صاحب الأمر

صاحب الأمر

27/01/2017

الوجود المبارك للإمام الثاني عشر


الوجود المبارك للإمام الثاني عشر

حقيقة ربّانية يؤيّدها الواقع التاريخي

ـــــــــــــــــــ الشهيد السيّد محمد باقر الصدر قدّس سرّه ـــــــــــــــــــ

 

«هل تكفي بضع روايات تنقَل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، للاقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر صلوات الله عليه، على الرغم ممّا في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف؟

بل كيف يمكن أن نثبت أنّ للمهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجوداً تاريخياً حقّاً، وليس مجرد افتراض توفّرت ظروف نفسية لتثبيته في نفوس عدد كبير من الناس؟».

سؤال طرحه الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قدّس سرّه وأجاب عنه في كتابه (بحث حول المهديّ عليه السلام)، مستنداً إلى الدليلَين الإسلامي والتاريخي.

 

 

إنّ فكرة المهديّ عليه السلام بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله عموماً، وفي روايات أئمّة أهل البيت عليهم السلام خصوصاً، وأُكّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشكّ، وقد أُحصيَ أربعمائة حديث عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، من طُرق إخواننا أهل السنّة، كما أُحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهديّ عليه السلام من طُرق الشيعة والسنّة فكان أكثر من ستة آلاف رواية، وهذا رقم إحصائي كبير، لا يتوفّر نظيرُه في كثيرٍ من قضايا الإسلام البديهية، التي لا يشكّ فيها المسلم عادةً.

وهذه الروايات تدلّ على تعيين المهديّ عليه السلام وكونه من أهل البيت عليهم السلام ومن وُلد فاطمة عليها السلام ومن ذرّية الحسين، وأنّه التاسع من وُلده عليه السلام، وأنّ الخلفاء اثنا عشر.

وتحدّد هذه الروايات تلك الفكرة العامّة وتشخيصها في الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت، وهي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار على الرغم من تحفّظ الأئمّة عليهم السلام، واحتياطهم في طرح ذلك على المستوى العام، وقايةً للخلَف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع على حياته.

حديث «الخلفاء بعدي اثنا عشر»

ليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحّتها، فالحديث النبويّ الشريف عن الأئمّة أو الخلفاء أو الأمراء بعده، وأنّهم اثنا عشر إماماً أو خليفة أو أميراً، على اختلاف متن الحديث في طُرقه المختلفة، قد أحصى بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مائتين وسبعين رواية مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنّة، بما في ذلك البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو داود، ومسند أحمد، ومستدرك الحاكم على الصحيحين.

ويلاحظ هنا أنّ البخاري الذي نقل هذا الحديث، كان معاصراً للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكريّ عليهم السلام وفي ذلك مغزىً كبير، لأنّه يبرهن على أنّ هذا الحديث قد سُجّل عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، قبل أن يتحقّق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمّة الاثني عشر فعلاً، وهذا يعني أنّه لا يوجد أيّ مجال للشكّ في أن يكون نقلُ الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاساً له، لأنّ الأحاديث المزيّفة التي تُنسب إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله، وهي انعكاسات أو تبريرات لواقعٍ متأخّر زمنياً، لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكّل انعكاساً له.

فما دمنا قد ملكنا الدليل الماديّ على أن الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمّة الاثني عشر، وضُبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أن نتأكد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع، وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن الهوى، فقال: «إنّ الخلفاءَ بَعدي اثنا عشَر».

وجاء الواقع الإمامي الاثنا عشريّ ابتداءً من أمير المؤمنين الإمام عليّ وانتهاءً بالمهديّ عليهما السلام، ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبويّ الشريف.

 

 

الاستدلال بالغَيبة الصغرى

أمّا الدليل التاريخي، فهو يتكوّن من تجربة عاشتها أمّة من الناس فترة امتدّت سبعين سنة تقريباً، وهي فترة الغيبة الصغرى، حيث شغَل مركز النيابة عن الإمام في هذه الفترة أربعةٌ ممّن أجمعت تلك القواعد على تقواهم وورعهم ونزاهتهم، وقد مارس هؤلاء الأربعة مهامّ النيابة الخاصّة.

وكان النائب يتّصل بالشيعة ويحمل أسئلتهم إلى الإمام، ويعرض مشاكلهم عليه ويحمل إليهم أجوبته شفهيةً أحياناً، وتحريريةً في كثير من الأحيان، وقد وجدت الجماهير التي فقدت رؤية إمامها العزاء والسلوة في هذه المراسلات والاتصالات غير المباشرة، ولاحظت أنّ التوقيعات والرسائل كانت ترِد من الإمام المهديّ عليه السلام بخطٍّ واحدٍ، وسليقةٍ واحدة، طيلة نيابة النواب الأربعة.

وكان السُّمَّريّ آخرَ النوّاب؛ فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى التي تتميّز بنوّاب معيّنين، وابتداء الغيبة الكبرى التي لا يوجد فيها أشخاص معيّنون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة...

والآن بإمكانك أن تقدّر الموقف في ضوء ما تقدّم، لكي تدرك بوضوح أنّ المهديّ عليه السلام حقيقة عاشتها أمّة من الناس وعبّر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم مع الآخرين، ولم يلحظ عليهم أحدٍ كلّ هذه المدة تلاعباً في الكلام، أو تحايلاً في التصرّف، أو تهافتاً في النقل.

فهل تتصوّر أنّ بإمكان أكذوبة أن تعيش سبعين عاماً، ويمارسها أربعةٌ على سبيل الترتيب، كلّهم يتّفقون عليها ويظلّون يتعاملون على أساسها وكأنّها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم، من دون أن يبدر منهم أيّ شيء يثير الشكّ، ومن دون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميّزة تتيح لهم نحواً من التواطؤ، ويكسبون من خلال ما يتّصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع وإيمانهم بواقعية القضية التي يدّعون أنّهم يحسّونها ويعيشون معها؟!

منطق الحياة يثبت أنّ من المستحيل عملياً بحساب الاحتمالات أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل ولكلّ هذه المدة، وضمن كلّ تلك العلاقات والأخذ والعطاء، ثمّ تكسب ثقة جميع من حولها.

وهكذا نعرف أنّ ظاهرة الغيبة الصغرى يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة عمليّة لإثبات ما لها من واقع موضوعي، والتسليم بالإمام القائد؛ بولادته وحياته وغَيبته وإعلانه العامّ عن الغَيبة الكبرى.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

27/01/2017

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات