حوارات

حوارات

12/11/2015

مجلّة «الروضة الحسينية» تحاور العلامة الشيخ حسين كوراني


مجلّة «الروضة الحسينية» تحاور العلامة الشيخ حسين كوراني

المسلمون جميعاً مجمعون على انتظار الوعد الإلهي

ــــــــ حوار: محمّد اليساري ــــــــ

تتبوّأ وحدة الأمة مقام الأولوية لدى العلماء والفقهاء والمبلّغين المسلمين. وهذه القضية شكّلت إحدى أهم العلامات المضيئة في العمل الدعوي والتبليغي عند أتباع أهل البيت عليهم السلام على امتداد التاريخ. غير أن التحوّلات الخطيرة التي تشهدها المجتمعات والبلاد الإسلامية اليوم، تدفع بهذه القضية إلى مقدّم الأولويات درءاً للفتنة المتنقّلة، وحفظاً للدين، وصوناً لحاضر الأمة ومستقبلها.

وسط هذا المناخ الدقيق التقت مجلّة «الروضة الحسينية» في كربلاء المقدسة سماحة العلامة الشيخ حسين كوراني وتوجهت إليه بمجموعة من الأسئلة تناولت فقه التعايش بين أبناء الأمة، وتوقفت على رؤيته حيال الكيفية التي ينبغي أن تستعاد فيها وحدة المسلمين.

وفي ما يلي نصّ الحوار:

 

س: سماحة الشيخ، كيف يتمّ العمل في الدنيا دون الضرر بما تتطلّبه الآخرة من قِبل الإنسان المؤمن؟

ج: بمجرّد أن يعمل الإنسان وفق القانون الإلهي الذي هو الرسالة العمليّة والحكم الشرعي، ولا يفصل بين الدنيا والآخرة على الإطلاق، فهو بذلك يتّصل برضوان الله تعالى، ولن يجد تناقضاً بين الدنيا والآخرة. أمّا إذا نسيَ الآخرة، وأخذ الدنيا فقط وعمل لها، فسوف يغرق في بحرها ويجد نفسه أمام صعوبة استيعاب معاني ومتطلّبات الجمع بين الاثنين، ولا ننسى قولَه تعالى ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا..﴾ القصص:77، وهذا يشكّل جواباً على السؤال ويجعل من الدنيا وسيلة حصريّة إلى بلوغ الآخرة، لأنّه لا يمكن الحصول على الدرجات العالية في الآخرة إلّا من خلال الدنيا.

 

 

الوحدة والتآلف بين المسلمين

س: كيف يمكن أن نبيّن الاختلاف العقائدي بين الطوائف الإسلاميّة دون المسّ أو التجريح

ج: يمكننا ذلك إذا أدركنا أنّ المسلمين – شيعةً وسُنّة – مجمعون على الأسس الاعتقاديّة خصوصاً ما يتعلّق بأهل البيت، عليهم السلام، ودعنا نطرح الإسلام كما أراد الله، عزّ وجلّ، ورسوله، صلّى الله عليه وآله، وكما تناقله العلماء – شيعة وسنّة – من الذين لم تضربهم لوثة البلاط، فإنّنا سنجد أنفسنا أمام طرحٍ إسلاميٍّ جامع، وسنجد أنّ الجهات المُتضرّرة هي الجهات التكفيريّة الوهّابيّة ومَن يدور بفلكها.

حتّى أصول الدين بيننا لا تختلف بشرط أن نرجع إلى الثوابت، وكمثالٍ، السنّة متّفقون معنا على أنّ «مَنْ ماتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمامَ زَمانِهِ ماتَ ميتةً جاهِلِيَّةً» وهذا موجود في العديد من المصادر السنّيّة، أي أنّه في كلّ زمان هناك إمام يجب على المسلمين مبايعته، لكنّ سلاطين الجور أرادوا أن يطرحوا إسلاماً التقاطيّاً هجيناً يفصل الأمّة عن أهل البيت عليهم السلام، والعلماء الذين تأثّروا بالبلاط وكانوا وعّاظاً للسلاطين تبنّوا هذا الطرح، فيما بقي العلماء الذين لم يتّصلوا بالسلاطين يطرحون عقائدهم بشكلٍ سليم، وهذه الكتب تشهد بين أيدينا بأنّ هناك في كلّ عصر مَن كان يركّز على ضرورة بيعة الإمام، أمّا مَن هو الإمام فإنّ المسلمين يجمعون على وجود حديث لرسول الله صلّى الله عليه وآله مفاده أنّ الأئمّة بعده اثنا عشر صلوات الله عليهم، وكلّهم من قريش.

 

س: كيف يمكن ترسيخ التآلف بين المسلمين وطوائف المجتمع غير المسلم، وحثّهم على الإسلام ومبادئ أهل البيت عليهم السلام بصورة غير مباشرة؟

ج: هناك أمثلة كثيرة في هذا المجال توضحها الآيات القرآنيّة، وخاصّة ما يتعلّق بالمسيحيّين؛ فقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم في مواطن إيجابيّة عديدة، وتحفل سيرة أهل البيت بالعديد من الأمثلة، ففي كربلاء كان مع سيّد الشهداء المسيحي والأسود والأبيض، وفي الكوفة مرّ الإمام عليّ عليه السلام وبرفقته مسؤول المال، فرأى شخصاً يستعطي، فقال الإمام لرفيقه: ما هَذا؟ فقال: نصرانيّ. فقال له الإمام عليّ عليه السلام: «اسْتَعْمَلْتُموهُ حَتّى إِذا دَقَّ عَظْمُهُ تَرَكْتُموهُ يَتَكَفَّفُ وُجُوهَ النّاسِ؟! افْرِضوا لَهُ مِنْ بَيْتِ المالِ».

هناك أيضاً مبدأ المساواة في الإنسانيّة الذي دعا إليه أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، في قوله المعروف: «النّاسُ صِنْفانِ، إِمّا أَخٌ لَكَ في الدّينِ، أَوْ نَظيرٌ لَكَ في الخَلْقِ».

ونحن مهما كانت معاصينا، فإنّ الله عزّ وجلّ يحبّنا ويريد أن يأخذنا إليه. وعلى هذا، فلا يصحّ أن نتّخذ مواقف من الآخرين الذين هم غير متديّنين، ونحكم عليهم قطعيّاً، فربّما تكون عاقبة بعضهم أفضل من عواقبنا، والعبرة بالنتائج والعواقب.

 

التطلّع إلى المُنقذ

س: هناك أحاديث كثيرة عن علامات الظهور في العقد الأخير، ما هي وجهة نظر سماحتكم في هذا الاتّجاه؟

ج: الحديث عن عصر الظهور يبدأ عند ظهور السّفيانيّ – والظاهر من الرّوايات أنّ اسمه عثمان – الذي يحكم في المناطق الخمس في الشّام كما ورد في الرّوايات. قبل خروجه يُمكن أن  تكون هذه مقدّمات وإرهاصات تستمرّ إلى أن يبدأ عصر الظّهور، أي من الممكن أن نكون نحن في مرحلة ما قبل الظهور، وقد تستمرّ هذه الأمور قروناً أو يكون عمرُها قصيراً جدّاً، هذا أمر لا يمكن الجزم به، لأنّه نوع من التوقيت الذي نُهينا عنه. والمهمّ أن لا نوصِل قصورَ الدليل برغباتنا، لأنّه ليس من المنهج العلمي أن يفسّر شخص ما رواية معيّنة من خلال اقتطاعها كجزء من كلّ، وإيصالها برغبته وميوله، فتكون النتيجة كالتوقيت أو ما شابه، وقد نُهينا كما ذكرنا عن أن نكون وقّاتين.

س: هل تعتقدون أن الجميع في الوقت الراهن يتطلّع إلى منقذٍ للبشريّة، وكيف؟

ج: نعم هي مسألة فطريّة في التطوّر نحو الأفضل، كما وأنّ المنقذ للبشريّة يظهر بعد أن تجرّب كلّ الأطياف الحكم، حتّى لا تبقى حجّة لأحدٍ، وحتّى لا تقول جهة أو شريحة من الناس: لو حَكَمنا لعدَلنا، لأنّ الناس بحاجة فعليّة إلى العدل والحريّة، ولم يتمتّع أيّ مجتمع بهذا الأمر كاملاً حتّى الآن، وعلى هذا فإنّ البشريّة كافّة تتطلّع إلى المخلّص والمنقذ بحسب قناعتها وعقيدتها.

 

س: كيف تفسّرون الاتّجاه الديني في رياح التغيير التي يشهدها الوطن العربي، وما الدوافع لذلك، ومَن المستفيد؟

ج: تفسيرنا لهذه التغيّرات – بغضّ النظر عن التفاصيل – هي عودة إلى الإسلام بعد أن يئست الشعوب العربيّة والإسلاميّة من التجارب المختلفة التي لم تستطع أن تقدّم حلّاً، بل إنّ تجارب الحكم التسلّطي في المنطقة عموماً حاولت أن تفصل الشعوب عن دينها فلم تستطع، وقد شكّلت الثورة الإسلاميّة في إيران معلَماً بارزاً في الصحوة الإسلاميّة، تأثّرت فيها الكثير من الشعوب الإسلاميّة، وهذا يعدّ إضعافاً «لإسرائيل»، ثمّ إضعافاً للأنظمة العربيّة المتسلّطة والمرتبطة بالغرب.

هذه الأمور التي تحدث في المنطقة الآن، تجعلنا ننتبه إلى كلمة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام في كتاب (نهج البلاغة) حين قال: «لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا، عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا» - وتَلَا عَقِيبَ ذَلِكَ: ﴿ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾. أي أنّ الدنيا التي أعرضت عن خاتَم النبيّين صلّى الله عليه وآله وعن أهل بيته عليهم السلام، واتّبعت آل أبي سفيان وأهل الباطل، سترجع بناءً على الوعد الإلهي، لأنّ الله، عزّ وجلّ، وعد بذلك كما في النصّ القرآني أعلاه، وهذا يفسّر قدوم الحكومة العالميّة الواحدة بظهور الإمام المهديّ عليه السلام، وتحقيق الوعد الإلهيّ.

ولكنّ هذا الوعد يحتاج إلى مقدّمات وتنويه، وهذا التنويه قد يطول لقرون؛ فهو ليس تغييراً مناطقيّاً، إنّما يحمل صفات العالميّة. نحن الآن في بداية هذه الإرهاصات التغييريّة الكبيرة التي ستنتهي مهما طال المسار إلى رفع راية «لا إله إلّا الله» في جميع أنحاء العالم، وهذا يحتّم على الشخص أن يفرّق بين  أصل الصحوة الإسلاميّة في البلدان الإسلاميّة والعربيّة بشكلٍ خاصّ، وبين دخول الغرب على الخطّ لحَرف المسار، لأنّ الذي نراه أمامنا الآن هو الخلط بين اعتقادات شعوب الإسلام، وحبّها لأهل البيت عليهم السلام. أي أنّ الجوّ العام هو اتّجاه الشعوب نحو الإسلام بغضّ النظر عن تسييس الحركات التي تهبّ في الدول الإسلاميّة، وهذا جعل الغربيّين يتعاملون مع الإسلاميّين وغيرهم، فالمهمّ لديهم هو المصالح الأميركيّة والغربيّة عموماً. المدّ الآن في المنطقة في صالح الإسلام وهذه الإيجابيّات ستتداخل مع سلبيّات كثيرة ناتجة عن محاولات جادّة لحرف هذا المسار باتّجاه المصالح الغربيّة.

 

 

 

الشباب وبناء الشخصية العقائدية

س: كيف لربّ الأسرة أن يوجّه أسرته بصورةٍ صحيحة ومتوازنة في استخدام وسائل الاتّصال والتكنولوجيا الحديثة؟

ج: إذا استطاع ربّ الأسرة أن يوجّه نفسه توجيهاً صحيحاً، فعندها يستطيع أن يوجّه أسرته، وفي الحقيقة هذه أكبر مشكلة تربويّة ينبغي أن تتضافر الجهود من أجلها، وسنكتشف عند محاولة إيجاد الحلول لها أنّنا مقصّرون في تربية أنفسنا دينيّاً. يجب أن ننظّم نومنا ويقظتنا على أساس ما ينسجم مع ديننا، لا أن نعتبر السهر، على سبيل المثال، شيئاً لا بدّ منه وأساسيّاً في نمط معيشتنا، فهذا قد يتلف أعصاب الإنسان ويمنعه من النهوض باكراً لأداء الصلاة والمباشرة بالمهامّ اليوميّة. وكذلك بالنسبة إلى أطفالنا؛ فعندما ينشغل الطفل بالألعاب والتلفاز وما شابه ذلك، فإنّه سيترك واجبه الدراسي وستنخفض نسبة تعلّمه ومستقبله العلمي، وهذا بدوره يجعل المجتمع في المستقبل يعاني قلّة المختصّين والمتعلّمين. الحلّ يعتمد على التزامنا بالوقت وتنظيم أداء الواجبات، خاصّة إذا ما علمنا أنّ أطفالنا يقلّدوننا في كلّ شيء.

 

س: هناك فراغ واضح لدى الشباب في الدول الإسلاميّة، كيف يتمّ الاستفادة من هذه الطاقات المعطّلة في الاتّجاه الصحيح؟

ج: أهمّ شيء بالنسبة إلى الشّباب هو العمل على بناء الشخصيّة العقائديّة الإيمانيّة السليمة بناءً منهجيّاً علميّاً رصيناً، فهناك العديد من الروايات التي تنصّ على ضرورة الاستفادة من فترات الفتوّة، لأنّ الإنسان كلّما تقدّم به العمر، زادت صعوبة تعلّمه واكتسابه مهارات ومعارف إضافيّة. لذلك فإنّ مرحلة الشباب حسّاسة جدّاً ويجب استخدامها بناءً على الأسس الدينيّة التي تعني فيما تعنيه ترويض النّفس على مقوّمات الشخصيّة المؤمنة، بحسب القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وصرف الجهد على أساس بناء هذه المقوّمات.

 

س: أغلبيّة المجتمعات العربيّة هي مجتمعات عشائريّة تحكمها العادات والتقاليد، فهل ترون ثمّة تقاطعات بين الإسلام وهذه العادات والتقاليد؟

ج: لا مشكلة بين الدين والعشائر، فأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عندما ذهب إلى صفّين كان جيشه مشكّلاً من العشائر، والعشائر كفيلة بحفظ سلامة الأسرة وصِلة الرحم، بل إنّ الحرص على تفكيك العشائر هو هدف غير دينيّ.

وبالمقابل نرى ضرورة تنقية أجواء الفرد والعشيرة من المحرّمات، أي استخدام الحكم الإسلامي بدلاً من الأعراف والتقاليد. ونودّ أن نذكر بإشادة ما فعلته عشائر العراق في العقد الأخير، بحرصهم على وحدة الصفّ بين المسلمين، وحقن دماء المواطنين ورجال الجيش والشرطة، وهذا شكّل صمّام أمان بالنسبة إلى الحكومة في العراق. لكن ما يؤخذ على العشائر هو روح التعالي عند بعض الأفراد، والتمسّك ببعض الأحكام والأعراف المخالفة للشرع. ينبغي أن يكون هناك توعية دائمة وإرشاد مستمرّ لجميع المواطنين أفراداً وجماعات، لأنّ العشائر هي نواة المجتمع في الدول العربيّة والإسلاميّة، فإن صَلُحت صلح شأن المجتمع.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

12/11/2015

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات