الملف

الملف

29/09/2016

التأسيس في زمن معاوية، لمواجهة «الشجرة الملعونة»

 

خطبة الإمام الحسين عليه السلام في «مِنى»*

التأسيس في زمن معاوية، لمواجهة «الشجرة الملعونة»

 

.. لمَّا كَانَ قَبْلَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ بِسَنَةٍ، حَجَّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ وعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ. فَجَمَعَ الْحُسَيْنُ عَلَيهِ السّلامُ بَنِي هَاشِمٍ؛ رِجَالَهُمْ ونِسَاءَهُمْ ومَوَالِيَهُمْ ومَنْ حَجَّ مِنْهُمْ، ومِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ الْحُسَيْنُ وأَهْلُ‏ بَيْتِهِ. ثُمَّ أَرْسَلَ رُسُلًا: لَا تَدَعُوا أَحَداً مِمَّنْ حَجَّ الْعَامَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ الْمَعْرُوفِينَ بِالصَّلَاحِ والنُّسُكِ إِلَّا اجْمَعُوهُمْ لِي.

فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ بِمِنًى أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ وهُمْ فِي سُرَادِقِهِ؛ عَامَّتُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ونَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ. فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيباً، فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

 

 أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَذَا الطَّاغِيَةَ قَدْ فَعَلَ بِنَا وبِشِيعَتِنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وعَلِمْتُمْ وشَهِدْتُمْ. وإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ؛ فَإِنْ صَدَقْتُ فَصَدِّقُونِي. وإِنْ كَذَبْتُ فَكَذِّبُونِي.

وأَسْأَلُكُمْ بِحَقِّ اللهِ عَلَيْكُمْ وحَقِّ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ وقَرَابَتِي مِنْ نَبِيِّكُمْ عَلَيْهِ وآلِهِ السَّلَامُ لَمَّا سَتَرْتُمْ مَقَامِي هَذَا ووَصَفْتُمْ مَقَالَتِي ودَعَوْتُمْ أَجْمَعِينَ فِي أَمْصَارِكُمْ مِنْ قَبَائِلِكُمْ مَنْ أَمِنْتُمْ مِنَ النَّاسِ.

وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: ... اسْمَعُوا مَقَالَتِي واكْتُبُوا قَوْلِي ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى أَمْصَارِكُمْ وقَبَائِلِكُمْ؛ فَمَنْ أَمِنْتُمْ مِنَ النَّاسِ ووَثِقْتُمْ بِهِ فَادْعُوهُمْ إِلَى مَا تَعْلَمُونَ مِنْ حَقِّنَا، فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ يَدْرُسَ هَذَا الْأَمْرُ ويَذْهَبَ الْحَقُّ ويُغْلَبَ، واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ.

ومَا تَرَكَ شَيْئاً مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا تَلَاهُ وفَسَّرَهُ، ولَا شَيْئاً مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ فِي أَبِيهِ وأَخِيهِ وأُمِّهِ وفِي نَفْسِهِ وأَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا رَوَاهُ. وكُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ أَصْحَابُهُ: اللّهُمَّ نَعَمْ، وقَدْ سَمِعْنَاهُ وشَهِدْنَاهُ. ويَقُولُ التَّابِعُ: اللّهُمّ قَدْ حَدَّثَنِي بِهِ مَنْ أُصَدِّقُهُ وأَئْتَمِنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ.

فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ إِلَّا حَدَّثْتُمْ بِهِ مَنْ تَثِقُونَ بِهِ وبِدِينِهِ.

قَالَ سُلَيْمٌ: فَكَانَ فِيمَا نَاشَدَهُمُ الْحُسَيْنُ عَلَيهِ السّلامُ وذَكَّرَهُمْ أَنْ قَالَ:

أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلامُ كَانَ أَخَا رَسُولِ اللهِ حِينَ آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَآخَى بَيْنَهُ وبَيْنَ نَفْسِهِ وقَالَ: أَنْتَ أَخِي وأَنَا أَخُوكَ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ اشْتَرَى مَوْضِعَ‏ مَسْجِدِهِ ومَنَازِلِهِ فَابْتَنَاهُ ثُمَّ ابْتَنَى فِيهِ عَشَرَةَ مَنَازِلَ؛ تِسْعَةً لَهُ وجَعَلَ عَاشِرَهَا فِي وَسَطِهَا لِأَبِي، ثُمَّ سَدَّ كُلَّ بَابٍ شَارِعٍ إِلَى الْمَسْجِدِ غَيْرَ بَابِهِ، فَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَنْ تَكَلَّمَ، فَقَالَ: (مَا أَنَا سَدَدْتُ أَبْوَابَكُمْ وفَتَحْتُ بَابَهُ، ولَكِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِسَدِّ أَبْوَابِكُمْ وفَتْحِ بَابِهِ). ثُمَّ نَهَى النَّاسَ أَنْ يَنَامُوا فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَهُ، وكَانَ... مَنْزِلُهُ فِي مَنْزِلِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ...؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَفَتَعْلَمُونَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَرَصَ عَلَى كُوَّةٍ، قَدْرَ عَيْنِهِ، يَدَعُهَا مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَبَى عَلَيْهِ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ مَسْجِداً طَاهِراً لَا يَسْكُنُهُ غَيْرِي وغَيْرُ أَخِي وابْنَيْهِ؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ نَصَبَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ، فَنَادَى لَهُ بِالْوَلَايَةِ وقَالَ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ قَالَ لَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ حِينَ دَعَا النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ لَمْ يَأْتِ إِلَّا بِهِ وبِصَاحِبَتِهِ وابْنَيْهِ؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ دَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ يَوْمَ خَيْبَرَ ثُمَّ قَالَ: لَأَدْفَعُهَا إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللهُ ورَسُولُهُ، ويُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ، كَرَّارٍ غَيْرِ فَرَّارٍ يَفْتَحُهَا اللهُ عَلَى يَدَيْهِ؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ بَعَثَهُ بِبَرَاءَةَ وقَالَ: لَا يُبَلِّغُ عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ شَدِيدَةٌ قَطُّ إِلَّا قَدَّمَهُ لَهَا، ثِقَةً بِهِ؟...

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَفَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ قَضَى بَيْنَهُ وبَيْنَ جَعْفَرٍ وزَيْدٍ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَنْتَ مِنِّي وأَنَا مِنْكَ، وأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ كُلَّ يَوْمٍ خَلْوَةٌ وكُلَّ لَيْلَةٍ دَخْلَةٌ؛ إِذَا سَأَلَهُ أَعْطَاهُ وإِذَا سَكَتَ ابْتَدَأَهُ؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ فَضَّلَهُ عَلَى جَعْفَرٍ وحَمْزَةَ حِينَ قَالَ لِفَاطِمَةَ: زَوَّجْتُكِ خَيْرَ أَهْلِ بَيْتِي؛ أَقْدَمَهُمْ سِلْماً وأَعْظَمَهُمْ حِلْماً وأَكْبَرَهُمْ عِلْماً؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ قَالَ: أَنَا سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ وأَخِي عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَرَبِ وفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ والْحَسَنُ والْحُسَيْنُ ابْنَايَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ أَمَرَهُ بِغُسْلِهِ وأَخْبَرَهُ أَنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيهِ السّلامُ يُعِينُهُ؟

 قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ قَالَ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثِّقْلَيْنِ؛ كِتَابَ اللهِ وأَهْلَ بَيْتِي فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا؟

قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ.

فَلَمْ يَدَعْ شَيْئاً أَنْزَلَهُ اللهُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلامُ خَاصَّةً، وفِي أَهْلِ بَيْتِهِ؛ مِنَ الْقُرْآنِ ولَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلّمَ إِلَّا نَاشَدَهُمْ فِيهِ، فَيَقُولُ الصَّحَابَةُ: اللّهُمّ نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَا. ويَقُولُ التَّابِعُ: اللّهُمّ نَعَمْ قَدْ حَدَّثَنِيهِ مَنْ أَثِقُ بِهِ؛ فُلَانٌ وفُلَانٌ.

ثُمَّ قَدْ نَاشَدَهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوهُ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي ويُبْغِضُ عَلِيّاً فَقَدْ كَذَبَ، لَيْسَ يُحِبُّنِي ويُبْغِضُ عَلِيّاً.

فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وكَيْفَ ذَلِكَ؟

قَالَ: لِأَنَّهُ مِنِّي وأَنَا مِنْهُ، مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي ومَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي ومَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ اللهَ.

فَقَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَا. وتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ.

  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* العلامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 33، ص 181- 185

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

29/09/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات