بصائر : أين الرَّجبيّون؟

بصائر : أين الرَّجبيّون؟

02/06/2011

من بركات المبعث الشريف

إعداد: حسن فقيه

يقول الإمام الخميني قدّس سرّه: «هذه الأشهر الثلاثة، رجب، وشعبان، وشهر رمضان، لها بركات كثيرة، يُمكن أن يَستفيد منها كلّ مَن يَستطيع. طبعاً نقطة البداية، المَبعث. ومنه تتفرَّع كلُّ الخيرات الأخرى.. شَرَف هذه الأشهر الثلاثة لا يُحيط به البيان، ولا الألسِنة، ولا العقول.. ومِن بركات هذه الأشهر الأدعية الواردة فيها».

لِشهر رجب موقع الباب والمدخل وساحة الإستعداد لموسم الأشهر الثلاثة، وهو شهرٌ حَرَام، ولِلعبادة في الشهر الحرام حُرْمتها ومَرتبتها السامية. لذلك نَجِد أنّ الحثّ الوارد عن المعصومين عليهم السلام على الإهتمام بشهر رجب يكشف عن أهميّة بالغة، تُوحي بأنّ مَن لم يهتمّ بشهر رجب، فكأنّه لن يُوَفَّق لِبركات شعبان، وشهر الله، شهر رمضان.
مِن روايات الحثّ المتميّز للإهتمام بشهر رجب، ما رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ من بطنان العرش [أي من باطن العرش وقلْبه]: أينَ الرَّجبيّون؟ فيقوم أُناسٌ تُضيء وجوههم لأهل الجَمْع، على رُؤوسهم تِيجان المُلك مكلّلة بالدُّر والياقوت، مع كلّ واحدٍ منهم ألف مَلك عن يمينه، وألف مَلك عن يساره، ويقولون هنيئاً لك كرامة الله عزّ وجلّ يا عبدَ الله، فيأتي النداء مِن عند الله جلَّ جلالُه: عبادي وإمائي، وعزّتي وجلالي لَأُكرِمنّ مَثواكم، ولَأُجزِلنّ عطاياكم، ولَأُوتينَّكُم من الجنَّة غُرَفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ونِعْمَ أَجْرُ العاملين، إنّكم تطوَّعتم بالصَّوْم لي في شهر عَظَّمَتُ حُرْمته وأَوجبتُ حقَّه. ملائكتي، أدخِلوا عبادي وإمائي الجنّة ".." هذا لِمَن صام مِن رجب شيئاً ولو يوماً واحداً في أوّله، أو وَسَطِه، أو آخره».

إنّنا أمام دعوة كريمة لِلأخذ بِنصيبنا مِن بركات هذا المَوْسم الإلهي، فَلْنتعرّض لهذه الألطاف ولا نُعرِض عنها، ولِنَتَنبَّه إلى أنّ روح العبادة لِينُ القلب، والرحمة، والإهتمام بأمور المسلمين، وجميع المستضعفين، فلِنُكثِر من الدعاء بِنُصرة الحقِّ على الباطل، وبالخصوص في فلسطين والبحرين.

الأشهر الثلاثة

لِشهرَي رجب وشعبان وشهر الله تعالى شهرِ رمضان شخصيّة واحدة، وهي الدورة الثقافيّة العباديّة التربويّة الأولى على مدار السنة، وقد اعتنى العلماء بهذه الأشهر معاً، فألّفوا فيها الكُتب، كما أطالوا الوقوف في الحديث عنها، وقد جرت سيرة المؤمنين عبر القرون على العناية التامّة بصيام هذه الأشهر والجِدّ في العبادة فيها، إلى حدّ أنّ هذه العناية أصبحت من خصائص المؤمن، ويرجع ذلك كلّه إلى ما ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، حول هذه الأشهر الثلاثة.

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنّ مَن عَرَف حُرمة رجب وشعبان وشهر رمضان ووَصَلهما بشهر الله الأعظم، شَهِدت له هذه الشهور يوم القيامة، وكان رجب وشعبان وشهر رمضان شهوده بتعظيمه لها. وينادي مُنادٍ: يا رجب ويا شعبان ويا شهر رمضان، كيف عمل هذا العبد فيكم، وكيف [كانت] طاعته لله عزّ وجلّ؟ فيقول رجب وشعبان وشهر رمضان: يا ربّنا، ما تزوّد منّا إلّا استعانةً على طاعتك، واستعداداً لموادّ فضلك. ولقد تعرّض بِجهده لرضاك، وطلب بِطَاقته محبّتك. فيقول للملائكة الموكَّلين بهذه الشهور: ماذا تقولون في هذه الشهادة لهذا العبد؟ فيقولون: يا ربّنا، صَدَق رجب وشعبان وشهر رمضان، ما عرفناه إلّا مُتقلِّباً في طاعتك، مُجتهداً في طلب رِضاك، صائراً فيه إلى البرِّ والإحسان. ولقد كان بوصوله إلى هذه الشهور فرحاً مبتهجاً، أمّل فيها رحمتك، ورجا فيها عفوك ومغفرتك. وكان ممّا منعته منها مُمتنِعاً، وإلى ما ندبته إليه فيها مسرعاً. (..) لقد صام ببطنه وسَمْعِه وبصره وسائر جوارحه. ولقد ظَمِىء في نهارها، ونصب في ليلها، وكثُرت نفقاته فيها على الفقراء والمساكين، وعظُمت أياديه وإحسانه إلى عبادك. صَحِبها أكرم صحبة، وودَّعها أحسن توديع. أقام بعد انسلاخها عنه على طاعتك، ولم يَهتِك عند إدبارها سُتور حُرماتِك، فَنِعمَ العبدُ هذا. فعند ذلك يأمر الله تعالى بهذا العبد إلى الجنّة، فتلقاه ملائكة الله بالحباء والكرامات، ويحملونه على نُجُب النور، وخيول النّواق [البُراق] ويَصير إلى نعيمٍ لا يَنفد، ودارٍ لا تبيد، لا يخرج سكّانها، ولا يهرُم شبّانها، ولا يشيب ولدانها، ولا ينفد سرورها وحبورها، ولا يبلى جديدها، ولا يتحوّل إلى الغموم سرورها. لا يمسّهم فيها نَصب ولا يمسّهم فيها لغوب. قد أمِنوا العذاب، وكُفوا سوء الحساب».

مراقبات عامّة

*عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ من بطنان العرش: أين الرجبيّون، فيقوم أُناسٌ تُضيء وجوههم لأهل الجمع..».
المراقبات: هذا الشهر بمحلٍّ عظيم من الشرافة، وهو من الأشهر الحُرم، ومن مواسم الدعاء، وكان معروفاً بذلك في أيّام الجاهلية، وكانوا ينتظرونه لحوائجهم، وهو شهر أمير المؤمنين عليه السلام كما ورد في بعض الروايات، كما أنّ شعبان شهر رسول الله صلّى الله عليه وآله، وشهر رمضان شهر الله تعالى.
واللّيلة الأولى منه، من اللّيالي الأربع التي يتأكّد فيها الإحياء بالعبادات، وورد في يوم النصف منه أنّه مِن أحَبّ الأيّام إلى الله تعالى. وهذا الشهر -أيضاً- موسم عمل الإستفتاح (أم داود)، واليوم السابع والعشرون منه يوم مبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله، الذي هو يوم ظهور الرحمة الرحيميّة، ظهوراً لم يُرَ مثله من أوّل العالم إلى هذا اليوم، وهو أشرف الأيّام من الجهات الباطنيّة، وبالجملة فإنّ فضائل هذا الشهر لا تُحيط بها العقول.
في أوّل ليلة من  شهر رجب نجد أنّنا أمام موسمٍ إلهيٍّ هو الأهمّ على مدار السنة، وهو يجمع بين النظريّة والتطبيق، بين الفكر والعمل، مع تغليبٍ واضح للجانب العملي بما ينسجم مع الرؤية الدينيّة في بناء النفس والشخصيّة المؤمنة: ﴿واعبُد ربَّك حتى يأتيَك اليقين﴾ الحجر:99.
ملفتٌ جداً أن يبدأ هذا الموسم الإلهي باستحباب إحياء اللّيلة الأولى من رجب، بالعبادة حتى الصّباح. وطبيعيّ جداً أن يحظى هذا الإحياء بما يناسبه في المساجد، وكلّ مجالس المؤمنين.

صوم رجب كلّه

ممّا يسترعي الانتباه كثرة الروايات في صوم شهر رجب، وهي على أقسام:
1- ما يتحدّث عن صوم الشهر عموماً.
2- ما يتحدّث عن صوم يوم بالخصوص، الأوّل من رجب مثلاً، وهكذا.
3- ما يتحدّث عن صوم يوم أو عدّة أيام، دون أي تخصيص.
4- ما يتحدّث عن صوم يوم من آخره، وهو بين التَّخصيص والتَّعميم.
ومن الواضح جداً أنّ هذه الأقسام جميعاً تشترك في إيصال رسالة واضحة، مؤدّاها أن يَرحم المسلم نفسه، ويأخذ بالنصيب الأوفى المُمكن له من الصوم.
الصَّوم في شهر رجب مستحبٌّ مُطلقاً، وفي أيِّ وقتٍ منه، إلّا أنّ لأوَّل يوم من رجب أهميّة خاصّة.

البديل للصيام

لو فَرض أن شخصاً لا يستطيع الصيام لِمَرضٍ أو عُذرٍ، فهل هناك بديل عن الصوم؟
والجواب: يمكنه التعويض عن الصَّوم بذكرٍ قصير يقوله كلَّ يوم مائة مرّة، فكأنّه صام هذا اليوم. والذكر هو: «سبحانَ الإلهِ الجليل، سبحانَ مَن لا ينبغي التسبيح إلّا له، سبحانَ الأعزِّ الأكرم، سبحانَ مَن لَبِس العزّ، وهو لهُ أهل».

كيف نصوم

من المناسب التأكيد هنا على أمرين تَمسُّ الحاجة إليهما طيلة هذه الأشهر المباركة، وفي كلّ صوم مُستحبّ أو واجب، وهما:
1- مراقبة النيّة.  2- مراقبة الأفعال.
ينبغي أن يستشعر القلب أنَّ الصَّوم نَوعُ إحْرام، فكما أنَّ تكبيرة الإحرام تَفرضُ أفعالاً وتُروكاً، وكما أنّ الإحرام للحجّ له مستلزماته، فكذلك هوالإمساك للصَّوم.
وينبغي أن يُلقِّن الصائم نفسه أثناء النهار هذه الحقيقة باستمرار، مُتنبِّهاً إلى أنّ صومه يَنقله بين يدَي الله تعالى من حالة إلى حالة، ويَضعه في مكانةٍ خاصّة، لها آدابها الخاصّة.

اخبار مرتبطة

  إصدارات : دوريات

إصدارات : دوريات

02/06/2011

  إصدارات : كتب أجنبية

إصدارات : كتب أجنبية

02/06/2011

  إصدارات : كتب عربية

إصدارات : كتب عربية

02/06/2011

نفحات