الملف

الملف

07/03/2016

آداب ولاية السيّدة الزهراء عليها السلام


آداب ولاية السيّدة الزهراء عليها السلام

وأخطر الحُجُب دونها

ـــــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ حسين كوراني* ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تتحكّم الصورة الذهنيّة عن أيّ شخص بالموقف منه إيجاباً وسلباً. على هذا الأساس ينبغي طرح هذا السّؤال: ما هي الصّورة في أذهاننا – عادةً - عن الصِّدِّيقة الكبرى وعظمة شخصيّتها الإلهيّة الفريدة؟

قد يحلو للكثير منّا أن يلجأ في الجواب على السّؤال إلى «العقائد»، فيستحضر عصمتَها والآيات الخاصّة بها أو العامّة، والأحاديث القدسيّة والرّوايات. وجميع ذلك حقّ لا ريب فيه، إلّا أنّ موضوع السّؤال شيءٌ آخر.

كم من النصوص العقائدية حول منزلة السيّدة الزهراء عليها السلام، استطاع أن يصل من العقل إلى القلب ليتفاعل القلبُ معه، ويستخلص صفوته فَيُحِلَّها حيث تستحقّ من الدائرة التي تتحكّم بالوجدان، والمشاعر، والأحاسيس؟

تارةً يكون السؤال ما هي عقيدتك بالصِّدِّيقة الكبرى، وطوراً يكون: ما هي معرفتك بها؟

وقد تكون العقيدة محضَ انسجامٍ مع الدليل والحجّة والتسليم العقلي لهما، تسليم الجاهل بما هو أبعد من كلّ آفاقه، ثقةً بالمقدّمات واعتماداً عليها، أمّا المعرفة الفاعلة المحرّكة، المعبَّر عنها هنا بالصورة الذهنية بما هي ثمرة تفاعل القلب مع ما عُقد عليه من نتاج العقل، فهي شيء آخر غير الاعتقاد المُقونَن المُمَكْنَن بالبرهان وضوابطه الحديدية الجافّة. ".."

لا تَنافٍ بين حركة العقل في المعرفة وحركة القلب، بل يقع التنافي حين يتّخذ كلٌّ منهما مسرباً له وسبيلاً بمعزلٍ عن الآخر. إنّهما معاً: إنسانية الإنسان وفطرته الصافية وجوهره النقيّ.

يريد لنا السؤال أن يعرف كلٌّ منّا مدى حضور عقله وقلبه معاً في باب معرفة الصِّدِّيقة الكبرى، عليها السلام، «وَعَلَى مَعْرِفَتِهَا دَارَتِ القُرونُ الأُولَى» والأخيرة. ولدى الدخول في تفاصيل السؤال يجد كلّ فردٍ نفسه أمام التساؤلات التالية:

* هل «أعرف» شيئاً عن نور الزهراء قبل أن يخلق الله تعالى الخلق؟ أكرّر أنّ السؤال ليس عن «الاعتقاد».

* هل «أعرف» حقاً أنّ عظَمَتَها لا تكمن على الإطلاق في مجرّد أنّها بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله؟

* هل «أعرف» شيئاً عن موقعها في منظومة المعصومين؟ ".."

* هل «أعرف» أنّ هذه الشخصية الإلهية النبوية الفريدة هي التي أراد الله تعالى أن يُبطل على يديها مفعول أخطر ثورة مضادّة لثمرة خطّ النبوات وخاتمة الرسالات، الأمر الذي يكشف جانباً من معنى الحديث القدسي: «وَلَوْلا فَاطِمَةُ مَا خَلَقْتُكُمَا»، الذي نحُسن فهمه إذا جعلناه وقوله تعالى: ﴿..وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..﴾ المائدة:67، بمعنى واحد لدى التحقيق وإمعان النظر.

والنتيجة: هل يخشع القلب في محراب عظمة الصِّدِّيقة الكبرى، فيفقه بعض دلالات أنّها من المعدن المحمّديّ والحقيقة المحمّديّة صلّى الله عليه وآله، دون أن تدخل الأبوّة والبنوّة - على عظَمتها - في الحساب؟ وأنّها من حيث الموقع و«الدور» في حفظ دين الله تعالى تضاهي الأنبياء والأولياء على أقلّ تقدير، بل تفوق أكثرهم؟ ".."

هل نُدرك أيّ منحدَر صعب ننحدر حين تكون الصورة الذهنية المتحكّمة بآداب ولايتنا للزهراء، عليها السلام، أَوْهَى من بيت العنكبوت، تتلخّص في أنّنا أمام مثقّفة مؤمنة صابرة منحت أباها العطف والحنان ورضيت بعليٍّ عليه السلام - رغم فقره - وارتجلت خطبة تُعجز البلغاء، وتكشف عن مدى الحضور والوعي المميّزين!

إنّ هذه الصورة المشوّشة المغلوطة نتيجة طبيعية لعوامل تضافرت لتوصلنا إلى هذا المنحدر، ويمكن تلخيص هذه العوامل بالتالي:

أ) الإعراض التامّ أو النسبي عن الروايات «الغَيبيّة» حول عظَمتها، عليها السلام، كروايات النور، وروايات التزويج بأمر الله تعالى، وحفل الزفاف في السماء، وكراماتها..

ب) الوقوع في أَسْر ربط العظَمة بالموقع «الدنيويّ» وإن كان دينياً، أي بموقع السلطة الظاهرية حتى إذا كانت ناتجة باستحقاق عن سلطة إلهية باطنية، الأمر الذي يتحكّم - ولو عبر اللاوعي - بالصورة الذهنية التي ترتسم عن الشخص، فيتراءى لنا، خطأً، أنّ الصِّدّيقة عليها السلام، لا تأتي في مرتبة المعصومين الأنبياء والأئمّة، الذين أحلّهم الله تعالى، هذا الموقع بما له من سلطة ظاهرية، بقطع النظر عن القدرة على إعمالها وعدمه. ".."

ج) انتشار خلل إنزال المعصومين في غير مرتبتهم التي رتّبهم الله تعالى فيها، ليصل الأمر في التعاطي مع المعصوم إلى حدّ وكأنّه «عالم بامتياز» "..".

د) انتشار الجهل بعظمة موقفها الإلهيّ النبويّ بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبعيد آثاره المركزية والجذرية في حفظ الإسلام واستمراره ".." ومن مظاهر انتشار هذا الجهل:

1- الإصرار على تسمية خطبتها في المسجد النبوي بالخطبة «الفَدَكيّة»، وكأنّ الدافع في الخطبة «عقاريّ»! ولئن كانت التقية تبرّر ذلك سابقاً، فما هو مبرّره الآن؟ ".."

2- تجنّب الحديث عن ظلامتها، عليها السلام، إمّا بحجّة أنّ هذه الأبحاث تاريخية ولم تعد مُلِحَّة، أو من منطلق التشكيك، أو انسياقاً مع فهمٍ خاطئ لمفهوم الوحدة الإسلامية. ".."

وهذا العامل، «انتشار الجهل بعظمة موقفها»، بعد وفاة المصطفى الحبيب، صلّى الله عليه وآله، هو الأخطر من بين كلّ الحجب التي تحول دون القيام بواجب آداب ولاية الصِّدِّيقة الكبرى عليها السلام.

".."

(كان أمير المؤمنين عليه السلام مأموراً بالصّبر) فالمرحلة مرحلة العقل بسيفه المغمَد، لا المصلَت المسلول. كان انتضاءُ السيف يعني الجهر بحقيقة الانقلاب على الأعقاب. يُحرجهم السيف فيُخرجهم، وأبى حِفظُ الله تعالى للذِّكر إلّا أن يفوِّت الفرصة، ولكن لا بدّ من تسجيل الموقف المحمّديّ لتكون الأجيال على بيِّنة من أمرها، لتستطيع اكتشاف حقيقة ما جرى ولو بعد قرون.

وكان لا بدّ أن يسجِّل هذا الموقف مَنْ تُجمِع الأمّة على موقعه الإلهيّ الخاصّ، من دون أن يؤدّي ذلك إلى الدخول في دوّامة العنف والاقتتال، وكانت الصِّدِّيقة الكبرى القائد الإلهيّ المحمّديّ، والمقياسَ الربّانيّ النبويّ لنزع بُرقع الشرعية المدّعاة عن الانقلاب على الأعقاب. ".."

ومشتْ صلوات الله عليها إلى المسجد بعد عشرة أيّام من وفاة المصطفى الحبيب ".." وقالت الكلمة الفصل، ولم تفرغ من خطبتها التاريخية، الوثيقة الكبرى، إلّا بتقدمة الحُجّة بما لا مزيد عليه ولا مقالة بعده لقائل، ولم يترك تعتيمُ الأنظمة وظُلم ذوي القربى مجالاً لمعرفة ميسّرة لحقيقة ما جرى، إلّا أنّ التاريخ، على عَبَث البلاط به، حفظ لنا أنّ لَغَطاً دار في المجلس وهتافاً تعالى، لك أن تستنتج بوضوح أنّه من قبيل: لا نبايع إلّا عليّاً ".." في هذا الجوّ، وبهذه اللغة، وهذا الأفق، يجب أن توضَع خطبة الصِّدِّيقة الكبرى وتُدْرس وتُفهَم.

إنّ مكانة الصِّدِّيقة الكبرى التي ثبّتها الله تعالى على يد مَن ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ النجم:3، جعلت الأمّة عبر أجيالها كلّها أمام حقيقة أنّ المتكلّم في المسجد بعد وفاة رسول الله، هو رسول الله نفسه. فالمتحدّث هو بنصِّه صلّى الله عليه وآله: شَجَنَةٌ مِنْهُ، وَبَضْعَةٌ، وَروحُهُ التي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، مَنْ يَرْضى اللهُ لِرضاها وَيَغْضَبُ لِغَضَبِها.

تتلاشى القرون وتذوب، ويبقى الموقف الفاطميّ أكبر من كلّ الأجيال، تستلهم سبيل الدخول إلى باب رسول الله من باب فاطمة!

أرأيتَ مدى أهمّية العلم بعظَمة موقفها الإلهيّ المحمّديّ على عتبة «آداب ولايتها»، عليها السلام، ومدى خطورة انتشار الجهل بذلك؟

 

* مختصر من كتاب (في محراب فاطمة عليها السلام).

 
 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

07/03/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات