فكر و نظر

فكر و نظر

25/02/2017

الهوى أخطرُ العَدوّين

﴿.. وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾

الهوى أخطرُ العَدوّين

ــــــــــــــــــ الشيخ حسين كوراني ــــــــــــــــــ

يندرج هذا النص في إطار المحاضرات والدروس التي ألقاها سماحة الشيخ حسين كوراني على طلبة العلوم الدينية خلال العام الهجري 1430.

في هذا المقال، يتناول سماحته أبرز الآفات التي تصيب النفس وفي مقدّمها «الهوى» الذي هو أعظم العدوّين، وبه تصبح النفس «أمّارة بالسوء»، وبالتحكّم به تصبح «لَوّامة»، وبالسيطرة عليه تصير «مطمئنّة».

«شعائر»

عَدوّا الإنسان هما «النفس الأمّارة» و«العدوّ المبين» الشيطان الرجيم. وبدلالة قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أعدَى عدوّكَ نفسُك التي بينَ جنبَيك»، يكون العدوّ الأعظم هو النفس الأمّارة، فبواسطة أهوائها الجامحة العاصفة التي تُشبهها الأعاصير الهُوج، تصبح النفس الأمّارة هي العدوّ الأشرس والأعدى.

الخطر والعدو هوى النفس، وليس النفس بما هي نفس، بل بما هي «هاوية». وبهذا الهَوى تصبح «أمّارة»، وبالتحكّم به تصبح «لوّامة»، وبالسيطرة عليه تصبح «مطمئنّة».

العدوّ إذاً هوى النفس؛ ومَن تحكّم في هوى نفسه ونهاها عن الهوى فهو من أهل الجنة: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ﴾. (النازعات:40-41)

وأمّا مَن اتبع هواه فقد تردّى وسقط، والتردّي والهُوِيّ والسقوط بمقدار اتّباع الهوى. فالهوى كما يصفه أمير المؤمنين عليه السلام: «هُوِيٌّ إلى أسفَلِ سافِلين».

سمٌّ في عسل

أخطر ما في هوى النفس أنّه أخطر أنواع السمّ في أشهى أنواع العسل. ويمتاز هذا السمّ الزعاف بميزتَين:

1) أنّه خفيّ جداً، ومنه الشرك الخفيّ والأخفى.

2) لا يمكن اكتشافه إلّا في مختبر المعصوم، أو في الآخرة.

ولأجل ذلك حذّر منه القرآن الكريم في موارد عديدة، وكذلك روايات المعصومين عليهم السلام.

في القرآن الكريم

 

* الهوى إعراضٌ عن الحقّ:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ النساء:135.

حقيقةُ اتّباع الهوى: التواءٌ عن الحقّ وإعراضٌ عنه، لكنّ ظاهره تحقيق الأمنية المشروعة، والوصول إلى الحقّ الطبيعي الذي لا يجوز أن يحُول دونه حائل.

* الضلال هو اتّباع الهوى:

قال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ ص:26.

وفي سورة القصص قوله عزّ وجلّ: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَالقصص:50.

والمقصود بالضمير في ﴿يَسْتَجِيبُوا﴾ هم أهل الكتاب من اليهود. فلننتبه إلى أنّ «الضالّين» الذين ندعو الله كثيراً في صلاتنا أن لا نكون منهم، ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾، إنّما يضلّون باتّباع الهوى، فهم ليسوا غيرنا - على وجه الجزم - كما نحبّ أن نقرأ القرآن، بل إنّ أساس ضلالهم يعصف في كلّ نفس، وقد نكون منهم.

الهوى الخطير هو هذا الهوى الذي نهواه. هذه الميول والأهواء والرغبات، حيث إن اتّباعها سبب الضلال: ﴿.. وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ..﴾.

* الركون إلى الهوى طغيان:

قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ النازعات:37-41.

سبب الطغيان هو اتّباع الهوى، فمن اتبع هواه وطغى ستكون النتيجة:

1) في الدنيا: تفضيل الحياة الدنيا على الآخرة.

2) وفي الآخرة: جهنّم وبئس المصير.

رُوي بسندٍ معتبر عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، في قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِالرحمن:46، قال: «مَنْ عَلِمَ أنَّ اللهَ يَراهُ ويَسمعُ ما يَقولُ، ويَعلَمُ ما يَعملُهُ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ، فيَحجُزهُ ذلك عن القبيحِ من الأعمالِ، فَذلكَ الّذي ﴿..خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾».

* سوء العاقبة:

قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الأعراف:175-176.

قد يجتمع اتّباع الهوى مع المراتب الدينية العالية، فيتسبّب بسوء العاقبة والخسران المبين. لذلك يتوجّب علينا أن نبرأ إلى الله من الاغترار ببعض العبادات بحيث نصبح نتصوّر أنّه لا سبيل للشيطان علينا.

* إنكار العقائد والمعاد:

قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا‌‌﴾ الكهف:28.

وفي سورة طه قوله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾ طه:15-16.

اتّباع الهوى يؤدّي إلى إنكار يوم القيامة، لكثرة اشتباك الإنسان بالملذّات التي يهوى فيغرق فيها، وينكر ما وراء عالم المحسوسات والملذات، بل يؤدّي إلى التأثير على غيره، فتنتقل العدوى منه إلى مَن عداه.

* مآلُ عبادة الهوى:

قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ الفرقان:43-44.

وبمعناها قوله سبحانه: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ الجاثية:23.

الإقامة على اتّباع الهوى تؤدّي إلى عبادته واتّخاذه إلهاً. ويتلازم تأليهُ الهوى مع مسْخ جوهرة الإنسانية في النفس، فيصبح مؤلِّهُ الهوى لا يسمع ولا يعقل؛ كالأنعام بل هو أضلّ.

وكما تقدّم في شأن من آتاه الله آياته فانسلخ منها، قد يجتمع اتّباع الهوى مع العلم ﴿..وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ..﴾. ومن معاني ذلك: يعرف أنه ضالّ ولكنه يُمعن في الظلم.

 

في الروايات

رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله في باب مخالفة الهوى أنه:

1) الجهاد الأكبر: فقد قال صلّى الله عليه وآله مخاطباً جماعة من أصحابه عقب رجوعهم من إحدى الغزوات: «قَدِمتُم خَيرَ مَقدمٍ، وقَدِمتُم من الجهادِ الأصغرِ إلى الجهادِ الأكبرِ: مُجاهدةِ العبدِ هَواه».

2) أفضل الجهاد: عنه صلّى الله عليه وآله، وقد سأله أبو ذرّ عن أفضل الجهاد، قال: «أنْ يُجاهِدَ الرّجُلُ نَفسَهُ وهَواه». وقال صلّى الله عليه وآله: «أَفضلُ الجِهادِ أنْ تُجاهِدَ نَفسَكَ وهَواكَ في ذاتِ اللهِ تعالى».

وتُشير الأحاديث النبوية الشريفة إلى منهجين متناقضين:

1) منهج تلبية الرغبات، وهو الحمق، فقد روي عنه صلّى الله عليه وآله: «.. وأحمقُ الحَمقى مَنِ أتبَعَ نَفسَه هواه، وتمنّى على الله الأماني».

2) ويقابله منهج معاندة الرغبات ومجاهدتها؛ وهو الفِطنه لِما رُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: «أكيَسُ الكيّسينَ مَن حاسَبَ نَفسَهُ، وعَملَ لِما بعد المَوت..».

ومن مصاديق هذا المنهج الثاني مجاهدةُ النفس بقلّة الطعام والشراب:

أ) عنه صلّى الله عليه وآله: «جاهِدوا أنفسَكُم بِقِلّةِ الطّعامِ والشّرابِ، تظلّكُم الملائكةُ ويفرّ عنكُم الشّيطانُ».

ب) وعنه صلّى الله عليه وآله: «جَاهِدوا أهواءَكُم تَملكُوا أنفسَكُم».

ج) وعنه صلّى الله عليه وآله: «جاهِدوا أنفسَكُم على شَهواتِكُم تحلّ قلوبَكم الحِكمةُ».

 

ثم إن اتّباع الهوى علامة بغض الله تعالى للعبد. رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «..وإذا أبغَضَ اللهُ عبداً:

1) حَبَّبَ إليهِ المالَ.

2) وبَسطَ لهُ الآمالَ.

3) وألهَمَهُ دُنياهُ.

4) ووَكَلَهُ إلى هَواهُ، فرَكِبَ العِنادَ، وبَسَطَ الفسادَ، وظَلَمَ العِبادَ».

في المقابل، فإنّ أولى ثمرات مجاهدة الهوى هي سلامة العقل. رُوي عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام أنه قال:

1) «العاقلُ مَن غَلَبَ هَواه، ولم يَبِع آخرتَهُ بِدُنياه»

2) «مَن جانَبَ هَواه صَحَّ عقلُه».

3) «.. وكَم مِن عَقلٍ أسيرٍ تَحتَ هَوًى أمير».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

25/02/2017

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات