بسملة

بسملة

06/04/2016

ثقافة العقل والإنسان


ثقافة العقل والإنسان

بقلم: الشّيخ حسين كوراني

الأشهُر الهجريّة الثّلاثة، رجب، وشعبان، وشهر رمضان، مدار منظومة ثقافة العقل والإنسان.

الدّعاء أبرز المناهج المقرّرة لأبرز دورةٍ تخصّصيّة لتعزيز هذه الثّقافة العاقلة المؤنسِنة.

رأس أدعية الأشهر الثّلاثة، وعنوانها، والمفتتَح، والخلاصة، والرّوح، «الدّعاء في أوّل يومٍ من رَجَب، وفي كلّ يَومٍ مِنه».

نقرأ في هذا الدّعاء الطّويل: اللّهُمَّ اجْعَلْ لِعَقْلِي عَلَى هَوَايَ سُلْطَاناً مُبِيناً، وَاقْرِنْ اخْتِيَارِي بِالتَّوْفِيقِ، وَاجْعَلْ صَاحِبِي التَّقْوَى، وَأَوْزِعْنِي شُكْرَكَ عَلَى مَوَاهِبِكَ، وَاهْدِنِي اللّهُمَّ بِهُدَاكَ إِلَى سَبِيلِكَ الْمُقِيمِ وَصِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ، وَلَا تُمَلِّكْ زِمَامِيَ الشَّهَوَاتِ فَتَحْمِلَنِي عَلَى طَرِيقِ الْمَخْذُولِينَ، وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَاجْعَلْ لِي عِلْماً نَافِعاً، وَاغْرِسْ فِي قَلْبِي حُبَّ الْمَعْرُوفِ، وَلَا تَأْخُذْنِي بَغْتَةً، وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم‏.

وَعَرِّفْنِي بَرَكَةَ هَذَا الشَّهْرِ وَيُمْنَهُ، وَارْزُقْنِي خَيْرَهُ وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّهُ، وَقِنِي الْمَحْذُورَ فِيهِ، وَأَعِنِّي عَلَى مَا أُحِبُّهُ مِنَ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ، وَمَعْرِفَةِ فَضْلِهِ، وَاجْعَلْنِي فِيهِ مِنَ الْفَائِزِينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين..».‏

(إقبال الأعمال: 3/202).

***

من بركة هذا الشّهر، ويُمْنِه، ترنيمةُ شهر رجب، بعد كلّ فريضة.

روافد هذه التّرنيمة الرّجبيّة، تصبّ في البحر المحيط، العذب الزّلال، بحر «العالَم الأكبر»، «الإنسان العاقل» الذي وصَفته الفقرة المتقدّمة.

ونقرأ في التّرنيمة الرّجبيّة:

«يا مَنْ يُعْطِي الكَثيرَ بِالقَلِيلِ، يا مَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ، يا مَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسأَلْهُ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَحَنُّناً مِنْهُ وَرَحْمَةً، أَعْطِنِي بِمَسْأَلَتِي إِيّاكَ جَمِيعَ خَيْرِ الدُّنْيا وَجَمِيعَ خَيْرِ الآخرةِ، واصْرِفْ عَنِّي بِمَسْأَلَتِي إِيَّاكَ جَمِيعَ شَرِّ الدُّنْيا وَشَرِّ الآخرةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْقُوصٍ ما أَعْطَيْتَ، وَزِدْنِي مِنْ فَضْلِكَ يا كَرِيم».

(إقبال الأعمال: 3/211)

قد يُحيط الفهم بعظيم طلب «جَمِيعِ الخَيرِ» وصرْف «جَميعِ الشّرِّ». لن يبلغ السّفح من فقه: «وَزِدْنِي مِنْ فَضْلِكَ يَا كَرِيمُ»!!

***

ثقافة الأشهر الثّلاثة، ثقافة «اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِعَقْلِي عَلَى هَوَايَ سُلْطَاناً مُبِيناً»، ثقافة «الإنسان العاقل». اقترن «اختياره بالتّوفيق». لازمَ التّقوى. الإنصافَ والعدل. صاحَبَها فصاحبتْه. أقام على «التّواضع». خَبْتِ التّوازن. مطمئَنِّ الواقعيّة والموضوعيّة. لم يرتكِس في ذلّ الوضاعة، ولا مالَ إلى العجب والعناد والغرور، فضلاً عن التّجبُّر والتّفرْعُن. اهتدى بنور العقل والتّسديد، إلى الصّراط الإنسانيّ المستقيم.

خصائصُ «الإنسان العاقل» في الدّعاءين السّالفين:

1-    أكبر من الدّنيا ومن الآخرة! آفاقُه أوسعُ من جميع خيرهما، وأعظم.

2-   لا تملك الشّهواتُ زمامَه. تصْغر متعلّقاتُها عن إغرائه، فضلاً عن الإغواء. مبرَّأٌ من «جميع الشّرّين».

3-   عقلُه سلطانُ عالَمِه الأكبر. السّلطانُ مبين.

4-   اختياره مقرونٌ بالتّوفيق. لا يختار القلبُ ويهوى ما لا يُبيحه سلطان العقل. حالَ سلطانُ العقل بينه وبين المنكرات.

5-   اهتدى إلى الصّراط المستقيم. غيرِ صراط المخذولين.

6-    زاده الله تعالى علماً نافعاً، فتواضع. سلِم من لوثة انتفاخ الجاهل، أو قارونيّة العلم الضّارّ ﴿..إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي..‏﴾ القصص:78.

7-    حُبِّب إليه فعلُ المعروف. تلاشتْ في الجمع «أناه». «مشّاءٌ في حوائج النّاس».

على هذه الأسس المعياريّة، تبني دورةُ الأشهر الثّلاثة العقائديّة الثّقافيّة، شخصيّةَ «المحمّديّ». يرقى مدارجَ التّأسّي بالإنسان الكامل وتجلّياته الثّلاثة عشر، أهل سورة «الإنسان». صلّى الله عليهم أجمعين.

***

المحور في هذه الخصائص، مرجعيّةُ العقل وحاكميّته. سلطانه المبين على الهوى.

النّقيض، حاكميّةُ الهوى. تملِك الشّهواتُ الزِّمامَ فتحملُ صاحبَها «عَلَى طَرِيقِ المَخْذُولِينَ».

النّاس صنفان، لا ثالثَ لهما: عبد الله، وعبد الهوى.

مَن كان لعقله على هواه سلطانٌ مبين، فهو عبد الله.

ومَن كان لهواه على عقله سلطانٌ مبين، فهو عبد الهوى.

قال الإمام الكاظم عليه السّلام:

«أَبْلِغْ خَيرَاً، وَقُلْ خَيرَاً، وَلَا تَكُونَنَّ إِمَّعَة - مكسورة الألف ، مشدّدة الميم المفتوحة، والعين غير المعجمة - قلتُ: وما الإِمَّعَة؟ قَالَ: لَا تَقولنَّ أَنَا مَعَ النَّاسِ، وَأَنَا كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّمَا هُمَا نَجْدان؛ نَجْدُ خَيرٍ ونَجْدُ شَرٍّ، فَمَا بَالُ نَجْدِ الشَّرِّ أَحَبّ إِلَيكُم مِنْ نَجْدِ الخَير».

***

عبدُ الهوى، عبد الغرائز. الغرائز مصدر الأهواء، ومنطلَق الشّهوات.

قد يكون على حظٍّ من العلم. لكنّه ليسَ «نافعاً».

﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ الجاثية:23-24.

العلمُ النّافع علمُ البرهان العقليّ. الضّارّ «علمُ» الهوى الغرائزيّ.

كلّ «بَشَريٍّ» مشروعُ إنسان. مَن التزم العقلَ حفظَ جوهرةَ الإنسانيّة. جوهرَها بالعقل.

مَن مَلَّكَ الشّهواتِ زمامَه مسختْه الأهواءُ وحَيْوَنَتْه. كان حدّه: «حيوان ناطق» تنكّبَ التّعقّل. تمحّضَ في الموضوع. أضاع المحمول.

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ الفرقان:43-44.

***

نَجدان. صنفان. ثقافتان.

ثقافة العقل، ثقافة الإنسان. بالعقل تبلورتْ إنسانيّتُه – بحسبه - واكتملتْ.

«ثقافة» الهوى والمزاج، وما يحلو «للأنا» عدوانٌ متكرّرٌ دائمٌ على العقل والعلم والثّقافة.

قال الإمام عليّ عليه السّلام:

* «كَمْ مِنْ عَقْلٍ أَسِير تَحْتَ هَوىً أَمِير».

* «صِلْ عَجَلَتَكَ بِتَأَنِّيكَ، وسَطْوَتَكَ بِرِفْقِكَ، وشَرَّكَ بِخَيرِكَ، وَانْصُرِ العَقلَ عَلَى الهَوى، تَملِكِ النُّهى».

* «العَقلُ صاحِبُ جَيشِ الرَّحمنِ، وَالهَوى قائِدُ جَيشِ الشَّيطانِ، وَالنَّفسُ مُتَجاذَبَةٌ بَينَهُما، فَأَيُّهُما غَلَبَ كانَت في حَيِّزِهِ».

* «العَقلُ وَالشَّهوَةُ ضِدّان، ومُؤَيِّدُ العَقلِ العِلمُ، ومُزَيِّنُ الشَّهوَةِ الهَوى، وَالنَّفسُ مُتَنازَعَةٌ بَينَهُما، فَأَيُّهُما قَهَرَ كانَت في جانِبِهِ».

* «حَرامٌ عَلى كُلِّ عَقْلٍ مَغْلُولٍ بِالشَّهْوَةِ، أنْ يَنتَفِعَ بِالحِكمَةِ».

* «مَنْ جَانَبَ هَواهُ صَحَّ عَقْلُهُ».

***

ثقافةُ رجب وشعبان، وشهر رمضان، ثقافةُ تصحيح العقل بإطلاقه من أغلال الشّهوات، وأسْر الهوى.

قلْبُ الأيّام البيض من رجب ذِكرى مولدِ عليٍّ عليه السّلام.

رجب - في النّصّ المعصوم - شهرُ عليّ. شعبان شهرُ رسول الله، وأهلِ البيت. لا فرق. شهرُ رمضان شهرُ الله، وشهرُ النّاس. لا فرق.

بعَليٍّ ومعه عليه السّلام، نصلُ إلى رسول الله وأهل البيت.

على أعتاب سيّد النّبيّين وأهل بيته صلّى الله عليه وعليهم. بنور هدايته الإلهيّة، يواصل الإنسان العاقل رحلةَ العمر في تثبيت تصحيح العقل، ونهيِ النّفس عن «الهَوى».

بهم ومعهم نبلغ - بثقافة العقل - إنسانيّةَ ليلة القدر المحمّديّة، ليلةِ الشّجرة الطّيّبة. «شَجَرةِ النّبوّة، ومَعْدنِ الرِّسَالَة».

نقيضُ هذه الثّقافة، يواصل الارتكاس في ظلمات الأهواء والشّهوات. يهوي – بهواه - في دركات «الشّجرة المَلعونة في القرآن».

ثقافة العقل محمّديّة. ثقافة الهوى أُمويّة.

آل سعود وكلّ دواعشهم الوهابيّين، أمويّون.

ثقافة الهوى السّعوديّة الدّاعشيّة الأمويّة، غرائزيّةٌ حيوانيّة.

هل عرفتَ لماذا سمّوها هم: «إدارة التّوحّش».

ها قد بلغ الفرزُ المدى.

أينَ الرّجبيّون؟

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

07/04/2016

دوريات

نفحات