أحسن الحديث

أحسن الحديث

06/05/2016

﴿.. وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾

 

﴿.. وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾

وراثةُ الأنبياء في خلافة الأرض

_____ إعداد: «أسرة التحريرر» _____

دلّت الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة على عظَمة أهل بيت العصمة والطهارة ومكانتهم عليهم السلام في الوحي الإلهيّ. من ذلك، وراثتُهم مَن سبقهم من الخلفاء الربّانيّين من الأنبياء والأوصياء، وإقامة دولة العدل الموعودة على أيديهم، مُحقّقين الإرادةَ الإلهيّة بظهور الدّين الحقّ على الدّين كلّه. 

ما يلي جولة في مصادر تفسيريّة وحديثيّة حول الآيات الأولى من سورة القصص.

 

قال الله تعالى في الآيتين الخامسة والسّادسة من سورة القصص المباركة، بعد ذكره لعلوّ فرعون وطغيانه الدمويّ على قوم النبيّ موسى عليه السّلام: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ القصص:5-6.

وفي معرض تفسيره هاتين الآيتين يقول الشيخ المفيد في (تفسير القرآن المجيد): «وهم [أي الأئمّة عليهم السلام] أحقّ بالاستخلاف على الأنام ممّن عداهم، لفضلهم على سائر الناس، وهم المُدالون [المنصورون] على أعدائهم في آخر الزمان، حتّى يتمكنّوا في البلاد، ويَظهر دينُ الله تعالى بهم ظهوراً لا يستخفي على أحدٍ من العباد، ويأمنون بعد طول خوفهم من الظالمين المرتكبين في أذاهم الفساد، وقد دلّ القرآن على ذلك وجاءت به الأخبار.

قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ الأنبياء:105.

وقال تعالى: ﴿.. وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ آل عمران:83. وقال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ النساء:159.

وكلّ هذه أمورٌ منتظرة، غيرُ ماضية ولا موجودة في الحال.

ومَثلهم فيما بشّرهم الله تعالى به من ذلك ما تضمّنه قوله تعالى: ﴿ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ﴾ القصص:5-6.

وقوله تعالى في بني إسرائيل: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ الإسراء:6.

وممّا أنزله فيهم سوى المثل لهم عليهم السّلام قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ الحج:41. فصار معاني جميع ما تلوناه راجعاً إلى الإشارة إليهم عليهم السّلام بما ذكرناه.

ويحقّق ذلك ما رُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله على الاتّفاق من قوله: «لَنْ تَنْقَضِيَ الأَيّامُ وَاللّيالي حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتي، يُواطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، يَمْلأُها قِسْطاً وَعَدْلاً كَما مُلِئَتْ ظُلْمَاً وجَوْراً».

في الروايات الشريفة

* عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، أنّه قال: «لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِماسِهَا، عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا، وتَلَا عَقِيبَ ذَلِكَ: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾».

* وروى العياشي بإسناده، قال: «نظر أبو جعفر (الباقر) عليه السلام إلى أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام، فقال: هَذا، وَاللهِ، مِنَ الَّذينَ قالَ اللهُ: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ..﴾ الآية».

* وقال سيّد العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام: «وَالّذي بَعَثَ مُحَمَّداً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، بِالحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً، إنَّ الأَبْرارَ مِنّا أَهْلَ البَيْتِ، وَشيعَتَهُمْ، بِمَنْزِلَةِ مُوسَى وَشِيعَتِهِ، وَإِنَّ عَدُوَّنا وَأشْياعَهُمْ بِمَنْزِلَةِ فِرْعَوْنَ وَأَشْياعِهِ».

* وفي (معاني الأخبار) عن المُفضّل، قال: «سمعتُ أبا عبد الله (الصّادق) عليه السلام يقول: إنّ رسولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، نَظَرَ إِلى عَلِيٍّ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَبَكَى، وَقَالَ: أَنْتُمُ المُسْتَضْعَفُونَ بَعْدِي.

قال المُفضّل: فقلتُ له: ما معنى ذلك يا ابنَ رسول الله؟ قال: مَعْناهُ أَنّكُمُ الأئِمّةُ بَعْدِي، إنّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾، فَهذِه الآيةُ جَارِيَةٌ فِينَا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ».

تعزية من الله تعالى لرسوله، وبُشرى

نقل العلّامة المجلسي في الجزء الرابع والعشرين من (بحار الأنوار) ما جاء في (تفسير القمّي) في سياق تفسير سورة (القصص): ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ..﴾ القصص:3، إلى قوله تعالى: ﴿..إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ القصص:4، قال: «أخبر اللهُ نبيَّه، صلّى الله عليه وآله، بما نال موسى، عليه السلام، وأصحابه من فرعون من القتل والظلم، ليكون تعزيةً له فيما يُصيبه في أهل بيته من أمّته، ثمّ بشّره بعد تعزيته أنّه يتفضّل عليهم بعد ذلك، ويجعلهم خلفاء في الأرض، وأئمّةً على أُمّته، ويردّهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتّى ينتصفوا منهم، فقال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾، أي من القتل والعذاب.

ولو كانت هذه الآية نزلت في موسى، عليه السلام، وفرعون، لَقال: (ونُريَ فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون)، أي من موسى، ولم يقل: ﴿مِنْهُم﴾، فلمّا تقدّم قوله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً..﴾، علمنا أنّ المخاطبة للنبيّ، صلّى الله عليه وآله، وما وعدَ الله به رسوله فإنّما يكونُ بعدَه، والأئمّةُ يكونون من وُلده. وإنّما ضرب اللهُ هذا المثلَ لهم في موسى عليه السلام، وبني إسرائيل، وفي أعدائهم بفرعون وهامان وجنودهما، فقال: إنّ فرعون قَتل في بني إسرائيل وظلم فأَظفرَ اللهُ موسى بفرعون وأصحابه حتّى أهلكَهم الله، وكذلك أهل بيت رسول الله، صلّى الله عليه وآله، أصابَهم من أعدائهم القتلَ والغصب، ثمّ يردّهم الله ويردّ أعداءهم إلى الدنيا حتّى يقتلوهم.

وكذلك مَثَلُ القائم، عليه السلام، في غَيبته واستتاره، مَثَلُ موسى، عليه السلام، خائفٌ مستَتر إلى أن يأذنَ الله في خروجه وطلب حقّه، وقتْلِ أعدائه في قوله: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ..﴾ الحج:39-40».

 

 

 

الوارث هو المهديّ من آل محمّد عجّل الله تعالى فرجه الشريف

استدلّ السيّد حيدر الآملي في (تفسير المحيط الأعظم) من خلال الآية في سورة القصص على تفرّد الإمام المهدي، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بخاتميّته للأوصياء، ووراثته لآبائه عليهم السلام، فقال: «قيل في الآية المذكورة في قوله تعالى: ﴿.. وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾ إنّه دالٌّ على خلافة الإمام المهديّ، عجّل الله تعالى فرجه، وإمامته وحُجّيته، وإنّه وارثٌ حقيقيّ لهذا المقام، لأنّ (الألف واللام) متى دخلا في الخبر أفادا انحصاره في المبتدأ، فإنّا إذا قلنا: إنّه هو العالم، دلّ على أنّ غيرَه ليس بعالم، وكلّ إمام غيرُه من الأئمّة فهو موروث، ولا يكون هو الوارث دون غيره، لأنّ مَن بعده وارثُه، فدلّ على أنّ الإمام الذي هو بهذه الصفات يَرِثُ مَن قبله، أعني يرث هو الإمامة ولا يُورَث عنه. وغيرُ الإمام الحجّة بن الحسن صاحب الزمان، عجّل الله تعالى فرجه، ليس له هذه الصفات بإجماع المسلمين، فيكون هو المراد بهذه الآية، فثبتتْ إمامتُه وخلافتُه بالعصمة الحاصلة له دون غيره. وكذلك خاتميّته بانحصار الوراثة فيه، لأنّ المراد بالخاتم للأولياء هو الذي لا يكون بعده وليٌّ يرجع إليه، وهو سلام الله عليه كذلك، فيكون هو خاتماً للولاية المحمّدية.

 


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

06/05/2016

دوريات

   إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات