حوارات

حوارات

27/10/2016

الاحتلال البريطاني شيّد دولة معاصرة لبني أميّة


العلّامة الشيخ علي كوراني:

الاحتلال البريطاني شيّد دولة معاصرة لبني أميّة

ــــــــــــــــــــ تنسيق: «شعائر» ــــــــــــــــــــ

ما يلي، نصّ حوار أجرته مجلّة «الإصلاح الحسينيّ» التي تصدر عن «العتبة الحسينيّة المُقدّسة» مع سماحة العلّامة الشيخ علي كوراني، تناول فيه نشأة التيار التكفيري إبّان سطو آل أبي سفيان على موقع خلافة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وامتدادات هذا التيار ومصاديقه في عصرنا الراهن.

ولأهمية ما تضمّنه هذا الحوار من أفكار وقضايا تُعيد «شعائر» نشره بشيء من الاختصار والتصرّف.

 

* سماحة الشيخ، لو تتكرّمون بدايةً بإيضاح السّبب الذي أدّى إلى وصول بني أميّة الطّلقاء إلى سدّة الحكم والسّطو على موقع خلافة رسول الله صلّى الله عليه وآله.

من المعلوم أنّ قريشاً كانت ثلاثاً وعشرين قبيلة، فيها القبائل القويّة المنيعة التي يمكن أن يظهر منها قادة، لكنّها نصرت الباطل، ووقفت موقف العداء من الإسلام، وكان منهم أئمّة الكفر، فهؤلاء أخزاهم الله تعالى، واستأصل شَأْفَتَهم، وكسر شوكتهم في المعارك التي خاضها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم معهم، ببركة سيف أمير المؤمنين عليه السلام، وقد وردت الإشارة لذلك في القرآن الكريم، فقال تعالى: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾ آل عمران:127، فإنّ «بَني عبد الدار» قد فُنوا وبادوا، و«بني مخزوم» أيضاً كذلك، وكذا «بني سهم».

فالقبائل التي كانت فيها شخصيّات يمكن أن تحكم، هم بنو هاشم وبنو أُميّة؛ ولأسباب معلومة عديدة، منها بَذْلُ الأموال لشراء الذِّمم، ومنها الترهيب والاغتيال السياسيّ، ومنها بذل المناصب والولاءات، ومنها حبّ الدنيا، خضع السوادُ الأعظم من القرشيّين لسيطرة بني أُميّة، وفارقوا بني هاشم، بل وعادوهم، فسيطروا على مقاليد الحكم، فجاء أميرُ المؤمنين عليّ عليه السلام حين بويع، ليصحّح وضعاً خاطئاً، ويُرسي أُسساً للتصحيح، لكنَّ الموجة الأُمويّة غلبت، ففي وقعتَي الجمل وصفّين لم يكن من قريش مع أمير المؤمنين عليه السلام إلّا النزر اليسير كمثل الملح في الطعام، وكان الأعمّ الأغلب من قريش مع معاوية، فلذلك سيطر بنو أُميّة، وهكذا كان عصر الإمام الحسين عليه السلام يعيش موجة أُمويّة مدعومة من قِبل قريش كلّها، ولولا أن ثار الإمام الحسين عليه السلام، لكان بنو أُميّة قد أسّسوا أُسَراً كأُسَر الفراعنة، يحكمون بلا منازع أبداً، لكنّ الإمام الحسين عليه السلام هو الذي هزّ ضمير الأُمّة وأيقظها بدمه المبارك لمواجهة الفرعنة الأُموية.

* ما تفضّلتم به هو على المستوى العملي، ولكنّ كيف تسنّى لهم «نظريّاً» أن يُهيمنوا ويحكموا باسم رسول الله صلّى الله عليه وآله؟

كان أغلب العرب قبل الإسلام قبائل متفرّقة، بل وكثير منهم كانوا من البدو الرحّل، يمتهنون الغزو والإغارة، لذلك فقد كان أحد أهمّ أهداف النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم هو تهذيب ذلك المجتمع، وجعله قدوة ومثالاً يُحتذى به.

ولكن بعد رحيله صلّى الله عليه وآله وسلّم، رجعت تلك الحالة القبليّة، ورجع نفس ذلك القانون «الحقّ لمن غلب»؛ وهو ما يُعبَّر عنه في بعض المدارس الفقهيّة بـ«الشَّوكة»؛ أي: كلّ مَن غلب تصير الشرعيّة المدّعاة له؛ فمثلاً: إذا تصارع اثنان على الحكم واقتتلا، وكان أحدهما خارجاً على الإمام الشرعيّ، فهو يُعَدُّ باغياً على إمام زمانه، لكنه إذا انتصر على خصمه الشرعيّ، صار هو صاحبَ الشّوكة والإمام الشرعيّ الذي تجب طاعته!

ولذلك حاول بنو أُميّة عن طريق الإجرام والإرهاب، أن يُلبسوا حكمهم وما اغتصبوه بالقوّة والظلم بلباس الدين والشرعيّة الدينيّة؛ فمعاوية مثلاً أراد أن يُلبس تطرّفه الأعمى بلباسٍ دينيّ؛ لذا تراه يخطب في جموع أهل الكوفة قائلاً: «إنّي والله، ما قاتلتكم لتصلّوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا، ولا لتزكّوا، إنّكم لتفعلون ذلك، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون». فانظر لقوله: «وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون»، فهذا تبنٍّ واضح لفكر القدريّة والجبريّة.

ومن هذا المنطلق تمّ حرف المسيرة الإلهيّة، وعاد حكم القبيلة مقدَّماً على حكم الله تعالى، وعمَّ الظلم باسم الدين، وحُرِّفت شرعة سيّد المرسلين؛ وعليه قام الإمام الحسين عليه السلام لإبطال ذلك المشروع الأُمويّ حتّى استُشهد.

* في عاشوراء صدرت عدّة صيحات من جيش عمر بن سعد في مواجهة سيّد الشهداء عليه السلام، كقولهم: «إنّما نقاتلك بغضاً منّا لأبيك»، ما هو مدلول هذه العبارة وأمثالها؟

إنّ تلك الصيحات كانت بلا شكّ تتناغم مع فكر الدولة، فأصحابها إنّما أرادوا التزلّف والتقرّب بذلك إلى السلطة؛ لنيل فُتات موائدها، ولَعْق فاضل طعامها، حالهم في ذلك حال أمير الجيش عمر بن سعد، الذي فَقَدَ حتى شرفه العسكريّ، وشخصيّته القياديّة، وأصبح كالسوقة العبيد حين رمى أوّل سهمٍ تجاه معسكر الإمام الحسين عليه السلام، وقال: «اشهدوا لي عند الأمير، أنّي أوّل مَن رمى». وكذا قوله:« يا حسين، إنّك لن تذوق من الفرات قطرة حتّى تموت أو تنزل على حكم الأمير».

فكلّ أولئك إنّما كان دافعهم التملّق والتقرّب للسلطة، حبّاً لحطام الدنيا ومتاعها الفاني، لا حبّاً لتلك السلطة؛ ظنّاً منهم أنّ السلطة تُشبع ذلك الهوى والهوس. ومنه نرى أنّ الشريعة الغرّاء قد نهت عن الركون إلى الظلمة وأتباعهم، والاشتراك معهم في ظلمهم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ هود:113.

* هل التيّارات التكفيرية التي نراها في هذا العصر هي امتداد لفكر قتلة الإمام الحسين عليه السلام، والفكر الأمويّ عموماً؟

يمكننا أن نشخّص، بوضوح، ثلاثة تيّارات على الساحة الإسلاميّة في حاضرنا المعاصر:

الأوّل: التيار التكفيري الذي يُعدّ امتداداً لتيار بني أُميّة، والذي تمثّل الوهابيّة مصداقَه الواضح، فالوهابيّة اليوم مهيمنة على الكثير من بقاع العالم الإسلاميّ، وبيدها زمام الأُمور في بعض تلك البلدان، وإعلامها هو السائد في أغلب الأحيان.

الثاني: أتباع أهل البيت عليهم السلام، الذين يمثّلون الاعتدال والوسطيّة والابتعاد عن التطرّف والإرهاب، تبَعاً لأهل البيت عليهم السلام، ولا بُدّ لهذا التيار أن يكشف زيف التيار الأوّل؛ لأنّ التيار الأوّل يدّعي أنّه هو الإسلام الأصيل، كما ادّعى بنو أُميّة ذلك في صدر الإسلام.

الثالث: التيار الحياديّ، وهذا التيار يعتبر الحياديّة نوع شجاعة ودهاء؛ لأنّه استطاع أن يحفظ أتباعه ويجعلهم محايدين قبال الوهابيّة، التي تسلّطت بفعل عوامل خارجيّة وداخليّة على زمام الأُمور، وتناسى أنّ الدفاع عن وجود الإسلام وأصله لا حياديّة فيه.

فنفس هذه الخطوط وهذه الفئات التي كانت في زمن أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام هي موجودة الآن، وتبقى إلى ظهور الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف .

* لماذا يحاول تيار بني أُميّة الحديث، أن يُعيد ذلك التاريخ المظلم بكلّ ما فيه من بطش؟

الوهابيّون لم يُعيدوا تاريخ بني أُميّة، بل هم يعيشون ذلك التاريخ؛ لأنّ أساس حركتهم قائمة عليه، إذ إنّ حركتهم قامت زمن الإنكليز، وبدعم خاصٍّ منهم، على أساس إحياء ذلك التيّار؛ لأنّه يخدم مصالحهم ومصالح الإنكليز تماماً، لذا قامت حركتهم على أساس تكفير العثمانيّين وكلّ المسلمين، واتّهامهم بأنّهم عبّاد قبور، وأنّهم مشركون يجب قتالهم، وأنّ بني أُميّة هم وجه الإسلام الناصع الذي يجب أن يبرَّز، فهُم - أي الإنكليز وآل سعود - أحيوا خطّ بني أُميّة، وصنعوا لهم دولة في حاضرنا الراهن، خدمةً لمصالح هذين الطرفين؛ لذا يُفتي مفتيّهم أنّ «أمير المؤمنين» يزيد مظلوم، والإمام الحسين عليه السلام خارجٌ عليه – والعياذ بالله تعالى - وطبعوا كتاباً في السعوديّة بعنوان (أمير المؤمنين المظلوم يزيد بن معاوية)، فالذي ظلمه كما يدّعون هو الحسين عليه السلام، وهذا تبنٍّ للفكر الانحرافيّ المقيت.

* وما هو منشأ هذا الانحراف الفكري المقيت؟

هذا الانحراف الفكريّ، هو ضربٌ من التطرّف الذي ينتج عن أفكار خاطئة، وهو بهذا المعنى ظاهرة قديمة بقِدم التاريخ والإنسان، ودافعُه الأساس هو «اتّباع هوى النفس».

وللإجابة الدقيقة عن هذا السؤال نقول: هناك طبيعة في الإنسان - غير المنضبط بعقيدة صحيحة - هي حبّه لذاته، وتقديمه هواه على كلّ شيء، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم، بقوله تعالى: ﴿..وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ الكهف:28، فاتّباع الإنسان هَواهُ هو أساسُ التطرّف المنحرف ومنشؤه، وهو لا يقف عند حدّ معيّن؛ لذا فالإنسان المصاب بهذا الداء سيكون مفرطاً لا محالة، فيتطرّف في الحبّ والبغض.

وكمثال على ذلك ما ورد في قصّة ابنَي آدم عليه السلام، فإنّ قابيل قتل أخاه هابيل اتِّباعاً لهوى نفسه؛ إذ كما هو معلوم، إنّ آدم عليه السلام أوصى لولده هابيل، فحسد قابيل أخاه، واتّبع هوى نفسه الأمّارة بالسوء، فكان ما كان.

أمّا في الإسلام، فقد بدأ الانحراف بـ«رئيس الخوارج» ذي الثُّدَيَّة «حرقوص بن زهير البجليّ». وقد نقل لنا التاريخ أنّ حرقوصاً هذا جاء يوماً فوقف على رأس النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال له: «يا محمّد اعدل، فإنّك لم تعدل. فقال له صلّى الله عليه وآله وسلّم : وَيْحَكَ، فَمَن يَعْدِلُ إِذا لَمْ أَعْدِلْ؟!».

وقد نُقِل أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان جالساً يوماً في المسجد مع بعض الصحابة، وإذا بـ«حرقوص بن زهير» هذا، دخل إلى المسجد، فلم يُسلِّم، وذهب للصلاة، فنزل الوحي على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال لأصحابه: «نَادُوه». ثمّ قال له صلّى الله عليه وآله وسلّم : «أَنْشُدُكَ اللهَ، هَلْ قُلْتَ حينَ وَقَفْتَ عَلى المَجْلِسِ: ما في القَوْمِ أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنّي، أَوْ خَيْرٌ مِنّي؟ قال: اللّهمّ نعم!». وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا بقوله عزّ وجلّ: ﴿..إِن في صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ.. ﴾ غافر:56.

فهذه حالة من الإفراط، بأن يرى الإنسان نفسه متديّناً ومنصفاً وعادلاً أكثر من النبيّ الذي آمن به، وهذه الحالة تنشأ من حبِّ تحقيق الذات ولو بالباطل، ومن حبِّ الإنسان لنفسه بحيث يرى أن لا أحد في الوجود أفضل منه، وهذه النزعة موجودة عند الوهّابيّين في عصرنا الحاضر، بعضهم يصرّح بها، وبعضهم يكتمها في نفسه، ولكنّها تظهر في تصرّفاته وطيّات لسانه.

* هل يُعتبر حرمان أهل البيت عليهم السلام من حقّهم الطبيعيّ في إدارة شؤون المجتمع الإسلاميّ عاملاً أساسيّاً لتفشّي هذه الظاهرة؟

نعم؛ إذ نعتقد أنّ قضيّة الانحراف في العالم الإسلاميّ بدأت منذ أن أُبعِد أهل البيت عليهم السلام، وأُتي بآخرين بحُجج مختلفة، حينئذ بدأ التجاوز والاعتداء على حقوق الإنسان؛ إذ نقرأ أنّ أنظمة الخلافة لم تحترمْ الإنسان المسلم أبداً، فكانت البيعة في بداية نشوء تلك الدول تحت ظلال السيوف، و«البَيعة بالسيف» تطرّف لا مَحالة.

ولذلك أكّد الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم في حجّة الوداع ذلك المعنى أيّما تأكيد، فقد ورد عنه قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا. ثمّ قال: أيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟

قالوا: هذا اليوم.

قال: فَأَيُّ شَهْرٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟

قالوا: هذا الشهر.

قال: فَأَيُّ بلدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟

قالوا: هذا البلد.

قال: فإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هذا إلى يَوْمِ تَلْقَوْنَهُ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟

قالوا: نعم.

قال: اللَّهُمَّ اشْهَدْ».

ثمَّ يؤكّد صلّى الله عليه وآله مفهومَ الحُرمة فيقول: «وَيلَكُم [ويحَكم] اُنْظُروا، لا تَرْجِعوا بَعْدي كُفّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ»؛ أي: لا تتعدّوا هذه الحرمة. فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أخذ البيعة من الناس على أن لا ينازعوا الأمرَ أهله، إلّا أنّ الأمر صار خلاف ذلك؛ إذ أغلب القوم لم يحفظوا تلك الوصيّة، فتجاوزوا على ذلك الحقّ الذي أشار إليه النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومن حينها أصبح للإرهاب أرضيّة مناسبة.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

28/10/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات