وصايا

وصايا

08/02/2016

من الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام إلى إسحاق النيسابوريّ


من الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام إلى إسحاق النيسابوريّ

وَأَيْمُ الله إنّها لَعَقَبَةٌ كَؤُود

ــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــــــــ

تتضمّن هذه الوصية - الرسالة واحدة من غُرر المواعظ الأخلاقية التي أرسلها الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام إلى أحد أصحابه، وهو إسحاق بن إسماعيل النيسابوري.

هذه الوصية أوردها ابن شعبة الحرّاني في (تُحف العقول). وفي الجزء الثاني من (رجال الكشيّ)، قال: «حكى بعضُ الثّقات بنيسابور أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّدٍ عليه السلام توقيعٌ: يَا إِسْحَاقَ بنَ إسماعيل سَتَرنَا اللهُ وإيّاكَ بسَتْرِه.. إلخ»، وهي الوصيّة الآتية.

وفي (معجم رجال الحديث) للسيد الخوئي أنّ إسحاق النيسابوري المذكور، ثقةٌ من أصحاب الإمام العسكريّ، وممّن كانت ترد عليهم التوقيعات.

 

 

«يَا إِسْحَاقَ بنَ إِسْمَاعِيل، سَتَرَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ بِسَتْرِهِ، وَتَوَلَّاكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ بِصُنْعِهِ. فَهِمْتُ كِتَابَكَ يَرْحَمُكَ اللهُ، وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَهْلُ بَيْتٍ نَرِقُّ عَلَى أَوْلِيَائِنَا، وَنُسَرُّ بِتَتَابُعِ إِحْسَانِ اللهِ إِلَيْهِم، وَفَضْلِهِ لَدَيْهِم، وَنَعْتَدُّ بِكُلِّ نِعْمَةٍ يُنْعِمُها اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِم، فَأَتَمَّ اللهُ عَلَيْكَ يا إسحاقُ وَعلى مَنْ كَانَ مِثْلكَ - مِمَّنْ قَدْ رَحِمَهُ الله وَبَصَّرَهُ بَصِيرَتَكَ - نِعمتَه، وَقَدْرُ تَمَامِ نِعْمَتِهِ دُخُولُ الجَنَّةِ.

وَلَيْسَ مِنْ نِعمَةٍ وإِنْ جَلَّ أَمْرُهَا وَعَظُمَ خَطَرُهَا إلَّا وَ(الحَمْدُ للهِ) - تَقَدَّسَتْ  أَسْمَاؤُهُ - عَلَيْها مُؤَدٍّ شُكْرَها. وَأنَا أَقُول: الحَمْدُ للهِ أَفْضَلَ مَا حَمِدَهُ حِامِدُهُ إلَى أَبَدِ الأبَدِ، بِمَا مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ مِنْ رَحمَتِهِ، وَنَجَّاكَ مِنَ الهَلَكَةِ، وَسَهَّلَ سَبِيلَكَ عَلَى العَقَبَةِ. وَأَيْمُ الله إِنَّهَا لَعَقَبَةٌ كَؤُودٌ، شَدِيدٌ أَمْرُهَا، صَعْبٌ مَسْلَكُها، عَظِيمٌ بَلَاؤهَا، قَدِيمٌ فِي الزُّبُرِ الأُولَى ذِكْرُهَا.

وَلَقَد كَانَت مِنكُم فِي أَيَّامِ المَاضِي عَلَيْهِ السَّلام، إِلَى أَنْ مَضَى لِسَبِيلِهِ، وفِي أَيَّامِي هَذِهِ أُمُورٌ كُنْتُم فِيهَا عِنْدِي غَيْرَ مَحْمُودِي الرَّأي، وَلَا مُسَدَّدِي التَّوِفيقِ. فاعْلَمْ يَقِيناً يا إِسْحَاقُ أَنَّه مَنْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الحَياةِ الدُّنيا أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً.

يَا إسحَاق! لَيْسَ تَعْمَى الأَبْصَارُ، وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ، وَذَلِك قَوْلُ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حكايةً عن الظَّالِم إذْ يَقُولُ: ﴿..رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قال كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ طه:125-126، وأيُّ آيةٍ أَعْظَمُ مِنْ حُجَّةِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى خَلْقِهِ، وَأَمِينِهِ فِي بِلَادِهِ، وَشَهِيدِهِ عَلَى عِبَادِهِ، مِنْ بَعْدِ مَنْ سَلَفَ مِنْ آبَائِهِ الأَوَّلِينَ النَّبِيِّينَ، وَآَبَائِهِ الآخِرِينَ مِنَ الوَصِيِّينَ، عَلَيْهِم أَجْمَعِين السَّلَامُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُه.

فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُم؟ وَأَيْنَ تَذْهَبُونَ كَالأنْعَامِ عَلَى وُجُوهِكُم؟ عَنِ الحَقِّ تَصْدِفُونَ وبِالبَاطِلِ تُؤمِنُون وَبِنَعْمَةِ اللهِ تَكْفُرُونَ؟ أَوْ تَكُونُونَ مِمَّن يُؤْمِنُ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَيَكْفُرُ بِبَعض؟ فَمَا جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُم، وَمِن غَيْرِكُم، إِلَّا خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وطُولُ عَذَابٍ في الآخِرَةِ البَاقِيَة، وَذَلِكَ واللهِ الخِزْيُ العَظِيمُ.

إنَّ اللهَ بِمَنِّهِ ورَحْمَتِهِ لَمَّا فَرَضَ عَلَيْكُمُ الفَرائِضَ، لَمْ يَفْرِضْ ذَلِكَ عَلَيْكُم لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْكُم، بَلْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ - لَا إِلَهَ إِلَّا هُو - عَلَيكُم، لِيَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَليَبْتَلِيَ مَا فِي صُدُورِكُم، وَليُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُم، لِتَسابَقُوا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، ولتَتَفَاضَلَ مَنَازِلُكُم فِي جَنَّتِه.

فَفَرضَ عَليكُم الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَإِقَامَ الصَّلاةِ، وَإيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَالصَّومَ، والوِلايَةَ، وَجَعَلَ لَكُم بَاباً تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ أَبْوابَ الفَرائِض، وَمفْتَاحاً إِلى سَبِيلِهِ، وَلَولَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَالأوْصِياءُ مِنْ وُلدِهِ، لَكُنْتُم حَيَارَى كَالبَهَائِمِ، لَا تَعْرِفُونَ فَرْضاً مِنَ الفَرائِضِ، وهَلْ تُدخَلُ مَدينَةٌ إلَّا مِن بَابِها؟

فَلَمَّا مَنَّ عَلَيْكُم بِإِقامَةِ الأَوْلِياء بَعْدَ نَبِيِّكُم، قَالَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي كِتَابِهَ: ﴿..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..﴾ المائدة:3، فَفَرَضَ عَلَيكُم لِأَوْلِيائِهِ حُقُوقاً أَمَرَكُم بِأَدائِها، لِيَحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءَ ظُهُورِكُم مِنْ أَزْواجِكُم وَأَمْوالِكُم ومَآكِلِكُم وَمَشَارِبِكُم. قالَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ): ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ الشورى:23.

واعْلَمُوا أَنَّ مَنْ يَبْخَل ﴿.. فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ..﴾ محمد:38، لَا إِلَهَ إِلَّا هُو.

ولَقَدْ طَالَتِ المُخَاطَبَةُ فِيمَا هُوَ لَكُم وَعَلَيكُم، وَلَوْلَا مَا يُحِبُّ اللهُ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ مِنَ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَيْكُم، لَمَا رَأَيْتُم لِي خَطّاً وَلَا سَمِعْتُم مِنِّي حَرْفاً مِنْ بَعْدِ مُضِيِّ المَاضِي عَلَيْهِ السَّلامُ، وَأَنْتُم فِي غَفْلَةٍ مِمَّا إِلَيْهِ معَادُكُم. (..) واللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِيَّاكُم أَنْ تُفْرِّطُوا فِي جَنْبِ اللهِ فَتَكُونُوا مِنَ الخَاسِرِين.

فَبُعْداً وَسُحْقاً لِمَنْ رَغِبَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، وَلَمْ يَقْبَلْ مَواعِظَ أَوْلِيائِهِ، فَقَد أَمَرَكُم اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) بِطَاعَتِهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَطَاعَةِ أُولِي الأَمْرِ عَلَيْهِمُ السَّلام، رَحِمَ اللهُ ضَعْفَكُم وَغَفْلَتَكُم، وَصَبَّرَكُم عَلَى أَمْرِكُم. فَمَا أَغَرَّ الإنْسَانَ بِرَبِّهِ الكَريم، وَلَوْ فَهِمَتِ الصُّمُّ الصِّلَابُ بَعْضَ مَا هُوَ فِي هَذَا الكِتَابِ لَتَصَدَّعَتْ قَلَقاً وَخَوْفاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَرُجُوعَاً إِلَى طَاعَةِ اللهِ، اعْمَلُوا مَا شِئْتُم ﴿..فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ التوبة:105، والحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِين وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِين».

 

 

سيختلف عليك خطّ القلم

«.. عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيهِ السَّلامُ، فَسَأَلْتُه أَنْ يَكْتُبَ لأَنْظُرَ إِلَى خَطِّه فَأَعْرِفَه إِذَا وَرَدَ.

فَقَالَ: (نَعَمْ).

ثُمَّ قَالَ: (يَا أَحْمَدُ، إِنَّ الْخَطَّ سَيَخْتَلِفُ عَلَيْكَ مِنْ بَيْنِ الْقَلَمِ الْغَلِيظِ إِلَى الْقَلَمِ الدَّقِيقِ، فَلَا تَشُكَّنَّ).

ثُمَّ دَعَا بِالدَّوَاةِ فَكَتَبَ، وجَعَلَ يَسْتَمِدُّ إِلَى مَجْرَى الدَّوَاةِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي وهُوَ يَكْتُبُ: أَسْتَوْهِبُه الْقَلَمَ الَّذِي كَتَبَ بِه.

فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكِتَابَةِ أَقْبَلَ يُحَدِّثُنِي وهُوَ يَمْسَحُ الْقَلَمَ بِمِنْدِيلِ الدَّوَاةِ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ: (هَاكَ يَا أَحْمَدُ)، فَنَاوَلَنِيه..».

(الكليني، الكافي)

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

08/02/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات