صاحب الأمر

صاحب الأمر

12/11/2015

عقيدة الانتظار وآثارها البنّاءة



عقيدة الانتظار وآثارها البنّاءة

المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

من محاضرات المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي حول عقيدة الانتظار وآثارها العملية والمعنوية، نتوقّف في هذا العدد من «شعائر» عند الأهمّية العظمى التي تحملها هذه العقيدة لدى عموم المسلمين، ولدى التابعين لأهل البيت عليهم السلام بصورة خاصّة.

نشير إلى أنّ هذا المقتطف ينبني على ما ورد في كتاب (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل) من تفسيرٍ للآية الكريمة: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ التوبة:33.

 

يطلق «الانتظار»، عادةً، على مَن يكون في حالة غير مريحة وهو يسعى لإيجاد وضع أحسن. فمثلاً، المريض ينتظر الشفاء من سقمه، أو الأب ينتظر عودة ولده من السفر، فهما مشفقان، هذا من مرضه وذاك من غياب ولده، فينتظران الحال الأحسن ويسعيان من أجل ذلك بما في وسعهما.

وبناءً على ذلك، فإنّ مسألة انتظار حكومة الحقّ والعدل، أي حكومة الإمام المهديّ عليه السلام وظهور المصلح العالمي، مركّبة في الواقع من عنصرين: عنصر نفي، وعنصر إثبات.

فعنصر النفي هو الإحساس بغرابة الوضع الذي يعانيه المنتظِر، وعنصر الإثبات هو طلب الحال الأحسن.

وإذا قدّر لهذين العنصرين أن يحلّا في روح الإنسان فإنهما يكونان مدعاةً لنوعين من الأعمال هما:

1 - ترك كلّ شكل من أشكال التعاون مع أسباب الظلم والفساد، بل عليه أن يقاومها.

2 - بناء الشخصية والتحرّك الذاتي وتهيئة الاستعدادات الجسمية والروحية والمادّية والمعنوية لظهور تلك الحكومة العالمية الإنسانية.

ولو أمعنا النظر لوجدنا أنّ هذين النوعين من الأعمال هما الدّافع لليقظة والوعي والبناء الذاتي.

ولمزيد التعرّف على الآثار الواقعية لانتظار ظهور الإمام المهديّ عليه السلام لاحظوا التوضيح التالي:

* الانتظار يعني الاستعداد الكامل: إذا كنتُ ظالماً مجرماً، فكيف يتسنّى لي أن أنتظر مَن سيفُه متعطّش لدماء الظالمين؟! وإذا كنتُ ملوّثاً غير نقي فكيف أنتظر ثورة يحرق لهبُها الملوّثين؟!

والجيش الذي ينتظر الجهاد الكبير يقوم برفع معنويات جنوده ويلهمهم روح الثورة، ويصلح نقاط الضعف فيهم إن وُجدت، لأنّ كيفية الانتظار تتناسب دائماً والهدف الذي نحن في انتظاره.

والآن سنتصور كيف يكون انتظار ظهور مصلح عالمي كبير، وكيف نكون في انتظار ثورة وتغيير وتحوّل واسع لم يشهد تاريخ الإنسانية مثيلاً له. الثورة التي ليست كسائر الثورات السابقة، إذ هي غير محدودة بمنطقة ما، بل هي عامة وللجميع، وتشمل جميع شؤون الحياة والناس، فهي ثورة سياسية، ثقافية، اقتصادية، أخلاقية.

الحكمة من الانتظار

1- بناء الشخصية الفردية: إنّ بناء الشخصية - قبل كلّ شيء - بحاجة إلى عناصر معدّة ذات قيم إنسانية، ليتمكّن الفرد أن يتحمّل العبء الثقيل الإصلاحي للعالم، وهذا الأمر بحاجة - أوّلاً - إلى الارتقاء الفكري والعلمي والاستعداد الروحي، لتطبيق ذلك المنهج العظيم. فالتحجّر، وضيق النظر والحسد، والاختلافات الصبيانية، وكلّ نفاق بشكل عامّ أو تفرقة لا تنسجم ومكانة المنتظرين الواقعيّين.

والمسألة المهمّة - هنا - أنّ المنتظر الواقعي لا يمكنه أن يقف موقف المتفرّج ممّا أشرنا إليه آنفاً، بل لا بدّ أن يقف في الصفّ الآخر، أي صفّ الثائرين المصلحين، فالإيمان بالنتائج وما يؤول إليه هذا التحوّل، لا يسمح له أبداً أن يكون في صفّ المثبّطين المتقاعسين، بل يكون في صفّ المخلصين المصلحين، ويكون عمله خالصاً وروحه أكثر نقاء، وأن يكون شهماً عارفاً معرفة كافية بالأمور. أليس مثل هذا الانتظار كافياً لأن أطهّر نفسي وفكري، وأغسل جسمي وروحي من التلوّث؟!

فبناء الشخصية لمثل هذا الهدف يستلزم الارتباط بأشد المناهج الأخلاقية، والفكرية والاجتماعية أصالة وعمقاً، فهذا هو معنى الانتظار الواقعي!

2- التعاون الاجتماعي: إنّ المنتظرين بحقّ يجب عليهم الاهتمام ببناء شخصيّتهم ومراقبة أحوال الآخرين في الوقت نفسه، وأن يجدّوا في إصلاحهم جدّهم في إصلاح ذاتهم... لأنّ المنهج العظيم الذي ينتظرونه ليس منهجاً فردياً، بل هو منهج ينبغي أن تشترك فيه جميع العناصر الثورية، وأن يكون العمل جماعياً عامّاً، وأن تتّسق المساعي والجهود بشكل يتناسب وتلك الثورة العالمية التي هم في انتظارها.

ففي ساحة معركة واسعة تقاتل فيها مجموعة جنباً إلى جنب مجموعة ثانية، لا يمكن لأحد منهم أن يغفل عن الآخرين، بل عليه أن يشدّ أزرهم وأن يسدّ الثغرة، ويصلح نقطة الضعف إن وُجدت، ويرمّم المواضع المتداعية ويدعم ما ضعُف منها، لأنّه لا يمكن تطبيق مثل هذا المنهج دون مساهمة جماعية نشيطة فعّالة متّسقة متناسقة!

فبناء على ذلك، فالمنتظرون بحقّ عليهم أن يُصلحوا حال الآخرين بالإضافة إلى إصلاح حالهم. فهذا هو الأثر الآخر البنّاء، الذي يورثه الانتظار لقيام مصلح عالمي، وهذه حكمة الفضائل التي ينالها المنتظرون بحقّ.

3- المنتظرون بحقّ لا يذوبون في المحيط الفاسد: وتوضيح ذلك، أنّه حين يعمّ الفسادُ المجتمعَ، أو تكون الأغلبية الساحقة منه فاسدة، قد يقع الإنسان النقي الطاهر في مأزق نفسي، أو بتعبير آخر: في طريق مسدود، لليأس من الإصلاحات التي يتوخّاها.

وربّما يتصوّر المنتظرون أنّه لا مجال للإصلاح، وأنّ السعي والجدّ من أجل البقاء على النقاء والطهارة وعدم التلوّث، كلّ ذلك لا طائل أو لا جدوى منه ، فهذا اليأس أو الفشل قد يجرّ الإنسان نحو الفساد والاصطباغ بصبغة المجتمع الفاسد، فلا يستطيع المنتظرون عندئذٍ أن يحافظوا على أنفسهم باعتبارهم أقلّية صالحة بين أكثرية طالحة، وأنّهم سيُفتضحون إن أصرّوا على مواصلة طريقهم، وينكشفون لأنّهم ليسوا على شاكلة الجماعة.

والشيء الوحيد الذي يُنعش فيهم الأمل ويدعوهم إلى المقاومة والتجلّد وعدم الذوبان والانحلال في المحيط الفاسد، هو رجاؤهم بالإصلاح النهائي، فهم في هذه الحال فقط لا يسأمون عن الجدّ والمثابرة، بل يواصلون طريقهم في سبيل المحافظة على الذات وحفظ الآخرين وإصلاحهم أيضاً.

والنتيجة: إنّ معنى انتظار ظهور المصلح، هو أنّ الدنيا مهما مالت نحو الفساد أكثر، كان الأمل بالظهور أكثر، والانتظار يكون له أثر نفسيّ كبير، فيضمن للنفوس القوّة في مواجهة الأمواج والتيارات الشديدة كيلا يجرفها الفساد، فهم ليسوا أربط جأشاً فحسب، بل بمقتضى قول الشاعر:

عِنْدَما يَأْزَفُ ميعادُ الوِصال                     فَلَظى العُشّاقِ في أَيّ اشْتِعال

إذاً، فهم يسعون أكثر للوصول إلى الهدف المنشود، وتُشَدُّ همّتهم لمواجهة الفساد ومكافحته بشوق لا مزيد عليه.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

12/11/2015

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات