الملف

الملف

06/01/2016

مكارمُ الأخلاق المحمديّة
جمالُ الأدب الإلهيّ وتمامه


 

مكارمُ الأخلاق المحمديّة

جمالُ الأدب الإلهيّ وتمامه

 

 

اقرأ في الملف

صفاتُ النبيّ الخاتم بلسان أوصيائه عليهم السلام

رواية الشيخ الصدوق قدّس سرّه

جامعُ الأدب الإلهيّ الأجمل

العلامة الطباطبائي رحمه الله

خصالُ النبيّ من كتاب (مكارم الأخلاق) للشيخ الطبرسي

إعداد: «شعائر»

مكارم الأخلاق من النبيّ الخاتم إلى الوليّ الخاتم

محمود إبراهيم

 


 

استهلال

قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً، ولَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً

«..فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطْيَبِ الأَطْهَرِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ، فَإِنَّ فِيه أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى وعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى، وأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى الله الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّه، والْمُقْتَصُّ لأَثَرِه، قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً ولَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً، أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً، وأَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَيْه الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وعَلِمَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَه أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَه، وحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَه، وصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَه، ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللهُ ورَسُولُه، وتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ الله ورَسُولُه، لَكَفَى بِه شِقَاقاً لله ومُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ الله...».

 

(نهج البلاغة)

 


دائمَ البِشر، سهلَ الخُلق، لَيِّنَ الجَانب

صفاتُ النبيّ الخاتم بلسان أوصيائه عليهم السلام

معرفة رسول الله صلّى الله عليه وآله هي عين معرفة الدين الخاتم والمقصد الإلهي من النبوّة الخاتمة. لكنّ المعرفة الحقيقية بالنفس النبوية وصفاتها المقدّسة لم تأتِنا إلا بلسان الأئمّة الأطهار من أهل بيته عليهم السلام، ذلك بأنهم نفس الرسول والمبيّنون الصدّيقون للوحي وكتاب الله العزيز.

هنا، شذرات ممّا ورد في الروايات الشريفة عن صفات النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بلسان سبطه الإمام الحسين عن أمير المؤمنين عليهما السلام، جاء ضمن رواية طويلة أوردها الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السلام).

 

«... قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (..)

* كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ؛ جُزْءاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجُزْءاً لِأَهْلِهِ، وَجُزْءاً لِنَفْسِهِ.

* ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. (..)

* فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ، وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ؛ فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ. (..)

* وَيَقُولُ: لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي فِي حَاجَةِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَ حَاجَتِهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَاناً حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (..)

* يَدْخُلُونَ زُوَّاراً وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ، وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً فُقَهَاءَ. [الذّواق بمعنى الفائدة، ويخرجون فقهاء يدلّون الناس على ما ينتفعون به ممّا سمعوه منه صلّى الله عليه وآله]

يسألُ الناسَ عمّا في الناس

قَالَ: فَسَأَلْتُهُ مِنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ‏؟ قَالَ:

* كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ.

* وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُفَرِّقُهُمْ.

* وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ.

* وَيُحَذِّرُ النَّاسَ الْفِتَنَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ.

* وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ.

* وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، فَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ.

* مُعْتَدِلَ الْأَمرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ.

* لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا.

* لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ.

* لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يَجُوزُهُ.

* الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ.

* أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً.

مجلسُه مجلسُ حِلْمٍ وحَياء

قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ، فَقَالَ:

* كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ.

* وَلَا يُوطِنُ الْأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا. [إيطانُ الأماكن بمعنى تخصيص مكان بعينه للجلوس على عادة وجهاء أهل الدنيا]

* وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ.

* يُعْطِي كُلًّا مِنْ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ حَتَّى لَا يَحْسَبَ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَداً أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ.

* مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ عَنْهُ.

* وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ.

* قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ فَكَانَ لَهُمْ أَباً وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً.

* مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا يُوهَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ‏، مُتَعَادِلُونَ، مُتَفَاضِلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى. [لا تُنثى فلتاتُه، النّثو هو الإظهار، أي إذا صدرت عن بعض جلسائه صلّى الله عليه وآله هفوة أو زلّة يُكتَم عليها، ولا يعرف بها أحدٌ من غير الحاضرين]

* مُتَواضِعُونَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ.

لا يتكلّم إلا فيما يرجو ثوابه

قَالَ: قُلْتُ كَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ مَعَ جُلَسَائِهِ؟ قَالَ:

* كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ سَهْلَ الْخُلُقِ لَيِّنَ الْجَانِبِ.

* لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ‏ وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا عَيَّابٍ وَلَا مَدَّاحٍ. [الصخّاب: شديدُ الصياح]

* يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي فَلَا يُؤْيِسُ مِنْهُ وَلَا يُخَيِّبُ فِيهِ مُؤَمِّلِيهِ.

* قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: الْمِرَاءِ وَالْإِكْثَارِ وَمِمَّا لَا يَعْنِيهِ.

* وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَداً، وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ.

* وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثَوَابَهُ.

* إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ. * مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ.

* حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوّلِهِم.

* يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ.

* وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ‏. [أي يَسترضون الجفاة بالعطيّة حذرَ أن يدخلوا على النبيّ فيبادروه بالكلام الجافي]

* وَيَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ‏. [أي فأَضيفوه]

* وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ. [إشارة إلى أن الثناء يكون عن صنيعة]

* وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ، فَيَقْطَعُهُ بِانْتِهَاءٍ أَوْ قِيَامٍ.

تفكُّره فيما يبقى ويفنى

قَالَ: قُلْتُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ، قَالَ:

* كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعَةٍ: عَلَى الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفَكُّرِ.

* فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ: فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ.

* وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ: فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى.

* وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ وَالصَّبْرُ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْ‏ءٌ وَلَا يَسْتَنْفِرُهُ.

* وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعَةٍ: أَخْذُهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكُهُ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادُهُ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ، وَالْقِيَامُ فِيمَا جَمَعَ لَهُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة».

 

 

شذرات من أخلاق النبيّ صلّى الله عليه وآله

جامعُ الأدب الإلهيّ الأجمل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العلامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

في تفسيره لمعنى كلمة «الخُلُق» الواردة في الآية الرابعة من سورة (القلم)، يقول العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي رضوان الله عليه: «قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم:4: الخُلُق هو المَلَكة النفسانية التي تصدر عنها الأفعال بسهولة؛ وينقسم إلى الفضيلة وهي الممدوحة كالعفّة والشجاعة، والرذيلة وهي المذمومة كالشَّرَه والجُبن. لكنّه إذا أُطلق فُهِم منه الخُلُق الحسن.

والآية وإنْ كانت في نفسها تمدح حُسن خُلُقه صلّى الله عليه وآله وسلّم وتُعظِّمه، غير أنّها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرةٌ إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلّقة بالمعاشرة؛ كالثبات على الحق، والصبر على أذى الناس، وجفاء أجلافهم، والعفو، والإغماض، وسعة البذل، والرفق، والمداراة، والتواضع، وغير ذلك».

في الجزء السادس من (تفسير الميزان) أورد العلامة الطباطبائي أكثر من مائة وثمانين رواية ونصّاً في جوامع أخلاقه صلّى الله عليه وآله وسلّم، نقلها عن عشرات المصادر الإسلامية. نورد في هذه المقالة عدداً منها، مع حذف المصادر والأسانيد.

«شعائر»

 

الآيات القرآنية التي يستفاد منها خُلُقه صلّى الله عليه وآله وسلّم الكريم، وأدبه الجميل، أكثرها واردة في صورة الأمر والنهي، ولذلك رأينا أن نورد في هذا المقام رواياتٍ من سُننه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيها مجامع أخلاقه التي تلوّح إلى أدبه الإلهي الجميل، وهي مع ذلك متأيدّة بالآيات الشريفة القرآنية.

1 - عن عليٍّ عليه السلام، قال: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلّم يَقُول: بُعِثْتُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ وَمَحَاسِنِهَا».

2 - عن أبي سعيد الخدريّ، قال: «كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ علَيهِ وآلِهِ وسَلَّم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إذَا كَرِهَ شَيْئاً عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ».

3 - عن عليٍّ عليه السلام في خبرٍ طويل: «وكَانَ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّم يَبْكِي حَتَّى يَبْتَلَّ مُصَلَّاهُ خَشْيَةً مِنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ..»، الحديث.

4 - عن أبي سعيد الخدري قال: «لَمَّا نَزلَ قَوْلُهُ تَعَالى: ﴿..اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ الأحزاب:41، اشْتَغَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّم بِذِكْرِ اللهِ حَتَّى قَالَ الكُفَّارُ: إِنَّهُ جُنَّ».

5 - عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «كَانَ رَسُولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يَتُوبُ إِلى اللهِ فِي كُلِّ يَومٍ سَبْعِينَ مَرَّة، قلتُ: أَكَانَ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْه؟ قالَ: لَا، وَلَكِن كَانَ يَقُولُ: أَتُوبُ إِلَى اللهِ..».

6 - عن عليٍّ عليه السلام أنّه كان إذا وصف رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول: «كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ كَفّاً، وَأَجْرأَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَاهُمْ ذِمَّةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عَشيرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ فَعَرَفَهُ أَحَبَّهُ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ».

7 - وفي (إحياء العلوم): «وَكَانَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم أَسْخَى النَّاسِ، لَا يَثبتُ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعْطِيهِ وَفَجَأَهُ اللَّيْلُ، لَمْ يَأْوِ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْهُ إِلَى مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، لا يَأْخُذُ مِمَّا آتاهُ اللهُ إِلَّا قُوتَ عَامِهِ فَقَطْ مِنْ أَيْسَر مَا يَجِدُ مِنَ التَّمْرِ والشَّعِيرِ، وَيَضَعُ سَائِرَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ. لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، ثُمَّ يَعُودُ إلى قُوتِ عَامِهِ فَيُؤْثِرُ مِنْهُ، حَتَّى أَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ قَبْلَ انقِضَاءِ العَامِ إِنْ لَمْ يِأْتِهِ شَيْءٌ. ويُنْفِذُ الحَقَّ وَإِنْ عَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ أَوْ عَلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: وَيَمْشِي وَحْدَهُ بَيْنَ أَعْدَائِهِ بِلَا حَارِس، لَا يَهُولُهُ شَيءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا. وَيُجَالِسُ الفُقَرَاءَ، وَيُؤاكِلُ المَسَاكِين، وَيُكْرِمُ أَهْلَ الفَضْلِ فِي أَخْلَاقِهِم، وَيَتَألّفُ أَهْلَ الشَّرَفِ بِالبِرِّ لَهُم، يَصِلُ ذَوِي رَحِمِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْثِرَهُم عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَل مِنْهُم، لَا يَجْفُو عَلَى أَحَدٍ، يَقْبَلُ مَعْذِرَةَ المُعْتَذِرِ إِلَيْه. وَكَانَ لَهُ عَبِيدٌ وإِمَاءٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْتَفِعَ عَلَيْهِم فِي مَأْكلٍ وَلَا مَلْبَسٍ، لَا يَمْضِي لَهُ وَقْتٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ للهِ تَعَالَى، أَوْ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ صَلَاحِ نَفْسِهِ، يَخْرُجُ إِلَى بَسَاتِينِ أَصْحَابِهِ، لَا يَحْتَقِرُ مِسْكِيناً لِفَقْرِهِ أَوْ زَمَانَتِهِ، وَلَا يَهَابُ مَلِكاً لِمُلْكِهِ، يَدْعُو هَذَا وَهَذَا إِلَى اللهِ دُعَاءً مُسْتَوِياً».

8 – وفيه، قال: «وكان صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم أَبْعَدَ النَّاسِ غَضَباً وَأًسْرَعَهُم رِضًى، وَكَانَ أَرْأَفَ النَّاس بِالنَّاسِ، وَخَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، وَأَنْفَعَ النَّاسِ لِلنَّاسِ».

9 – وفيه، قال: «وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم إِذَا سُرَّ وَرَضِي فَهُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ رِضًى، فَإِنْ وَعَظَ وَعَظَ بِجدٍّ، وَإِنْ غَضِبَ - وَلَا يَغْضَب إِلَّا لله - لمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شيءٌ، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي أُمُورِهِ كُلِّها، وَكَانَ إِذَا نَزلَ بِهِ الأَمْرُ فَوَّضَ الأَمْرَ إِلى الله، وَتَبَرَّأَ مِنَ الحَوْلِ والقُوَّةِ، واسْتَنْزَلَ الهُدى».

من سُننه وأدبه صلّى الله عليه وآله في العِشرة

 10 - وفي (إرشاد) الديلمي: «كَانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يَرقَعُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، ويَأكلُ مَع العَبْدِ، ويَجلسُ عَلى الأَرضِ، وَيَرْكبُ الحِمَارَ وَيُردِفُ، وَلَا يَمْنَعُهُ الحَيَاءُ أنْ يَحْمِلَ حَاجَتَهُ مِنَ السُّوقِ إِلَى أَهْلِهِ، وَيُصافِحُ الغنيَّ والفقيرَ، ولا يَنْزعُ يَدَهُ مِنْ يَدِ أَحَدٍ حَتَّى يَنْزعَها هُوَ، وَيُسلِّمُ عَلى مَنِ اسْتَقْبَلَهُ مِن غِنِيٍّ وفقيرٍ وكَبيرٍ وصَغيرٍ، ولَا يُحَقِّرُ مَا دُعِيَ إليهِ وَلَو إِلى حَشفِ التَّمْر. وكانَ صَلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وَسلّمَ خَفِيفَ المَؤنَةِ، كَرِيمَ الطَّبيعَةِ، جَميلَ المُعَاشَرةِ، طَلِقَ الوَجْهِ، بَسَّاماً مِن غَيرِ ضَحِكٍ، مَحْزُوناً مِنْ غَيرِ عبوسٍ، مُتَواضِعاً مِنْ غَيْرِ مَذَلَّةٍ، جَواداً مِن غَيرِ سَرفٍ، رَقيقَ القَلبِ، رَحيماً بِكلِّ مُسلِمٍ، وَلَمْ يَتَجَشّأ مِنْ شَبَعٍ قَطّ، وَلَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى طَمَعٍ قَطّ».

11 - عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رَسُولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم: خَمْسٌ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى المَمَات: الأكْلُ عَلَى الأَرضِ مَع العَبيدِ، ورُكوبِي مُؤْكَفاً، وحَلْبِيَ العَنْزَ بِيَدِي، وَلُبْسُ الصُّوفِ، والتَّسليمُ على الصِّبيَانِ لِتَكُون سُنَّةً مِن بَعدي».

12 - عن عليٍّ عليه السلام، قال: «ما صافحَ رَسُولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم أحداً قَطّ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْزعُ يَدَهُ، وَمَا فَاوَضَهُ أَحَدٌ قَطُّ فِي حَاجَةٍ أَوْ حَدِيثٍ فَانْصَرَفَ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ (...) وَمَا رُئِيَ مُقَدِّماً رِجْلَهُ بَيْنَ يَدَي جَليسٍ لَهُ قَطّ. وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا، وَمَا انْتَصَرَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَظْلَمَةٍ حَتَّى تُنْتَهَكَ مَحارِمُ اللهِ، فَيَكُون حِينَئِذٍ غَضَبُهُ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمَا أَكَلَ مُتَّكِئاً قَطُّ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَمَا سُئِلَ شَيئاً قَطُّ فَقَالَ: لَا، وَمَا رَدَّ سَائِلَ حَاجَةٍ قَطُّ إِلَّا أَتَى بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ القَوْلِ، وَكَانَ أَخَفّ النَّاسِ صَلاةً فِي تَمَامٍ، وَكَانَ أَقْصَرَ النَّاسِ خُطْبَةً وَأَقَلَّهُم هَذراً، وَكَانَ يُعْرَفُ بِالرِّيحِ الطَّيِّبِ إِذا أَقْبَلَ، وَكَانَ إِذَا أَكَلَ مَع القَوْمِ كَانَ أَوَّلَ مَنْ يَبْدَأُ وَآخِرَ مَنْ يَرْفَعُ يَدَهُ، وكانَ إذا أَكَلَ أَكَلَ مِمَّا يَليهِ، فَإِذا كَانَ الرُّطَبُ والتَّمْرُ جَالَت يَدُهُ، وَإذا شَرِبَ شَرِبَ ثَلَاثَةَ أَنْفَاسٍ، وَكَانَ يَمصُّ المَاءَ مَصّاً وَلَا يَعبُّهُ عَبَّاً، وَكَانَ يَمِينُهُ لِطَعَامِهِ وشَرابِهِ وأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ، فَكَانَ لَا يَأْخُذُ إِلَّا بِيَمِينِهِ، وَلَا يُعْطِي إِلَّا بِيَمِينِهِ، وَكَانَ شِمَالُهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ؛ فِي لبْسِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ. وَكانَ إِذا دَعَا دَعَا ثَلاثَاً، وإِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ وتْراً، وَإِذَا اسْتَأْذَنَ استَأْذَنَ ثَلاثاً، وَكَانَ كَلامُهُ فَصْلاً يَتَبَيَّنُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ، وَإذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كالنُّورِ يَخرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاه (..) وَكَانَ نَظَرُهُ اللَّحْظَ بِعَيْنِهِ، وَكَانَ لَا يُكَلِّمُ أَحداً بِشَيءٍ يَكْرَهُهُ (..)».

13 - عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم يُقَسِّمُ لَحَظَاتِهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَيَنْظُر إِلَى ذَا وَيَنْظُرُ إلى ذَا بِالسَّوِيَّةِ...».

14 - عن الصادق عليه السلام، قال: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِيهِ دُعَابَة، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ يُدَاعِبُ وَلَا يَقُولُ إِلَّا حَقّاً».

15 - عن معمر بن خلاد، قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام فقلتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، الرَّجُلُ يَكُونُ مَع القَوْمِ فَيَمْضِي بَيْنَهُم كَلَامٌ يَمْزَحُونَ وَيَضْحَكُون؟ فقال: لَا بَأْسَ مَا لَمْ يَكُنْ، فَظَنَنْتُ أنَّه عَنَى الفُحش. ثمَّ قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم كَانَ يَأْتِيهِ الأعَرابِيُّ فَيَأْتِي إِلَيْهِ بِالهَدِيَّةِ، ثمَّ يَقُولُ مَكَانهُ: أَعْطِنَا ثَمَنَ هَدِيَّتِنَا! فَيَضْحَكُ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم...».

16 - عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم أَكْثَر مَا يَجْلِسُ تِجَاهَ القِبْلَة».

17 - رُوي: «أنّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم كانَ لا يَدَعُ أحداً يَمشي مَعَهُ إذا كانَ رَاكِباً حَتَّى يَحْمِلَه مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى قَالَ: تَقَدَّمْ أَمَامِي وَأَدْرِكْنِي فِي المكَانِ الَّذِي تُرِيد».

18 - وجاء في (الآثار): «أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم لَم يَنْتَقِمْ لِنفسِهِ مِن أحدٍ قَطّ، بَل كانَ يَعفُو ويَصفَح».

19 - «كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم إذا فَقَدَ الرَّجُلَ مِنْ إخْوانِهِ ثلاثةَ أيَّامٍ سألَ عنهُ، فَإنْ كانَ غائباً دَعَا له، وإِنْ كان شَاهِداً زارَه، وإِنْ كَانَ مَريضاً عَادَهُ».

20 - وفيه: عن أنَس قال: «خَدمتُ النَّبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم تِسعَ سنين، فمَا أعلمُ أنّه قالَ لي قطّ، هلّا فعلتَ كذا وكذا؟ ولا عابَ عليَّ شيئاً قطّ».

21 - قال أنَس: «والّذي بَعَثَهُ بِالحَقِّ، مَا قَالَ لِي فِي شَيءٍ قَطّ كَرِهَهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ؟ ولَا لامَنِي نِسَاؤُهُ إِلَّا قالَ: دَعوه، إنَّمَا كانَ هذا بكتابٍ وَقدَر».

22 - «ولقد كان صلّى الله عليه وآلِه وسلّم يدعو أصحابَه بكناهم إكراماً لهم (..) ويُكَنّي مَن لَمْ يَكُن لَهُ كُنْيَة (..) ويُكنّي أيضاً النِّساءَ اللَّاتِي لهنَّ الأولاد واللَّاتي لَم يَلِدنَ، ويكنِّي الصبيان...».

23 - «وكانَ صَلّى الله عليه وآلِهِ وسلّم يؤثِرُ الدَّاخلَ عليهِ بالوسَادَةِ الَّتي تَحتهُ، فَإِنَ أَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا عَزَمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْعَل».

 

في التنظّف والزينة

24 - قال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم: «إنَّ المَجُوسَ جَزُّوا لِحَاهُم وَوَفَّرُوا شَوارِبَهم، وإنَّا نحنُ نَجُزُّ الشَّوارِبَ ونُعْفِي اللّحَى».

25 - عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «مِنَ سُنَنِ المُرْسَلِينَ السِّوَاكُ».

26 - «كانَ لا يُعرَض له طِيبٌ إلَّا تطيَّبَ، ويقول: هُوَ طَيِّبٌ رِيحُهُ خَفِيفٌ مَحْمَلُه».

27 - عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «كانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يُنْفِقُ فِي الطِّيبِ أَكْثَرَ مِمَّا يُنْفِقُ فِي الطَّعَام».

 

في السفر

28 - عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم فِي سَفَرِهِ إِذَا هَبَطَ هَلَّلَ، وَإذا صَعدَ كَبَّرَ».

29 – روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لَمْ يَرتَحِل مِن منزلٍ إِلَّا وَصَلَّى فيه ركعتين، وقال: «حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيَّ بالصَّلاةِ».

30 - وفي (الفقيه)، قال: «كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم إذا ودّعَ المؤمنين، قال: زَوَّدَكُمُ اللهُ التَّقْوَى، وَوَجَّهَكُم إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وقَضَى لَكُم كُلَّ حَاجَةٍ، وَسَلَّمَ لَكُم دِينَكُم وَدُنْيَاكُم، وَرَدَّكُم سَالِمِينَ إليَّ غَانِمِينَ».

31 - عن عليٍّ عليهم السلام: «أنّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم كانَ يقولُ للقَادِم مِن مكّةَ: تَقَبَّلَ اللهُ نُسُكَكَ، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وأَخْلَفَ عَلَيْكَ نَفَقَتَكَ».

 

في الملابس وما يتعلّق بها

32- «روي أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يلبس من الثياب ما وجد من إزارٍ أو رداءٍ، أو قميصٍ أو جبّةٍ أو غير ذلك، وكان يعجبه الثياب الخضر، وكان أكثر ثيابه البياض، ويقول: (أَلْبِسُوهَا أَحْيَاءَكُم، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُم).

وكان له ثوبان لجُمعته خاصّة سوى ثيابه في غير الجمعة. وكانت له عمامةٌ تُسمَّى السّحاب، فوهبَها من عليٍّ عليه السلام، فربّما طلع عليٌّ فيها فيقول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أَتَاكُم علِيٌّ في السَّحاب).

وكان إذا لبسَ ثوباً لَبسَهُ مِنْ قِبَلِ ميامنه، ويقول: (الحَمْدُ للهِ الَّذي كَسَانِي مَا أُوارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي النَّاسِ)، وَإِذَا نَزَعَ ثَوْبَهُ أَخْرَجَهُ مِن مَيَاسِرِه».

33- عن عليٍّ عليه السلام: «البسُوا الثِّيابَ القُطنَ، فإنَّها لِباسُ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم، وَلَمْ يَكُنْ يَلْبسُ الشَّعْرَ والصُّوفَ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ».

34 - عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «كانَ لِرَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم خَاتَمان: أَحَدهُما عَلَيه مَكْتُوبٌ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، والآخَر: صَدَقَ اللهُ».

في المسكن وما يتعلّق به

35- توفّي رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم وما وَضع لَبِنةً على لبنةٍ.

36 - قال صلّى الله عليه وآله: «المَسَاجِدُ مَجَالِسُ الأَنْبِياءِ».

37 - عن خديجة عليها السلام، قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليهِ وآلِهِ وسلَّم إذا دَخَلَ المَنْزِلَ دَعَا بِالإِناءِ فَتَطَهَّرَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يَقومُ فَيُصَلّي رَكْعَتَين يُوجِزُ فِيهِما، ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ».

38 - عن أبي جعفر عليه السلام: «مَا استَيقظَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم مِنْ نَوْمٍ قَطُّ إِلَّا خَرَّ للهِ سَاجِداً».

 

في الأطعمة والأشربة وما يتعلّق بالمائدة

39- عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: « مَا كَانَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم مِنْ أَنْ يَظَلَّ جَائِعاً خَائِفاً فِي الله».

40 - عن العيص بن القاسم، قال: «قلت للصادق عليه السلام: حديثٌ يروى... مَا شَبِعَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم مَنْ خُبْزِ بُرٍّ قَطّ، أَهُوَ صَحِيح؟ فقال: لَا، مَا أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم خُبْزَ بُرٍّ قَطّ، ولَا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ شَعيرٍ قَطّ».

41 - عن زيد الشحّام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «مَا أكلَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم مُتَّكِئاً مُنذُ بَعَثَهُ اللهُ حَتَّى قُبِضَ. كانَ يَأكُلُ أَكْلَةَ العَبْدِ، وَيَجلسُ جِلْسةَ العَبْد. قلت: وَلِمَ؟ قال: تَواضُعاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ».

42 - عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يَأْكُلُ أَكْلَ العَبْدِ، وَيَجْلسُ جِلْسَةَ العَبْدِ، وَكَانَ يَأْكُلُ عَلى الحَضِيضِ وَيَنامُ عَلَى الحَضِيض».

43 – عن الصادق عليه السلام: «كان النّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يَأكلُ كلَّ الأصنافِ مِن الطَّعام، وكانَ يَأكلُ مَا أحَلَّ الله لَهُ مَع أَهلِهِ وَخَدَمهِ إذَا أَكَلُوا، وَمَع مَنْ يَدْعُوه مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى الأَكْلِ، وَعَلَى مَا أَكَلُوا عَلَيْهِ، وَمَا أَكَلُوا، إلّا أنْ يَنزلَ بِهِم ضَيفٌ فَيَأكُلُ مَع ضَيْفِهِ - إلى أن قال - وكانَ أَحبُّ الطّعامِ إليهِ مَا كانَ على ضَفَف». [الضّفف: كثرة العيال ونحوها، والضَّفة بالفتح: الجماعة]

44 - عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «مَا قُدِّمَ إلى رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم طَعامٌ فيهِ تَمْرٌ إِلَّا بَدَأَ بِالتَّمرِ».

45 - «كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يَحمدُ اللهَ بينَ كلِّ لقمتَين».

46 - وفي (المكارم) أنّه صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم كانَ إذا شَرِبَ بَدَأَ فَسَمَّى - إلى أن قال: ويَمصُّ المَاء مَصّاً وَلَا يَعبُّهُ عَبَّاً، ويقول: إِنَّ الكُبادَ مِنَ العَبِّ. [الكُبادُ داءٌ يعرِضُ للكَبِد]

47 - عن عليٍّ عليه السلام، قال: «تَفَقَّدْتُ النَّبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم غيرَ مَرَّةٍ، وهوَ إذا شَرِبَ تَنَفَّسَ ثَلاثاً؛ مَع كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْها تَسْمِيَةٌ إِذَا شَرِبَ وتَحْمِيدٌ إذا انْقَطَعَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا عَلِيّ، شُكْراً للهِ تَعَالَى بِالحَمْدِ وتَسْمِيَةً مِنَ الدَّاءِ».

48 - وفي (المكارم): «كان صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم لا يتنفَّسُ في الإناء إذا شَرِبَ، فإنْ أراد أنْ يتنفَّس أبعدَ الإناء عن فِيهِ حتّى يَتنفَّس».

49- «كان صلّى الله عليه وآله لا يأكل الحارَّ حتّى يَبرد (..) وكان إذا أكلَ سمَّى، ويأكلُ بِثلاثِ أصابع، ومِمّا يَلِيهِ، وَلَا يَتنَاوَلُ مِنْ بَينِ يَدَي غَيْرِه، ويُؤتَى بِالطَّعامِ فَيَشرع قَبْلَ القَومِ ثُمّ يَشرعون..».

50 - «كان صلّى الله عليه وآله يشرب بكفِّه يَصبُّ الماء فيها، ويقول: لَيسَ إناءٌ أَطْيَبَ مِنَ اليَد».

51 – عن الإمام الصادق عليه السلام: «كانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يَذْبَحُ يَومَ الأضحى كَبْشَين، أَحَدُهُما عُن نَفْسِهِ والآخَرُ عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ أُمَّتِه».

في الأموات وما يتعلّق بها

52- كان النّبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم إذا أَتْبَعَ جَنَازَةً غَلَبَتْهُ كَآبة، وَأَكْثَر حَديثَ النَّفس، وأقلَّ الكَلام.

53 - عن عليٍّ عليه السلام: «أنّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم كان يَحثُو ثَلاثَ حَثَياتٍ مِنَ تُرابٍ على القَبْرِ».

54 - وعنه عليه السلام: «أنّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم إذا عزَّى، قالَ: آجَرَكُمُ اللهُ ورَحِمَكُم، وإذا هنَّأَ قال: بَارَكَ اللهُ لكُم وبَارَكَ اللهُ عَلَيكُم».

في الصلاة وما يلحق بها

55 - عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «المَضْمَضَةُ والاسْتِنْشَاقُ مِمَّا سَنَّ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم».

56 - وعنه عليه السلام: «غُسْلُ الجُمُعَةِ سُنَّةٌ واجِبَةٌ عَلَى الرِّجَالِ والنِّساءِ فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ (..) غُسْلُ يَومِ الجُمُعَةِ طَهُورٌ وكَفّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الذُّنُوبِ؛ مِنَ الجُمُعَةِ إِلى الجُمُعَة..».

57 - وعنه عليه السلام: «كانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يُصَلّي مِنَ التَّطَوُّعِ مِثْلَي الفَرِيضَة، وَيَصُومُ مِنَ التَّطَوُّعِ مِثْلَي الفَرِيضَة».

58 - وعنه عليه السلام: «مَنْ قَالَ فِي وِتْرِهِ إذا أَوْتَرَ: (أسْتَغْفِرُ اللهَ رَبِّي وأَتُوبُ إِلَيْهِ) سَبْعِينَ مَرَّة، وَوَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَضَى سَنَةً، كَتَبَهُ اللهُ عِنْدَهُ مِنَ المُسْتَغْفِرينَ بِالأسْحَارِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يَسْتَغْفرُ اللهَ فِي الوِتْرِ سَبْعِينَ مَرّةً، وَيَقُولُ: هَذَا مقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ سَبْعاً..»، الخبر.

59 - كان النّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يقولُ فِي قُنوتِ الوِتْر: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيكَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ البَيْتِ، أسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ وَأُؤمِنُ بِكَ وَأَتَوَكُّلُ عَلَيْكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ يَا رَحِيمُ».

60 - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم إذا جَاءَ شَهْرُ رَمضان زَادَ فِي الصَّلاةِ، وَأَنا أَزِيدُ، فَزِيدُوا».

61 - قالت عائشة: «كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يُحَدِّثُنَا وَنُحَدِّثُهُ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْنَا وَلَمْ نَعْرِفْه».

62 - عن ابن مسعود، قال: «كانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيقُولُ: اسْتَووا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكم..»، الخبر.

في الصيام

63 - وفي (الكافي): «قُبِضَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم عَلَى صِيَامِ شَعْبانَ وَرَمضَانَ وثلاثةَ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ».

64 - عن أنَس، قال: «كانت لِرَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم شربَةً يُفْطِرُ عَلَيها وَشربَةً للسَّحَرِ، ورُبَّمَا كَانَت وَاحِدةً ورُبَّما كانَت لَبَناً، وَرُبَّمَا كانَت الشّربَةُ خُبْزاً يُمَاث..»، الخبر.

65 - وفي (الفقيه) قال: «وكان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم إذا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضانَ أَطْلَقَ كُلَّ أَسِيرٍ وَأَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ».

في قراءة القرآن

66 - عن أمّ سلَمة رضيَ اللهُ عنها: «كان النّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يُقَطِّع قِراءتَه آيَةً آيَة».

67 - عن جابرٍ، قال: «كان صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم لا يَنامُ حَتَّى يقرأَ (تبارك) و(ألم التنزيل)». [أي سورتَي المُلك والسجدة]

68 - عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم يُحِبُّ هَذِهِ السُّورَة: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى..».

أقول [العلامة الطباطبائي]: وله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم خُطبٌ وبيانات يرغّب فيها ويحثّ على التمسُّك بالقرآن والتدبُّر فيه، والاهتداء بهدايته، والاستنارة بنوره، وكان هو صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّم أولى الناس بما يندبُ إليه من الكمال وأسبقَ الناس وأسرعَهم إلى كلّ خير، وهو القائل: «شَيَّبَتْنِي سُورة هُود» [يشير صلّى الله عليه وآله إلى قوله تعالى فيها: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ..﴾ هود:112]، وقد رُوي عن ابن مسعود، قال: «أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم أَنْ أَتْلُوَ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنَ القُرآنِ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُورَةِ (يونس) حتَّى إِذا بَلَغْتُ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿..وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ..﴾ يونس:30، رَأَيْتُهُ وَإِذا الدَّمْعُ تَدُورُ فِي عَيْنَيْهِ الكَريمَتَين».

فهذه شذَراتٌ من آدابه وسُننه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد استفاضت الروايات وتكرَّر النقلُ في كثيرٍ منها في كُتب الفريقَين، والكلام الإلهيّ يؤيّدها ولا يدفع شيئاً منها، والله الهادي.

 

 
 

من كتاب (مكارم الأخلاق) للطبرسي

نُبَذٌ من أحواله وأخلاقه صلّى الله عليه وآله

ـــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــ

عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إنَّ اللهَ تَبارَكَ وَتَعالَى خَصَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآَلِهِ بِمَكَارِم الأَخْلَاقِ، فَامْتَحِنُوا أَنْفُسَكُم، فَإِنَّ كَانَتْ فِيكُم، فَاحْمَدُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَارْغَبُوا إِلَيْهِ فَي الزِّيَادَةِ مِنْهَا - فَذَكَرَهَا عَشرة: اليِقِينُ، والقَنَاعَةُ، والصَّبْرُ، والشُّكْرُ، والحِلْمُ، وحُسُنُ الخُلُقِ، والسَّخاءُ، والغِيرَةُ، والشَّجاعَةُ، والمُرُوءَة».

ورد في أحوال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وصفاته ما لا حصرَ له من الروايات. وقد ذكر أهل بيت العصمة عليهم السلام، الكثير منها ممّا انطوت عليه أسفار ومؤلّفات المحقّقين.

في ما يلي مقتطفات أوردها الشيخ الجليل المحقّق الحسن بن الفضل الطبَرسيّ في كتابه المعروف (مكارم الأخلاق) وتدور حول صفات الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله.

 

 

في تواضعه وحيائه صلّى الله عليه وآله

* عن أنَس بن مالك، قال: «كانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ يَعُودُ المَريضَ، وَيَتْبَعُ الجَنازَة، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ المَمْلُوكِ..».

* وعنه قال: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ، مَرَّ عَلى صِبْيانٍ فَسَلَّم عَلَيْهِم وهُوَ مُغِذّ».

* وعنه قال: «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ أدْرَكَهُ أعْرابِيٌّ فَأَخَذَ بِرِدائِهِ فَجَبَذَهُ [أيْ جَذَبَهُ] جَبْذَةً شَديدَةً حتَّى نَظَرْتُ إلى صفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ قَدْ أثَّرَتْ بِها حاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مالِ الله الَّذي عنْدَكَ! فالْتَفَتَ إلَيْه رسُولُ الله صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ فَضَحِكَ وأمَرَ لَهُ بِعَطاءٍ».

في جُوده

* عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، قال: «أنَا أَدِيبُ اللهِ وَعَلِيٌّ أَدِيبِي، أَمَرَنِي رَبِّي بِالسَّخَاءِ وَالبِرِّ، وَنَهَانِي عَن البُخْلِ وَالجَفَاءِ، وَمَا شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ البُخْلِ وَسُوءِ الخُلُقِ، وَإِنَّهُ لَيُفْسِدُ العَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ».

* عن جابر بن عبد الله، قال: «لَمْ يَكُنْ يُسْأَل رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ شيئاً قطُّ فيَقول: لَا».

* عن عمر، قال: «إنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ النبيّ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ، فإِذا جَاءَنا شيءٌ قَضَيْنَاه.

قالَ عُمر: فقلتُ: يا رسولَ الله، مَا كَلَّفَكَ اللهُ مَا لَا تَقْدِر عَلَيه! قال: فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ قولَهُ. [أي قول عمر]

فقالَ الرَّجُل: أَنْفِقْ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي العَرْشِ إِقْلَالاً. قال: فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وعُرِفَ السُّرورُ فِي وَجهِه».

 

شجاعتُه صلّى الله عليه وآله

* عن عليٍّ عليه السلام، قال: «لَقَد رَأَيْتنِي يَومَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ، وَهُوَ أَقْرَبُنَا إلى العَدُوِّ، وكانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسَاً».

* وعنه عليه السلام، قال: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ البَأْسُ وَلَقِيَ القَوْمُ القَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ، فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلى العَدُوِّ منه».

 

في علامة رضاه

* عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: «كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتمُّ الصَّالِحَاتُ».

* عن كعب بن مالك، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ إِذَا سَرَّهُ الأَمْرُ، اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ دَارَةُ القَمَرِ».

في الرّفق بأمّته صلّى الله عليه وآله

* عن جابر بن عبد الله، قال: «غزا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ إحدى وعشرين غزوةً بنفسه؛ شاهدتُ منها تسع عشرة غزوة وغبتُ عن اثنتَين. فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تَحتي باللّيل فبرَكَ، وكان رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ في أُخريات الناس يُزجي الضعيف، ويُردفه ويدعو لهم، فانتهى إليَّ وأنا أقول: يا لهفَ أمّاه! ما زال لنا ناضحَ سوء!

فقال صلّى الله عليه وآله: مَن هذا؟ فقلت: أنا جابر، بأبي وأمي يا رسول الله.

قال: وما شأنُك؟ قلت: أعيا ناضحي.

فقال: أمعَك عَصا؟

فقلت: نعم. فضربه، ثمّ بعثَه، ثم أناخَه ووطئ على ذراعه، وقال: إركب.

فركبتُ وسايرتُه فجعلَ جملي يسبقُه. فاستغفرَ لي تلك اللّيلة خمسةً وعشرين مرة...».

* عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ إذا حدّث الحديثَ أو سُئلَ عن الأمر كرّره ثلاثاً ليفهم ويُفهم عنه».

 

في المُزاح والضَّحك

 

* عن أبي الدرداء، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ، إِذا حَدَّثَ بِحَدِيثٍ تَبَسَّمَ فِي حَدِيثِهِ».

* عن يونس الشيباني، قال: «قال لي أبو عبد الله عليه السّلام: «كَيْفَ مُدَاعَبَةُ بَعْضكُم بَعضاً؟ قلت: قليلاً، قال: هَلَّا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ المُدَاعَبَةَ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإِنَّكَ لَتُدْخِل بِهَا السُّرُورَ عَلَى أَخِيكَ. وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ يُدَاعِبُ الرَّجُلَ يُريدُ بِهِ أَنْ يَسُرَّهُ».

 

بُورِكَ لبيت فيه (محمّد)

* عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «نَزَلَ جَبْرَئيلُ علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ يُقْرِئُكَ السَّلام وَيَقُولُ لَكَ: هَذِهِ بَطْحَاءُ مَكَّةَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَكُونَ لَكَ ذَهَبَاً. قَالَ: فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ إلَى السَّماءِ ثَلَاثاً، ثُمَّ قَالَ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْماً فَأَحْمَدُكَ، وَأَجُوعُ يوماً فَأَسْأَلُك».

* وعنه عليه السلام، قال: «إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ، وَاعَدَ رَجُلاً إِلى الصَّخْرَةِ [الصَّفا]، فقالَ: أَنَا لَكَ هُنَا حَتَّى تَأْتِيَ، قالَ: فَاشْتَدَّتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّكَ تَحَوَّلْتَ إِلَى الظِّلِّ، قَالَ: وَعَدْتُهُ هَهُنا، وَإِنْ لَمْ يَجِئ كَانْ مِنْهُ الجَشْرُ [الخُلف والإهمال]».

* عن أبي رافع، قال: «سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، يقول: إِذَا سَمَّيْتُم مُحَمَّداً فَلَا تُقَبِّحُوهُ، وَلَا تَجْبَهُوه [جَبْهُ الرّجُل: ردّه عن حاجته]، ولا تَضْرِبُوهُ، بُورِكَ لِبَيْتٍ فِيهِ مُحَمَّدٌ، وَمَجْلِسٍ فِيهِ مُحَمَّدٌ، وَرِفْقَةٍ فِيهَا مُحَمَّد».

 

في آداب الجلوس

* دخل عليه صلّى الله عليه وآله رجلٌ المسجدَ وهو جالسٌ وحده، فتزحزحَ له صلّى الله عليه وآله، فقال الرجُل: في المكان سعةٌ يا رسولَ الله، فقال صلّى الله عليه وآله: «إنَّ حَقَّ المُسْلِمِ عِلِى المُسلِمِ إِذا رَآَهُ يُرِيدُ الجُلوسَ إِلَيهِ أَنْ يَتَزَحْزَحَ لَهُ».

* ورُوي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ، فَليَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

* وقال صلّى الله عليه وآله: «لا تَقُومُوا كَمَا يَقُومُ الأَعَاجِمُ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَخَلَّلَ عَنْ مَكَانِهِ».

* ورُوي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُم مِنْ مَجْلِسِهِ مُنْصَرِفاً فَليُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأَوْلَى مِنَ الأُخْرَى».

* ورُوي عنه صلّى الله عليه وآله: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُم مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجعَ فَهُوُ أَوْلَى بِمَكَانِهِ».

* وعنه صلّى الله عليه وآله: «أعْطُوا المَجَالِسَ حَقَّها. قيل: ومَا حَقُّها؟ قال: غُضُّوا أَبْصَارَكُم، وَرُدُّوا السَّلامَ، وَأَرْشِدُوا الأَعْمَى، وَأمُرُوا بِالمَعْرُوفِ، وانْهَوا عَنِ المُنْكَرِ».

 

 

  

مكارم الأخلاق

من النّبيّ الخاتم صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الوليّ الخاتم عليه السلام

____ محمود إبراهيم ____

من مكارم الله تعالى على العالمين أنْ خصَّهم بالنبيّ الخاتم وورَثَته من الأوصياء، والأئمّة، والعلماء الربّانيّين. وذلك لكي يبيّن لهم الحجّة البالغة التي بها يُدركون سعادتهم الدنيوية، وخلاصهم الأُخرويّ. والحجّة البالغة هي المقصد الأعلى للنبوّة الخاتمة التي قال النبيّ الأكرم فيها بأنّها تمام مكارم الأخلاق. ولئن كانت الحقيقة المحمّدية هي الترجمة الإلهية للتطابق بين سنّة التكوين وسنّة التشريع، فتمامُ مكارم الأخلاق إنّما هو حاصل هذا التطابق المُفضي إلى وحدة الغَيب والشهادة. ويُحقّق هذه الوحدة قيامُ الأوصياء والأولياء بعد ختم النبوّة بمهمّة استكمال رسالة الوحي في التاريخ البشري وإعمار الأرض، على نصاب القسط والعدل. فالسعادة التامّة الخالصة – كما يبيِّن الحكماء - هي مهمّة يتولاَّها أهل القرب من الحضرة الإلهية. وهؤلاء هم الذين جمعوا صراط التكوين إلى صراط التشريع، فكانت لهم مكارم الأخلاق نقطة الجمع والالتقاء، لينجز الله بوساطتهم سعادة الدارين.

ولمّا كان الصراط التكويني هو الهندسة الإلهية الكلّية لنظام الكون، وهو النظام الحافظ للوجود والمحيط بكلّ شيء، فإنّ الصراط التشريعيّ هو الوحي الذي تنزّل على قلب النبيّ وظهر في قوله وعمله، ليُنظّمَ (الوحي) حياة الإنسان، ويبيّنَ له الحدود الفاصلة بين الخير والشرّ، وبين الجميل والقبيح. ولأنّ الصراطين يعودان إلى أصلٍ واحد، هو وحي الله إلى نبيّه الخاتم، فقد تجلّى هذا الأصل بالختم والفتح معاً. فهو ختمٌ للنبوّة الظاهرة. وفتحٌ للنبوّة الباطنة، وهو الولاية الحافظة لأمر الله ووحيه وسُنّة نبيّه، وهي المتمِّمة من بعده مكارمَ الأخلاق التي بُعث من أجلها.

يُجمع العلماء الربّانيون على أنّ الولايةَ تظهيرٌ مستأنَف لباطن النبوّة. وبهذا التظهير تكتمل الهندسة المعرفية التي تترجم الحضور الإلهيّ في الزمن البشريّ. ولئن كان الاستئناف دالّاً على حركةٍ بعد توقّف - لغةً واصطلاحاً - فهو في جدليّة العلاقة بين النبوّة والولاية يتّخذ معناه الخاصّ، ليشير إلى التواصل الباطنيّ الذي ما انفكّ بُرهةً عن الفعل. فَمَثلُ هذا التواصل كَمَثلِ حركةٍ في الجوهر تنتظر مَن يدفعها إلى الظهور لتقوم بمهمّة توصيل معارف الوحي ومقاصد الشريعة إلى الأفهام على امتداد الأزمنة المتعاقبة. ولمّا ذهب الأئمّة عليهم السلام وأكابرُ العرفاء إلى التأسيس على هذه الحقيقة، كانوا على يقينٍ لا شُبهةَ فيه، من أنّ حقيقة الإيمان بالتوحيد يعادلُ الإقرار بالولاية، وأنّ التوحيد والولاية أمران لا ينفصلان، وأنّ الولاية هي الدليل على تجلّي الأسماء والصفات والأفعال الإلهية في كلّ طَورٍ من أطوار التوحيد.

تبعاً لما ذُكر تكون الولاية عنصراً ذاتيّاً من عناصر ختم النبوّة. فالوليّ هو خليفة النبيّ، ومبيّنُ الشريعة من بعده، وهو الذي يتولّى صيرورة الدين الخاتم - بعد ارتحال نبيّه - إلى غاياته ومقاصده. بل إنّه يؤكد بتبنِّيه لأحكام الدين، استمرار الصِّلة بعالم الغيب في عهد انقضاء النبوّة. ولأجل ذلك تحظى الوراثة النبويّة التي للوليّ والوصيّ بدورِ حلقة الوصل بين الحقّ والخَلق.

والتأسيسُ الرحمانيّ للولاية، حاضرٌ بالمجمل في الخطاب الإلهي: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ المائدة:55، وفي التفسير أنّ الولاية هي لله بالأصالة، وللرسول وللمؤمنين بالتبَع. فيكون التقدير كما في التفسير: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ..﴾ ليكون في الكلام أصلٌ وتبَع. ولا يخفى على المتأمّل أنّ المآل واحد.

ولمّا كانت الولاية واحدةً ذات مراتب وفقاً لمبدأ التراتب الطولي القرآني، فلَسوف تكتسب منازلُها المتعدّدةُ صفةَ الأصالة المُفاضة عليها من لدُن الوليّ الأعظم تعالى.

وتبعاً للإخبار الإلهي في ما جاءت به آية الولاية، سنكون أمام هرم وجوديّ يتوقّف على فهمه وإدراك معانيه، عرفانُ جميلِ صُنع الله ولطفه بخلقه.

من هذا النحو تتمظهر منازل الولاية على ثلاث مراتب وجودية هي: ولاية الله – ولاية النبيّ – ولاية الوليّ.

المرتبة الأولى - ولاية الله: وهي الولاية الحقيقيّة المطلقة، وتكون بالأصالة للوليّ الواحد الأحد على العالمِين. وفي القرآن المجيد من الآيات البيّنات ما يشير إلى الأصالة الإلهيّة لولاية الله. وأنّ الله تعالى سمّى ذاته المقدسة بالوليّ لأنه المهيمن بأسمائه وصفاته على كلّ شيء كما في قوله تعالى: ﴿..مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ الكهف:26.

وقوله: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ..﴾ الشورى:9، فالولاية له تعالى خاصّة على الناس أجمعين، وهو الذي يعيّن للناس مَن يتولّى أمورهم.

المرتبة الثانية - ولاية النبيّ: وهي من الله. أي إنّها امتدادٌ لولايته تعالى ومن أمره. ولأنّ ولايته تعالى محيطةٌ بكلّ شيء، ومدبّرةٌ لنظام الخلق، وبسُنَنِها تنتظم هندسة الكون، فولاية النبي الخاتم، صلّى الله عليه وآله، المستمدّة من الرحمانية هي - بهذه الصفة الاستمدادية - ولاية للعالمين. ولكونها كذلك، فهي ظهورٌ لمشيئة الله وإرادته في عالم الإنسان: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء:107. فهي، إذاً، رسالة لجميع الناس وولاية الرسول حاكمة على العالمين، ومظهِرةٌ للدين القيّم. كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا..﴾ سبأ:28.

المرتبة الثالثة - ولاية الوليّ: وهي متّصلة بالولايتَين الأولى والثانية، وبها تتجلّى الحقيقة المحمّدية في عالمَي الغيب والواقع، ومن خلالها يكشف الحقّ عن عنايته بشؤون الخلق. فإنّ أولياءه هم المكلَّفون بالمعاينة والمتابعة وحفظ الكتاب. وولاية الوليّ مصرَّحٌ عنها في القرآن الكريم بوجود شاهدٍ على المسلمين يتلو رسولَ الله: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ..﴾ هود:17.

ومعنى «يتلوه» أي يخلُفه، ومعنى خلافته له هو قيامه مقامَه في كلّ شيء ما خلا النبوّة التي خُتمت به صلّى الله عليه وآله. ولقد عيّن الله سبحانه هذا الشاهد بالإشارة والوصف، فوصفه تارة بأنّه من رسول الله كما في الآية. ووصفه تارة أخرى، بأنّ عندَه – أي الوليّ - مِن عندِه، جلّ شأنه، عِلْمَ الكتاب، كما في الآية: ﴿..قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ الرعد:43. وبهذا التقدير الإلهيّ سنجد كيف يحدّد القرآن الكريم الإطار المعرفيّ لحركة الإنسان في الزمان التاريخي. وهو ما تظهره الآية: ﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ النساء:26.

وإذا كانت المعرفة البشرية قد وضعت فهمَ التاريخ وحركته ضمن جدالية الحرية والضرورة، فقد انطوت الآيات على قوانين مقدّرة في إطار السنن الإلهية الكلية التي لا تقبل التبديل والتحويل.

من أجل ذلك لاحظنا كيف أنّ الآيات تختزن المقاصد الإلهية في البيان والبرهان والتعليم والتنبيه والتبشير والإنذار. وهذه المراتب كلُّها على الجملة تجتمع في المقصد الأعلى الذي هو الهداية بمكارم الأخلاق. وبهذا نستطيع فهم مندرجات التدخّل الإلهي في تاريخ الخلق. وهو تدخّلٌ يقوم على الدعوة إلى إدراك الواقع بما هو واقع، مثلما يقوم على الحثِّ الإلهي نحو تغيير هذا الواقع.

وقد يكون الوجهُ الأكثر دلالةً وعُمقاً للتدخّل الإلهي هو الاعتناء والتدبير واللطف. فالدعوة الإلهية إلى التغيير التاريخي غير مقصورة على توفير عامل القوّة لدرء الفساد في الأرض، وإنّما أساساً على دعوة الإنسان إلى إجراء مراجعة أخلاقية معرفية في عالم المفاهيم والأفكار والثقافة التي يحملها. كما في قوله تعالى: ﴿..إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ..﴾ الرعد:11. وما ذاك إلّا لأنّ النقلة الحضارية من دائرة الفساد إلى فضاء العمران لا تبلغ غايتها من دون سياق تفكيري وسلوكي وأخلاقي يناسب ما قصدته الآية الكريمة: ﴿..إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ محمد:7، كما لو أنّ ثمّة تقابلاً شرطياً بين الانتصار لله والانتصار للخلق.

ولمّا كان الأمر كذلك، فإنّ مقتضى هذا التقابل الشرطي يكون في تحصيل التناسب بين إرادة الفاعل واستعداد القابل. وما ذاك أيضاً إلّا لأنّ التناسب والقيام على الصراط هو الذي يُنجز العروة الوثقى بين الربّ والعبد. فلو تعقّل العبدُ اجتماعَه وقانونَ الزمن الذي هو فيه، وعمل وفقاً لأحكام الشريعة المقدّسة، وكان من المتّقين، لقابَلَه الشارع الأعظم بالاستجابة، وسدّد أعمالَه، وأيّده بالنصر.

 

 

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر/ 21

ملحق شعائر/ 21

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات