الملف

الملف

منذ 3 أيام

مفهوم التَّأَسِّي بالصدّيقة الزهراء عليها السلام

ثمرة الاعتقاد الحقّ والولاء الصادق

مفهوم التَّأَسِّي بالصدّيقة الزهراء عليها السلام

* «في صميم العقيدة الإسلامية وجوبُ الاعتقاد بالزهراء عليها السلام، أي الاعتقاد بعصمتها وعظمتها المحمّدية، ووجوب حبّها عليها السلام، وينتج عن ذلك وجوب التأسّي بها سلام الله عليها. وموارد التأسّي بالزهراء صلوات الله عليها، كثيرة، بل تشمل جميع مفردات الحياة، لا سيّما ما اتصل منها بعاقبة المرء ومنقلبه».

تتناول هذه المقالة لسماحة العلامة الشيخ حسين كوراني، المقتبسة من إحدى محاضراته في «المركز الإسلامي» مفهوم التأسّي بالصدّيقة الزهراء عليها السلام ومستلزماته وأبرز مجالاته، مبيّناً أن حُسن الاقتداء ثمرة الاعتقاد الصادق والحبّ المخلَص من شوب «الأنا».

«شعائر»

 

«التَّأَسِّي» أو الاقتداء مبدأٌ قرآنيّ. وأصلُ التأسّي هو برسول الله صلّى الله عليه وآله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب:21).

وعن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام: «..واقْتَدُوا بِهَدْيِ نَبِيِّكُم فإنَّهُ أفضَلُ الهَدْيِ، واسْتَنُّوا بِسُنَّتِه فإنَّها أَهْدَى السُّنَن».

بناءً عليه، فإنّنا عندما نحاول تطبيق سيرتنا وأفعالنا، بحسبنا وبمقدار ما يمكننا، على سيرة عالمٍ عابد أو على سيرة معصوم، فإنّ السبب هو انطباق سيرة العالم أو المعصوم على سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله.

فإذا أضفنا إلى ذلك ما أَجمع عليه المسلمون من أنّ فاطمة روحُ رسول الله التي بين جنبَيه، ويرضى الله تعالى لرضاها ويغضب لغضبها؛ تكون النتيجة: «ولكُم في الزّهراء أسوةٌ حسنة».

وعليه، فإنّ المراد من التأسّي بالصدّيقة الكبرى عليها السلام، هو الاقتداء، والعمل بما كانت الزهراء عليها السلام تعمل به، ولكن بحسبنا.

الاقتداء ثمرة كمال المعرفة والولاء

هناك ثلاثة مراحل: الاعتقاد والحبّ والتأسّي، فالاعتقاد يُفضي إلى الحبّ، والحبّ يقود إلى التأسّي. ولا تكتمل المعرفة ولا يكتمل الحبّ إلا بالتأسّي.

والاعتقاد معرفة تتدرّج لتصبح يقيناً، والحبّ علاقة قلبية تنمو فتحرق نارُ شوق الحب «أنا» المحِبّ، فيولد التأسّي. «إنَّ المُحِبَّ لِمَن أَحَبَّ مُطيعُ».

الخطر الكبير هو المعرفة والحبّ من دون التأسّي، وتكون نتيجة ذلك أنّ المعرفة تبقى ناقصة، وأنّ الحبّ يزول. وبعبارة، فإنّ خسارة الاقتداء والتأسّي تعني خسارة الدين.

وقد يصحّ أن يقال «الإعجاب» بدل الحبّ، فهناك ما يثير الإعجاب ويحمل على التأسّي والاقتداء، ومصاديقه كثيرة: من قبيل أن يُعجب المرء بمسلكٍ بعينه فيقلّده، أو يعجب بمنطق أو مَلبس.. إلخ.

وجميع هذه العناوين، التي هي موردٌ للتأسّي والاقتداء، ترتبط إمّا بالشكل أو بالمحتوى، بالظاهر أو الباطن، بالدنيا أو الآخرة، بالحقّ أو الباطل، بالباقي أو الفاني. وبكلمة، ثمّة مقياسان للاقتداء:

1) التقوى: وهي أخلاق، وعبادة، وزهد، وتعامل مع الناس بما يُرضي الحقّ تعالى، والتعامل معه سبحانه بما يناسب الاستعداد للقائه، وعدم الركون إلى الدنيا وإقلال العُرجة عليها.

2) المال، وكنز الدرهم والدينار، والفضة والذهب.

ولا بدّ في هذا السياق من ملاحظة عنوانَين أساسيّين:

1) صدق الاقتداء.

2) شمول الاقتداء، ليستوعب حتى الجزئيات، فضلاً عن الكلّيات.

حول العنوان الأول – صدق الاقتداء: روى الشيخ الكليني في (روضة الكافي)، عن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنّه قال: «..أَلَا وإنَّ أبْغَضَ النَاسِ إلى اللهِ مَنْ يَقتَدِي بِسُنّةِ إِمامٍ ولا يَقتَدِي بِأعمالِه».

وفيه أيضاً: «..عن يونس بن ظبيان: قلتُ للصادق عليه السلام: أَلا تَنْهَى هذَينِ الرّجُلَينِ عَن هذا الرَّجُل؟

فقال: مَنْ هذا الرّجُلُ، ومَن هذَين؟

قلت: أَلا تَنهى حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة عن المفضّل بنِ عُمر؟

قال: يا يونُس، قد سَألتُهُما أنْ يَكُفّا عَنهُ فَلمْ يَفعلا، فَدَعَوتُهُما وسألتُهُما وكَتبتُ إليهِما، وجَعلتُه حاجَتي إليهِما فلم يَكفّا عنه، فلا غَفَرَ اللهُ لهُما، فوَاللهِ لكُثَيِّر عَزّة أَصدَقُ في مَوَدّتِهِ مِنهُما فيمَا يَنتَحِلانِ مِن مَودّتي..».

وحول العنوان الثاني -  شمول الاقتداء: روى الشيخ الصدوق في (الأمالي)، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «خَمسٌ لا أَدَعهُنَّ حتّى المَماتِ: الأكلُ على الحَضيضِ مع العَبيدِ، ورُكوبيَ الحِمارَ مُؤكَفاً (وغيرَ مؤكَف)، وحَلبُ العَنزِ بِيَدي، ولبْسُ الصّوفِ، والتّسليمُ على الصّبيانِ، لِتَكُونَ سُنّةً مِن بَعدِي».

من موارد الاقتداء بالزهراء عليها السلام

في صميم العقيدة الإسلامية وجوب الاعتقاد بالزهراء عليها السلام، أي الاعتقاد بعصمتها وعظمتها المحمّدية، ووجوب حبّها عليها السلام، وينتج عن ذلك وجوب التأسّي بها سلام الله عليها. وموارد التأسّي بالزهراء صلوات الله عليها، كثيرة، بل تشمل جميع مفردات الحياة، لا سيّما ما اتصل منها بعاقبة المرء ومنقلبه، وفي طليعة هذه الموارد:

1) معرفةُ الله تعالى وحبُّه والشوق إلى لقائه عزّ وجلّ.

2) حبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وحبّ أوصيائه وأهل بيته، فحبّهم دِين، ولا أدَلّ على ذلك من قوله صلّى الله عليه وآله، في الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام: «مَنْ كَانَ يُحِبُّنِي فليُحِبَّ ابنَيَّ هذَين، فإنَّ اللهَ أَمَرنِي بِحُبِّهِما».

3) كثرة العبادة؛ الصلاة، والصوم، وتلاوة القرآن، والدعاء، والذكر.

4) حبُّ جميع المؤمنين، والدعاء لهم، وحُسن التعامل معهم بالتواضع والإيثار، والسعي في قضاء حوائجهم.

5) بساطة العيش والإعراض عن الماديات، بما لا يصل إلى حدّ التقتير والتضييق على النفس والعيال.

6) بالنسبة للنساء، الاقتداء بالصدّيقة الكبرى صلوات الله عليها، في رعاية أصول العفّة والستر والحجاب وتجنّب الاختلاط (وللرجال أيضاً)، وأن تعيَ المرأة المسلمة حقيقة الأمومة؛ وهي تأهيلٌ

قبل الزواج واستمرارٌ بعده، وأنّ جهادها مرابطةٌ في المنزل بالصّبر وحسن المعاملة، واعتماد قاعدة: ﴿..ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (فصّلت:34)، لتتمكّن من «مَوضَعة الأسرة» في المكان المناسب ضمن خارطة العلاقات الداخلية والخارجية؛ مع الجيران والأرحام والمعارف والناس جميعاً، لا سيّما الفقراء والمستضعفين.

الصدّيقة الزهراء عليها السلام في كلام الإمام الخامنئي

إن عظَمة فاطمة الزهراء سلام الله عليها تكمن في عبوديتها لله تعالى، ولولا عبوديتها لما اتّصفت بالصدّيقة الكبرى.

فالصدّيق هو الشخص الذي يظهر ما يعتقده ويقوله على سلوكه وفعله، وكلما كان هذا الصدّيق أكبر، كانت عظمته أكثر... قال تعالى: ﴿.. فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ..﴾، حيث ورد ذِكر الصديقين بعد النبيّين. (النساء:69)

الزهراء عليها السلام هي الصدّيقة الكُبرى، أي أفضل صدّيقة، وصِدّيقيّتها نتيجة عبادتها لله، فالأساس هو عبادة الله؛ وهذا لا يختصّ بفاطمة الزهراء سلام الله عليها، فحتّى والدها صلّى الله عليه وآله الذي هو مصدر فضائل المعصومين جميعًا، والذي يشكّل أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء سلام الله عليهما قطرات بحر وجوده المتلاطم، إنما كانت عظَمته عند الله تعالى بفضل عبوديته (أشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه)، حيث ورد ذِكر العبودية قبل الرسالة، بل إن الرسالة إنما أُعطيت له لعبادته، لأنّ الله تعالى عالمٌ بمخلوقاته (وبما سيكون منهم)، أفلسنا نقرأ في زيارة الزهراء سلام الله عليها: «امتحنكِ اللهُ الذي خلقكِ قبلَ أن يخلقكِ»؟

***

وقال دام ظلّه: «إن الإنسان لَيشعر - في السنوات الخمس عشرة الأخيرة - بفورة محبة الزهراء عليها السلام في قلوب أبناء هذه الأمة المؤمنة الثورية المخلصة و(المنتمية إلى حزب الله).

فلقد كان اسم الزهراء عليها السلام يتردّد في الجبهات خلال الحرب، ولاحقاً خلال فترة السِّلم والإعمار أيضاً، وكذا عند الاستعداد لمواجهة الأعداء. هذه الحالة موجودة ولله الحمد.

إن هذا التوسّل (بالزهراء عليها السلام) جيد وذو قيمة، وإنها عليها السلام تحبّ هذه الروح الجهادية بأيّ صورة ممكنة، وهذه بُشرى للشباب التعبويّين في هذا البلد، فكما أنهم يحبّون الزهراء عليها السلام كذلك يتحرّكون طبقاً لإرادتها ومشيئتها، ويسلكون طريقها التي هي سبيلُ الله وسبيل العبودية..».

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 3 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات