فكر ونظر

فكر ونظر

07/03/2016

العُجب

العُجب

ضحِكُ الخائف خيرٌ من بكاء المُدِلّ

____ الفقيه الشيخ محمّد تقي الآملي رحمه الله ____


العُجب نقيضُ العقل، فهو –في الأحايث المروية عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام– «مَفْسَدَةٌ لِلعَقْلِ»، و«آَفَةُ اللُّبِّ»، بل هو «عُنْوانُ الحَماقَةِ» و«رَأْسُها»، كما في روايتَين عن أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي (جامع السعادات) للفقيه الشيخ محمّد مهدي النراقي أنّ «العُجبَ استعظامُ المرء نفسَه لأجل ما يرى لها من صفة كمال، سواء كانت له تلك الصفة في الواقع أم لا، وسواء كانت صفة كمال في نفس الأمر أم لا».

هذا المقال المقتطف بتصرّف يسير من كتاب (مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى) للشيخ محمّد تقي الآملي (ت: 1391 للهجرة)، يتناول مفهوم «العُجب» - ضمن بحث فقهيّ في بطلان العبادة بالرّياء - من حيث تعريفه، وحُرمته، وبيان أنّ قبحه لا يقتصر على العبادات خاصّة.

نشير إلى أنّ الفقيه الشيخ محمّد تقي الآملي من أبرز تلامذة الفقيه العارف «القدوة» السيّد علي القاضي الطباطبائي، رضوان الله عليهما، وله عدّة مؤلفات في الفقه والأصول والفلسفة.

 

الكلام في العجب وفي كونه كالرياء وفي الفرق بينه وبين الإدلال والكبر من وجوه:

الأوّل: في تحديده: عُرِّف العجب في علم الأخلاق بأنّه:

1) استعظام النفس بواجديتها ما تراه نعمة ولو لم تكن نعمة واقعاً، والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى منعمها.

2) أو إعظام النعمة والركون إليها مع إضافتها إلى المنعم.

والتعريف الأوّل أولى، وإن قيل برجوع الأخير إليه - كما في (جامع السعادات).

وفي (مصباح الفقيه) للمحقّق الشيخ رضا الهمداني قدّس سرّه،  ذهب إلى التعريف الثاني، وردّ على بعض السادة من معاصريه في اعتماده التعريف الأوّل، فقال: «العجب في العبادة عبارة عن إعظام العبادة، وأمّا رؤية الإنسان نفسه عظيمة فهي كبر متولّد من العجب، فما ذكره بعض السادة من المعاصرين: من أنّ العجب بالعبادة أن يجد العامل نفسه عظيمة -بسبب عمله- مبتهجة خارجة عن حدّ التقصير، لا الابتهاج بتوفيق الله تعالى وتأييده لا يخلو عن مسامحة».

وأنت ترى أنّ قول المحقّق الهمداني لا وجه له، وأنّ ما ذكره بعض السادة من معاصريه ذكره أكثر علماء الأخلاق ولا مسامحة فيه أصلاً، بل لعلّ المسامحة فيما أفاده، إذ لا معين له.

وأمّا ما أفاده، قدّس سرّه، بقوله: «وأمّا رؤية الإنسان نفسه عظيمة فهي – إلخ..» ففيه أنّ الكبر كما عرفت يلزمه لحاظ المتكبّر عليه وأرفعيّته عنه، ونفس رؤية الإنسان نفسه عظيمة لا يكون كبراً، إذ يمكن مع تلك الرؤية أن يرى غيره أعظم منه فيخضع عنده، كما لا يخفى.

والإدلال: هو العجب مع توقّع جزاء عليه، فاستعظام النفس بالنعمة عجب، وهو مع توقّع الجزاء عليه إدلال.

والتكبّر: هو العجب مع ملاحظة ترفّعه على المتكبّر عليه، ويلزمه ملاحظة المتكبّر عليه، ومع قطع النظر عن الغير لا يحصل التكبّر، بخلاف العجب.

 

العُجب في الكتاب والسنّة

الثاني: في ذكر ما ورد في ذمّه في الكتاب والسنّة:

فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿..وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ الكهف:104، فإنّه كما يشمل ما إذا كان العجب بحسن عمله مخطئاً في حسنه، كذلك يشمل ما إذا كان مصيباً في حسنه.

وقوله تعالى: ﴿..فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ..﴾ النجم:32، وقوله تعالى: ﴿..مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ الكهف:35، ﴿..وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ الكهف:36، ولعلّ الآية الأخيرة تدلّ على ذمّ الإدلال أيضاً، إذ عدم ظنّه بهلاكه ما في يده كان ناشئاً عن زعمه استحقاق ما في يده ومع استحقاقه لا يسلب منه، ويدلّ عليه: ﴿..وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾. وبالجملة، فهذا ما اطّلعتُ عليه من الآيات في ذمّ العجب، ولعلّ المتدبّر في القرآن يطّلع على غيرها أيضاً.

ومن السنّة طوائف من الأخبار لا يمكن نقلها كثرة، ونشير إلى بعض منها لئلّا يحتاج الناظر إلى مراجعة سائر الكتب، منها المروي عن النبيّ صلَّى الله عليه وآله: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَخَشِيتُ عَلَيكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، الْعُجْبَ الْعُجْبَ».

وعنه في حديث إقبال إبليس على موسى عليه السّلام وعليه برنس ذو ألوان - إلى أن قال موسى عليه السلام: «..فَأَخْبِرْنِي بِالذَّنْبِ الَّذِي إِذَا أَذْنَبَهُ ابْنُ آدَمَ اسْتَحْوَذْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: إِذَا أَعْجَبَتْهُ نَفْسُه، واسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ، وصَغُرَ فِي عَيْنِهِ ذَنْبُهُ».

والمروي عن الباقر عليه السّلام في رجلين دخلا المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا منه والعابد فاسق والفاسق صديق - إلى أن قال عليه السلام: «..وذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْعَابِدُ الْمَسْجِدَ مُدِلاًّ بِعِبَادَتِه يُدِلُّ بِهَا، فَتَكُونُ فِكْرَتُهُ فِي ذَلِكَ..».

والمروي عن الصادق عليه السّلام، قال: «العَجَبُ كُلُّ العَجَبِ مِمَّنْ يُعْجَبُ بِعَمَلِهِ وَهُوَ لا يَدْري بِمَ يُخْتَمُ لَهُ - إلى أن قال - وَالعُجْبُ نَباتٌ حَبُّها الكُفْرُ، وَأَرْضُها النِّفاقُ، وَماؤُها البَغْيُ، وَأَغْصانُها الجَهْلُ، وَوَرَقُها الضَّلالَةُ، وَثَمَرُها اللَّعْنَةُ وَالخُلودُ في النَّارِ؛ فَمَنِ اخْتارَ العُجْبَ فَقَدْ بَذَرَ الكُفْرَ وَزَرَعَ النِّفاقَ، وَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يُثْمِرَ».

ومنها المروي عن النبي صلَّى الله عليه وآله، في حديث داود عليه السّلام - إلى أن قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «..وأَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ أَلَّا يُعْجَبُوا بِأَعْمَالِهِمْ، فَإِنَّه لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهُ لِلْحِسَابِ إِلَّا هَلَكَ».

وعن الصادق عليه السلام: «إِنَّ اللهَ عَلِمَ أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ، ولَوْلَا ذَلِكَ مَا ابْتُلِيَ مُؤْمِنٌ بِذَنْبٍ أَبَداً».

وعنه عليه السّلام: «مَنْ دَخَلَهُ العُجْبُ هَلَكَ».

ومنها المروي عن الصادق عليه السلام أيضاً: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَنْدَمُ عَلَيْهِ، وَيَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيَسُرُّهُ ذَلِكَ فَيَتَرَاخَى عَنْ حَالِهِ تِلْكَ، فَلأَنْ يَكُونَ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ، خَيْرٌ لَهُ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ».

وقال عليه السّلام في حديث إتيان العالمِ العابدَ - إلى أن قال: «..فَإِنَّ ضَحِكَكَ وأَنْتَ خَائِفٌ أَفْضَلُ مِنْ بُكَائِكَ وأَنْتَ مُدِلٌّ، إِنَّ الْمُدِلَّ لَا يَصْعَدُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْءٌ».

وسُئل عليه السّلام عن الرَّجُلِ يَعْمَلُ الْعَمَلَ وهُوَ خَائِفٌ مُشْفِقٌ ثُمَّ يَعْمَلُ شَيْئاً مِنَ الْبِرِّ فَيَدْخُلُهُ شِبْهُ الْعُجْبِ بِه، فقال عليه السّلام: «هُوَ فِي حَالِهِ الأُولَى وهُوَ خَائِفٌ، أَحْسَنُ حَالاً مِنْه فِي حَالِ عُجْبِهِ».

ويدلّ على قبحه من الاعتبار ما لا يخفى على المراجع بكتب الأخلاق.

في حرمة العجب وعدم اختصاص قُبحه بالعبادات

الثالث: الظاهر عدم اختصاص قبح العجب بالعبادات، بل هو قبيح بكلّ ما يراه صفة كمال له، ولو لم يكن كمالاً واقعاً، فيقبح العجب بالمال والجاه والحسب والنسب ونحوها، وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد عناية في البيان.

الرابع: في حرمة العجب شرعاً، ففي (مصباح الفقيه) المنع عن حرمته بادّعاء نفي الاختيار عنه وعدم كونه مسبوقاً بالإرادة، وإن كان أشدّ تأثيراً في البعد عن رحمة الله من الحرام كسائر الأخلاق الرذيلة، كحبّ الدنيا ونحوه ممّا هو خارج عن الاختيار - إلى أن قال: «ولأنّ الأخبار الواردة في ذمّه لا يكاد يستفاد منها أزيد من ذلك، فلو تعلّق به خطاب بظاهره يدلّ على ذلك لوجب صرفه، إمّا إلى مباديه من إهمال النفس حتى تتأثّر عن مباديه، وإمّا إلى وجوب إزالته بعد حصوله بالتفكّر في سوء المنقلب»، انتهى بمعناه، وما أفاده، قدّس سرّه، لا يمكن المساعدة عليه.

والحقّ أنّ العجب أمر اختياري، غاية الأمر يكون من المسبّبات التوليدية التي اختياريّته بعين اختياريّة أسبابه، وإنّ تحقّقه بتحقّق مباديه وزواله بزوالها، وإذ أمكن إزالته بعد حصوله فيكون وجوب الدفع عنه أيضاً ممكناً، كيف وجميع الأخلاق التي هي متعلّقات للأمر والنهي أيضاً كذلك!.

 وبالجملة فمَن أراد الاطّلاع بأزيد من ذلك فليراجع علم الأخلاق، وإنّما الكلام هنا في أنّ الأخبار المتقدّمة هل تدلّ على حرمته شرعاً حتّى يصير المعجب بعمله مرتكباً لمحرّم شرعي، ويكون ارتكابه قادحاً في العدالة، أم لا؟

فنقول: أمّا العجب في غير العبادات كالعجب بالمال والجاه والعقل والعلم والحسب، فلا ينبغي التأمّل في عدم كونه حراماً شرعياً ولم يُحْكَ حرمته عن أحد، وليس في الأخبار المتقدّمة ولا في غيرها ما يمكن أن يتوهّم دلالته على حرمته.

وأمّا في العبادات، فقد عرفت دعوى المحقّق الهمداني، قدّس سرّه، من أنّه لا يظهر منها أزيد من كونه من الأخلاق الرذيلة والمهلكات. لكنّ الإنصاف أنّ الطائفة الأولى منها تدلّ على الحرمة، وأنّه ذنب، بل هو أعظم من الذنب، بل الذنب خير منه، فالأقوى أنّه حرام يعاقب عليه كما يدلّ عليه دليل الاعتبار أيضاً، حيث إنّه ليس للعبد أن يعجب بنعمةٍ، وينسى نسبتها إلى مولاه....

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

07/03/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات