الملف

الملف

11/10/2015

الأدب الحسيني في (مصباح) الكفعمي

 

الأدب الحسيني في (مصباح) الكفعمي

ألم ترَ أنّ الشمس أضحتْ مريضةً؟

§        الشيخ إبراهيم الكفعمي رحمه الله

 

اختارت «شعائر» هذا المقتطف من كتاب (المصباح - جُنّة الأمان الواقية) للفقيه الشيخ إبراهيم الكفعمي رضوان الله عليه (ت: 905 للهجرة)، وهو نصّ أدبي رفيع، يجمع بين النثر والشعر ليُعرب عن الأثر العميق لواقعة الطفّ في وجدان التابعين بإحسان للخطّ الحسيني في وجه الظلم الأموي اليزيدي ماضياً وحاضراً.

 

في العاشر من المحرّم سنة إحدى وستّين للهجرة، كان مقتل الإمام الحسين عليه السلام، وإنّما تشاءمت الفرقة الناجية بهلاله، وأهمَلوا العبرات عند إقباله، وتجدّدت لأهل البيت وشيعتهم الأحزان، وأُضرمت في قلوبهم النيران لفقود سيّدهم وإمامهم عنهم فيه؛ فلهذا كلّ منهم يتشاءم به ولا يرتضيه.

فيجب على المؤمنين أن يقيموا سُنن المصائب والأحزان، ويُظهروا شعار الجزع والنوح بقدر الإمكان، فقد تهدّمت بقتله أركان الدين، وتضَعْضعتْ جوانبُ الدين المبين.

 

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الشَّمْسَ أَضْحَتْ مَريضةً

لِقَتْلِ حُسَيْنٍ وَالبِلادُ اقْشَعَرَّتْ

وَأَنَّ قَتيلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هاشِمٍ

أَذَلَّ رِقابَ المُسْلمينَ فَذَلَّتْ

 

فلعَمري لو بدّلنا الدموع دماً، وصار العمر بأجمعه مأتماً، ما قمنا بعُشر العشير ممّا يجب من حقوقهم علينا وأياديهم الحسنة الواصلة إلينا. فلو كنتُ حاضراً يوم الطفوف، لوقيتُه من الحتوف وطعْن الرماح وضرب السيوف، وما كنتُ، لعَمري، أبخل عليه بعُمري. غيرَ إنْ حجَبني عن نصره الأقدار - كما يشاء القادر المختار - فلأُعْمِلَنّ صوائب فكري في تعازيه بنظمي ونثري. فيا أيّها المؤمنون، أجروا ماء عيون العيون، ويا أيّها الباكون، سلوا لذيذ الرقاد من جفون الجفون، أما تنظرون إلى هذا الخطب الفادح؟! أما تبكون على هذا المصاب القادح؟! فيا عجباه لمن يطيل النوح على الديار، ويندب الربوع والآثار، ولا يبكي لمصاب السادة الأطهار الأبرار.

لِمُصابِكُمْ تَتَزَلْزَلُ الأَطْوادُ

وَلِقَتْلِكُمْ تَتَفَتَّتُ الأَكْبادُ

كُلُّ الرَّزايا بَعْدَ حينِ حُلولِها

تُنْسى، وَرِزْؤُكُمُ الجَليلُ يُعادُ

 

فيا فؤادي! أَبقريحٍ من الكآبة لا تستريح، ويا قلبيَ الواله الحيران دُمْ في البكاء والأحزان، فيا حُزناه عليهم ويا شوقاه إليهم.

حَنيناً إِلى الأَرْضِ الّتي تَسْكُنونَها

أُقَبِّلُ تُرْبَ الأَرْضِ في كُلِّ مَنْزِلِ

وَحُزْناً عَلى ما قَدْ لَقيتُمْ مِنَ الظَّمَا

أَغَصُّ بِشُرْبِ الماءِ في كُلِّ مَنْهَلِ

 

أما يليق هذا الرزء العظيم أن تذهب عليه الأحلام، أما يجب أن تشقّق عليه القلوب فضلاً عن الجيوب من شدّة الآلام؟ فأَقيموا، رحمكم الله، المآتم والأحزان، والبسوا على هذا المصاب جلابيب النياحة والامتحان، وانظروا إلى الحواسر من النساء الطّاهرات على أقتاب الجمال... يُساق بهنّ أسارى...

يَا لَلرَّجَالِ لِهَوْلِ عِظمِ مُصيبَةٍ

حَلَّتْ فَلَيْسَ مُصَابُها بالحَائِلِ

الشَّمْسُ كاسِفَةٌ لِفَقْدِ إِمامِنا

خَيْرِ الخَلائِقِ وَالإِمامِ العادِلِ

 

واعلموا، رحمكم الله، أنّ نفثَات الأحزان إذا صدرت عن زفير نيران الأشجان، فرّجت بعض الكروب عن الواله المكروب، والدموع الهتان إذا أُسيلت عن مقرّحات الأجفان، نَفّسَ ذلك الدمعُ المصبوب بعضَ ما يجده المتيّم المتعوب، أفيحسن عندكم النوح والبكاء على فقد الأليفِ والخَدينِ [أي الصّديق]، ولا يحسن النوح والبكاء على ابن أمير المؤمنين عليه السلام؟!

ماءٌ تَدَفَّقَ مِنْ جُفونِي

وَهُوَ عَنْ نارٍ بِصَدْري

كَالعُودِ يُوقِدُ بَعْضَهُ

وَالبَعْضُ مِنْهُ الماءَ يُجْري

 

فلو علم الباكون أيّ أجرٍ يُحرزون، أو درى النائحون أيّ ثواب يحصّلون، لتمنّوا دوام هذا الحال حتّى المآل. أتدرون بالله مَن تعزّون؟ ولأيّ شيءٍ أنتم جالسون؟ أنتم تعزّون خاتمَ النبيّين صلّى الله عليه وآله، وعليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام، وقد أشفيتم، واللهِ، ببكائكم صدور الأئمّة المعصومين، وفرّجتم، والله، همّ البتول سيّدة نساء العالمين. فيا حبّذا، واللهِ، لبكاءٍ تُجلى به الكُرُبات، ويا طوبى والله لنَوحٍ تحصل بها السعادات، فكيف تلتذّون بالماء وإمامُكم قتيل الظَّمأ؟ وكيف تشبعون من الطعام وإمامكم وشيعته الكرام وأقرباؤه الأمناء الأعلام قد حكمتْ فيهم الطغام وسقوهم كأس الحِمام!؟

لَهُمْ جُسومٌ عَلى الرَّمْضاءِ ذائِبَةٌ

وَأَنْفُسٌ جاوَرَتْ جَنّاتِ باريها

كَأَنَّ قاصِدَها بِالضُّرِّ نافِعُها

أَوْ أَنَّ قاتِلَها بِالسَّيْفِ مُحْييها

 

وانظروا إلى الشهداء من الشيعة والأقرباء لمّا علموا أنّهم لا يصلون إلى خِلَع الله السنية إلّا بخَلْعِ الحياة ولبس المنيّة، وأنّهم لا يصلون إلى مطلوبهم إلّا ببذل النفوس في طاعة محبوبهم، وعلموا أنّها المرتبة العالية والبُغْية الغالية، تهافتوا على ذهاب النفوس يوم البؤس، وبذل الأرواح يوم الكفاح، والأجساد يوم الجِلاد، والأبدان يوم الطِّعان. فلو شاهدتَ كلّ واحدٍ منهم يوم الطفوف وهو يبادر إلى نقط الرماح وشكل السيوف كعطشانٍ أضرّ به الظمأ إلى شرب ماء السماء.

يَلْقى الرِّماحَ بِنَحْرِهِ فَكَأَنَّما

في ظَنِّهِ عودٌ مِنَ الرَّيْحانِ

وَيَرى السُّيوفَ وَصَوْتَ وَقْعِ حُدودِها

عِرْساً تُجَلّيها عَلَيْهِ غَوانِ

 

فيا لها من منقبة حصّلوها، وفضيلة أحرزوها، فاقوا بها الأوّلين والآخرين في رضى ابن أمير المؤمنين عليهما السلام.

كَأَنَّ رَسولَ اللهِ أَوْصَى بِقَتْلِهِمْ

فَأَجْسادُهُمْ في كُلِّ أَرْضٍ توزَّعُ

 

فكم يومئذٍ من كبدٍ مقروحة، وعيونٍ مسفوحة، ولاطمةٍ خدّها، ومُستندبةٍ جدّها، فأَسعدوني أيّها الناس بالبكاء والعويل، واندبوا لمَن اهتزّ لفقده عرش الجليل، واسكبوا العبرات على الغريب القتيل.

وَجَرَّعَ كَأْسُ المَوْتِ بِالطَّفِّ أَنْفُساً

كِراماً وَكانوا للرَّسولِ وَدائِعا

وَبُدِّلَ سَعْدُ الشُّمِّ مِنْ آلِ هاشِمٍ

بِنَحْسٍ وَكانوا كَالبُدورِ طَوالِعا

 

قالت سكينة عليها السلام لمّا قُتل الحسين عليه السلام: «اعتنقتُه فأغمي عليّ، فسمعته يقول:

شيعَتي ما إِنْ شَرِبْتُمْ رِيَّ عَذْبٍ فَاذْكُروني

أَوْ سَمِعْتُمْ بِغَريبٍ أَوْ شَهيدٍ فَانْدُبوني».

 

فقامت مرعوبةً قد قرحت مآقيها وهي تلطم على خدّيها، وإذا بهاتفٍ يقول:

بَكَتِ الأَرْضُ وَالسَّماءُ عَلَيْهِ

بِدُموعٍ غَزيرَةٍ وَدِماءِ

يَبْكِيانِ المَقْتولَ في كَرْبَلا

بَيْنَ غَوْغاءِ أُمَّةٍ أَدْعياءِ

مُنِعَ الماءُ وَهُوَ عَنْهُ قَريبٌ

عَيْنِ ابْكي المَمْنوعَ شُرْبَ الماءِ


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

11/10/2015

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات