الإمام الحسين في سيرة النبيِّين

الإمام الحسين في سيرة النبيِّين

01/07/2011

وارثُ النبيِّين، معهم، ومع سيِّدهم

الشيخ حسين كوراني

تقدّم الحديث حول أنّ نور الحسين عليه السلام، كان بين الأنوار الخمسة التي رآها النبيّ آدم عليه السلام، حين فتح عينيه، فهي موجودة في عالم النُّور قبل وجوده. يؤسِّس ما تقدَّم، للحديث عن  سيرة الإمام الحسين عليه السلام.
ما يلي، تسليط الضوء على هذا المِحوَر الهامّ.

سيرة النبيِّين جميعاً حافلة بالحديث عن الحسين وشهادته عليه السلام، وليس هذا ضرباً من الغلُوِّ «الشيعي» كما قد يحلو لبعض الأعزّاء الضائعين، أو لبعض غيرهم من الضالِّين.
إنّه أساس عقائديّ بارز، علميّ، منهجيّ، متين، توفّرت حوله النصوص عن المعصومين عليهم السلام، بما لا يقبل الرَّد، ولا التوقُّف. إلَّا أنَّ «الناس أعداء ما جَهلوا»، فكما أدَّى الجهل -بحقيقة إجماع المسلمين على أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله «سرُّ الخَلْق» بإذن الله تعالى- إلى التعامل مع مثل مصطلح «قُطب دائرة الوجود» في وَصْف رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكأنّه من كلام الصوفيّين، أو شطحاتهم! كذلك أَدَّى البُعد عن الآيات التي تتحدَّث عن موقع النبيّ الأعظم، كشاهد على الأنبياء عليه وآله وعليهم السلام، والبُعد عن الروايات الكثيرة جداً التي تتحدَّث عن أهل البيت عليهم السلام، مع رسول الله قبل خَلْق الخلق -أدّى هذا البُعد- إلى استنكار الحديث عن بكاء النبيّين على الإمام الحسين عليه السلام، أو استنكار توسُّل الأنبياء به وبأهل البيت عليهم السلام.
يُضيء ما سبق وما تقدَّم عن هذه المَحاور الثلاثة، على مشكلة حقيقيّة في مجال تصحيح العقيدة، يجب البدء في حلِّها بالإعتراف بها، واستجلاء أبعادها، والرجوع إلى «أهل الذِّكر» لتلقِّي الإجابات الشافية حولها.
ومِن أقصر الطُّرق في علاج هذا الخَلَل العقائدي، التنبُّه إلى ما يقتضيه «خطّ الإمام» في العقيدة التي يجب أن يُعقَد عليها القلب ليَلقى الله تعالى سليماً، فيُنجيه الله عزَّ وجلَّ من «جهنّم العقائد» التي بيّن الإمام الخميني عليه الرحمة والرضوان، أنّها -والعياذ بالله تعالى- أشدُّ إحراقاً من «جهنّم الأخلاق» و«جهنّم الأعمال».
ولم يَترك علماؤنا رضوان الله تعالى عليهم عذراً لِمُعتذِر، فقد أقاموا الحُجَّة، وأَوْضحوا الطريق، باستقصاء تفسير الآيات، وتحقيق أسناد الروايات ودلالاتها، وذلك ما يُضاعف مسؤوليّة مَن يُعاني منَّا مِن هذا الخَلَل العقائدي، الذي اتّسعت رقعتُه جرّاء موجة التغريب كما مرّ، ووَصَل الأمر إلى موقفٍ مُسبَق من «المُغيَّبات» بحجّة العقلانيّة الموهومة، التي هي بحسب القرآن الكريم ﴿..قلوبٌ لا يَفقهون بها..﴾، وبحسب الروايات التي كانت في معاوية: «..تلك النَّكراء، تلك الشَّيْطنة».

من حديث الحسين عليه السلام قبل الخلق

يتداخل موضوع الحديث عن سيِّد الشهداء مع النبيّين، مع حديثه عليه السلام قبل الخَلْق، لأنَّ أوّل حديث عن معرفة النبيّين عليهم السلام بالحسين عليه السلام، يبدأ حين فتح النبيّ آدم عينيه. (أنظر: «الإمام الحسين قبل الخلْق» من هذا الملف).
* ومن أبرز مَن تتبّع ما ورد حول الإمام الحسين عليه السلام، عن مرحلة ما قبل الخَلْق، ومع النبيّين، العالم الجليل «ابن قُولُويْه» أستاذ الشيخ المفيد قدّس سرّهما، الذي يُعبِّر عنه الشيخ المفيد بقوله: «شيخنا الثّقة الفقيه أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه».
تتبّع هذا الفقيه الجليل «ابن قُولُويه» الآيات والروايات حول هذه المَحاوِر العقائديّة في كتابه (كامل الزيارات)، الذي تحظى رواياته بدرجة عالية من الإعتبار. قال في (البحار): «وكتاب (كامل الزيارة) من الأصول المعروفة، وأخذ منه الشيخ في (التهذيب) وغيرُه من المحدِّثين». وجاء في مقدِّمة مُحقِّق هذا الكتاب القَيِّم: «وهو من مصادر الحرِّ العاملي في (الوسائل)، وعَدَّهُ من الكُتُب المعتمَدة التي شَهد بصحّتها مؤلِّفوها وغيرهم، وقامت القرائن على ثُبوتها، وتَواترت عن مؤلِّفيها، وعُلمت نسبتُها إليهم، بحيث لم يبقَ فيها شكّ ولا رَيْب، كوجودها بخطوط أكابر العلماء، وتكرُّر ذكرها في مصنَّفاتهم، وشهادتُهم بنسبتها، وموافقة مضامينها لروايات الكُتُب المتواترة. وبما ذكرناه، تعرف ما حازه من الأهميّة الكبرى والثقة الأكيدة لدى الشيعة، وذلك لموقف صاحبه من الضَّبط ومحلّه من الصِّدق، ومكانته من السَّداد، ومقامه من الأمانة».

**

معرفة الأنبياء بالحسين عليه السلام

وتكفي نظرة في أبواب كتاب (كامل الزيارات) لإثبات أهمّيّته، واسْتِشعار مدى الغربة عن مضمونها. من عناوين الأبواب عن مرحلة ما قبل الخلْق:
* ما نَزل من القرآن بقتل الحسين عليه السلام.
* لَعْنُ اللهِ تبارك وتعالى، ولَعْنُ الأنبياءِ قاتلَ الحسين بن عليّ عليهما السلام.
* عِلْم الملائكة بقتل الحسين عليه السلام.
* عِلْم الأنبياء بقتل الحسين بن عليّ عليهما السلام.
ونجد بين روايات الباب الأخير-وهو محلّ البحث- ما يلي:
* عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إنَّ إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه: ﴿واذْكُر في الكتابِ إسماعيلَ إنّه كانَ صادقَ الوَعْد..﴾، أُخِذ فسُلِخت فَرْوَةُ وجهه ورأسه، فأتاه ملَك، فقال: إنّ الله بعثني إليك فَمُرني بما شئت، فقال: لي أُسوةٌ بالحسين بن عليّ، عليهما السلام».

* وقد وردت تفاصيل وافية في رواية ثانية عنه عليه السلام حول هذا النبيّ الكريم في الكتاب نفسه، والباب عينِه، جاء فيها: «إسماعيل بن حزقيل النبيّ عليه السلام، بَعَثَه الله إلى قومه فكذّبوه فقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب اللهُ له عليهم، فوجَّه إليه إسطاطائيل ملَك العذاب، فقال له: يا إسماعيل، أنا إسطاطائيل ملَك العذاب وجَّهني إليك ربُّ العزَّة، لِأُعذِّب قومك بأنواع العذاب، إنْ شئتَ. فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك. فأوحى الله إليه، فما حاجتُك يا إسماعيل؟ فقال: يا ربِّ، إنَّك أَخذتَ الميثاق لنفسك بالربوبيّة، ولمحمَّدٍ بالنبوّة، ولأوصيائه بالولاية، وأَخبرتَ خَيْر خلْقك (أي النبيّ محمّداً، صلّى الله عليه وآله) بما تفعل أُمّتُه بالحسين بن عليّ عليهما السلام من بعد نبيِّها، وأنّك وَعدْتَ الحسين عليه السلام أن يكرَّ (أي يرجع) إلى الدُّنيا حتّى يَنتقم بنفسه مِمَّن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا ربِّ أن تُكِرَّني إلى الدُّنيا حتّى أَنتقِم مِمَّن فعل ذلك بي، كما تكرّ الحسين عليه السلام، فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يَكرُّ مع الحسين عليه السلام».

* ومن روايات (كمال الدّين، وتمام النعمة) للشيخ الصدوق، و(الإحتجاج) للطَبرسي، حول «بكاء زكرياء على الحسين عليه السلام» في رواية طويلة تتضمَّن أسئلة «سعد بن عبد الله» للإمام المهدي في زمن أبيه الإمام العسكري، وإجاباته عليه السلام عليها، جاء فيها: «يا مولاي يا ابن رسول الله، أخبرني عن تأويل كهيعص؟ قال: هذه الحروف من أنباء الغيب أطْلعَ الله عليه عبْدَه زكريّا، ثمّ قَصَّها على محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وذلك أنَّ زكريّا عليه السلام سأل الله عزَّ وجلَّ أن يُعلِّمه أسماء الخمسة، فهَبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلَّمه إيّاها، وكان زكريّا إذا ذَكَر محمَّداً وعليَّاً وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، سَرَى عنه همُّه وانجلى عنه كربُه، وإذا ذكر الحسين عليه السلام خَنقتْه الجهرة (الرَّوْع)، ووقعت عليه البُهرة (تَتَابُع النَّفَس)، فقال ذات يوم: يا إلهي ما بالي إذا ذكرتُ أربعة منهم تَسلَّيْتُ بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين عليه السلام تَدمع عيني وتَثور زفرتي، فأَنبأَه الله عزَّ وجلّ عن قصَّته، وقال: كهيعص: فكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة الطاهرة، والياء يزيد، وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين عطشه، والصَّاد صبرُه. فلمَّا سمع زكريا بذلك لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام، ومَنع الناس من الدخول عليه، وأَقبَل على البكاء والنَّحيب، وكانت ندبته: إلهي، أَتَفْجَعُ خَيْر جميعِ خلْقك بولده؟ إلهي أَتُنزِل هذه الرزيَّة بفنائه؟ إلهي أتُلبِسُ عليّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتُحلُّ كربةَ هذه الفجيعة بساحتهما؟ ثمَّ قال: أللَّهمَّ ارزقني ولداً تُقرّ به عيني على الكِبَر، واجعله وارثاً رضيّاً، يوازي محلّه منّي محلَّ الحسين عليه السلام، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه، ثمّ افجعني به كما تفجَعُ محمّداً حبيبك. وكان حَمْل يحيى ستّة أشهر، وحَمْل الحسين كذلك، وله قصّة طويلة».

**


مرور الأنبياء بكربلاء

وفي كتاب (العوالم) وغيره من المصادر، روايات حول مرور الأنبياء بكربلاء، ومعرفتهم بشهادة الإمام الحسين فيها وتفجُّعهم عليه، وممَّن ورد الحديث عن مرورهم بكربلاء: النبيّ آدم، النبيّ نوح، النبيّ إبراهيم، النبيّ سليمان، النبيّ موسى ومعه وصيُّه يوشع بن نون، النبيّ عيسى على نبيّنا وآله وعليهم الصلاة والسلام.
وقد أورد الشيخ الطوسي في (التهذيب)، والحرّ العاملي في (وسائل الشيعة) رواية عن الإمام السجّاد عليه السلام، حول أنَّ ولادة النبيّ عيسى عليه السلام كانت في«كربلاء». جاء في الرواية: «..حتّى أَتَت كربلاء، فوضعته [أي ولدته] في موضع قبر الحسين، ثمّ رَجعتْ من ليلتها».

لمّا خلق الله إبراهيم

وتتكاثر الروايات في توضيح معرفة الأنبياء بالحسين عليه وعليهم السلام. ومن أبرزها، هذه الرواية:
عن أبي بصير قال: «سأل جابر الجعفي أبا عبد الله [الصادق] عليه السلام عن تفسير قوله عزَّ وجلَّ ﴿وإنَّ من شيعتِه لَإِبراهيم﴾، فقال: إنّ الله لمَّا خلق إبراهيم، كَشف له عن بصره، فَنَظر، فرأى نوراً إلى جنب العرش. فقال إلهي ما هذا النُّور؟ فقال له: هذا نور محمَّد صلّى الله عليه وآله صفوتي مِن خَلْقي. ورأى نوراً إلى جنبه، فقال: إلهي وما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور عليِّ بن أبي طالب عليه السلام ناصرِ دِيني. ورأى إلى جنبهم ثلاثة أنوار، فقال: إلهي وما هذه الأنوار؟ فقيل له: هذا نور فاطمة عليها السلام فَطَمتْ مُحبِّيها من النار، ونور وَلَدَيْها الحسن والحسين عليهما السلام. فقال: إلهي، وأَرى أنواراً تسعة قد حَفُّوا بهم؟ قيل: يا إبراهيم، هؤلاء الأئمّة عليهم السلام من وُلد عليٍّ وفاطمة...».

زيارة الأنبياء للحسين بن عليّ عليهما السلام:

* أورد الشيخ «ابن قولويه» عدّة روايات في هذا المجال، منها:
* عن الإمام الصادق عليه السلام: * «ما خلق الله خلقاً أكثر من الملائكة، وإنّه يَنزل من السماء كلَّ مساء سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت الحرام ليلتَهم، حتّى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النبيّ  صلّى الله عليه وآله فيُسلِّمون عليه، ثمّ يأتون قبر أمير المؤمنين عليه فيُسلِّمون عليه، ثمَّ يأتون قبر الحسين عليه السلام فيُسلِّمون عليه، ثمَّ يَعرُجون إلى السماء قبل أن تَطلع الشمس، ثمَّ تنزل ملائكة النهار سبعون ألف ملَك، فيطوفون بالبيت الحرام نهارَهم، حتّى إذا غربت الشمس انصرفوا إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله فيُسلِّمون عليه، ثمَّ يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السلام فيُسلِّمون عليه، ثمَّ يأتون قبر الحسين عليه السلام فيُسلِّمون عليه، ثمَّ يَعْرُجون إلى السماء قبل أن تَغيب الشمس».

* «ليس (ملَكٌ ولا) نبيّ في السماوات إلّا ويسألون الله تعالى أن يأذن لهم في زيارة الحسين عليه السلام، فَفَوْجٌ يَنزل وفَوْجٌ يَصعد».

 * «قبر الحسين بن عليّ عليهما السلام عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسَّراً، روضة من رياض الجنَّة، وفيه مِعراج الملائكة إلى السماء، وليس من ملَكٍ مقرَّب، ولا نبيٍّ مُرسَل، إلّا وهو يسأل الله أن يزوره، فَفَوْجٌ يَهبط وفَوْج يَصعد».

**

وهكذا يتَّضِح أنَّ معرفة النبيّين بالإمام الحسين، قد بدأت عند خلْق الله تعالى النبيَّ آدم، ثمّ تواصلت في جميع مراحل النبوّات، وتَواصل الحديث عنها من خلال توسُّل النبيّين برسول الله سيّد النبيّين وأهلِ بيته، عليهم جميعاً صلوات الله تعالى، أو من خلال بكاء النبيّين مُصابَ الحسين عليه وعليهم السلام، أو من خلال مرورهم عليهم السلام بكربلاء، أو حديثهم عن شهادة الحسين، كما تقدّم من حديث النبيّ زكريّا، أو النبيّ إسماعيل، عليهم صلوات الله تعالى وسلامه.
ولا بدَّ من التنبُّه إلى أنَّ هذه العَظَمة للحسين عليه السلام، هي فرع العَظَمة المحمّديّة بإذن الله تعالى، والتي لا تدانيها عَظَمة مخلوق، من نبيٍّ مُرسَل، ولا مَلَكٍ مُقرَّب. من هنا، كان أهل البيت من الحقيقة المحمّديّة، وهكذا تحدَّث عنهم القرآن الكريم، وسيِّدهم وسيّدُ النبيّين رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله، ولو لم يَكن من الحديث الشريف إلَّا قوله صلّى الله عليه وآله: «حسينٌ منِّي وأنا من حسين»، لكفى به أصلاً أصيلاً يَفتح مصاريع أبواب البحث على كلِّ الحقائق المُتقدِّمة.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

03/07/2011

  كتب أجنبية

كتب أجنبية

03/07/2011

  كتب عربية

كتب عربية

03/07/2011

نفحات