه، والذات الربوبيّة المقدّسة. إنّها من جهة درسٌ من المعارف، وهي أيضاً أُسوة في كيفيّة إظهار الحاجة وطلب الإنسان المؤمن من الله سبحانه.

إنّ أدعية شهر رجب المبارك، وأدعية شهر شعبان المبارك - على الخصوص - هي مقدّمة لتهيئة الإنسان وإعداده - وبما يتناسب مع ما في قلبه - ليذهب إلى ضيافة الله.

إنّ المناجاة الشعبانيّة هي من أرقى المناجاة وأسمى المعارف الإلهيّة، ومن أعظم الأمور التي يستطيع - مَن كان مِن أهلها - الاستفادة منها، وحسب إدراكه.

إنّ الأدعية التي ورد الحثُّ عليها في شهر (رمضان) المبارك وشهر شعبان، هي دليلُنا نحو الهدف».

 

أهميّة المناجاة الشعبانيّة، وسبيلُ الانتفاع بها

«إنّنا نتعرّض للصّدأ والتلَف، فقلوبنا وأرواحنا يعتريها الصّدأ بشكلٍ مستمرّ أثناء مواجهتنا لوقائع الحياة اليوميّة، ولا بدّ من وضع هذا الصَّدَأ في الحسبان وتلافيه بالطُّرق الصحيحة؛ وإلّا لَتعرّض الإنسان للفناء، فلربّما يكون الإنسان قويّاً شديداً من الناحية الماديّة والظاهريّة، لكنّه سيَفنى معنويّاً إنْ لم يضع التعويض عن هذا التلف في الحسبان.

يقول القران الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ..﴾ فصّلت:30، فقولهم ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ يعني الإقرار بالعبوديّة لله والتسليم له؛ وهذا أمرٌ في غاية العظَمة؛ لكنّه ليس كافياً، فحينما نقول: (ربُّنا الله) إنّما ذلك حسنٌ جداً لذلك الأوان الذي نُطلقها فيه، لكنّنا إذا نسيناها فإنّ (ربّنا الله) الذي أطلقنا اليوم لن تُجدينا نفعاً في الغد، لذلك فالآية تقول: ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، أي يستقيمون ويثبتون ويمضون على هذا الطريق.

وهذا ممّا يؤدّي إلى أن ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾، وإلّا لا تتنزّل عليهم ملائكة الله إن غطُّوا في سباتٍ لحظةً أو آناً واحداً، ولا يُدرك الإنسان نور الهداية ولا تمتدّ نحوه يد العون الإلهي، ولا يبلغ الإنسان مقام العباد الصالحين؛ فلا بدّ من مواصلة هذا الدّرب والمضيّ في ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، وإذا ما أردتم أن تتحقّق هذه الاستقامة، فعليكم الحذر دائماً من أن يهبط ميزان المعنويّة هذا عن مستواه المطلوب.

إنّ هذه الأشهر فرصة لإعادة النظر، ولقد كان أولياء الله وأئمّة الهدى عليهم السلام، يُواظبون على المناجاة الشعبانية.

وإنّني سألتُ إمامنا العظيم ذات مرة: أيَّاً من الأدعية ترجِّح؟ فذكر منها اثنَين: أحدهما المناجاة الشّعبانيّة، والآخر دعاء كميل. فهذان الدّعاءان يحتويان على مضامين راقية، وهذه الأدعية ليس من شأنها القراءة فقط، أي ليس أن يملأ الإنسان الأجواء بصوته ويتفوّه بهذه الكلمات فقط. فهذه حالة قشريّة ليس لها شأن يُذكَر؛ بل لا بدّ أن تتناغم هذه المفاهيم مع الفؤاد ويدخل القلب رحابها. وإنّ هذه المفاهيم الراقية والمضامين البهيّة بألفاظها الرائعة، إنّما الغاية منها أن تستقرّ في فؤاد الإنسان. (إِلهِي هَبْ لِي كَمال الاِنقطاعِ إِلَيْكَ، وَأَنِرْ أَبْصارَ قُلُوبنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيْكَ)، أي اللّهمّ اجعلني دائم الاتّصال والارتباط بك، وأدخِلني في حريم عزّك وشأنك، وأنِر بصيرةَ فؤادي بحيث تقوى على النظر إليك: (حَتّى تَخْرِقَ أَبْصارُ القُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ)، فيقدر بصري على اختراق كافّة الحجب النوارنيّة، ويجتازها حتّى يصلَ إليك ليراكَ ويدعوك.

إنّ بعض الحُجُب حُجُب ظلمانيّة، فالحُجُب التي نتكبّل بها نحن ونَقَع في أَسْرِها ونَتشبّث بها - حجاب الشهرة، حجاب البطن، حجاب الحسد، وحجاب التمنّيات - إنّما هي حُجب ظلمانيّة وحيوانيّة، بَيْدَ أنّ ثمّة حُجُباً أخرى تعترض الذين يتخلّصون من هذه الحُجُب، وهي الحُجُب النورانيّة، فانظروا كم هو سامٍ وراقٍ العبور من هذه الحُجب بالنسبة للإنسان، فأيّما شعبٍ أَنِسَ هذه المفاهيم، وأورد فؤادَه هذا الرحاب، وساوقَ مسيرته وفق هذا الميزان، سيمضي قُدُماً وتتصاغر أمام عينيه الجبال. وخلال برهة تاريخية تبلورت لدى شبعنا مثل هذه الحالة فولّدت الثورة الإسلاميّة، فلا تتصوّروا أنّ هذه الثورة كانت متوقّعة، كلا، فهي لم تكن كذلك، وكانت على قَدَرٍ من العظَمة، فلم يكن متصوّراً أن يستطيع شعبٌ وبأيدٍ عزلاء القضاء على نظام متعفّن فاسد لكنّه مدعوم بشكلٍ كاملٍ من قِبَل القوى الدوليّة الظّالمة، ويمارس الحكم بأقصى الأساليب الاستبداديّة، وليس بمقدور أحدٍ أن ينبسَ ببنت شفة، ويبدّله بما يعتقد ويؤمن به - أي الإسلام -فلم يكن ليخطر ببال أكثر الناس – تفاؤلاً - إمكانيّة مثل هذا الأمر، بَيْدَ أنّ شعبنا أنجز هذه المهمّة، فلقد شحنت المبادئ المعنويّة والأخلاقيّة والقِيَم الكبرى هذا الشّعب بقوّة لم يستطع معها أي ضغط أو إملاء أو تهديد أو حادث مدبّر أن يُثنيه وسط طريقه ويوقفه؛ لذلك فقد سار حتّى النهاية.

إنّ لدينا ثروة كبيرة، من قبيل دعاء أبي حمزة، ودعاء الإمام الحسين عليه السّلام في يوم عرفة، وهذه الأدعية يقرأها شبابنا دون أن يدركوا معانيها: (إِلهِي هَبْ لِي قَلْباً يُدْنِيهِ مِنْكَ شَوْقُهُ)، فما أكثر الأدعية الموجودة عندنا والتي تحمل مثل هذه المعاني السّامية والمضامين العالية والعميقة، كالمناجاة الشعبانيّة والصحيفة السجّاديّة، فعلينا أن نبيّن هذه الأدعية لشبابنا؛ كي يقرؤوها بإمعانٍ وتدبّرٍ واستيعاب».

(3 شعبان، 1426 للهجرة – طهران)

الاستعداد لضيافة الله

أعزّائي! إنّ شهر رمضان على الأبواب، وبعد أيام قلائل سيجلس المؤمنون - من لهم الجدارة لذلك - على مائدة الضيافة الإلهيّة. والصّيام بحدّ ذاته، والتّوجّه إلى الله تعالى والأذكار والأدعية التي غالباً ما تستهوي الأفئدة وتجتذبها في هذا الشهر، جزءٌ من الضيافة الإلهية، فاغتنموا هذه المائدة بأقصى مداها وأعِدّوا أنفسكم؛ فشهرا رجب وشعبان شهرا تأهُّبِ قلب الإنسان لدخول شهر رمضان؛ ولم يبقَ من شهر شعبان إلّا أيّامٌ معدودات.

فيا أعزّائي! ويا أبنائي! أيّها الشباب الأعزاء! اغتنموا هذه الأيام القلائل؛ سَلوا الله تعالى، ويمِّموا قلوبكم النقيّة نحوه وكلِّموه؛ وليس من لغة خاصّة للحديث مع الله جلّ وعلا، غير أنّ أئمتنا المعصومين - الذين ارتقوا مراتب القُرب إلى الله واحدةً تِلو الأخرى - قد كلّموا اللهَ بألسنة متميّزة وعلّمونا سبيل التكلّم مع الله سبحانه؛ فهذه المناجاة الشعبانيّة والأدعية الواردة في شهرَي رجب وشعبان بمضامينها الراقية؛ وهذه المعارف الرقيقة والنورانية والتعابير الرائعة الإعجازيّة، هذه كلّها وسيلةٌ لنا لغَرَض الدّعاء».

(25 شعبان، 1422 للهجرة – كاشان) 

الكثير من المعارف

«يوجد في الأدعية الموثّقة الكثير من المعارف التي لا يُمكن أن يجدَها الإنسان في مكانٍ آخر، إلّا في هذه الأدعية.

ومن جملة هذه الأدعية، أدعية الصحيفة السّجاديّة؛ وإنّ هناك بعض الحقائق العلميّة لا يمكن أن نعثر عليها أبداً إلّا في الصحيفة السّجاديّة، أو في الأدعية المأثورة عن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام.

وإنَّ هذه الحقائق العلميّة قد بانت من خلال الدّعاء، وكَوْن هذه الحقائق بانت من خلال الدعاء لا يعني أنّ الأئمّة عليهم السّلام أرادوا إخفاء هذه الحقائق، بل إنّ طبيعة هذه الحقائق هي طبيعة لا يُمكن بيانها إلّا بهذه اللّغة، ولا يُمكن بيانها بلغةٍ أخرى.

إنّ بعض المفاهيم يتعذّر بيانها إلّا من خلال لغة الدعاء والتضرّع والتحدّث والنجوى مع الباري عزّ وجلّ؛ ولهذا فإنّنا لا نجد مثل هذه المعارف والمفاهيم في الروايات أو حتّى في (نهج البلاغة) إلّا قليلاً؛ أمّا في دعاء كميل، وفي المناجاة الشعبانيّة، وفي دعاء عَرَفة للإمام الحسين عليه السّلام، ودعاء الإمام السّجّاد عليه السّلام، ودعاء أبي حمزة الثمالي، فإنّه يوجد الكثير من هذه المعارف.

لا تغفلوا عن الدّعاء وتوجّهوا إليه، فإنّ مسؤوليّتكم كبيرة؛ ولديكم أعداء ومخالفون كُثُر؛ وهذا هو شأن الحكومة الإسلاميّة في كلّ زمان.

في بعض الأحيان يكون للإنسان القابليّة على تحمّل التعب الجسدي، فلا تتعب أعضاؤه؛ إلّا أنّه يمكن أن يطرأ عليه التّعب الروحي في حركته.

إنّ هذا التّعب الروحي يمنع الإنسان من الوصول إلى أهدافه. وللحيلولة دون وقوع التّعب الروحي - الذي يكون أخطر من التّعب الجسمي أحياناً – لا بدّ من الاستعانة بالله، والتوكّل عليه، والاعتماد على المعونة الإلهيّة.

اِعلموا بأنّنا لن نكون أعزّ على الله من الذين سبقونا والذين يأتون من بعدنا، ما لم  تكن أعمالنا صالحة وأكثر تقوى منهم؛ ولو أنّنا التزمنا بالتقوى أكثر، وراقبنا أنفسنا أكثر، وقمنا بأعمالنا ووظائفنا بصورةٍ أفضل، واحترمنا القانون وبذلنا ما في وسعنا من أجل تحقيق أهدافنا، سوف نكون أكثر عزّاً عند الله تعالى؛ أمّا مع عدم القيام بهذا، فهَيهات أن نحصل على ذلك».

(5 شهر رمضان، 1426 للهجرة – طهران)

 

المعارف الإلهيّة

«إنَّ إحدى البركات التي نحصل عليها من خلال الأدعية المأثورة التي وصلتنا عن طريق الأئمّة عليهم السّلام هي: أنَّ هذه الأدعية مليئة بالمعارف الإلهيّة، فإنَّ أدعية الصّحيفة السجّادية، ودعاء كميل، والمناجاة الشّعبانية، ودعاء أبي حمزة الثّمالي - وبقية الأدعية الواردة الأخرى - كلَّها معارف إلهيّة، بحيث لو قرأها الشخص وفهمَها، فإنَّه يحصل على مجموعة كبيرة من المعارف، فضلاً عمّا يصحبه من تعلّق قلبي وارتباط مع الذات الإلهيّة المقدّسة.

إنَّني أؤكّد في وصيّتي للشباب [غير العرب]، على الاهتمام بقراءة - ترجمة - هذه الأدعية، فإنَّ دعاء عَرَفة وأبي حمزة الثمالي، يطفحان بالمعارف، وكذلك دعاء كميل الذي نقرأ فيه: (اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعاءَ، اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الّذنُوبَ الّتي تُنْزِلُ البَلاَء)، أو (تُنْزِلُ النِّقَم)، فإنَّ كلّ ذلك يُعتبَر من المعارف الإلهيّة؛ ومعنى ذلك هو أنّنا - بني الإنسان - نرتكب أحياناً أخطاء وذنوباً، تؤدّي إلى منع الاستجابة لأدعيتنا، وأحياناً تصدر منَّا بعض الذنوب تجلب لنا البلاء.

وفي بعض الأحيان تقع بلايا عامّة وشاملة؛ نتيجةً لبعض الذّنوب، وبالطّبع، لا يُنبَّأ عن السّبب الذي أدّى الى وقوع هذا البلاء، إلا أنَّه عندما يفكّر العارفون ويتدبّرون في ذلك؛ يُدركون السبب الذي أدّى الى وقوع البلاء على هذه الأمّة.

إنَّ بعض آثار الأعمال سريعة، وبعضها يحتاج إلى بعض الوقت، وهذا ما يُخبرنا به الدعاء أيضاً.

أو عندما نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: (مَعْرِفَتِي يا مَوْلاي دَلِيلِي عَلَيْكَ، وحُبِّي لَكَ شَفِيعِي إِلَيْكَ، وَأَنا وَاثِقٌ مِنْ دَلِيلِي بِدَلالَتِكَ، وَساكِنٌ مِنْ شَفِيعِي إِلى شَفاعَتِكَ).

لاحظوا أنَّ هذه الكلمات تفتحُ بصيرةَ الإنسان، وتزيد في معارفه، فهي من أنوار الله وفيوضاته، وتوفيقاته وعناياته الربّانية؛ وهذا هو ما نستطيع الحصول عليه في الدّعاء، وبناءً على ذلك، ينبغي لكم إعطاء أهمّية للدّعاء.

إنّ الدعاء هو الطلب من الله تعالى، ويُمكنكم أن تدعوا باللّغة الفارسية، أو أيّ لغة أخرى، وتطلبوا كلّ ما تحتاجونه منه، وهذا هو معنى الدعاء.

في بعض الأحيان لا توجَد لدى الإنسان حاجة - رغم تعدّد حوائجه واختلافها - بل يريد الاستئناس بالقرب من الله تعالى، وأحياناً يحتاج إلى رضى الله أو مغفرته، وهذا يعتبَر نوعاً من أنواع الحوائج أيضاً، وأحياناً يطلب الإنسان أمراً ماديّاً، فلا ضيرَ في ذلك كلّه.

إنَّ الطلب من الله - أيّ شيء وبأيّ لغة - أمرٌ مرغوب، ويحتوي على الخصائص التي تطرّقت إليها أيضاً؛ أي الارتباط بالله والشعور بالعبوديّة.

طبعاً، إنَّ أفضل المضامين ذات الألفاظ الجميلة، والمليئة بالمعارف الإلهية، تجدونها في الأدعية المأثورة عن الأئمّة عليهم السّلام، وعليكم معرفة أهمّيتها، والاستعانة بها».

(1 شعبان، 1427 للهجرة – طهران)

 

المعارف الإسلاميّة

«الأدعية المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام هي بحرٌ من المعارف الإسلاميّة، فلا شيءَ يحوي من المعارف أكثر ممّا في الأدعية، وهذه نتيجة استنتاجي الإجمالي من الأدعية. طبعاً مَن رَغِب في الوصول إلى النتيجة القطعية فعليه أن يتتبّع كلّ رواية على حِدة، ولكنّي أحتمل أنّه لو جُمِعت كلّ الروايات حول المعارف فإنّها لا تكون بمقدار المعارف الواردة في الأدعية.

فالمعارف الإسلاميّة في أدعية الصّحيفة السّجاديّة، ودعاء أبي حمزة الثمالي، والمناجيات المتعدّدة المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام، والمناجاة الشعبانيّة، ودعاء كميل كثيرة جدّاً، وخصوصاً في الصحيفة السجادية، فإنّ كلّ دعاءٍ فيها هو كتابٌ للمعارف الإلهيّة في الموضوعات المختلفة.

ففهمُ الأدعية يجعلُ الإنسان على معرفة بالإسلام وبالمعارف الإسلاميّة ويُبعده عن الخرافات، فأهلُ الخرافة غالباً هم أُناس بعيدون عن الأدعية والمعارف الحقيقيّة، فالتأمّل والتدبّر في الأدعية يُرشدنا إلى ما يجب الاعتقاد والإيمان به، وما يجب ردّه».

(1 شهر رمضان، 1414 للهجرة – طهران)

 

طلبُ المغفرة والعفو الإلهي

«جاء في إحدى الروايات: (ادفَعُوا أَبْوابَ البَلايَا بالاسْتِغْفَار)؛ وجاء في قوله تعالى: ﴿.. يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا..﴾ هود:3، وشروط تحقّق ذلك إنّما يكون بالاستغفار والتوبة وطلب العفو من الله تعالى.

وجاء في رواية أخرى: (خيرُ الدُّعاءِ الاسْتِغْفَارُ)، وجاء في المناجاة الشعبانية: (إِلَهي، ما أَظُنُّكَ تَرُدُّنِي فِي حاجَةٍ قَدْ أَفْنَيْتُ عُمْرِي فِي طَلَبِها مِنْكَ)، فما هي هذه الحاجة التي أفنيتُ عمري في طلبها منك؟ هي طلبُ المغفرة والعفو الإلهيّ.

العفو الإلهيّ معناه: إصلاح ما ارتكبناه من أخطاء، وجُبران الآلام التي سبّبناها لأنفسنا وللآخرين.

فلو أنّ الإنسان صمّم على إصلاح الأخطاء والمفاسد، فإنّ طريق الله سيكون ممَهَّداً أمامه، وعاقبتُه ستكون عاقبة حسنة.

إنّ الإشكال في عمل الإنسان هو الغَفلة عن الذّنوب، وعن وجوب الإصلاح والقيام بإصلاح النفس، إلّا أنّه لو زالت هذه الغفلة وتحقّقت الإرادة والتصميم، فسوف تصلح جميع أمور الإنسان.

علينا في أوّل الأمر أن نُصلح أنفسنا - وهي المرحلة الأولى التي تعتبَر من أكبر الوظائف - وهذا هو الأساس؛ أي أنّ جميع الأعمال لا بدّ أن تكون مقدّمة لإصلاح النفس، وكسب رضى الله عنّا، قال تعالى: ﴿.. عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ..﴾ المائدة:105؛ لا بدّ أن تكون أعمالنا وجميع مساعينا من أجل نَيْل رضى الله تعالى والوصول إلى الكمال الذي هو الهدف الأساسي من وجودنا، هذا من جهة.

أمّا بالنسبة إلى مسألة الاستغفار والإصلاح الاجتماعيّ - الذي يعتبَر من أكثر مصاديق الاستغفار تأثيراً على حياة الإنسان، بل هو المفهوم والمحتوى والمضمون الواقعي للاستغفار - فيجب علينا أن نقوم بإصلاح مسيرتنا وهدفنا الاجتماعي على قدر ما نستطيع، وعلينا أن لا نعتبر هذا الأمر أمراً صعباً، فمن خلال الإرادة يُمكن أن تذلَّل الصعوبات.

لقد كنّا نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي في هذه اللّيالي: (وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيْكَ قَرِيبُ المَسافَةِ). إنّ أهمّ الأمور هو الإرادة، والإقدام، وشَحْذ الهِمم. (وأَنَّكَ لا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلّا أَنْ تَحْجُبَهُمُ الأعْمَالُ دُوَنَكَ).

إنّ الطريق الى الله عزّ وجلّ قريبُ المسافة، وإذا ما وفِّقنا  فإنّ توفيقنا هو دلالة على رحمة الله تعالى. إذا استطعتم أن تستغفروا من أعماق قلوبكم وتُصلحوا أعمالكم، فسوف يشملكم الباري برعايته، ويقربّكم ويحبّبكم إليه.

إنّ الله تعالى ينسب التوبة في القرآن الكريم إلى ذاته المقدّسة في كثيرٍ من الآيات المباركة، كما في قوله تعالى: ﴿..ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا..﴾ التوبة:118.

فما هو معنى التوبة؟ التوبة تعني: الالتفات والإنابة، وبسببها يرعاكم الله تعالى بعطفه، من أجل أن تميلَ قلوبكم إليه.

 وجاء في دعاء أبي حمزة الثمالي أيضاً: (مَعْرِفَتِي يا مَوْلاي دَلِيلِي عَلَيْكَ، وحُبِّي لَكَ شَفِيعِي إِلَيْكَ، وَأَنا وَاثِقٌ مِنْ دَلِيلِي بِدَلالَتِكَ، وَساكِنٌ مِنْ شَفِيعِي إِلى شَفاعَتِكَ).

إذا رأيتم أيادي الشباب وهي تُرفع إلى السماء في شهر رمضان المبارك داخل المساجد، وصوت (العَفو) يدوّي من الحاضرين، اعلموا أنّ الله تعالى يرعى هذا الشعب، ويعطف عليه؛ لأنّه يريد أن يرسل رحمتَه ولطفه: (اللّهُمّ إنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ)، فالله تعالى يريد أن يشملَ برحمته ولُطفه هذا الشعب».

(26 شهر رمضان، 1426للهجرة – طهران)

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 5 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات