بسملة

بسملة

25/02/2017

من «معاوية» إلى «سلمان» آخرِ مَلِكٍ أُمويٍّ


المُلك العَضُوض

 من «معاوية» إلى «سلمان» آخرِ مَلِكٍ أُمويٍّ

بقلم: الشيخ حسين كوراني

لا تستقيمُ إعادةُ كتابةِ التاريخ الإسلاميّ، على نصاب العلميّة والموضوعيّة، ولا سبيل إلى تحقيق الوحدة الإسلاميّة، إلا إذا انطلق البحث من تحذير القرآن الكريم من «الشجرة الملعونة»، وتحذير النبيّ صلّى الله عليه وآله في ضوء ذلك من «المُلك العَضُوض».

(في تاج العروس للزّبيديّ): «وفي حَديث أَبي بَكْرٍ، "..": "وسَتَرَوْنَ بَعْدي مُلْكاً عَضُوضاً" أَيْ يُصِيبُ الرَّعِيَّةَ فيه عَسْفٌ وظُلْمٌ، كأَنَّهُم يُعَضُّونَ فيه عَضّاً. والعَضُوضُ من أَبْنِيَة المُبَالَغَة».

من «فقه تاريخ» المرحلة التي سبقتْ هذا التحذير الإلهيّ، أنّ قبيلة «قريش» التي كانت زعيمة الحجاز بلا منازع، قد رأت في «بعثة النبيّ» صلّى الله عليه وآله، سبباً في عزلها عن موقع هذه الزعامة، ونزع رداء سيادة شبه الجزيرة عنها وإلى الأبد.

حسمتْ «قريش» أمرها، وجرّدت كلّ جهودها لمنع انتشار خبر «البعثة»، وإذ لم تتمكّن من ذلك، ولا من منع هجرة النبيّ، قرّرت استئصال «الدعوة» بالقوّة العسكريّة، فشنّت غاراتها المتتالية على «المدينة المنوّرة»، وعندما باءتْ كلُّ حملاتها بالفشل، قرّرت اعتماد التخريب من الداخل بانتظار اللحظة المؤاتية لإعلان «الثورة المضادّة»، التي لم تكن إلّا «المُلك العَضوض».

***

«مَن دخلَ دارَ أبي سفيان، فهو آمِن»، كان نهاية عمل قريشٍ العسكريّ، وبدء مشروع التخريب من الداخل.

آلَ أمرُ كلّ الغارات العسكريّة إلى تكريس فشل «قريش». استقطبت انتصارات الإسلام القبائل العربيّة. تتالت الوفودُ إلى المدينة. فرض ميزان القوى المستجدّ على بقايا عُتاة قريش أن «يهاجروا» من «مكّة» ويسكنوا «المدينة» ليواصلوا حربهم بأسلوبٍ مختلف.

كانت قيادة قريش في «بني أميّة». قاد أبو سفيان أكثر حروب «قريش» ضد الدّعوة الجديدة. ماذا يُتوقّع أن تكون مهمّته في المدينة التي استقرّ فيها بعد فتح مكّة.

***

من أوضح سمات «المجتمع المدنيّ»، ضراوةُ حركةِ النفاق، وأنّ قيادات هذه الحركة الضارية هي نفس قيادات حروب قريش بالأمس. الفارق أنّ عتاة قريش الأمويّين ومَن يسير في ركابهم، كانوا قبل هجر «مكّة» مضطرّين للسفر إلى المدينة للتواصل مع اليهود وسائر حلفائهم من أهل المدينة. بات تواصلهم اليوم أيسر. كانت خليّة الأزمة تعمل ليلَ نهار بانتظار الفرصة لإطلاق «الثورة المضادّة».

في هذه المرحلة وفي «المدينة» تبلورت أبعاد التحالف الأمويّ - اليهوديّ. ما نشهده اليوم من تعابيره الصَّهيو - سعوديّة، هو من نتائج ذلك التحالف، وإفرازاته. عندما تسلّط معاوية على مقدّرات المسلمين، كان عمر هذا التحالف أكثر من ثلاثة عقود.

لا سبيلَ إلى فقهٍ سليمٍ لإصرار القرآن الكريم على استهداف حركة النفاق بشِقَّيها الأعرابيّ، واليهوديّ، إلا بالبناء على خطورة هذا التحالف، والحذر من امتداداته المستقبليّة التي يمثّل التحالف اليهو - سعوديّ اليوم آخرَ مصاديق مُلْكِها العَضُوض المعاصرة.

من «معاوية» إلى «سلمان»، خطٌّ أمويٌّ واحد، لا يخرمه مُلك العباسيّين العَضوض، ولا مُلك سلاطين العثمانيّين، فقد اعتمد العبّاسيّون والعثمانيّون نفس الأسس الأمويّة التي اعتُمدت لإنتاج «الإسلام الأمويّ»، الذي لا يُمكن التعرّف عليه بأيسر من التأمّل في الفكر الوهّابيّ وداعشيّته اليَهو - سعوديّة.

***

 تجلّى الإصرار القرآنيّ في التحذير من الأعراب الأشدّ كفراً ونفاقاً، ومن اليهود الذين هم مع هؤلاء الأعراب «أشدّ عداوة للذين آمنوا»، من خلال كثرة الآيات في كثيرٍ من السّوَر في بيان انحراف اليهود وتحريفهم، وتآمُرهم، وموالاة المشركين والمنافقين لهم، وصولاً إلى تخصيص القرآن الكريم له سورة كاملة هي سورة «المنافقون».

بلغ هذا التحذير المزدوج من خطر اليهود والأعراب المدى في الآية الستّين من سورة الإسراء: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾.

 من أبرز أسماء سورة «الإسراء»، سورة «بني إسرائيل» وتأتي هذه الآية الستّون قريباً من وسط السورة التي هي مائة وإحدى عشرة آية.

***

يأخذ البحث العلميّ المعمّق بأيدينا إلى حقيقة قرآنيّة إعجازيّة، مفادها أن الشجرة الملعونة هي بنو أميّة - المتحالفين مع اليهود - ويتّضح ذلك بجلاء بالرجوع إلى كُتب التفسير والحديث، حول هذه الآية - الستّين من سورة «بني إسرائيل» - وما رُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله حولها.

يكفي الباحث أن يستعمل مفتاح البحث: «والشجرة الملعونة»، أو «ينزون على منبره»، أو «خيرٌ من ألف شهر»، ليصل إلى أن هذه النتيجة مستفيضة، تنتهي إليها آراء كبار العلماء.

من هؤلاء العلماء على سبيل المثال:

 1) البيضاويّ في (تفسير الرّؤيا): «قيل: رأى قوماً من بني أميّة يرقَوْن منبره، ويَنْزُون عليه نَزْوَ القِرَدَة، فقال: هذا حظّهم من الدنيا يعطوْنه بإسلامهم، وعلى هذا، كان المراد بقوله: ﴿إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾، ما حدث في أيّامهم».

 2) الحاكم النيسابوريّ، في (المستدرك): عن ".." أبي هريرة قال: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: «أُرِيتُ في منامي كأنّ بني الحَكَم بن أبي العاص يَنزُون على مِنْبَري كما تَنْزُو القِرَدَةُ، فما رُؤيَ النبيّ صلّى الله عليه وآله مستجمعاً ضاحكاً حتّى مات. ثمّ قال: صحيح الإسناد على شرط مسلم. ذكر ذلك "الدّمْيريّ" في (حياة الحيوان)».

 3) وقال الرازيّ في تفسير الشجرة الملعونة: «قال ابن عبّاس: الشجرة الملعونة في القرآن المراد بها: بنو أميّة الحكم بن أبي العاص ووُلده، قال: رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله في المنام أنّ وُلد مروان يتداولون منبره فقصّ رؤياه على أبي بكر وعمر وقد خلا في بيته معهما ".." ثمّ ظهر أنّ الحكم كان يتسمّع إليهم فنفاه رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: وممّا يؤكّد هذا التأويل، قول عائشة لمروان: لعنَ اللهُ أباك وأنتَ في صُلبه، فأنت بعضُ مَن لعنَ اللهُ».

4) قال السيد علي خان في (رياض السالكين ج1/166): «وفي الكتاب الذي (أورده الطبريّ في تاريخه، و) كتبه المعتضد بالله العبّاسيّ حين عزم على لَعْن معاوية بن أبي سفيان على المنابر في سنة أربع وثمانين ومائتين وذكر فيه بني أميّة، فقال: ثمّ أنزل الله كتاباً في ما أنزله على رسوله صلّى الله عليه وآله يذكرُ فيه شأنهم وهو قوله تعالى ﴿والشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ في الْقُرآنِ﴾ ولا خلافَ بين أحدٍ أنّه تبارك وتعالى أراد بها بني أميّة».

***

بالرجوع إلى «كتاب المعتضد العبّاسيّ» المذكور في الفقرة السابقة، نجد أنّ الطبريّ أورده في حوادث سنة 284 هجريّة، أي بعد زوال الإمبراطوريّة الأمويّة بقرنٍ ونصف، وسنتين.

في هذا التاريخ كانت «العامّة تَلهج بذِكر معاوية». قال الطبريّ (ج8/182): «وفي هذه السنة (284 هجريّة) عزم المعتضد بالله على لَعْنِ معاوية بن أبي سفيان على المنابر وأمرَ بإنشاءِ كتابٍ بذلك يُقرأ على الناس، فخوَّفه عبيدُ الله بن سليمان بن وهب اضطرابَ العامّة، وأنه لا يأمنُ أن تكون فتنة..». ولم يُنشر هذا الكتاب رغم تدوينه، وقد وثّقه الطبريّ بتمامه.

كان مدحُ الناس لمعاوية في عاصمة العبّاسيّين – إذاً - شديداً بحيث تُخشى الفتنة من النَّهي عن «ذِكره بخير».

لا يُمكن فهمُ ذلك إلّا باضطرار العبّاسيّين لاعتماد «الإسلام الأمويّ» القائم على سياسة فصل الأمّة عن أهل البيت عليهم السلام.

هذا «الإسلام الأمويّ» هو الذي أعاد التنظير له في القرنين السادس والسابع «ابن تيميّة»، واستنسَخ تنظيره وزاده حقداً أمويّاً محمّد بن عبد الوهّاب (1111 - 1207)، وعلى أساس هذا التنظير الثاني قامت المملكة السعوديّة الأولى والثانية، والثالثة التي يحكمها آخر ملوك بني أميّة(؟)، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي أطلق «الدواعش» في سياق «إدارة التوحّش» كما يُنَظِّرون.

للأمّة ملءُ الأمل، أن تكون «اليمن» مقبرةَ آخر ملوك الأمويّين، والشام والعراق، مقبرة «الوهّابيّين» آخرِ طبعةٍ من «شيعة آل أبي سفيان».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

25/02/2017

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات