قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

14/05/2015

أربعة قرون من الضَّلال والتَّكفير


)فتنة الوهّابيّة( لمفتي مكّة أحمد بن زيني دحلان

أربعة قرون من الضَّلال والتَّكفير

ــــــــــــــــ قراءة: محمود إبراهيم ـــــــــــــــــــــــــ

الكتاب: فتنة الوهابية

المؤلف: مفتي مكّة السيد أحمد زيني دحلان (1231 - 1304 للهجرة)

الناشر: مكتبة الحقيقة، اسطنبول 1978م

 

شهدت الأدبيات التاريخية الإسلامية ما لا حصرَ له من المدوَّنات والكتب والمقالات حول فضائح الحركة الوهّابيّة منذ نشأتها على يد محمّد بن عبد الوهّاب وإلى أيامنا الحاضرة. غير أنّ كتاب مفتي مكّة السيد أحمد بن زيني دحلان الذي انتشر في الحجاز في القرن الثالث عشر الهجري لا يزال يحتلّ مكانة مميّزة من بين هذه المدوّنات على الجملة.

والكتاب الذي خرج إلى النور قبل نحو مائتي عام تحت عنوان (فتنة الوهّابيّة) يكتسب أهمية مرجعية لجملة من الأسباب نذكر منها ما يلي:

أولاً: شخصية المؤلّف وموقعه العلمي والفقهي سواء في المجتمع المكّي الحجازي أو على مستوى شبه الجزيرة العربية والعالم الإسلامي خلالَ الحقبة التاريخية التي شهدت انتشار الحركة الوهّابيّة.

أما السيرة الذاتية للمؤلف فتُفيد أنه أحمد بن زيني بن أحمد دحلان المكّي، الشافعي. فقيه، مؤرّخ، وعالم كلام. تبوّأ منصب مفتي السادة الشافعية بمكّة المعظمة. وُلد بمكّة سنة 1231 للهجرة وتوفي بالمدينة في المحرم سنة 1304. له مؤلفات كثيرة مطبوعة متداولة، منها: (الأزهار الزينية في شرح متن الألفية)، و(تاريخ الدول الإسلامية بالجداول المرْضية)، و(فتح الجواد المنّان على العقيدة المسمّاة بفيض الرحمن)، و(الدرّر السَّنيّة في الردّ على الوهّابيّة)، و(نهل العطشان على فتح الرحمن في تجويد القرآن)، و(خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام)، و(الفتوحات الإسلامية)، إلى غير ذلك. ومنها هذا الكتيّب (فتنة الوهّابيّة).

ثانياً: محتوى الكتاب والغاية من تأليفه، حيث شكّل هذا العمل زمنَ صدوره محور نقاش بين العلماء المسلمين من المذاهب المختلفة. فقد عكست موضوعاته والقضايا العقائدية والاجتماعية التي تناولها حالة إجماع، وخصوصاً لجهة فضح مكوِّنات الفتنة التي يزخر بها المذهب الوهّابيّ، وأيضاً لجهة الأحكام والفتاوى التفكيرية وبثّ الفرقة بين المسلمين.

ثالثاً: استشراف المؤلّف لمستقبل الأمّة انطلاقاً من رؤيته الدقيقة لطبيعة المذهب الوهّابيّ على الصُّعُد العقائدية والاجتماعية والسياسية.

يذكر المؤلّف في مستهلّ كتابه أنّ عدداً كبيراً من الفتن حدثت أيام السلطان العثماني سليم الثالث (1204-1222 للهجرة)، إلا أن فتنة الوهّابيّة كانت الأشدّ فظاعة. فقد استولى الوهّابيّون على الحرمين الشريفين ومنعوا وصول الحجيج لأداء الفريضة المقدّسة. بل أكثر من ذلك فقد مضوا في غيّهم ليشعلوا حرباً أهلية مدمّرة بذريعة الخلاف مع أمير مكّة الشريف غالب بن مساعد فقتلوا من الخلائق ما لا يحصى واستباحوا أموالهم وسبوا نساءهم.

سيرة الشيخ الضالّ

يتضمّن كتاب (فتنة الوهّابيّة)، سيرة محمد بن عبد الوهاب، فيذكر المؤلّف أنه «كان في ابتداء أمره من طلَبة العلم بالمدينة المنوّرة، وكان أبوه رجلاً صالحاً من أهل العلم وكذا أخوه الشيخ سليمان، وكان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرّسون فيه ويلاحظون أنّه سيكون منه زيغ وضلال لما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزعاته في كثيرٍ من المسائل، وكانوا يوبّخونه ويحذّرون الناس منه، فحقّق الله فراستهم فيه لمّا ابتدع ما ابتدعه من الزَّيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين وخالف فيه أئمّة الدين وتوصّل بذلك إلى تكفير المؤمنين».

وفي سياق عرضه للسجايا المذمومة عند ابن عبد الوهاب، أشار المؤلف إلى ما كان يُفتي به الشيخ الضالّ، وخصوصاً زعمه أنّ زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وآله والتوسّل به وبالأنبياء والأولياء والصالحين وزيارة قبورهم شِرك، وكان يصرّح أنّ: «نداء النبي صلّى الله عليه [وآله] عند التوسّل به شِرك، وكذا نداء غيره من الأنبياء والأولياء الصالحين عند التوسّل بهم، وأن مَن أسند شيئاً لغير الله - ولو على سبيل المجاز العقلي - يكون مشركاً، نحو: "نفعني هذا الدواء"، و"هذا الوليّ الفلاني" عند التوسّل به في شيء. وتمسّكَ بأدلّة لا تنتج له شيئاً من مرامه، وأتى بعبارات مزوّرة زخرفها ولبَّسَ بها على العوامّ حتّى تبعوه، وألّف لهم في ذلك رسائل حتّى اعتقدوا كفرَ أكثر أهل التوحيد، واتّصل بأمراء المشرق من أهل الدِّرعية ومكث عندهم حتّى نصروه وقاموا بدعوته، وجعلوا ذلك وسيلةً إلى تقوية مُلكهم واتّساعه، وتسلّطوا على الأعراب وأهل البوادي حتّى تبعوهم وصاروا جنداً لهم بلا عوض، وصاروا يعتقدون أنّ من لم يعتقد ما قاله ابن عبد الوهّاب فهو كافر مشرك مهدور الدم والمال.

وكان ابتداء ظهور ابن عبد الوهاب سنة ألف ومائة وثلاث وأربعين، وابتداء انتشاره من بعد الخمسين ومائة وألف. وألّف العلماء رسائل كثيرة للردّ عليه، حتّى أخوه الشيخ سليمان وبقية مشايخه، وكان ممّن قام بنصرته وانتشار دعوته من أمراء المشرق محمد بن سعود أمير الدِّرعيّة، وكان من بني حنيفة قوم مسيلمة الكذّاب، ولما مات محمد بن سعود قام بها ولده عبد العزيز بن محمد بن سعود.

وكان كثيرٌ من مشايخ ابن عبد الوهّاب بالمدينة يقولون: "سيضلّ هذا أو يضلّ اللهُ به مَن أبعده وأشقاه"، فكان الأمر كذلك. وزعم محمد بن عبد الوهاب أنّ مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبرّي من الشرك، وأنّ الناس كانوا على شِرك منذ ستمائة سنة وأنّه جدّد للناس دينَهم».

دحضُ عقيدة الضلال الوهّابيّ

يشير المؤلّف إلى الكثيرين من أكابر علماء الحجاز ممّن احتجُّوا على ضلالات ابن عبد الوهاب في مجال العقيدة وخصوصاً عقيدة التشبيه. إلا أنّ المفارقة اللاّفتة هي ما أورده أنّ من أبرز من ألّف في الردّ على ابن عبد الوهّاب كان أكبر مشايخه، وهو الشيخ محمد بن سليمان الكردي مؤلّف (حواشي شرح ابن حجر). وكان يقول له من جملة كلامه: «يا ابن عبد الوهاب، إني أنصحك لله تعالى أن تكفّ لسانك عن المسلمين، فإنْ سمعتَ من شخصٍ أنه يعتقد تأثير ذلكَ المستغاث به من دون الله فَعرِّفه الصواب وأَبِنْ له الأدلة على أنه لا تأثير لغير الله، فإنْ أبى فكفِّره حينئذٍ بخصوصه، ولا سبيل لك إلى تكفير السواد الأعظم من المسلمين، وأنت شاذٌّ عن السواد الأعظم، فنسبةُ الكفر إلى من شذَّ عن السواد الأعظم أقربُ لأنّه اتّبعَ غير سبيل المؤمنين. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًاالنساء:115، وإنما يأكلُ الذئب من الغنم القاصية».

يتابع المؤلّف: «وأمّا زيارة قبر النبيّ صلّى الله عليه [وآله] فقد فعلها الصحابةُ، رضي الله عنهم، ومَن بعدهم من السَّلَف والخَلَف، وجاء في فضلها أحاديث أُفردت بالتأليف، وممّا جاء في النداء لغير الله تعالى من غائب وميّت وجماد، قوله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: "إذا أفلتت دابةُ أحدكم بأرض فلاة فلينادِ يا عباد الله احبسوا، فإن لله عباداً يُجيبونه"، وفي حديثٍ آخر: "إذا أضلّ أحدكم شيئاً أو أراد عوناً وهو بأرضٍ ليس فيها أنيس فليَقل يا عباد الله أعينوني"، وفي رواية: "أغيثوني، فإنّ لله عباداً لا تَرَونهم".

وكان النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إذا سافر فأقبل اللّيل، قال: "يا أرضُ، ربّي وربّك الله"، وكان صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إذا زارَ، قال: "السلام عليكم يا أهلَ القبور"، وفي التشهّد الذي يأتي به كلّ مسلم في كلّ صلاة صورة النداء في قوله: "السلام عليك أيها النبيّ".

والحاصل: أنّ النداء والتوسّل ليس في شيءٍ منهما ضرر، إلا إذا اعتقدَ التأثير لمَن ناداه أو توسّل به، ومتى كان معتقداً أنّ التأثير لله لا لغير الله فلا ضرر في ذلك، وكذلكَ إسنادُ فعلٍ من الأفعال لغير الله لا يضرّ إلا إذا اعتقدَ التأثير، ومتى لم يعتقد التأثير فإنه يُحمل على المجاز العقليّ كقوله: "نفعني هذا الدواء، أو فلان الوليّ"، فهو مثل قوله: "أشبعني هذا الطعام، وأرواني هذا الماء، وشفاني هذا الدواء". فمتى صدر ذلك من مسلم فإنّه يحمَل على الإسناد المجازي، والإسلام قرينة كافية في ذلكَ، فلا سبيلَ إلى تكفير أحدٍ بشيءٍ من ذلكَ، ويكفي هذا الذي ذكرناه إجمالاً في الردّ على ابن عبد الوهاب، ومَن أراد بسط الكلام فليَرجع إلى الرسائل المؤلّفة في ذلك، وقد لخصتُ ما فيها في رسالة مختصرة فليَنظرها مَن أرادها».

إباحة الحُرمات، وسفكُ الدم

يروي المؤلّف قصّة انتشار المذهب الوهّابيّ منذ نشأته. ثمّ يبيِّن كيف كان هذا الانتشار نتيجةَ استباحة دماء المسلمين وحرُماتهم، فيقول: «لمّا قام ابن عبد الوهاب ومَن أعانه بدعوتهم الخبيثة التي كفّروا بسببها المسلمين، ملكوا قبائل الشرق قبيلةً بعد قبيلة، ثم اتّسع مُلكهم فملكوا اليمن والحرمَين وقبائل الحجاز، وبلغ ملكُهم قريباً من الشام».

ثم يسرد المؤلّف وقائع الحروب العدوانية التي شنّها الوهّابيّون ضد أبناء الجزيرة العربية، عارضاً إلى الهجمات التدميرية التي لحقت بمراقد أئمّة أهل البيت عليهم السلام في المدينة المنوّرة والنجف وكربلاء المقدّسة، هذا ناهيك عن غَزَوات قطع الطُّرق على حجيج بيت الله الحرام وسلْب أموالهم. هذا حاصل ما كان في قصة محمد بن عبد الوهّاب، حيث يذكر المؤلّف أنه لو بسط الكلام في كلّ قضية لطال.

«وكان السيد عبد الرحمن الأهدل مُفتي زبيد يقول: لا حاجة إلى التأليف في الردّ على الوهّابيّة، بل يكفي في الردّ عليهم قوله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: "سيماهم التحليق"، فإنّه لم يفعله أحدٌ من المبتدعة غيرُهم. واتّفق مرّةً أنّ امرأةً أقامت الحجّة على ابن الوهّاب لمّا أَكرهوها على اتّباعهم، فأمرها ابن عبد الوهّاب أن تحلقَ رأسها، فقالت له: "حيث أنّك تأمر المرأة بحلق رأسها ينبغي لك أن تأمر الرجل بحلق لحيته، لأنّ شعرَ رأس المرأة زينتُها وشعر لحية الرجل زينتُه"، فلم يجد لها جواباً. وممّا كان منهم أنّهم يمنعون الناس من طلب الشفاعة من النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم مع أنّ أحاديث شفاعة النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لأمّته كثيرة ومتواترة، وأكثر شفاعته لأهل الكبائر من أُمّته».

بعد نحو قرنّين متعاقَبين تأتي الأحداث لتبيِّن أنّ الفتنة الوهّابيّة ثابتة على سيرتها الأولى. والكتاب الذي بين أيدينا يشكّل وثيقة تاريخية صادقة عن الوهّابيّة وفضائحها.

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

14/05/2015

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات