بسملة

بسملة

04/07/2016

هَدْمُ قِباب البقيع..

هَدْمُ قِباب البقيع..

بقلم: الشيخ حسين كوراني

في الثامن من هذا الشهر الهجريّ «شوّال» لعام 1344 هجريّة، الموافق لعام 1925 ميلاديّة، أي قبل 93 عاماً، أقدم «سعود بن عبد العزيز» - جدّ الملك الحاليّ في الحجاز، سلمان آل سعود - على هَدْم قِباب الأئمّة الأربعة من أهل البيت عليهم السلام.

كانت القِباب تُظَلِّل - بالإضافة إلى الأئمّة - قبرَ العبّاس عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وقبرَ أمّ الإمام عليّ عليه السلام فاطمة بنت أسد التي عبّر عنها النبيّ - لشدّة عطفها عليه - بأنّها أمّه صلّى الله عليه وآله.

كانت هذه القِباب المكرّمة – لدى جميع المسلمين – تقع فوق أضرحة الأئمّة ومَن دُفن معهم، في «بقيع الغَرْقَد» في المدينة المنوّرة.

رافق هذا العدوان على مقدّسات المسلمين محاولاتٌ أخطر لهدم قبّة الحرم النبويّ، الأمر الذي أثار في حينه عاصفة من الشّجْب والتنديد جعلتْ «سعود بن عبد العزيز» يكتفي بنَهب «الخزانة النبويّة!» كما توثِّق ذلك المصادر المعتبَرة.

***

تتعاظم مروحة الدلالات - لهذا العدوان على تقديس الأمّة للنبيّ الأعظم وآله عليهم الصلاة والسلام - وتتّسع لتتماهى مع تاريخ المنطقة والأمّة طيلةَ قرنٍ على الأقلّ، ولتشملَ سياسات الغرب المرتكزة على «آل سعود، والوهّابيّة» وتسليمهم زعامةَ العالم الإسلاميّ، رغم أنّهم – بإجماع علماء الإسلام - ليسوا مسلمين.

تصبّ روافد كلّ الدلالات في محورٍ واحد، هو أنّ آل سعود والوهّابيّين «يهود» بالسَّبب، يقيناً ودون أدنى شكّ، وبالنَّسَب على الأرجح.

يجب العمل- بأولويّة مطلقة- على تظهير حقائق هذا المحور، فهو السبيل الوحيد إلى:

1-  تحرير الأمّة من نِير الاستعمارَين القديم والحديث.

2- وهو السبيل الوحيد إلى التأسيس لوحدة الأمّة واقتلاع الغدّة السرطانيّة بوجهَيها اليهوديّ المكشوف واليهوديّ - السعوديّ المُقنَّع.

3- كما أنّه المدخلُ الحصريّ إلى حُسن قراءة الراهن السياسيّ – الأمنيّ - العسكريّ، الداعشيّ – الصّهيو-دي. خصوصاً في تفسير مخزون الحقد السعوديّ الدفين والهائل، ضدّ كلّ ما يرتبط بمقاومة الكيان الصهيونيّ - ولو بمجرّد التأييد والموقف – لا سيّما في إيران ولبنان وغزّة والبحرين واليمن.

***

المدخلُ الأبرز إلى البحث الموضوعيّ في جميع الروافد التي تصبّ في هذا المحور، وَقعةُ «الحَرّة» السعوديّة، في «المدينة المنوّرة»، في مسار وقعة «الحَرّة» التي شنّها «يزيد بن معاوية بن أبي سفيان» يومَ قرّرت قريش أن تنتقم من المدينة المنوّرة لأنّها كانت مهاجَر رسول الله صلّى الله عليه وآله.

كانت «حَرّة آل سعود» استكمالاً لتلك الأمويّة، وكان الهدف منها تجريف آثار رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإعفاء القبر، لأنّ الوهابيّة - بخلاف جميع المسلمين تعتقد بأنّ السفر إلى المدينة بِنيّة زيارة قبر الرسول شِرك، وهو لذلك سفرُ معصية!

وفي ذكرى هدْم قبور أئمّة البقيع عليهم السلام، تأتي الوقفة هنا عند تقديس المسلمين للأئمّة الذين هدَمَ «سعود» قِبابهم، ليتّضح أنّ هذا العدوان قد استهدف الأمّةَ كلّها، وليتجلّى في سياقه أنّ حمَلات هَدْم قبور الأولياء التي دشَّنَ دواعش آل سعود سِجلَّهم الأسود بها ليس إلا تكراراً لنفس المخطّط الذي كان هَدْمُ قِباب البقيع في سياقه.

***

بالرجوع إلى آراء كبار علماء المسلمين السنّة في مكانة الإمام الحسن، والإمام زين العابدين، والإمام الباقر، والإمام الصادق عليهم السلام، الذين هدَم «آل سعود» قِبابهم، وموقعَهم من عقيدة الأمّة، نجد أنّ من البديهيّات أنّ مَن يَجرؤ على المسّ بهم عليهم السلام، لا علاقةَ له بالأمّة من قريبٍ أو بعيد.

ما يلي نموذجٌ من تقديس كبار العلماء للأئمّة الأربعة عليهم السلام.

 في ترجمة الإمام الحسن عليه السلام، قال ابن حَجَر الهيتميّ في (الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البِدع والزندقة):

«الباب العاشر، (في خلافة الحسن وفضائله ومزاياه وكراماته، وفيه فصول). (الفصل الأول في خلافته):

هو آخرُ الخلفاء الراشدين بنَصِّ جدّه، وليَ الخلافةَ بعد قتل أبيه بمبايعة أهل الكوفة، فأقام بها ستّة أشهر وأياماً خليفةَ حقٍّ وإمامَ عدلٍ وصِدقٍ تحقيقاً لما أخبر به جدّه الصادّق المصدوق بقوله: الخلافةُ بعدي ثلاثونَ سنة، فإنّ تلك الستّة الأشهر هي المكمّلة لتلك الثلاثين، فكانت خلافتُه منصوصاً عليها وقام عليها إجماعُ مَن ذُكر فلا مِريةَ في حقّيّتها..».

وفي ترجمة الإمام زين العابدين عليه السلام، قال الهيتميّ في (المصدر المتقدّم، ص 200):

«وزينُ العابدين هذا هو الذي خلَف أباه عِلماً وزُهداً وعبادةً، وكان إذا توضّأَ للصلاة اصفرّ لونُه فقِيلَ له في ذلك، فقال: ألا تَدرونَ بين يدَي مَن أقف؟ وحُكِيَ أنّه كان يصلّي في اليوم والليلة ألفَ ركعة..». إلى أن قال: «كتبَ عبد الملك للحجّاج أن يجتنبَ دماء بني عبد المطّلب، وأمرَه بِكَتْمِ ذلك، فكُوشِفَ به زينُ العابدين، فكتب إليه إنّك كتبتَ للحجّاج يومَ كذا سرّاً في حقّنا، بني عبد المطّلب، بكذا وكذا، وقد شكرَ اللهُ لك ذلك، وأرسل به إليه، فلمّا وقفَ عليه وجد تاريخَه موافقاً لتاريخ كتابه للحجّاج، ووجد مخرجَ الغلام موافقاً لمَخرج رسوله للحجّاج، فعَلِمَ أنّ زين العابدين كُوشِفَ بأمره، فَسُرَّ به وأرسلَ إليه مع غلامه بوِقْر راحلتِه دراهمَ وكِسوة، وسألَه أن لا يُخليه من صالحِ دُعائه».

وفي ترجمة الإمام الباقر عليه السلام، قال ابن حَجَر الهيتميّ في (نفس المصدر، ص 201):

«أبو جعفر محمّد الباقر، سُمِّيَ بذلك مِن بقَرَ الأرضَ؛ أي شقّها وأثار مُخبّآتها ومكامنها، فكذلك هو أظهر من مخبّآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحِكم واللطائف ما لا يخفى إلا على مُنطَمِس البصيرة أو فاسد الطَّويّة [و] السَّريرة، ومن ثَمّ قيلَ فيه: هو باقرُ العلم وجامعُه وشاهِرُ عَلَمه، وعمرتْ أوقاتُه بطاعة الله، وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تَكِلُّ عنه ألسِنةُ الواصفين، وله كلماتٌ كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملُها هذه العجالة».

أضاف ابن حَجَر الهيتميّ: «وكفاه شرفاً أن ابن المدينيّ روى عن جابر أنه قال له وهو صغير: رسولُ الله يُسَلِّمُ عليك. فقيلَ له: وكيفَ ذاك؟ قال: كنتُ جالساً عنده والحسين في حِجره وهو يداعبه، فقال: يا جابر، يُولَدُ له مَولودٌ اسمُه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: لِيَقُم سيّدُ العابدين، فيقومُ ولَدُه، ثمّ يولَد له ولدٌ اسمُه محمّد، فإنْ أدركتَه، يا جابر، فأَقْرِئه منّي السلامَ».

«تُوفِّيَ سنة سبع عشرة ومئة عن ثمان وخمسين سنة مسموماً كأبيه، وهو علويّ من جهة أبيه وأمه، ودُفن أيضا في قبّة الحسن والعبّاس بالبقيع».

 وفي ترجمة الإمام الصادق عليه السلام أضاف ابن حجر: «وخلّف – الباقر - ستّة أولاد؛ أفضلهم وأكملُهم جعفر الصادق، ومن ثَمّ كان خليفتَه ووصيَّه، ونقلَ الناس عنه من العلوم ما سارتْ به الركبان، وانتشر صِيتُه في جميع البلدان، وروى عنه الأئمّة الأكابر كيحيى بن سعيد، وابن جريج، والسُّفيانَيْن، [سفيان الثوريّ وسفيان بن عُيينة] وأبي حنيفة، وشعبة، وأيوب السختيانيّ، وأمّه أم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر..».

***

تتزامن الذكرى الثالثة والتسعون لهدم قباب الأئمّة الأربعة من أهل البيت عليهم السلام في البقيع، مع فرصة تاريخيّة لزيادة البصيرة، لتُوقِن الأمّة بأنها على منعطفٍ بالغ الحساسيّة والخطورة:

-   إما أن تَلفُظَ الأمّة هذه الغدّة السرطانيّة بوجهَيها الصّهيو-دي، فتدفن الأمّة «سايكس – بيكو» وكلّ تداعياته – ومنها وعد بلفور- الذي تمّ تركيبه على فِريتَين كبيرتَين: الوطن القوميّ اليهوديّ، وزعامة آل سعود للعالم الإسلاميّ من خلال تطويب الحجاز لآل سعود في ما يُشبه «الوطن القوميّ السعوديّ».

-   وإما أن تدخل الأمّة والمنطقة بأَسْرها في نفَقٍ صهيونيٍّ جديد، هو بالتأكيد أسوأ - بما لا يقاس- من كلّ مراحل الاستعمار السابقة وتداعياتها.

ويتعاظمُ الأملُ بنصر الله تعالى، بالتدبُّر في الراهن الواعد والمستقبل الباسم ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

04/07/2016

دوريات

نفحات