الملف

الملف

09/12/2015

أعظمُها كتابُه المُهَيمن

 

معجزات النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله في حديث الإمام الكاظم عليه السلام

أعظمُها كتابُه المُهَيمن

ـــــــــــــــ الفقيه الشيخ عبد الله الحِمْيَري القمّي ــــــــــــــــــــــــــ

الروايات الشريفة المنقولة عن أئمة أهل بيت النبوّة عليهم السلام حول معجزات النبيّ صلّى الله عليه وآله كثيرة، وهي الأصدق ممّا يُروى في كُتب الحديث، ذلك أنها متّصلة بالتواتر بالسلسلة الشريفة من أهل العصمة وصولاً إلى النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله.

في ما يلي، ثبتٌ بعددٍ من المعجزات النبويّة ورد في رواية طويلة عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، نقلناها عن كتاب (قُرب الإسناد) للشيخ الجليل أبي العباس عبد الله بن جعفر الحِميَري القمّي، من أعلام القرن الهجري الثالث.

 

روى الحِميَري القمّي في (قرب الإسناد) عن الحسن بن ظريف، عن معمّر، عن الرضا عليه السلام، عن أبيه موسى بن جعفر عليه السلام. قال:

«كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ [الصّادق] عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَاتَ يَوْمٍ - وَأَنَا طِفْلٌ‏ خُمَاسِيٌ‏- إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: أَنْتَ ابْنُ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ؟

قَالَ لَهُمْ: نَعَمْ.

قَالُوا: إِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آتَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَوُلْدَهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَجَعَلَ لَهُمُ الْمُلْكَ وَالْإِمَامَةَ، وَهَكَذَا وَجَدْنَا ذُرِّيَّةَ الْأَنْبِيَاءِ لَا تَتَعَدَّاهُمُ النُّبُوَّةُ وَالْخِلَافَةُ وَالْوَصِيَّةُ، فَمَا بَالُكُمْ قَدْ تَعَدَّاكُمْ ذَلِكَ وَثَبَتَ فِي غَيْرِكُمْ وَنَلْقَاكُمْ مُسْتَضْعَفِينَ مَقْهُورِينَ لَا تُرْقَبُ فِيكُمْ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ؟!

فَدَمَعَتْ عَيْنَا أَبِي عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ لَمْ تَزَلْ أُمَنَاءُ اللهِ مُضْطَهَدَةً مَقْهُورَةً مَقْتُولَةً بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالظَّلَمَةُ غَالِبَةٌ، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ الشَّكُورُ.

قَالُوا: فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَوْلَادَهُمْ عَلِمُوا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمِ، وَأُوتُوا الْعِلْمَ تَلْقِيناً، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِأَئِمَّتِهِمْ وَخُلَفَائِهِمْ وَأَوْصِيَائِهِمْ، فَهَلْ أُوتِيتُمْ ذَلِكَ؟

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ادْنُ يَا مُوسَى. فَدَنَوْتُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: اللّهُمّ أَيِّدْهُ بِنَصْرِكَ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ. ثُمَّ قَالَ: سَلُوهُ عَمَّا بَدَا لَكُمْ.

قَالُوا: وَكَيْفَ نَسْأَلُ طِفْلًا لَا يَفْقَهُ؟

قُلْتُ: سَلُونِي تَفَقُّهاً وَدَعُوا الْعَنَتَ.

قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنِ الْآيَاتِ التِّسْعِ الَّتِي أُوتِيَهَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ.

قُلْتُ: الْعَصَا، وَإِخْرَاجُهُ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ بَيْضَاءَ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَرَفْعُ الطُّورِ، وَالْمَنُّ وَالسَّلْوَى آيَةً وَاحِدَةً، وَفَلْقُ الْبَحْرِ.

قَالُوا: صَدَقْتَ، فَمَا أُعْطِيَ نَبِيُّكُمْ مِنَ الْآيَاتِ اللَّاتِي نَفَتِ الشَّكَّ عَنْ قُلُوبِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟

قُلْتُ: آيَاتٌ كَثِيرَةٌ، أَعُدُّهَا إِنْ شَاءَ اللهُ، فَاسْمَعُوا وَعُوا وَافْقَهُوا.

(أَمَّا أَوَّلُ ذَلِكَ): أَنْتُمْ تُقِرُّونَ أَنَّ الْجِنِّ كَانُوا يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَمُنِعَتْ فِي أَوَانِ رِسَالَتِهِ بِالرُّجُومِ وَانْقِضَاضِ النُّجُومِ، وَبُطْلَانِ الْكَهَنَةِ وَالسَّحَرَةِ. ".."

 (وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ سَيْفَ بْنَ ذِي يَزَنَ حِينَ ظَفِرَ بِالْحَبَشَةِ وَفَدَ عَلَيْهِ وَفْدُ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ وَوَصَفَ لَهُمْ صِفَتَهُ، فَأَقَرُّوا جَمِيعاً بِأَنَّ هَذَا الصِّفَةَ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. فَقَالَ: هَذَا أَوَانُ مَبْعَثِهِ، وَمُسْتَقَرُّهُ أَرْضُ يَثْرِبَ وَمَوْتُهُ بِهَا.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أَبْرَهَةَ بْنَ يَكْسُومَ قَادَ الْفِيَلَةَ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ لِيَهْدِمَهُ، قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنَّ لِهَذَا الْبَيْتِ رَبّاً يَمْنَعُهُ، ثُمَّ جَمَعَ أَهْلَ مَكَّةَ فَدَعَا، وَهَذَا بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ، فَأَرْسَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ وَدَفَعَهُمْ عَنْ مَكَّةَ وَأَهْلِهَا.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أَبَا جَهْلٍ، عَمْرَو بْنَ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيَّ، أَتَاهُ - وَهُوَ نَائِمٌ خَلْفَ جِدَارٍ- وَمَعَهُ حَجَرٌ يُرِيدُ أَنْ يَرْمِيَهُ بِهِ، فَالْتَصَقَ بِكَفِّهِ‏.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أَعْرَابِيّاً بَاعَ ذَوْداً [الذّود من الإبل: ما بين الثّلاث إلى العشر]  لَهُ مِنْ أَبِي جَهْلٍ فَمَطَلَهُ بِحَقِّهِ، فَأَتَى قُرَيْشاً وَقَالَ: اعْدُونِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَقَدْ لَوَى حَقِّي، فَأَشَارُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالُوا: ائْتِ هَذَا الرَّجُلَ فَاسْتَعْدِهِ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهْزَؤونَ بِالْأَعْرَابِيِّ.

فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ اعْدُنِي عَلَى عَمْرِو بْنِ هِشَامِ فَقَدْ مَنَعَنِي حَقِّي.

قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ مَعَهُ فَدَقَّ عَلَى أَبِي جَهْلٍ بَابَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُتَغَيِّراً. فَقَالَ لَهُ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: أَعْطِ الْأَعْرَابِيَّ حَقَّهُ. قَالَ: نَعَمْ.

وَجَاءَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللهُ خَيْراً، انْطَلَقَ مَعِي الرَّجُلُ الَّذِي دَلَلْتُمُونِي عَلَيْهِ، فَأَخَذَ حَقِّي.

فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالُوا: أَعْطَيْتَ الْأَعْرَابِيَّ حَقَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نُغْرِيَكَ بِمُحَمَّدٍ، وَنَهْزَأَ بِالْأَعْرَابِيِّ. قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، دَقَّ بَابِي فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ:

أَعْطِ الْأَعْرَابِيَّ حَقِّهُ، وَفَوْقَهُ مِثْلُ الْفَحْلِ فَاتِحاً فَاهُ كَأَنَّهُ يُرِيدُنِي، فَقَالَ: أَعْطِهِ حَقَّهُ، فَلَوْ قُلْتُ: لَا، لَابْتَلَعَ رَأْسِي، فَأَعْطَيْتُهُ‏.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ قُرَيْشاً أَرْسَلَتِ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ بِيَثْرِبَ إِلَى الْيَهُودِ، وَقَالُوا لَهُمَا: إِذَا قَدِمْتُمَا عَلَيْهِمْ فَسَائِلُوهُمْ عَنْهُ، وَهُمَا قَدْ سَأَلُوهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: صِفُوا لَنَا صِفَتَهُ، فَوَصَفُوهُ. وَقَالُوا: مَنْ تَبِعَهُ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: سَفلَتُنَا.

فَصَاحَ حَبْرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَنَجِدُ قَوْمَهُ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَهُ‏.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ قُرَيْشاً أَرْسَلَتْ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي طَلَبِهِ، فَلَحِقَ بِهِ فَقَالَ صَاحِبُهُ: هَذَا سُرَاقَةُ يَا نَبِيَّ اللهِ، فَقَالَ: اللّهُمّ اكْفِنِيهِ، فَسَاخَتْ قَوَائِمُ ظَهْرِهِ‏ [الظّهر: الحيوان الّذي يُركب]، فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ خَلِّ عَنِّي بِمَوْثِقٍ أُعْطِيكَهُ أَنْ لَا أُنَاصِحَ غَيْرَكَ، وَكُلَّ مَنْ عَادَاكَ لَا أُصَالِحُ. فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللّهُمّ إِنْ كَانَ صَادِقَ‏ الْمَقَالِ فَأَطْلِقْ فَرَسَهُ. فَانْطَلَقَ فَوَفَى وَمَا انْثَنَى بَعْدَ ذَلِكَ‏.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ وَأَزيَدَ بْنَ قَيْسٍ أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَقَالَ عَامِرٌ لِأَزيَدَ: إِذَا أَتَيْنَاهُ فَأَنَا أُشَاغِلُهُ عَنْكَ فَأَعْلِهِ بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَيْهِ قَالَ عَامِرٌ: يَا مُحَمَّدُ خَائِرْ [كذا، وفي نسخة حائر]. قَالَ: لَا، حَتَّى تَقُول أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى أَزيَدَ، وَأَزْيَدُ لَا يُخْبِرُ شَيْئاً.

فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ نَهَضَ وَخَرَجَ وَقَالَ لِأَزْيَدَ: مَا كَانَ أَحَدٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَخْوَفَ عَلَى نَفْسِي فَتْكاً مِنْكَ، وَلَعَمْرِي لَا أَخَافُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ لَهُ أَزْيَدُ: لَا تَعْجَلْ، فَإِنِّي مَا هَمَمْتُ بِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ إِلَّا وَدَخَلَتِ الرِّجَالُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، حَتَّى مَا أُبْصِرُ غَيْرَكَ، فَأَضْرِبُكَ‏؟!

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أَزيَدَ بْنَ قَيْسٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ اجْتَمَعَا عَلَى أَنْ يَسْأَلَاهُ عَنِ الْغُيُوبِ فَدَخَلَا عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلَى أَزْيَدَ فَقَالَ: يَا أَزْيَدُ، أَتَذْكُرُ مَا جِئْتَ لَهُ يَوْمَ كَذَا وَمَعَكَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ؟ فَأَخْبرهُ بِمَا كَانَ فِيهِمَا، فَقَالَ أَزْيَدُ: وَاللهِ مَا حَضَرَنِي وَعَامِراً أَحَدٌ، وَمَا أَخْبَرَكَ بِهَذَا إِلَّا مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ‏.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ نَفَراً مِنَ الْيَهُودِ أَتَوْهُ، فَقَالُوا لِأَبِي الْحَسَنِ جَدِّي: اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى ابْنِ عَمِّكَ نَسْأَلُهُ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَعْلَمَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: وَمَا يُرِيدُونَ مِنِّي؟ فَإِنِّي عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللهِ، لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي رَبِّي، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لَهُمْ. فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَتَسْأَلُونِّي عَمَّا جِئْتُمْ لَهُ أَمْ أُنَبِّئُكُمْ؟ قَالُوا: نَبِّئْنَا، قَالَ: جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ غُلَاماً مِنْ أَهْلِ الرُّومِ ثُمَّ مَلَكَ، وَأَتَى مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَمَغْرِبَهَا، ثُمَّ بَنَى السَّدَّ فِيهَا. قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كَذَا.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيَّ أَتَاهُ فَقَالَ: لَا أَدَعُ مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ شَيْئاً إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ادْنُ يَا وَابِصَةُ، فَدَنَوْتُ.

فَقَالَ: أَتَسْالُ عَمَّا جِئْتَ لَهُ أَوْ أُخْبِرُكَ؟ قَالَ: أَخْبِرْنِي.

قَالَ: جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ. قَالَ: نَعَمْ. فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا وَابِصَةُ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ بِهِ الصَّدْرُ، وَالْإِثْمُ مَا تَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وجَالَ فِي الْقَلْبِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ‏.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ أَتَاهُ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا حَاجَتَهُمْ عِنْدَهُ قَالَ: ائْتُونِي بِتَمْرِ أَهْلِكُمْ مِمَّا مَعَكُمْ، فَأَتَاهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِنَوْعٍ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: هَذَا يُسَمَّى كَذَا، وَهَذَا يُسَمَّى كَذَا، فَقَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ بِتَمْرِ أَرْضِنَا، فَوَصَفَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ، فَقَالُوا: أَدَخَلْتَهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ فُسِحَ لِي فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا.

فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا خَالِي وَبِهِ خَبَلٌ، فَأَخَذَ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ – ثَلَاثاً - ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَبَرَأَ. وَأَتَوْهُ بِشَاةٍ هَرِمَةٍ، فَأَخَذَ أَحَدَ أُذُنَيْهَا بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَصَارَ مِيسَماً، ثُمَّ قَالَ: خُذُوهَا فَإِنَّ هَذَا السِّمَةَ فِي آذَانِ مَا تَلِدُ إِلَى يَوْمِ‏ الْقِيَامَةِ. فَهِيَ توَالدُ وَتِلْكَ فِي آذَانِهَا مَعْرُوفَةٌ غَيْرُ مَجْهُولَةٍ. ".."

 (وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ تَوَجَّهَ إِلَى الشَّامِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ مَعَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحِيَالِ بحيراء الرَّاهِبِ نَزَلُوا بِفِنَاءِ دَيْرِهِ، وَكَانَ عَالِماً بِالْكُتُبِ، وَقَدْ كَانَ قَرَأَ فِي التَّوْرَاةِ مُرُورَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِهِ، وَعَرَفَ أَوَانَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ فَدُعِيَ إِلَى طَعَامِهِ، فَأَقْبَلَ يَطْلُبُ الصِّفَةَ فِي الْقَوْمِ فَلَمْ يَجِدْهَا، فَقَالَ: هَلْ بَقِيَ فِي رِحَالِكُمْ أَحَدٌ؟

فَقَالُوا: غُلَامٌ يَتِيمٌ. فَقَامَ بحيراء الرَّاهِبُ فَاطَّلَعَ، فَإِذَا هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَائِمٌ وَقَدْ أَظَلَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: ادْعُوا هَذَا الْيَتِيمَ، فَفَعَلُوا وَبحيراء مُشْرِفٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَسِيرُ وَالسَّحَابَةُ قَدْ أَظَلَّتْهُ، فَأَخْبَرَ الْقَوْمَ بِشَأْنِهِ وَأَنَّهُ سَيُبْعَثُ فِيهِمْ رَسُولًا وَيَكُونُ مِنْ حَالِهِ وَأَمْرِهِ. فَكَانَ الْقَوْمُ بَعْدَ ذَلِكَ يَهَابُونَهُ وَيُجِلُّونَهُ.

فَلَمَّا قَدِمُوا أَخْبَرُوا قُرَيْشاً بِذَلِكَ، وَكَانَ عِنْدَ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَرَغِبَتْ فِي تَزْوِيجِهِ، وَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، وَقَدْ خَطَبَهَا كُلُّ صِنْدِيدٍ وَرَئِيسٍ قَدْ أَبَتْهُمْ، فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لِلَّذِي بَلَغَهَا مِنْ خَبَرِ بحيراء.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ أَيَّامٌ أَلَّبَ عَلَيْهِ قَوْمهُ وَعَشَائِرهُ، فَأَمَرَ عَلِيّاً أَنْ يَأْمُرَ خَدِيجَةَ أَنْ تَتَّخِذَ لَهُ طَعَاماً فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ أَقْرِبَاءَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَدَعَا أَرْبَعِينَ رَجُلًا فَقَالَ: (هَاتِ‏) لَهُمْ طَعَاماً يَا عَلِيُّ، فَأَتَاهُ بِثَرِيدَةٍ وَطَعَامٍ يَأْكُلُهُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ فَقَدَّمَهُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: كُلُوا وَسَمُّوْا، فَسَمَّى وَلَمْ يُسَمِّ الْقَوْمِ، فَأَكَلُوا وَصَدَرُوا شَبْعَى.

فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: جَادَ مَا سَحَرَكُمْ مُحَمَّدٌ، يُطْعِمُ مِنْ طَعَامِ ثَلَاثِ رِجَالٍ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، هَذَا وَاللهِ هُوَ السِّحْرُ الَّذِي لا بعده.

فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ثُمَّ أَمَرَنِي بَعْدَ أَيَّامٍ فَاتَّخَذْتُ لَهُ مِثْلَهُ وَدَعْوَتُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ فَطَعِمُوا وَصَدَرُوا.".."

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَتَتْهُ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَتَنَاوَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الذِّرَاعَ وَتَنَاوَلَ بِشْرٌ الْكُرَاعَ، فَأَمَّا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَاكَهَا وَلَفَظَهَا وَقَالَ: إِنَّهَا لَتُخْبِرُنِي أَنَّها مَسْمُومَةٌ. وَأَمَّا بِشْرٌ فَلَاكَ الْمُضْغَةَ وَابْتَلَعَهَا فَمَاتَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأَقَرَّتْ، وَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا فَعَلْتِ؟ قَالَتْ: قَتَلْتَ زَوْجِي وَأَشْرَافَ قَوْمِي، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ مَلِكاً قَتَلْتُهُ، وَإِنْ كَانَ نَبِيّاً فَسَيُطْلِعُهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى ذَلِكَ‏.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَحْفِرُونَ وَهُمْ خِمَاصٌ، وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحْفِرُ وَبَطْنُهُ خَمِيصٌ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي فَأَخْبَرْتُهَا فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا هَذِهِ الشَّاةُ وَمِحْرَزٌ مِنْ ذُرَةٍ.

قَالَ: فَاخْبِزِي. وَذَبَحَ الشَّاةَ وَطَبَخُوا شِقَّهَا وَشَوَوْا الْبَاقِيَ، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّخَذْتُ طَعَاماً فَائْتِنِي أَنْتَ وَمَنْ أَحْبَبْتَ، فَشَبَّكَ أصَابِعَهُ فِي يَدِهِ ثُمَّ نَادَى: أَلَا إِنَّ جَابِراً يَدْعُوكُمْ إِلَى طَعَامِهِ.

فَأَتَى أَهْلَهُ مَذْعُوراً خَجِلًا فَقَالَ لَهَا: هِيَ الْفَضِيحَةُ قَدْ حَفَلَ بِهِمْ أَجْمَعِينَ.

فَقَالَتْ: أَنْتَ دَعْوَتَهُمْ أَمْ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ. قَالَتْ: فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ.

فَلَمَّا رَآنَا أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ عَلَى الشَّوَارِعِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْمَعَ التَّوَارِيَ- يَعْنِي قِصَاعاً كَانَتْ مِنْ خَشَبٍ - وَالْجِفَانَ، ثُمَّ قَالَ: مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الطَّعَامِ؟ فَأَعْلَمْتُهُ،

فَقَالَ: غَطُّوا السِّدَانَةَ وَالْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ، وَاغْرِفُوا وَأَخْرِجُوا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ وَغَطُّوا. فَمَا زَالُوا يَغْرِفُونَ وَيَنْقُلُونَ وَلَا يَرَوْنَهُ يَنْقُصُ شَيْئاً حَتَّى شَبِعَ الْقَوْمُ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، ثُمَّ أَكَلَ جَابِرٌ وَأَهْلُهُ وَأَهْدَوْا وَبَقِيَ عِنْدَهُمْ أَيَّاماً.

(وَمِنْ ذَلِكَ)‏: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَتَاهُ عَشِيَّةً وَهُوَ صَائِمٌ فَدَعَاهُ إِلَى طَعَامِهِ، وَدَعَا مَعَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا أَكَلُوا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: نَبِيٌّ وَوَصِيٌّ، يَا سَعْدُ أَكَلَ طَعَامَكَ الْأَبْرَارُ، وَأَفْطَرَ عِنْدَكَ الصَّائِمُونَ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ. فَحَمَلَهُ سَعْدٌ عَلَى حِمَارٍ قَطُوفٍ وَأَلْقَى عَلَيْهِ قَطِيفَةً، فَرَجَعَ الْحِمَارُ وَإِنَّهُ لَهِمْلَاجُ مَا يُسَايِرُ.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِي الطَّرِيقِ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ وَشَلٍ بِقَدْرِ مَا يروي الرَّاكِبَ وَالرَّاكِبَيْنِ، فَقَالَ: مَنْ سَبَقَنَا إِلَى الْمَاءِ فَلَا يَسْتَقِيَنَّ مِنْهُ.

فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ دَعَا بِقَدَحٍ فَتَمَضْمَضَ فِيهِ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ، فَفَاضَ الْمَاءُ فَشَرِبُوا وَمَلَؤُوا أَدَوَاتِهِمْ وَمَيَاضِيَهِمْ وَتَوَضَّأوا. فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَئِنْ بَقِيتُمْ، أَوْ بَقِيَ مِنْكُمْ، لَيَتَّسِعَنَّ بِهَذَا الْوَادِي بِسَقْيِ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ مَائِهِ، فَوَجَدُوا ذَلِكَ كَمَا قَالَ‏.

(وَمِنْ ذَلِكَ): إِخْبَارُهُ عَنِ الْغُيُوبِ، وَمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، فَوُجِدَ ذَلِكَ مُوَافِقاً لِمَا يَقُولُ.

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ أَخْبَرَ صَبِيحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْرِيَ بِهِ، بِمَا رَأَى فِي سَفَرِهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضٌ وَصَدَّقَهُ بَعْضٌ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا رَأَى مِنَ الْمَارَّةِ وَالْمُمْتَارَةِ وَهَيَآتِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ وَمَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْتِعَةِ، وَأَنَّهُ رَأَى عِيراً أَمَامَهَا بَعِيرٌ أَوْرَقُ، وَأَنَّهُ يَطْلُعُ يَوْمَ‏ كَذَا مِنَ الْعَقَبَةِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. فَغَدَوْا يَطْلُبُونَ تَكْذِيبَهُ لِلْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهُمْ، فَلَمَّا كَانُوا هُنَاكَ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَذَبَ السَّاحِرُ، وَأَبْصَرَ آخَرُونَ بِالْعِيرِ قَدْ أَقْبَلَتْ يَقْدُمُهَا الْأَوْرَقُ فَقَالُوا: صَدَقَ، هَذِهِ نَعَمْ قَدْ أَقْبَلَتْ‏.".."

 (وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ الْأَنْصَارِيِّ مَرَّتْ بِهِ أَيَّامَ حَفْرِهِمُ الْخَنْدَقَ، فَقَالَ لَهَا: إِلَى أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: إِلَى عَبْدِ اللهِ بِهَذِهِ التَّمَرَاتِ، فَقَالَ:

هَاتِيهِنَّ. فَنَثَرَتْ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ دَعَا بِالْأَنْطَاعِ وَفَرَّقَهَا عَلَيْهَا وَغَطَّاهَا بِالْأُزُرِ، وَقَامَ وَصَلَّى، فَفَاضَ التَّمْرُ عَلَى الْأَنْطَاعِ، ثُمَّ نَادَى: هَلُمُّوا وَكُلُوا. فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَحَمَلُوا مَعَهُمْ وَدَفَعَ مَا بَقِيَ إِلَيْهَا.".."

(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَأَتَاهُ قَوْمٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لَنَا بِئْراً إِذَا كَانَ الْقَيْظُ اجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ تَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهِ حَوْلِنَا، وَقَدْ صَارَ مَنْ حَوْلَنَا عَدُوّاً لَنَا، فَادْعُ اللهَ فِي بِئْرِنَا. فَتَفَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي بِئْرِهِمْ، فَفَاضَتِ الْمِيَاهُ الْمَغِيبَةُ فَكَانُوا لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى قَعْرِهَا – بَعْدُ - مِنْ كَثْرَةِ مَائِهَا.

فَبَلَغَ ذَلِكَ مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابَ فَحَاوَلَ ذَلِكَ فِي قَلِيبٍ قَلِيلٍ مَاؤُهُ، فَتَفَلَ الْأَنْكَد فِي الْقَلِيبِ فَغَارَ مَاؤُهُ وَصَارَ كَالْجَبُوبِ‏ [الجبوب: وجه الأرض].".."

 (وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أُمَّ جَمِيلٍ امْرَأَةَ أَبِي لَهَبٍ أَتَتْهُ حِينَ نَزَلَتْ سُورَةُ (تَبَّتْ) وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ [بَعْضُ أَصْحَابِهِ]، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ أُمُّ جَمِيلٍ مُحْفَظَةٌ - أَيْ مُغْضَبَةٌ - تُرِيدُكَ وَمَعَهَا حَجَرٌ تُرِيدُ أَنْ تَرْمِيَكَ بِهِ. فَقَالَ: إِنَّهَا لَا تَرَانِي. فَقَالَتْ [لِلرَّجُل]: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: حَيْثُ شَاءَ اللهُ. قَالَتْ: لَقَدْ جِئْتُهُ، وَلَوْ أَرَاهُ لَرَمَيْتُهُ، فَإِنَّهُ هَجَانِي، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِنِّي لَشَاعِرَةٌ. فَقَالَ [الرّجُلُ]: يَا رَسُولَ‏ اللهِ، لَمْ تَرَكَ؟ قَالَ: لَا، ضَرَبَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَاباً.

(وَمِنْ ذَلِكَ): كِتَابُهُ الْمُهَيْمِنُ الْبَاهِرُ لِعُقُولِ النَّاظِرِينَ، مَعَ مَا أُعْطِيَ مِنَ الْخِلَالِ الَّتِي إِنْ ذَكَرْنَاهَا لَطَالَتْ.

***

فَقَالَتِ الْيَهُودُ: وَكَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا كَمَا وَصَفْتَ؟

فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى [الكاظم] عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَكَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ مَا تَذْكُرُونَ مِنْ آيَاتِ مُوسَى عَلَى مَا تَصِفُونَ؟

قَالُوا: عَلِمْنَا ذَلِكَ بِنَقْلِ الْبَرَرَةِ الصَّادِقِينَ.

قَالَ لَهُمْ: فَاعْلَمُوا صِدْقَ مَا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، بِخَبَرِ طِفْلٍ لَقَّنَهُ اللهُ مِنْ غَيْرِ تَلْقِينٍ، وَلَا مَعْرِفَةٍ عَنِ النَّاقِلِينَ.

فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّكُمُ الْأَئِمَّةُ الْقَادَةُ وَالْحُجَجُ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ.

فَوَثَبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيَّ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي (..) ثُمَّ كَسَاهُمْ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَوَهَبَ لَهُمْ وَانْصَرَفُوا مُسْلِمِينَ».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

09/12/2015

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات