تحقيق

تحقيق

06/01/2016

المدارس والحوزات العلميّة في جبل عامل


المدارس والحوزات العلميّة في جبل عامل

منبتُ الفقهاء ودوحة العلماء الشهداء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. الشيخ عدنان فرحان آل قاسم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

«تؤكّد المعطيات التاريخية بأنّ وجود الحركة العلميّة في منطقة جبل عامل سبق وجود المدارس والمعاهد العلميّة فيها، فقد شهدت هذه المنطقة في أدوارها الأولى حركة علميّة متنامية، وحلّ فيها علماء كبار يُشدّ رحال أهل العلم إليهم، من أمثال طامان بن صالح العاملي (ت: 728 للهجرة)، والشيخ صالح بن مشرف العاملي، والشيخ مكّي بن محمّد الجزيني وغيرهم، واتّخذ أولئك العلماء من بيوتهم ومساجد قراهم أماكن للتعليم والإرشاد، ولم يذكر المؤرّخون أنّهم أسّسوا مدرسة أو درّسوا في معهد، والغالب أنّ عوامل السياسة كانت تَمنعهم من الدراسة بالصورة الظاهرة؛ فكان الأبناء يتلقّون عن الآباء تحت طيّ الخفاء، وهلمّ جرّاً إلى أن تأسّست المدارس».

هذا التحقيق المقتطف من موسوعة (تاريخ الحوزات العلمية والمدارس الدينية عند الشيعة الإمامية – ستّة مجلّدات) للدكتور الشيخ عدنان آل قاسم يعرّف بأبرز الحوزات العامليّة ما بين القرنين الثامن والثالث عشر الهجريّين.

 

لقد توزّعت أماكن التعليم في حوزة جبل عامل الدينية – كغيرها من الحوزات العلمية - على أماكن متعدّدة، كان لكلٍّ منها دورٌ في تطوّر الحركة العلميّة في هذه المنطقة، فتعدّدت حلقات ومجالس الدروس العلميّة بتعدّد هذه الأماكن، فكانت بعض منازل العلماء والمساجد والحسينيّات، والمدارس، أماكن للدراسة وملتقى للعلماء وطلّاب العلوم والمعارف.

وكان لظهور المدارس والمعاهد العلميّة في هذه المنطقة أثرٌ كبير في نموّ الحركة العلميّة، ورفدها بكبار العلماء الذين قاموا بدورهم العلمي والتبليغي، سواءً في موطنهم (جبل عامل)، أو في الأماكن التي هاجروا إليها. وعلى هذا، تُعتبر المدارس أهمّ عامل في تنشيط الحركة الفكريّة والأدبيّة في جبل عامل، وهي أكثر البواعث أثراً في تعميم المعرفة، ونشر الثقافة، ولم تعرف الحركة الأدبيّة شكلها الصحيح قبل عهد المدارس في الجبل، ولم يخلُ جبل عامل منذ القرن السابع حتّى أيّامنا هذه، في أيّ عهدٍ من عهوده السابقة، من ظلّ المدارس، فإذا ما خبت واحدة قامت أختها.

مراحل إنشاء المدارس العلميّة في جبل عامل عبر التاريخ

يمكن تقسيم تاريخ المدارس التي أُنشئت في جبل عامل إلى عدّة مراحل، بحسب تسلسلها الزمني:

المرحلة الأولى: مرحلة التأسيس: والمدارس العلميّة القديمة في جبل عامل يبدأ تاريخ تأسيسها من منتصف القرن الثامن الهجري بمدرسة جزّين، وتنتهي بنهاية القرن العاشر الهجري تقريباً.

 

 

فقد أُنشئت في جبل عامل من عهدٍ قديم عدّة مدارس كان أهمّها في جزّين، ومشغرة، وجُبَع، وعيناثا، وميس الجبل، والنبطيّة، وكرك نوح، وبعلبك، وهاتان الأخيرتان وإن لم تكونا داخلتَين في جبل عامل، إلّا أنّه صار متعارفاً إدخالهما فيه. وخرج من هذه المدارس الجمّ الغفير من فحول العلماء، وكانت الهجرة إليها من البلاد النائية، وذلك في أوائل المائة العاشرة. وكانت هذه المدارس قلّما تخلو في عصرٍ من التدريس لتعاقب وجود العلماء الأعاظم فيها.

المرحلة الثانية: مرحلة الركود: حيث «قلّ الاشتغال حينئذٍ بتحصيل العلم، وانصرف همّ القوم إلى لمّ شعثهم وحفظ كيانهم بين مجاوريهم في تلك الفوضى السائدة، وقلّ فيها عديد أهل الفضل، ولكنّه لم ينقطع، بل لم تخلُ البلاد من العلماء»، كما في تكملة أمل الآمل للسيد حسن الصدر.

المرحلة الثالثة: مرحلة الانبعاث المجدّد: وهي المرحلة التي أعقبت هلاك أحمد الجزّار، حيث استردّ الناس أنفاسهم، ورجعت حركة العلم إلى عهدها، وفُتحت مدرسة «الكوثريّة» بإدارة العالم المحقّق الشيخ حسن القبيسي، فكانت مصدر فائدة ومعرفة في البلاد.

وظهرت في هذه المرحلة مدارس مهمّة أسّسها علماء كبار من قبيل مدرسة «بنت جبيل»، التي عمّرها بالإفادة والاستفادة رئيسها العلّامة الشيخ موسى شرارة، والتي كانت حافلة بطلّابها وفضلائها، ومدرسة «حانويه»، ومدرسة «أنصار».. وغيرها.

المرحلة الرابعة: مرحلة الانبعاث المعاصر: وهي المرحلة المعاصرة التي انبعثت فيها الحركة العلميّة مجدّداً، وأنشئت خلالها مدارس ومعاهد مهمّة.

وفي ما يلي استعراضٌ وشرحٌ لمدارس ومعاهد وحوزات جبل عامل خلال المراحل الثلاث الأولى.

 

 

المدارس القديمة في جبل عامل

1- مدرسة جزّين: تُعتبر مدرسة جزّين العلميّة من أقدم مدارس جبل عامل وأكثرها شهرة، وكانت مقصداً للمعرفة، ومجمعاً للعلماء والمفكّرين منذ القرن السادس الهجري، ولكن تأسيس المدرسة المنتظمة فيها لم يكن إلّا على يدَي الشهيد الأوّل، شمس الدين محمّد بن مكّي الجزّيني العاملي. ويبدو أنّه أنشأها بعد عام 771 للهجرة، لمّا عاد من الحلّة. ولقد صار لهذه المدرسة شهرة كبيرة في الجبل وخارجه. وكان في جزّين اثنا عشر شيخاً من العلماء الأفاضل، ولذا كانت جزّين محطّاً لرجال وطلبة العلم ومنتجعي الأدب، ونبغ في جزّين عددٌ كبير من العلماء على التوالي، وكان بينهم الفاضلات والعارفات من النساء، منهنّ المجتهدة الفاضلة ستّ المشايخ فاطمة أمّ الحسن بنت الشهيد الأوّل، التي أولاها إخوتها العلماء الفتوى بكلّ ما يختصّ بالنساء من أمورهنّ الدينيّة.

واستمرّت هذه المدرسة في عطائها العلمي حتّى قُتل الشهيد الأوّل في دمشق، فأُقفلت مدرسة جزّين، وتفرّق تلامذتها. ولم يُسمح لهذه الجامعة في جزّين أن تكمل عملها التثقيفي ومهمّتها العلميّة، فخسرت مكانتها بعد أن هجرها ساكنوها، ولم يبقَ من آثار ماضيها العلمي غير جبّانة وقد درست اليوم، وجامع كان بعضه باقياً ثمّ درس كلّه، وقد كان ما يزال بادياً بأنقاضه عام 1912م.

يقول أحد المؤرّخين: «كانت مدينة جزّين مدينة إسلاميّة تقطنها غالبيّة شيعيّة، وقد تحوّلت أوائل القرن العشرين أو قبله بقليل إلى مدينة مسيحيّة غالبيّة أهلها من الموارنة، وكانت للشهيد الأوّل آثار باقية بها، منها مسجده الذي يُنسب إليه، وداره أو مدرسته العلميّة العتيدة، وقد حُوِّل المسجد إلى كنيسة، والدار (أو المدرسة) إلى طريقٍ عام، تعرَف اليوم بمنطقة الساحة».

2- مدرسة ميس الجبل: أسّسها العلّامة الفقيه الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، المتوفّى سنة 933 للهجرة، وهو المشهور عند علماء الشيعة بالمحقّق الأوّل الميسي، وصاحب (الرسالة الميسيّة) في الفقه.

 

 

وكانت مدرسته مثابة طلّاب العلوم من عامّة أنحاء جبل عامل، ورحلة فضلاء الشيعة من العراق وإيران وشيعة سوريا، وقد بلغ عدد طلّابها في ذلك العصر أربعمائة طالب، وينتسب إليها الكثير من العلماء كما ورد في (أمل الآمل)، منهم العلّامة العظيم الشهيد الثاني. لقد استمرّت مدرسة ميس في عطائها العلمي حتّى شاخ مؤسّسها وشاخت معه، فترك مؤسّسها التدريس فيها في أواخر عمره، وانتقل إلى قريةٍ أخرى، فانطوت بذلك صفحة من صفحات تاريخها العلمي. ولم يُقدَّر لمدرسة ميس البقاء والاستمرار بعد الشيخ الميسي الذي توفّي في قرية صدّيقين ودُفن فيها، وبسبب هجرة معظم علمائها منها.

ومن أبرز القدماء الذين خرجوا من مدرسة ميس الجبل الشيخ لطف الله الميسي، الذي هاجر إلى أصفهان ومات ودُفن فيها حيث بُني له مقام ومسجد معروف، ما زال في مدينة أصفهان حتّى اليوم مشهوراً ببنيانه البديع، وقد كان معاصراً للشاه طهماسب الصفوي. وهناك علماء آخرون ينتسبون لبلدة ميس ومدرستها العلمية.

3- مدرسة جبع: «..كانت قرية جبع (جباع) هي وجزّين ومشغرة مجمع علماء جبل عامل وطلّابها، وفيها جامع عمّره الشهيد الثاني، بناه بيده، لا تزال جدرانه قائمة إلى اليوم، ومحل داره معروف إلى اليوم، وكرم العنب الذي كان يبيت فيه محلّه معروف إلى اليوم»، كما في (خطط جبل عامل) للسيّد محسن الأمين.

وقد خرج منها جملة من العلماء يعسر إحصاؤهم، منهم الشيخ بهاء الدين العاملي ووالده. وهنالك علماء كبار ينتسبون إلى هذه المنطقة وسبقوا عصر الشهيد الثاني، من أمثال الشيخ إبراهيم الكفعمي الجبعي، وهؤلاء يمثّلون العصر الأوّل من عصور هذه المدرسة العلميّة العريقة.

واستمرّت مدرسة جبع في عطائها العلمي، واتّصل عصرها الأوّل بعصرها الثاني والذي اختُتم بالسيّد محمّد بن علي (صاحب المدارك)، توفيّ في 1009 للهجرة، والشيخ حسن نجل الشهيد الثاني المتوفّى سنة 1011 للهجرة. وبرحيل هذين العلمَين عطِّلت مدارس جبع.

وبعد أكثر من قرنٍ من الزمن، بقيت فيها مدرسة جبع في حالة ركودٍ علمي، دبّت حياة العلم فيها ثانية، واستيقظت من سباتها الطويل بواسطة أحد أعلامها وهو الشيخ عبد الله نعمة المولود في جبع سنة 1219 للهجرة، والمتوفّى فيها سنة 1303 للهجرة.

والشيخ عبد الله نعمة قد أكمل دروسه الأوّليّة عند بعض علماء جبل عامل، ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف فدرس عند علمائها من أمثال (صاحب الجواهر)، والشيخ علي نجل الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وغيرهم، حتّى برع في العلوم الشرعيّة بدرجة لا يضاهيه فيها إلّا القليل من العلماء وقتذاك. وبعد رحلة طويلة إلى إيران عاد الشيخ إلى بلده واستقرّ في قريته جبع، لينهض بها علميّاً واجتماعيّاً، فأسّس هنالك مدرسة علميّة عُرفت باسم:

4- مدرسة الشيخ عبد الله نعمة في جبع: يقول أحد المؤرّخين للحياة العلمية في جبل عامل: «كان علّامة وقته، الشيخ عبد الله نعمة، قد عاد إلى وطنه وافتتح مدرسة جبع، فدلف إليها الطلّاب من فلول المدرسة الكوثريّة وغيرهم، وتخرّج على يديه عدد غير يسير من كبار العلماء وأهل الفضل. وعمّرت هذ المدرسة أربعين عاماً، وأوجدت في البلاد نهضة علميّة واسعة النطاق. وتوفّي العلّامة الشيخ عبد الله نعمة سنة 1303 للهجرة، وانتقلت حركة التدريس إلى مدرسة حنوية».

5- مدرسة عيناثا: عيناثا محطّ رحال العلماء وموطن هجرتهم، وقد قصدها الكثير منهم للأخذ عن علماء هذه القرية اعتزازاً بمقامهم الشامخ وعلوّ منزلتهم العلمية. وممّن هاجر إليها قديماً الشيخ ناصر البويهي من تلامذة الشهيد الأوّل، ففضّل الإقامة فيها والتلمذة على علمائها. وممّن هاجر إليها أيضاً المولى عبد الله التستري مؤسّس مدرسة أصفهان، لطلب الإجازة من فقهائها، ومنه يُعلم أنّ جبل عامل كانت دار هجرة طلّاب العلم.

ومن الأُسَر العلميّة المهاجرة إلى عيناثا أسرة آل فضل الله الحسنيّون، وهو بيت علم وشرف، أصلهم من أشراف مكّة المكرّمة. وكانت – أي عيناثا - مقرّ أسرة خاتون المعروفة بالعلم، ومنها انتقلوا إلى جويّا. وقد تخرّج من هذه المدرسة نخبة من العلماء ذكرهم الشيخ الحرّ في (أمل الآمل)، والسيّد الأمين في (الأعيان) و(الخطط).

6- مدرسة كرك نوح: كرك: بمعنى الحصن أو المعقل؛ اسم قرية بأسفل جبل لبنان من جهة الجنوب تُنسب إلى نوح عليه السلام، لوجود قبر ومشهد فيها منسوبَين إليه.

وتُعتبر قرية كرك من الحواضر العلميّة، ويُنسب إليها علماء كبار، وأوّل مَن نُسب إلى كرك من أهل العلم هو أحمد بن طارق الكركي (ت: 592 للهجرة) والذي عاش في القرن السادس الهجري، وكان جدّه قاضي كرك نوح. وصفه الذهبي بالمحدّث والعالم، وقال فيه ياقوت: «كان ثقةً في الحديث.. وكان رافضيّاً».

ومن أبرز علماء هذه المنطقة:

1- محمّد بن عبد العالي الكركي (ت: 808 للهجرة) وهو من تلامذة الشهيد الأوّل.

2- الشيخ علي بن عبد العالي الكركي (ت: 940 للهجرة) وهو أشهر مَن أنجبته كرك في كلّ الأزمان، وصاحب الدور التاريخي في الدولة الصفوية. ويعتبر هذا الشيخ هو المؤسّس الحقيقي لمدرسة كرك، كما أنّ قرية كرك كانت في أوائل القرن العاشر محطّ رحلة العلماء وطلّاب العلم، حتّى أنّ الشهيد الثاني ارتحل إليها لطلب العلم كما أخبر عن نفسه، مع كثرة المدارس العامليّة في ذلك العهد.

7- المدرسة الكوثرية: كان تأسيس هذه المدرسة في العقد الرابع من القرن الثالث عشر الهجري، وكان إنشاؤها بإيعاز من علماء جامعة النجف الأشرف، وقد تهافت عليها الطلّاب من كلّ حدبٍ وصوب، وتخرّج من هذه المدرسة كبار المجتهدين والمراجع الدينية والشخصيات الأدبية الكبيرة.

 

 

ومن أبرز العلماء القدماء الذين يُنسبون إلى هذه القرية هو الشيخ جمال الدين أحمد بن إبراهيم الكوثراني الذي أجازه الشهيد الأول في الحلّة، يوم كان – الشهيد - من أبرز شيوخ الحلّة وأساتذتها.

ومن أبرز العلماء الذين بعثوا الحياة العلميّة مجدّداً في المدرسة الكوثرية هو الشيخ حسن قبيسي، الذي أسّس المدرسة الكوثرية الجديدة، والتي تصدّرت الحركة الفقهيّة في جبل عامل بعد انقراضها على عهد الجزّار.

8- مدرسة حنوية: مدرسة حنوية، شيّدها وتولّى رياستها العلّامة محمد علي عز الدين بعد خروجه من النجف حيث أكمل تحصيله وأحرز درجة الاجتهاد، وكان من أكابر علماء عصره ومن أبعدهم نظراً، وأوسعهم اطّلاعاً، وأوفرهم إحاطة بالعلوم والفنون، بعيداً عن الجمود، يميل بطبعه إلى التوسّع واقتباس النافع من العلوم العصريّة والفلسفة الحديثة، وقد ألّف كتباً كثيرة منها: (روح الأمين) في علم الكلام، و(تحفة القارئ) من الحديث، و(سوق المعادن) في فنون شتّى وغيرها، وله ديوان شعر مخطوط. ومن تلامذته:

* العلّامة السيّد نجيب فضل الله المتوفّى سنة 1336 للهجرة.

* العلّامة الشيخ مهدي شمس الدين المتوفّى سنة 1334 للهجرة.

9- مدرسة بنت جبيل: يقول السيّد الأمين في (خطط جبل عامل): «من أمّهات بلاد جبل عامل على حدود فلسطين. فيها جامع عظيم بناه الحاج سليمان البزي بوصاية أخيه الحاج محمّد البزي من مالهما المشترك بعناية المصلح العالم الفقيه موسى شرارة. ومن علمائها الشيخ موسى بن أمين شرارة، أنشأ فيها مدرسة دينيّة بعدما حضر إليها من العراق سنة 1298 للهجرة، فبقي فيها ستّ سنين وتوفّي. ربّى في مدرسته جماعة من العلماء، وتعلّمتُ في تلك المدرسة نحواً من أربع سنوات، قرأت فيها المطوّل وحاشية ملّا عبد الله والشمسية والمعالم وشيئاً من الشرائع، من سنة 1300 إلى سنة 1304 للهجرة».

ثمّ يصف الجانب الإصلاحي في حركة الشيخ موسى شرارة، فيقول: «.. ووعظ وأفاد ونشر إقامة عزاء سيّد الشهداء على طرازٍ أحسن من السابق، مقتبس من طريقة أهل العراق، وهذّب الأدب العاملي ونشره على نحوٍ مقتبَس من الأدب العراقي».

وعن مصير مدرسة بنت جبيل يقول السيّد الأمين: «واستمرّت إلى سنة 1304 للهجرة، فأفل نجمها بوفاة منشئها».

10- مدرسة شقراء: توقّف السيّد الأمين عند بلدته شقراء مؤرّخاً لها ولمدرستها العلميّة، فقال: «شقراء بلد المؤلّف. بها ولد سنة 1284 للهجرة، فيها آثار قديمة تدلّ على أنّها كانت معمورة جدّاً..».

ويقول عن مدرستها العلميّة: «مدرسة شقراء، أنشأها جدّنا السيّد أبو الحسن موسى في أواخر القرن الثاني عشر، وكانت من أعظم مدارس جبل عامل في فسيحٍ من الأرض، وبنى فيها ما يزيد على أربعين حجرة، وحفر في وسط دارها بئراً يكفي ماؤها طلبتها، وكانت تحوي نحواً من أربعمائة طالب، يحضر مجلس درسه منهم نحو المائتين. ويقال إنّ أصواتهم عند المذاكرة ليلاً كانت تُسمع إلى مجدل سلم. ووقف لها أرضاً وزيتوناً في وادي الحجير. وهي أوّل مدرسة لها أوقاف في جبل عامل فيما نعلم..».

11- مدرسة جويّا، لآل خاتون: كانت محطّ رحال طلّاب العلم في السابق، وسكنها من آل خاتون الشيخ علي خاتون، وهي مدرسة قديمة عاشت زماناً طويلاً وتخرّج منها جماعة من العلماء، وهي الآن أطلال دارسة.

12- مدرسة النبطية الفوقا (النورية): وتُعرف هذه المدرسة بمدرسة النبطيّة الصغرى وبالمدرسة النورية نسبةً لآل نور الدين، وهي مدرسة قديمة عاشت إلى زمن العالم السيّد محمد علي نور الدين، وتخرّج مها علماء وطلّاب كثيرون.

والمدرسة النوريّة هذه، هي غير المدرسة النورية في بعلبك القديمة العهد ذات الشهرة الطائرة، والتي تولّى التدريس فيها الشهيد الثاني سنة 953 للهجرة، وكان يدرّس فيه الفقه على المذاهب الخمسة.

13- مدرسة كَفْرا: وكان يدرّس فيها الشيخ محمد علي عز الدين قبل مدرسة حنوية، وآل السبيتي.

14- مدرسة النميرية: أنشأها الفقيه العالم السيّد علي إبراهيم.

15- مدرسة عيثا: أنشأها العالم الصالح السيّد جواد مرتضى، وتعلّم فيها السيّد الأمين النحو والصرف، ثمّ ركدت أنفاسها برجوع منشئها إلى العراق، ثمّ أعادها أخوه العالم الصالح السيّد حيدر.

16- مدرسة مجدل سلم: أنشأها العالم الشيخ مهدي شمس الدين.

17- مدرسة النبطيّة التحتا: أنشأها العالم السيّد حسن ابن السيد يوسف الحبّوشي المعاصر للسيّد الأمين، وبناها له الحاج حيدر جابر سنة 1310 للهجرة، وانتفع بها الطلّاب، وكان عمرها بعمر منشئها، كأكثر مدارس جبل عامل، فأفل نجمها بوفاته.

18- مدرسة شحور: أنشأها العالم الصالح السيد يوسف شرف الدين، واستمرّت مدّة وذهبت.

19- مدرسة طيردبّا: أنشأها العالم الفقيه الشيخ حسين مغنية، استمرّت زماناً واستفاد منها الطلّاب.

 

 

20- مدرسة النبطية الكبرى (الحميديّة): أسّس المدرسة المغفور له السيّد حسن يوسف الحسيني بعد رجوعه من العراق سنة 1309 للهجرة، فزهرت بعلومها وطلّابها طيلة أربعة عشر عاماً إلى أن توفّي في سنة 1324 للهجرة، فأغلقت المدرسة أبوابها وتفرّق طلّابها، وكانت آخر مدرسة دينيّة على النهج القديم في جبل عامل.

***

هذه هي أهمّ المدارس التي حملت العلم ونشرت الثقافة في جبل عامل طيلة قرون، عدا مدارس صغيرة كانت منتشرة في أنصار، وعيناثا، وطيردبّا. وجميع هذه المدارس كانت تتداول خدمة العلم والمعرفة واحدة بعد أخرى، فما أن تخبو الأنوار في إحداها حتى تُبنى واحدة ثانية تتحمّل عنها أعباءها.

وفي جبل عامل مدن وقرى اقترن اسمها بكبار العلماء الإماميّة إلّا أنّ تاريخها لا يذكر وجود مدرسة أسّست فيها، مثل قرية مشغرة، والتي يقول عنها السيّد الأمين: «كانت هي، وجبع وجزّين منبع علماء جبل عامل، والتشيّع فيها قديم». إلّا أنّه لا يؤرّخ لوجود مدرسة دينيّة قديمة فيها، في الوقت الذي يؤرّخ لمشاهدها ومساجدها وحسينيّاتها. ويكفي هذه المنطقة فخراً أن تكون لها حركة الريادة العلمية في المنطقة من خلال اسم عالمها الشيخ يوسف بن حاتم المشغريّ، الذي كان حيّاً سنة 664 للهجرة.

(بتصرّف)

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر/ 21

ملحق شعائر/ 21

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات