الرّوضة الحيدريّة المقدّسة

الرّوضة الحيدريّة المقدّسة

27/07/2011

ظَهْرُ الكُوفَة موطنُ الأنبياءِ والأوصياء

إعداد: أكرم الحسيني

عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام: «أوّل بُقعةٍ عُبِدَ الله عليها ظَهْرُ الكوفة، لمّا أمرَ اللهُ الملائكةَ أن يسجُدوا لآدم، سَجَدوا على ظهر الكوفة».
ونَظَرَ عليه السلام، يوماً إلى ظَهر الكوفة وقال: «ما أَحسنَ منظرَك وأَطيبَ قَعْرَك، أللَّهمَّ اجعْل قبري بها».
في هذا التّحقيق طرَفٌ من تاريخ المقام المقدّس، وعمارته وسائر العناوين المتّصلة به.




دُفِن في ظَهر الكوفة عددٌ كبيرٌ من أنبياء الله تعالى، في مقدِّمهم آدم ونوح، و هودٌ وصالح،  عليهم السلام، وهذا هو صريحُ ما وردَ في بعض زيارات الأمير صلوات الله عليه: «السّلام عليك وعلى ضَجيعَيكَ آدم ونوح، وجارَيك هودٍ وصالح».
وتزخر كُتب الحديث بالرّوايات الدّالة على قداسة هذه البقعة، وأنّها كانت مقرّاً أو ممرّاً لمُعظم أنبياء الله تعالى، فَهِيَ -كما في روايةٍ عن الإمام الصادق عليه السلام- قطعةٌ من الجبل الذي كلَّم اللهُ تعالى عليه موسى تكليماً، وقَدَّس عليه عيسى تقديساً، وفيها قبر ثلاثمائة وسبعين نبيّاً، وستّمائة وصيٍّ، وقبر سيّد الأوصياء.
وفي الرّوايات أنّ ظَهر الكوفة هو المَوْضع الذي استقرّت به سفينة النبيّ نوح عليه السلام بعد الطّوفان، أو «ضرَبتْ بجُؤجُئها الجبلَ»[الجؤجؤ: بضمّ المعجمَتَين، من السفينة والطير صدرُهما] ، وفي تفسير هذه الرّواية، أنّ المُراد بالجبل ما قرُب من الكوفة. يؤيّد ذلك -فضلاً عن نصوص الرّوايات والأبحاث العلميّة المؤكِّدة على صحّة هذا القول- ما في المعاجم حول كلمة «النَّجَف» التي هي من أسماء ظَهر الكوفة، وأشهرُها وأكثرُها تداولاً في العصور اللّاحقة. قالوا: «النَّجَف: مكانٌ لا يعلوه ماء ".." التّلُّ أو شِبهُ التّلّ».
ومن المتسالَم عليه أنّ النبيّ نوح عليه السلام، بنى سفينتَه في الكوفة، في مكان المسجد المعروف باسمها اليوم، وفيه التّنّور الذي ورد ذِكرُه في القرآن الكريم.
ومن سائر أسماء ظَهر الكوفة المتداولة: الغَرِيّ: وهو الحَسَنُ من كلِّ شيء، والغريّان بناءان لبعض المناذرة بظهر الكوفة، اشتُهرا برَوعةِ بنائهما.
ومن الأخبار الدّالة على قداسة هذه البقعة، وعظيم كرامتها عند الله تعالى ما رُوِيَ عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ إبراهيم عليه السلام مرّ ببَانِقْيا فكان يُزلزَل بها، فباتَ بها، فأصبحَ القومُ ولم يُزَلزَل بهم، فقالوا: ما هذا وليس حدث؟ قالوا: هَهنا شيخٌ ومعه غلامٌ له،  فأَتَوه فقالوا له: يا هذا إنّه كان يُزَلزَل بنا كلّ ليلة، ولم يُزَلزَل بنا هذه اللّيلة فَبِتْ عندنا، فباتَ فلم يُزَلزَل بهم، فقالوا: أَقِم عندنا ونحن نُجري عليك ما أَحبَبْت، قال: لا ولكن تبيعوني هذا الظَّهر ولا يُزَلزل بكم، قالوا: فهو لك، قال: لا آخذه إلَّا بالشّرى، قالوا: فَخُذه بما شِئتَ، فاشتراه بِسَبع نعاج وأربعة أحمرة، فلذلك سُمِّي بانقيا لأنّ النعاج بالنَّبطيَة نقيا، فقال له غلامه: يا خليل الرَّحمن، ما تَصنع بهذا الظَّهر ليس فيه زَرْع ولا ضَرْع؟ فقال له: أُسكت، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يَحشر من هذا الظَّهر سبعين ألفاً يدخلون الجنّة بغير حساب، يَشفع الرَّجل منهم لكذا وكذا».
وفي (تاج العروس) للزّبيدي: « بانِقْيَا: بالكُوفَةِ على شاطِىءِ الفُرات..».

أَشْهَرُ المَعالِم

مِن أبرز معالم ظهر الكوفة بعد مقام أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب عليه السلام ومقامات الأنبياء بجواره: مسجدا الكوفة والسَّهلة، ومقبرة وادي السّلام، والأحاديث في فضلها كثيرة، من ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليٍّ عليه السلام: «أنتَ أخي، وميعادُ ما بيني وبينك وادي السَّلام». وعن الإمام الصادق عليه السلام: «.. أما إنّه لا يبقى مؤمنٌ في شرق الأرض وغربها إلَّا حشر الله روحَه إلى وادي السَّلام، فقيل له: وأين وادي السلام ؟ قال: ظَهر الكوفة».
وتُعَدّ «وادي السّلام» من أكبر مقابر العالم، وأقدمِها على الإطلاق، فتاريخُها يعود إلى أكثر من ألف سنة، وتبلغ مساحتها نحو 13% من مساحة محافظة النَّجَف الأشرف، أي ما يزيد على 28 كلم مربّع، وفق بعض المسوحات.

مقامُ أميرِ المؤمنين: الرّوضة الحيدريَّة

في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، سنة أربعين للهجرة، كانت شهادة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام في داره بالكوفة عاصمةِ خلافته، وقد تولّى تجهيزه ودفنه والصّلاة عليه، إبنُه الإمام الحسن المجتبى، أعانه في ذلك أخوه الإمام الحسين عليهما السلام، ولم يُشارك في تشييعه ودفنه الذي جرى ليلاً وسرّاً بِوَصيّة من الأمير عليه السّلام، سوى نفرٍ من أهل بيته وخواصِّ أصحابه.
ورُوِي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أَمَر ابنه الإمام الحسن عليه السلام أن يَحفر له أربعة  قبور في أربعة مواضع: في المسجد، وفي الرَّحبة، وفي الغَريّ، وفي دار جُعدة بن هبيرة، وإنَّما أراد بهذا أن لا يَعلم أحدٌ من أعدائه مَوْضع قبره. فظلَّ مَوْضعُ القبر سرّاً مكتوماً لا يَعرفه إلَّا أهلُ البيت، وخواصُّ شيعتهم في العصر الأموي، ويُقال: إنّ الحجاجَ الثّقفي حَفَر ثلاثة آلاف قبر في النّجف طلباً لجُثمان أمير المؤمنين عليه السلام فلم يُفلِح.
وفي رواية، تحديدُ مكان القبر الشّريف هكذا: «في ظَهر الكوفة قريباً من النَّجف، يُسرَةً من الغَريّ، يمنةً عن الحيرة، بين ذَكَوَاتٍ بِيض». والذَّكَوَاتُ البِيض أربعُ تلالٍ تبدو في الشّمس بيضاء، ومواضِعُها معروفةٌ حوالي القبر حتىّ الآن.
هذا، وقد اتّفقت الشِّيعة سَلَفاً وخَلَفاً نقلاً عن أئمَّتهم صلوات الله عليهم، أنّه عليه السّلام لم يُدفَن إلَّا في الغَرِيّ، في الموضع المعروف الآن، والأخبار في ذلك متواترة، وقد كتب السيّد ابن طاوس قدّس سرّه في ذلك كتاباً سمّاه (فرحةُ الغَريّ).


انكشافُ القبرِ الشّريف

بقي قبر أمير المؤمنين عليه السلام مخفيّاً، لا يَعرف مكانَه إلَّا خاصُّ الخاصِّ من الشِّيعة، حتّى زالت دولة الأمويّين، فحينئذٍ دَلَّ العلويُّون بعضَ الشِّيعة عليه، وصاروا يَتعاهدونه، وأصبح في معرض الظُّهور والخَفاء، يُثبته قوم ويَنفيه آخرون.
فلمَّا رأى داود بن عليّ الذي تولّى الكوفة لِعَمِّه السفّاح العباسيّ (ت 133 للهجرة/750م) إقبال النَّاس على مَوْضع القبر، أَمَرَ بنبشه لِيَستبين ما فيه، لكنّ القيِّمَ على النّبشِ هلكَ بُعيد مباشرتِه العمل، فتراجع داودُ والي الكوفة عن نيّته.
وفي فترةٍ لاحقة حاول المنصور العباسيّ (ت 158 للهجرة/775م) نَبْش القبر من غير أن يتمّ له ذلك.
وكان الإمام جعفر الصادق عليه السلام قد أكَّد مَوْضع القبر الشَّريف، لكنّ تأرجُحَ مَوقف العباسيِّين من الشّيعة حال دون الإفصاح عنه حتّى زمن هارون العبّاسي (ت 193 للهجرة/809م)، في قصَّةٍ معروفة جَرَت له وهو يَتَصَيَّد على مقربةٍ منه، حيثُ رأى الظِّباء تَحْتَمي بالأَكَمة التي فيها القبر، فلا تَقتحم كلاب الصَّيْد وطيور الباز إليها، الأمر الذي أَثار عَجَبَه فسأل أحد شُيوخ الكوفة عن ذلك، فأخبره أنَّها تَلوذ بِقبر عليٍّ عليه السلام.
لكن، وعلى الرّغم من انكشاف القبر الشريف بعد هذه الحادثة، بَقِي المسلمون يزورونه سرّاً خشيةً من بطش العبّاسيّين الذي بلغ ذروته مع المتوكّل العبّاسي (ت 247 للهجرة/861م)، حيث أمرَ بهدمِ البناء المتواضع المُكوَّن من بضعة أحجارٍ مرصوفةٍ حول القبر الشّريف، وحاولَ إعفاءَ موضعِه، فضلاً عن هدمه لِمَشهد الإمام الحسين عليه السلام بكربلاء، وقتلْه لزُوّاره، أو تقطيعه أيدي وأرجُل قاصدي حرم سيّد الشهداء عليه السلام.



بناء المشهد العلويّ على مرّ العصور

البناء الأوّل: أوّلُ بناءٍ للمشهد العلويّ المقدّس كان بمبادرةٍ من يحيى بن عمر، من أحفاد زيد بن عليٍّ الشّهيد، ثار على العبّاسيّين فقُتِل وحُمل رأسه إلى المستعين العبّاسي سنة 250 للهجرة.

البناء الثاني: بعد ذلك جَدَّد بناءه محمّد بن زيد بن إسماعيل العلوي الحسني (ت287 للهجرة/900م)، فَبَنَى على القبر الشريف قبّةً وحائطاً فيه سبعون طاقاً. وقد ذكر الإمام الصادق هذا البناء قبل وقوعه، عند زيارته لمرقد جدّه أمير المؤمنين عليهما السلام: «لا تمرُّ اللّيالي والأيّام حتّى يَبعث اللهُ رجلاً ".." يبني عليه حصناً فيه سبعون طاقاً»، كما ذكر هذه العِمارة إبن أبي الحديد في شرحه على (نهج البلاغة).

البناء الثالث: في العام 293 للهجرة أَدخل أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان -والد سيف الدولة الحمداني- بعض التَّجديدات على البناء، وقدّمَ السُّتور الفاخرة إلى المرقد الشَّريف، وفَرَشَه بالحُصُر الثَّمينة.

البناء الرابع: عندما مَلَك عضد الدولة البويهي (ت 372 للهجرة/983م) فارس، ثمَّ المُوصل وبلاد الجزيرة، جَدَّد المشهد الشريف بالكامل، وأتى بما يُحتاج إليه من مُختلَف الأقطار، وبقي الحُكَّام والأُمراء والوزراء البويهيُّون يُحسِّنون المَقام، وكذلك فعل بعض العباسيِّين الذين تَشَيَّعوا أو عرفوا عَظَمة أمير المؤمنين عليه السلام.

البناء الخامس: تمّ تجديد عمارة المشهد الشريف سنة 760 للهجرة. وقُبيل هذا التجديد، مرّ الرّحالة ابن بطوطة بمدينة النّجف، فَأَسهبَ في وصف الرّوضة العلويّة، وممّا قاله: «مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنجف، وهي مدينة حسنة في أرض فسيحة صلبة، من أحسن مُدن العراق وأكثرها ناساً وأتقنِها بناءً، ولها أسواقٌ حسنةٌ نظيفة ".." ثمّ الحضرة حيث القبر، وبإزائه المدارس والزّوايا والخوانق معمورة أحسنَ عمارة، وحيطانُها بالقاشاني، وهو شبه الزليج عندنا لكنّ لونه أشرق ونقشُه أحسن».

البناء السادس: في مطلع القرن الهجري الحادي عشر، عمدَ الشَّاه عبّاس الصّفوي الأوّل إلى المقام الشّريف، فأَصلح عمارته القديمة، وعَمَّرَ الرَّوضة والقبَّة والصَّحن الشَّريف تحت إشراف الشيخ البهائي العاملي، الذي ألّف رسالةً في عمارة المشهد ووَضْعه الهندسي.
ومن بديع صُنعِ الشيخ البهائي قدّس سرّه في عمارة الرّوضة العلويّة:
1- كوّةٌ في القبّة التي تعلو الضريح، يدخل عبرها الهواء ونور الشّمس، دون المطر.
2- أنّ الشَّمس كلَّما طلعت، فإنّها تُشرق على الضَّريح المُقدَّس مباشرةً صيفاً وشتاءً.
3- صمّم شكل البناء بحيثُ يُعرف وقتُ الزّوال صيفاً وشتاءً متى بلغ الظلّ موضعاً بعينه.

البناء السابع: جَدَّد المقام الشَّاه صفيِّ الصَّفوي، حفيد الشَّاه عبّاس الأوَّل، فَوَسَّع الصحن الشريف وَوَسَّع ساحة الحَرَم العَلَوي، وأتمَّها ولدُه الشَّاه عبّاس الثاني بعد وفاة أبيه سنة 1052 للهجرة.


إجمال وَصْف المشهد قبل التوسعة المعاصرة

يقع مقام الأمير عليه السلام وسط مدينة النَّجف القديمة، وتحديداً بين أربع أحياء هي: المشراق، والبراق، والحْويش، والعمارة.
وتتوسّط المقامَ الرّوضةُ المقدّسة حيث القبر الشريف، وقد وُضِع عليه صندوق من الخشب السَّاج المُطعَّم بالذهب والعاج، منقوشٌ عليه وعلى جوانبه سُوَر الدّهر، والقدر، والأعلى، والنبأ، والعاديات، وآية ﴿إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم..﴾ الفتح:10 وغيرها، إضافةً إلى خطبة الرسول صلّى الله عليه وآله في حجّة الوداع.
وفي سنة 1361 للهجرة، استُبدِلت مقصورة الحديد التي فوق الصُّندوق الخشب بأُخرى تُعتَبر آية من آيات فنّ صناعة الذَّهَب والفضَّة، وعلى هذه المقصورة كتابات قرآنيّة وأبيات شعريّة من قصيدة إبن أبي الحديد: «يا برقُ إنْ جئتَ الغريّ..» وأبيات لشعراء آخرين.
وتعلو القبر الشريف قبّتان: داخليّة وخارجيّة، وهذه الأخيرة كانت مُغشّاة بالبلاط القاشاني -وكذلك المِئذنتان والإيوان وسائر الصَّحن الشَّريف- إلى أن جاء السُّلطان نادر شاه لزيارة النَّجف سنة 1156 للهجرة، فأَمر بِقَلع القاشاني عن القبّة والإيوان والمِئذنتَين واستبداله بصفائح الذَّهَب.

أبواب الرَّوضة المُطهَّرة

لِلرَّوضة المُطهَّرة ستّة أبواب تُطِلُّ على الرّواق المُحيط بها، اثنان من جهة الغرب لا يُفضيان إلى الرّواق لأنَّ خلفهما شبّاك من الفضَّة، واثنان من جهة الشرق يؤدِّيان إلى الرّواق في مقابل باب الإيوان الذهبي، واثنان من جهة الشّمال يؤدِّيان إلى الرّواق أيضاً.



الإيوان الذَّهبي الكبير

من جهة الشرق يقع الإيوان الذَّهبي الكبير، وفي رُكنَيْه المِئذنتان الذَّهبيّتان بارتفاع 35 متراً، ودُوِّنَ في أعلاه تاريخ تذهيب القبّة والمئذنتَين والإيوان بأمر السلطان نادر شاه، وقد دُفن في هذا الإيوان كثير من العُلماء والأعيان.
وأمام هذا الإيوان رَحْبة كبيرة ترتفع عن أرض الصَّحن قدر متر، ويبلغ طولها 33 متراً، وعرضها 20 متراً.
وقد تمّت مؤخَراً -بعد سقوط الطّاغية صدام- توسعة هذا الإيوان، كما تمَت توسعة الجهة المقابلة له وهي جهة ما وراء الرأس الشريف، عسى أن نُوَفَّق لتحقيق مستقلّ، عن توسعة الحرم، وعن أحياء مدينةِ النّجف، وخصوصاً بعض الأحياء التي كان الطّاغية صدام قد أزالها.

الصَّحن الشَّريف

يُحيط بهذا المشهد الشَّريف سُور مربَّع الشَّكل تقريباً، يبلغ ارتفاعُه سبعة عشر متراً، وهو مؤلَّف من طابقَين؛ فيهما حجرات كانت تُستخدَم كَفصول دراسيّة ومساكن لِطَلَبة العلوم الدينيّة، بالإضافة إلى المكاتب الإداريّة، وسائر المرافق الخاصّة بالعتبة العلويّة كالمكتبة وخزانة التُّحف وغير ذلك.
تجدر الإشارة هنا إلى «المدرسة العلويّة» التي كانت قائمةً داخل الصحن الشريف، وهي التي زارها إبن بطوطة سنة 727 للهجرة وذكرَها بقوله: «ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطَلَبة والصوفيّة من الشِّيعة، ولكلّ وارد عليها ضيافة ثلاثة أيّام من الخبز واللّحم والتّمر، ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبّة...».
 


أبواب المشهَد

في السُّور المُحيط بالصَّحن خمسة أبواب:
الأوّل: الباب الكبير في الجهة الشرقيّة من السُّور مقابل السُّوق الكبير، وفوق هذا الباب توجد الساعة التي أَمر بإرسالها من إيران الوزير أمين السَّلطنة سنة 1305 للهجرة، وقد زُخرفت السَّاعة من أربع جوانبها، وكذا القبّة التي تعلوها، ببلاطات من الذَّهَب الخالِص، في سنة 1323 للهجرة.
الباب الثَّاني: إلى يمين الباب الكبير، ويُسمّى باب مسلم بن عقيل.
الباب الثَّالث: المعروف بباب الطُّوسي، لأنّ الخارِج منه يَنتهي إلى مسجد الشيخ الطُّوسي الذي كان بيتَه ودُفن فيه.
الباب الرَّابع: باب القِبلة الذي جُدِّدَ بناؤه عدّة مرّات، وهو أصغر الأبواب الرئيسة.
الباب الخامس: باب الفَرَج، سُمِّي بذلك لأنّه ينتهي إلى مقام الحُجَّة عجّل الله تعالى فرجه.
وعلى سائر الأبواب كتاباتٌ جميلة وتواريخ تجديد بنائها، وفيها مَدْحٌ لسيِّد الأوصياء عليه السلام، ونُقوشٌ جميلة بالقاشاني. وأخيراً، في الجهة الشماليّة من السُّور الخارجي يوجد إيوان العلماء، لأنَّ كثيراً من العلماء مدفونون فيه، كما يأتي.


مكتبة الرَّوضة الحيدريَّة المُطهَّرة

تقع مكتبة الرَّوضة الحيدريَّة في صحن مقام أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت تُسمَّى الخزانة العلويّة. يعود تاريخ إنشائها إلى أيّام عَضُد الدَّولة البويهي الذي اهتمَّ بِجَمْع المخطوطات النَّادرة والثَّمينة. وكانت هذه الخزانة مَوْضِع اهتمام الملوك والأمراء وأعيان الشِّيعة، وقد نالت شهرة علميّة واسعة في منتصف القرن الخامس الهجري، عندما أخذ طُلَّاب العِلم من مختلف البلدان يَقصدون النَّجف الأشرف، بعد أنّ أسّس شيخ الطائفة الطُّوسي قدّس سرّه أوّل مدرسة علميّة دينيّة فيها.
ومن جملة محتوياتها التي فُقِدت: مصحفٌ في ثلاثة مجلَّدات يُقال إنّه بخطّ الأمير عليه السلام، مكتوب على رقٍّ بِخَطٍّ كوفيّ، وكُتِبَ في آخره: تَمَّ سنة 40 للهجرة.
في سنة 760 للهجرة، خضعت الخزانة العلويّة لإعادة تأسيسٍ شاملة، أشرف عليها فخر المحقّقين أبو طالب محمّد بن الحسن الحلّي (إبن العلّامة الحلّي)، وخلال خمس سنوات زَخَرَت المكتبة من جديد بالكُتُب الثمينة والنَّادرة، وكان طُلَّاب العلوم الدِّينيَّة يتركون فيها -عندما يعودون إلى أوطانهم- ما حَمَلوه من نفائس كُتُبهم، وما ألَّفوه من رسائل.
وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري، تَعرَّضت هذه المكتبة العظيمة للسَّرقة والإهمال فَفَقَدَت مكانتها، ولا يَتجاوز اليوم ما فيها من الكُتُب المئات، حُفِظت في خزانة لا تُفتَح إلَّا لكبار الزائرين.
وممَّن ذَكَر هذه الخزانة السيّد عليّ بن طاوس في (الطرائف)، والعلّامة المجلسي في (البحار)، والشيخ عليّ حفيد الشهيد الثاني في (الدُّرِّ النَّضيد)، والسيّد عبد اللّطيف الشوشتري في (تحفة العالم)، والسيّد محسن أمين العاملي الذي أتى على ذكر محتوياتها في غير موضِعٍ من (أعيان الشيعة)، وكذلك الشيخ آغا بزرك الطهراني في (الذريعة)، حيث أعدّ فهرساً بمحتوياتها.

خزانة التُّحَف والهدايا

تُوجد في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام مجموعة من التُّحَف القيِّمة التي تَشرَّف بتقديمها إليه عبر العُصور عددٌ كبيرٌ من الملوك والسلاطين والأعيان.
ويَرجع تاريخ أقدم هذه الهدايا إلى القَرن الرَّابع الهجري، أي من عهد البُوَيْهيِّين، وتَوالت الهدايا على المَشهد في سلسلة مُتَّصلة، ويوجد العدد الأكبر من هذه المُخلَّفات في خزانة مبنيَّة في جدار الرَّوضة الحيدريّة في الرّواق الجنوبي من الحَرَم الشَّريف، ويبلغ عددها (2020) تحفة، أهمُّها المَصاحف المَخطوطة الأثريّة، التي يرجع أقدمها إلى القرن الأوّل الهجري، (550) مصحفاً، وهي تبدأ من القرن الأوّل حتّى الرابع عشر للهجرة، في سلسلة تكاد تكون متَّصلة. وهناك تُحَف معدنيّة وزجاجيّة وخشبيّة، ومنسوجات، وأصناف من السجَّاد الذي لا نظير له في العالم، ويُحاك بِنِيّة إهدائه إلى الرّوضة المقدّسة.

أشهَر العلماء المدفونين في النَّجف

 شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطُّوسي، والمقدَّس الأردبيلي أحمد بن محمّد، والشيخ أحمد الجزائري، والآقا محمّد محمّد باقر الهزارجريبي، وولده الفقيه الآقا محمّد علي، والسيّد حسن الجزائري، والسيّد محمّد مهدي بحر العلوم، والشيخ مرتضى الأنصاري، والآخوند ملا محمّد كاظم الخراساني، والعلّامة الحلّي، والميرزا النائيني، والسيّد أبو الحسن الأصفهاني، والسيّد محمّد سعيد الحبوبي، وشيخ الشريعة، والشيخ ضياء الدّين العراقي، والمولى علي نقي الكمرئي، والشيخ أحمد النّراقي، وغير هؤلاء من كبار العلماء الأعلام، لا مجال لذكرهم كلّهم.

اخبار مرتبطة

  الوثيقة الحَسَنيَّة الخالدة

الوثيقة الحَسَنيَّة الخالدة

  دوريات

دوريات

28/07/2011

نفحات