الملف

الملف

26/04/2017

مولد وارث النبيّين الإمام الحسين عليه السلام


مولد وارث النبيّين الإمام الحسين عليه السلام

عاذ فُطرس بمَهده.. فنحن عائذون بقبره

 

 

اقرأ في الملف

استهلال                                         وارحَم تلكَ الأعيُن.. وارحَم تلكَ القلوب..

سيرة الإمام الحسين عليه السلام قبل كربلاء: منهج الدراسة                    

تحديد الولادة والتسمية    

تهنئة الملائكة للنبيّ صلّى الله عليه وآله                                الشيخ حسين كوراني

العلاقة بين مولده عليه السلام، والتكبير الثالث في آخر الصلاة

ما ورد حول الملاك فطرس

التوقيع الشريف الذي يتضمّن الدعاء في يوم ولادته عليه السلام

 

استهلال

وارْحَمْ تِلْكَ الأَعْيُنَ.. وارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ..

دعاء الإمام الصادق عليه السلام لزوّار الحسين عليه السلام:

يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ، وخَصَّنَا بِالْوَصِيَّةِ، ووَعَدَنَا الشَّفَاعَةَ، وأَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى ومَا بَقِيَ، وجَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنَا، اغْفِرْ لِي ولإِخْوَانِي ولِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ الله الْحُسَيْنِ عليه السّلام، الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا ورَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا، وسُرُوراً أَدْخَلُوه عَلَى نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْه وآلِه وإِجَابَةً مِنْهُمْ لأَمْرِنَا، وغَيْظاً أَدْخَلُوه عَلَى عَدُوِّنَا أَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ، فَكَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ واكْلأْهُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ ".."

وأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ،

ومَا آثَرُونَا بِه عَلَى أَبْنَائِهِمْ وأَهَالِيهِمْ وقَرَابَاتِهِمْ. ".."

اللَّهُمَّ ".." فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوه الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ، وارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ الله عليه السّلام، وارْحَمْ تِلْكَ الأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا، وارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ واحْتَرَقَتْ لَنَا، وارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ تِلْكَ الأَنْفُسَ وتِلْكَ الأَبْدَانَ، حَتَّى نُوَافِيَهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يَوْمَ الْعَطَشِ ".."».

 (ابن قولويه، كامل الزيارات)

 

 

سيرة الإمام الحسين عليه السلام قبل كربلاء

منهج الدراسة

§        الشيخ حسين كوراني

* يتناول هذا الملفّ مجموعة من العناوين المركزية المرتبطة بسيرة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام قبل كربلاء، اخترنا محاوره من مجموعة محاضرات ألقاها سماحة العلامة الشيخ حسين كوراني في «المركز الإسلامي»، طيلة شهرَي محرّم وصفر من العام 1429 هجرية، مع وقفة تفصيلية عند عنوانين أساسيّين في سيرته صلوات الله عليه: حديث الملَك فُطرس، والتوقيع الصادر عن الإمام العسكريّ عليه السلام حول يوم ولادته والدعاء فيه.

«شعائر»

يدعو إلى العناية بسيرة سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام قبل كربلاء، أمور:

الأول: أنّ معرفته عليه السلام كمعرفة المعصومين جميعاً «دِيْنٌ»: «مَن أراد اللهَ بَدأ بكم».

الثاني: أنّ الروايات التي تتحدث عن سيّد الشهداء تتضمّن شرط «عارفاً بحقِّه»، وترتبط هذه المعرفة بمعرفة سيرته عليه السلام كلّها.

الثالث: أنّ ما دأبنا عليه في مجالس العزاء هو تناول أحداث كربلاء، بدءاً من خروج سيّد الشهداء من المدينة، وصولاً إلى شهادته عليه السلام. ويكاد الباقي من سيرته عليه السلام، يكون مغيّباً إلّا المتفرّقات التي ترد في مطاوي الحديث هنا وهناك.

الرابع: لا نجد في الروايات عن العلاقة بالمعصومين تأكيداً مشابها للتأكيد على العلاقة بسيّد الشهداء عليه السلام: وهذه بعض النماذج في كلمات بعض الأعلام:

قال المحدّث الشيخ عباس القمّي في (الأنوار البهية): «..وقال – أي الشيخ المفيد - في (المقنعة): وروى يونس بن ظبيان، قال: قلت لأبي عبد الله – الصادق - عليه السلام: جُعلت فداك، إنّي كثيراً ما أذكر الحسين عليه السلام، فأيّ شيءٍ أقول؟

قال: قل: صلّى الله عليك يا أبا عبد الله، تُعيد ذلك ثلاثاً، فإنّ التّسليمَ يَصلُ إلينا من قريبٍ ومن بعيد».

أضاف المحدّث القمي: «وقال شيخنا الشهيد قدّس سرّه، في (الدروس): وثواب زيارته لا يحصى، حتى رُوي:

أنّ زيارته فرض على كلّ مؤمن.

وأنّ تركها ترْكُ حقٍّ لله تعالى ولرسوله.

وأنّ تركها عقوق رسول الله صلّى الله عليه وآله، وانتقاص في الإيمان والدين.

وأنّه حقّ على الغنيّ زيارته في السنة مرتين، والفقير في السنة مرة.

وأنّ مَن أتى عليه حولٌ ولم يأتِ قبره نقص من عمره حول، وأنّها تطيل العمر.

وأنّ أيام زيارته لا تُعدّ من الأجل، وتفرّج الهمّ، وتمحّص الذنوب.

ولكلّ خطوة حجّة مبرورة، وله بزيارته أجر عتق ألف نسمة، وحمل على ألف فرس في سبيل الله، وله بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم.

وأنّ مَن أتى قبره عارفاً بحقّه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر».

إلى أن قال: «ومن بعُد عنه وصعد على سطحه، ورفع رأسه إلى السماء ثمّ توجّه إلى قبره عليه السلام، قال: السلامُ عليك يا أبا عبد الله، السلامُ عليك ورحمة الله وبركاته، كتب الله له زورة - والزورة حجّة وعمرة - ولو فعل ذلك في كلّ يوم خمس مرات كتب الله له ذلك».

ولا شكّ أنّ هذه العلاقة النوعية لا تنفصل عن العلاقة برسول الله صلّى الله عليه وآله، والعلاقة بأيٍّ من أهل البيت عليهم السلام، وهي لا تحصل بالشكل الأفضل إلّا مع معرفة أفضل بكلّ سيرة سيّد الشهداء عليه السلام.

الخامس: أنّ المحمّدي حسيني وإلّا فلا، أي إنّ الموحّد حسيني وإلّا فلا. ولا شكّ أنّ هذه الحقيقة مرتبطة جذرياً بمعرفة الحسين عليه السلام.

ويؤكّد حقيقة أنّ المحمدي حسيني وإلّا فلا:

1) إجماع المسلمين على قوله صلّى الله عليه وآله: «حسينٌ منّي وأنا من حسين».

2) تأكيد أهل البيت عليهم السلام، أنّ على كلّ مسلم أن تكون حياته كلّها في الدنيا والآخرة مرتبطة بالإمام الحسين عليه السلام؛ ومن مفردات ذلك: تحنيك المولود بتربة الحسين عليه السلام، والاستشفاء بها، وحملها للأمان، ووضع شيء منها في القبر، وذكره صلوات الله عليه عند شرب الماء... وصولاً إلى طلب الشهادة في درب الحسين عليه السلام، والدعاء المتجدّد الدائم بأن يكون من الطالبين بثاره مع وليّه المهديّ عليهما السلام.

حول منهج دراسة السيرة

في محاولتنا التعرّف إلى سيرة الإمام الحسين عليه السلام قبل كربلاء، سوف يتمّ التركيز، بحوله تعالى، على ستة محاور أساسية:

الأول والثاني: تحديد الولادة، والتسمية.

الثالث: تهنئة الملائكة للنبيّ صلّى الله عليه وآله.

الرابع: العلاقة بين مولده عليه السلام، والتكبير الثالث في آخر الصلاة.

الخامس: ما ورد حول الملاك فطرس.

السادس: التوقيع الشريف الذي يتضمّن الدعاء في يوم ولادته عليه السلام.

 

المحور الأول: تحديد الولادة

قال العلامة المجلسي رضوان الله عليه في (بحار الأنوار): «الأشهَر في ولادته – أي الإمام الحسين - صلوات الله عليه، أنّه وُلد لثلاثٍ خلونَ من شعبان لِما رواه الشيخ الطوسي في (المصباح): أنّه خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمّد (العسكريّ) عليه السلام، أنّ مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس، لثلاثٍ خلون من شعبان، فصُم وادعُ فيه بهذا الدعاء: اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ المَوْلُودِ فِي هذا اليَوْمِ...».

ثمّ قال: «وروى سفيان الثوري عن جعفر بن محمّد عليه السلام: أنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام، قُتل وله ثمان وخمسون سنة».

وفي (الأنوار البهية) للمحدّث القمي: «ولد عليه السلام بالمدينة... والمشهور أنّه عليه السلام ولد في ثالث شعبان واختاره الشيخان (المفيد والطوسي) في (مسارّ الشيعة)، و(المصباح)، وهو يوافق التوقيع الشريف (المتقدّم ذكره عن الإمام العسكريّ)... وقال شيخنا المفيد رضي الله عنه في (الإرشاد): مضى الحسين عليه السلام في يوم السبت العاشر من المحرّم، سنة إحدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر... قتيلاً مظلوماً، ظمآن صابراً محتسباً... وسنّه يومئذ ثمان وخمسون سنة، أقام منها مع جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله سبع سنين، ومع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن عليه السلام سبعاً وأربعين سنة، وكانت مدّة خلافته بعد أخيه إحدى عشرة سنة».

 

شجرة طوبى

الصَّدقة في شعبان

* سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن أفضل الأعمال في شهر شعبان، فقال: «الصَّدَقةُ والاستغفار».

* وعنه عليه السلام: «مَن تصدَّق بصَدَقةٍ في شعبان، ربَّاها اللهُ عزَّ وجلَّ له كما يُربِّي أحدُكم فصيلَه [الصِّغار من الإبل]، حتّى توافي يوم القيامة وقد صارتْ له مثلَ جَبل أُحُد».

* وفي الحديث عن الإمام الرّضا عليه السلام: «..ومَن تَصدَّقَ في شعبان بِصَدَقَة، وَلَو بِشِقِّ تَمرة، حَرَّمَ اللهُ جَسَدَه على النّار..».

* وحول فضيلة الصدقة عموماً، ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «إنّ صَدَقَةَ النّهارِ تُمِيتُ الخَطيئةَ كَما يُمِيتُ الماءُ الملحَ، وإنّ صَدَقَةَ اللّيلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرّبِّ».

(روضة الواعظين، الفتّال النيسابوري)

 

المحور الثاني: التسمية

ورد في الروايات – كما في (ذخائر العقبى) للطبري، وفي غيره - أنّ تسميته صلوات الله عليه بالحسين كتسمية أخيه الإمام الحسن، هي بأمرٍ من الله تعالى. وأنّ هذه التسمية هي باسمَي ابنَي هارون عليه السلام: «شَبّر» و«شَبير» وهي الترجمة العربية لهذين الاسمَين.

التسمية في الزيارات وفي الأدعية:

* في (علل الشرائع)، عن عبد الله بن عباس، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنه قال: «يا فاطمة، اسمُ الحسن والحسين في ابنَي هارون؛ شَبَّر وشَبير لكرامتهما على الله عزّ وجلّ».

وفي (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي، قال: «من أدعية ليلة عرفة: اللّهمّ وخلّصني من الشيطان وحزبه، ومن السلطان وجُنده، ومن الجِبتِ وأنصاره، بحقّ محمّدٍ المحمود، وبعليٍّ المقصود، وبحقّ شَبّر وشَبير، وبحقّ أسمائك الحُسنى صلِّ على أفضل الصفوة...».

وفيه أيضاً: «في إحدى زيارات الأمير: الذي هو عن الشِّرك أَنزَع، صاحب أُحُدٍ وحُنين، وأبي شَبَّر وشَبير، المهذّب الأنساب الذي لم يلحقه عمَهُ الجاهلية..».

التسمية في الكتب الأولى:

في (مدينة المعاجز) للعلّامة السيد هاشم البحراني، عن عبد الله بن عباس، من ضمن خبر طويل قال: «..فحمل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الحسينَ، وجَبرئيلُ الحسنَ، وخرج النبيّ  صلّى الله عليه وآله وسلّم.. وهو يقول: معاشرَ الناس، اعلموا أنّ مَن أبغضهما في النّار، ومَن أحبَّهما فهو في الجنّة. ومن كرامتهما على الله تعالى سمّاهما في التّوراةِ شَبَّر وشَبير..».

وفي (بحار الأنوار)، عن (الروضة) و(الفضائل) لشاذان بن جبرئيل القمي، عن سُليم بن قيس، قال:

«أقبلنا من صفّين مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فنزل العسكر قريباً من دَير نصرانيّ، فخرج علينا من الدَّير شيخ كبير جميل الوجه حَسن الهيئة والسّمْت، ومعه كتاب في يده... فجعل يتصفّح الناس حتى أتى عليّاً عليه السلام، فسلّم عليه بالخلافة، ثمّ قال: إنّي رجل من نَسل رجل من حواريّ عيسى ابن مريم، وكان من أفضل حواريّه الاثني عشر، وأحبّهم إليه، وأبرّهم عنده، وإليه أوصى عيسى ابن مريم وأعطاه كُتبه وعلمه وحكمته، فلم تزل أهل بيته متمسّكين بملّته ولم تبدّل ولم تزد ولم تنقص، وتلك الكتب عندي إملاء عيسى وخطّ الأنبياء، فيه كلّ شيءٍ تفعله الناس؛ ملكٌ ملكٌ وكم يملك، وكم يكون في زمان كلّ ملك منهم، ثمّ إنّ الله تعالى يبعث من العرب رجلاً من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل من أرض تهامة من قرية يقال لها (مكّة)، (نبيّاً) يقال له (أحمد).. وفي ذلك الكتاب أربعة عشر اسماً من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله عليه السلام، وأحبّهم إليه. اللهُ وليّ مَن والاهم وعدوّ مَن عاداهم، فمَن أطاعهم فقد أطاع الله... طاعتُهم لله رضى ومعصيتهم لله معصية، مكتوبين بأسمائهم ونسبهم ونعوتهم، وكم يعيش كلّ واحدٍ منهم بعد واحد.. حتى ينزل عيسى على آخرهم فيصلّي عيسى خلفه في الصف، أوّلهم أفضلهم، وآخرهم له مثل أجورهم وأجور مَن أطاعهم واهتدى بهداهم».

ثمّ قال الديرانيّ: «أوّلهم أحمد رسول الله.. وأخوه ووصيّه وخليفته في أمّته، وأحبّ خلق الله إليه، بعده عليّ بن أبي طالب ابن عمّه.. ثمّ أحد عشر رجلاً من بعده، من ولدِ محمّدٍ من ابنته فاطمة عليها السلام، أوّل ولدهم مثل ابنَي موسى وهارون شبَّر وشبير، وتسعة من ولدهم أصِفهم واحداً بعد واحدٍ، آخرهم الذي يؤمّ بعيسى بن مريم، وفيه تسمية أنصاره ومن يظهر منهم، ثمّ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويملكون ما بين المشرق إلى المغرب حتّى يُظهرهم الله على الأديان كلّها..».

وجاء في آخر هذه الرواية: «..يا أمير المؤمنين، مدّ يدك فأنا أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك خليفته في أمّته وشاهده على خلقه وحجّته على عباده وخليفته في الأرض.. وأنّ دين الإسلام دين عيسى بن مريم.. وإنّي أتوالى وليّك وأبرأ من عدوّك، وأتوالى الأئمّة الأحد عشر من ولدك، وأبرأ من عدوّهم، وممّن خالفهم، وممّن ظلمهم، وجحد حقّهم من الأولين والآخرين... ففرح عند ذلك مَن حضر من شيعته من المؤمنين، وساء مَن كان من المنافقين، حتى ظهر في وجوههم وألوانهم».

 

شجرة طوبى

وأخبره يا جبرئيل أنِّي قد سمَّيتُه الحُسين

«..فلمّا وُلِدَ الحسينُ بن عليّ عليهما السّلام، وكانَ مَولِدُه عَشيّةَ الخميس ليلةَ الجمعة،

أَوْحَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ إلى مالِكٍ خازنِ النّارِ أَنْ أَخمِدِ النّيرانَ على أَهلِها لِكرامَةِ مَولودٍ وُلِدَ لِمُحمّدٍ، وأَوْحى إلى رضوان خازِنِ الجِنانِ أنْ زَخرِفِ الجِنانَ وطيِّبها لِكرامَةِ مَولودٍ وُلِدَ لِمُحمّدٍ فِي دارِ الدّنيا،

وأَوْحى اللهُ تباركَ وتعالى إلى حُورِ العِينِ تَزَيّنّ وتَزاوَرْنَ لِكرامَةِ مَولودٍ وُلِدَ لِمُحمّدٍ في دارِ الدُّنيا،

وأَوْحَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ إلى الملائكةِ أنْ قوموا صفوفاً بالتّسبيحِ والتّحميدِ والتّمجيدِ والتّكبيرِ

لِكرامةِ مَولودٍ وُلِدَ لِمُحمّدٍ في دارِ الدُّنيا،

وأوْحى اللهُ تباركَ وتعالى إلى جَبرئيل عليه السّلام، أن اهبطْ إلى نبيِّي محمّد في ألفِ قبيلٍ، والقبيلُ ألفُ ألفٍ من الملائكةِ، على خيولٍ بُلْقٍ، مُسرجةٍ مُلجَمةٍ، عليها قبابُ

الدُّرِّ والياقوتِ، ومعهُم ملائكة يُقال لهم الرّوحانيّون، بِأيديهِم أطباقٌ من نورٍ

أنْ هنِّئُوا محمّداً بِمولودِه،

وأخبره يا جَبرئيل أنِّي قد سمَّيتُه الحسين..».

(الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة)

 

          المحور الثالث: تهنئة الملائكة النبيَّ

الأخبار والروايات في هذا الباب – أي تهنئة الملائكة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بولادة الإمام الحسين عليه السلام- كثيرة، يُكتفى بذكر نموذج منها، وهو ما أورده ابن نما الحلّي في (مثير الأحزان)، قال: «ولمّا وُلد، هبط جبرئيل عليه السلام ومعه ألف ملَك يهنّئون النبيّ صلّى الله عليه وآله بولادته، وجاءت به فاطمة عليها السلام إلى النبيّ فسرّ وسمّاه حسيناً.

وقد رُوي عن زوجة العباس بن عبد المطّلب.. قالت: رأيت في النوم قبل مولده كأنّ قطعة من لحم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قُطعت ووُضعت في حِجري. فقصصتُ الرؤيا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: (إنْ صدقَتْ رؤياك فإنّ فاطمة ستَلِدُ غلاماً وأدفعُه إليكِ لتُرضعيه). فجرى الأمر على ذلك».

شجرة طوبى

صلاة للحفظ ولقضاء الحوائج

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، أنّه قال:

«.. ومَن صَلَّى في اللّيلة الخامسة عشر من شعبان، بين العشاءَين، أربَع ركعات، يَقرأُ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، و(قُل هو اللهُ أحد) عشر مرّات، فإذا فرغ قال:

(يا ربِّ اغفِرْ لنا)، عشر مرّات.

(يا ربِّ ارْحَمْنا)، عشر مرّات.

(يا ربِّ تُبْ علينا)، عشر مرّات.

ويَقرأ (قُل هوَ اللهُ أحد) إحدى وعشرين مرّة.

ثمّ يقول: (سُبحانَ اللهِ الّذي يُحيِي المَوتى ويُميتُ الأحياءَ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ) عشر مرّات.

استجابَ اللهُ تعالى لهُ وقَضَى حوائجَه في الدُّنيا والآخِرة، وأَعطاهُ اللهُ كتابَه بِيَمينه، وكان في حِفْظِ الله تعالى إلى قابل».

(السيّد ابن طاوس، الإقبال)

 

المحور الرابع: التكبير الثالث في آخر الصلاة

في (الأنوار البهية) للمحدّث القمي، قال: «..ورُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، أنه صلّى الظهر يوماً، فرأى جبرئيل عليه السلام، فقال: الله أكبر، فأخبره جبرئيل برجوع جعفرٍ من أرض الحبشة، فكبر ثانياً، فجاءت البشارة بولادة الحسين عليه السلام، فكبر ثالثاً. أورده صاحب جواهر الكلام في أواخر مبحث التعقيب».

وقال في (جواهر الكلام):  «..عن أبي جعفر عليه السلام، المرويّ عن (العِلل) أيضاً: "إذا سلّمتَ فارفع يديك بالتكبير ثلاثاً" [شاهد على] ضرورة إرادة كلّ تكبيرة معها رفعٌ من الثلاث فيه. بل يشهد له في الجملة ما عن الشيخ عبد الجليل القزويني مرفوعاً في كتاب (بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض) أنّه صلّى الله عليه وآله، صلّى الظهر يوماً فرأى جبرئيل عليه السلام، فقال: الله أكبر، فأخبره جبرئيل برجوع جعفر عليه السلام، من أرض الحبشة، فكبّر ثانياً، فجاءت البشارة بولادة الحسين عليه السلام، فكبّر ثالثاً، فوجب إرادة ذلك من المرويّ عن (العلل) وكتاب (فلاح السائل) أيضاً بسنده إلى المفضّل بن عمر: "قلت لأبي عبد الله [الصادق] عليه السلام: لأيّ علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثاً يرفع بها يديه؟

فقال: لأنّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، لمّا فتَح مكّة صلّى بأصحابه الظهر عند الحَجر الأسود، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثاً، وقال: لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ وحدَهُ، أَنجَزَ وعدَه، ونَصرَ عبدَهُ، وأعزَّ جُندَهُ، وغَلَبَ الأحزابَ وَحدهُ، فَلَهُ المُلكُ ولَهُ الحَمْدُ، يُحيِي ويُميتُ وهو على كلِّ شيءٍ قدير.

ثمّ أقبلَ على أصحابِه فقال: لا تَدَعوا هذا التَكبير وهذا القَول في دُبرِ كلّ صلاةٍ مكتوبة، فإنَّ مَن فعلَ ذلكَ بعد التّسليمِ، وقالَ هذا القَول كان قد أدَّى ما يَجبُ عليه مِن شُكرِ الله تعالى على تَقويةِ الإسلامِ وجُندِه". وإلى هذه التهليلة أشار العلامة الطباطبائي [السيّد مهدي بحر العلوم] بقوله: وَهَلِّلَنْ تهليلةَ الأحزاب * واستغفِرَنْ وتُبْ إلى التوّاب».

شجرة طوبى

مصافحة الأنبياء

عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام، قال:

«مَنْ أحَبَّ أنْ يُصافِحَهُ مائةُ ألف نبيٍّ وأربعةٌ وعشرونَ ألف نبيٍّ، فليَزُرْ قَبرَ أبي عبد الله الحسين بن عليٍّ عليهما السَّلام، في النّصفِ من شعبان، فإنَّ أرواحَ النّبيّين يَستأذِنونَ اللهَ تعالى في زيارتِه فيُؤذَن لهُم...».

وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«مَن زار أبا عبد الله (الحسين) عليه السّلام ثلاثَ سنينَ مُتوالياتٍ لا فَصلَ فيها، في النِّصفِ من شعبان، غَفَرَ (اللهُ) لهُ ذُنوبَه».

(ابن قولويه، كامل الزيارات)

 

 

المحور الخامس: ما ورد حول الملاك فُطرس

* في (أمالي الصدوق)، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«إنّ الحسين بن عليّ لمّا وُلد، أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ جبرئيلَ أنْ يَهبطَ في ألفٍ مِن الملائكةِ، فيُهنِّئ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، من الله عزَّ وجلَّ، ومن جبرئيل.

قال: فهَبَط جبرئيلُ، فمَرَّ على جزيرةٍ في البحرِ فيها مَلَكٌ يقال له: فُطْرُس، كان من الحمَلَة، بعثه اللهُ عزَّ وجلَّ في شيءٍ فأبطَأ عليه، فكَسَرَ جناحَهُ وألقاهُ في تلك الجزيرة، فعَبَدَ اللهَ تبارك وتعالى فيها سبعمائة عامٍ حتّى وُلِدَ الحسينُ بن عليّ عليهما السلام.

فقال الملَكُ لجبرئيل: يا جبرئيل، أينَ تُريد؟

قال: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أنعمَ على مُحمّدٍ بِنعمةٍ، فبُعِثْتُ أُهنِّئهُ من الله ومنّي.

فقال: يا جبرئيل، احمِلْني معكَ لعلَّ مُحمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم، يدعو لي.

قال: فحَمَلَه. قال: فلمّا دخل جبرئيل على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، هنّأَهُ من الله عزَّ وجلَّ، ومنه، وأخبَرَهُ بِحالِ فُطْرُس، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: قُل له: تَمَسَّحْ بِهذا المولود، وعُدْ إلى مكانِك.

قال فتمسَّح فُطْرُس بالحسين بن عليّ عليهما السلام، وارتفع، فقال: يا رسولَ الله، أما إنّ أُمّتَكَ ستقتلُه، وله عليَّ مكافاة، ألّا يزوره زائرٌ إلّا أبلغتُهُ عنه، ولا يُسلِّم عليه مُسلِّمٌ إلّا أبلغتُه سلامَه، ولا يصلّي عليه مُصَلٍّ إلّا أبلغتُه صلاتَه، ثمّ ارتفع».

* وفي (مناقب) ابن شهرآشوب، أنّ الله تعالى كان خيَّر فطرساً الملك بعد إبطائه بين عذاب الدنيا والآخرة، فاختار الأول. وأنّ فطرساً بعد شفائه ببركة الإمام الحسين عليه السلام، «عَرجَ إلى موضعه، وهو يقول: مَن مثلي وأنا عَتاقة [الطليق أو المحرَّر] الحسين بن عليّ وفاطمة وجدّه أحمد..».

* وفي (الأنوار البهية) للمحدث الشيخ عباس القمي، قال: «في بعض الروايات أنّ الملَك كان اسمه صلصائيل، فلمّا قصّوا على النبيّ صلّى الله عليه وآله قصّته، قام رسول الله صلّى الله عليه وآله، فدخل على فاطمة صلوات الله عليها، فقال: ناوِلِيني ابني الحُسين، فأخرجته إليه مقموطاً يناغي جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، فخَرج به إلى الملائكة، فحمَلَه على بطن كفِّه، فهلّلوا وكبّروا وحمدوا الله تعالى وأثنوا عليه، فتوجّه به إلى القبلة نحو السّماء، فقال:

اللّهمّ إنّي أسألُكَ بِحقِّ ابني الحُسين أنْ تَغفرَ لِصلصائيل خطيئتَه، وتَجبرَ كَسْرَ جناحِه، وتَرُدَّهُ إلى مقامِه مع الملائكةِ المُقرَّبين، فتقبَّل اللهُ تعالى من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ما أَقسمَ به عليه، وغَفرَ لِصلصائيل خطيئتَه وجَبرَ كَسرَه، وردَّه إلى مقامِه مع الملائكةِ المُقرَّبين».

* وفي (بشارة المصطفى) لعماد الدين الطبري، من أعلام الإمامية في القرن السادس، عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: «كانَ ملكُ الكروبِيّين يُقال له: فُطْرُس، وكان مِن الله عزَّ وجلَّ بِمكانٍ، فأرسلَهُ بِرسالةٍ فأَبطأَ فَكَسرَ جناحَه، فألقاهُ بِجزيرةٍ مِن جزائرِ البَحر..».

ثمّ ساق الخبر إلى أنْ قال: «..فقام النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فَصلّى ركعتَين ودعا في آخرهنّ: اللّهمّ إنّي أسألُكَ بِحَقِّ كلِّ ذي حقٍّ عليكَ وبِحَقِّ محمّدٍ وأهلِ بَيتِه، أنْ تردَّ على فُطْرُس جناحَهُ وتَستَجيبَ لِنَبيِّكَ وتَجعلَهُ آيةً لِلعالمين.

فاستَجاب اللهُ تعالى لنبيِّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأَوحى إليه أنْ يأمُرَ "فُطْرُس" أنْ يُمرِّرَ جناحَهُ على الحُسين عليه السلام.. ففَعلَ فسبَّحَ فأصبحَ صحيحاً. فقال: الحمدُ للهِ الذي مَنَّ عليَّ بك يا رسولَ الله.

فقال النبيّ لِفُطرس: أينَ تُريد؟

فقال: إنَّ جبرئيلَ أخبَرني بِمصرَعِ هذا المولود، وإنّي سألتُ ربِّي أنْ يَجعلَني خليفةً هناك.

قال: فذلك الملَكُ موكلٌ بِقبرِ الحسين عليه السّلام، فإذا تَرحَّمَ عبدٌ على الحسين أو تولّى أباه أو نَصَرَه بِسيفِه ولسانِه، انطلق ذلك الملَكُ إلى قبرِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيقول: أيّتها النفسُ الزكيّة، فلانُ بنُ فلان بِبلادِ كذا وكذا يَتولّى الحسينَ ويَتولّى أباهُ، ونَصَرَهُ بِلسانِه وقلبِه وسَيفِه.

قال: فيُجيبُه ملكٌ مُوكلٌ بالصّلاةِ على النّبيّ أنْ بلِّغهُ عن مُحمّدٍ السّلام، وقُل له: إنْ متَّ على هذا فأنتَ رفيقُه في الجنّة».

* وفي (مجمع البحرين) للطريحي أنّ «الكروبيّين.. سادة الملائكة والمقرّبون منهم». وفي (ربيع) الزمخشري أنّ الكروب أبلغ من القُرب وأقصر مسافة.

وتحظى قصة الملك فطرس رغم غرابتها باهتمام كبار العلماء: كالشيخ الصدوق في (الأمالي)، والشيخ ابن قولويه في (كامل الزيارات)، وابن جرير الطبري الإمامي في (دلائل الإمامة)، وابن حمزة الطوسي في (الثاقب في المناقب)، والشيخ الطوسي في (اختيار معرفة الرجال)، و(المصباح)،  وابن شهراشوب في (مناقب آل أبي طالب)، والسيد ابن طاوس في (الإقبال) و(فلاح السائل)، وصاحب (السرائر) ابن إدريس، والراوندي في (الخرائج والجرائح)، والشيخ محمّد بن المشهدي في (المزار)، والمجلسي في (البحار) في عدّة موارد، والسيد بحر العلوم، والخاقاني، والسيد الخوئي وغيرهم في (رجالهم). وتورد الكتب الرجالية الخبر عادة في ترجمة محمّد بن سنان، الذي شُبِّه بفطرس لشفائه ببركة الإمام الجواد عليه السلام، وعندما دعا له الإمام الجواد قال له ابن سنان: «فطرسيّة»، ما يدلّ على انتشار خبر «فطرس» بين أصحاب أهل البيت عليهم السلام.

ويؤكّد العلامة الطباطبائي في (تفسير الميزان) - عقب إيراده رواية من «أخبار الطينة»، وقول رسول الله لجابر الأنصاري أنّ أول ما خلق الله «نور نبيّك يا جابر» - وجوبَ الحذر في التعامل مع الروايات الغيبية بعدم إنكارها من رأس، قال رحمه الله: «وإيّاك أن ترمي أمثال هذه الأحاديث الشريفة المأثورة عن معادن العلم ومنابع الحكمة، بأنّها من اختلاقات المتصوّفة وأوهامهم، فللخلقة أسرار، وها هم العلماء في أرجاء المعمورة لا يألون جهداً في البحث عن أسرار الطبيعة، منذ أخذ البشر في الانتشار، وكلّما لاح لهم معلومٌ واحدٌ بانَ لهم مجاهيل كثيرة، مع أنّ مجال بحثهم عالم الطبيعة، وهو أضيق العوالم وأقلّها مرتبة، فما ظنّك بما وراءها، وهي عوالم النور والسعة..».

ثمّ إنّ مثل هذه الغرابة في الحديث عن سيّد الشهداء أمرٌ طبيعيّ، فها هي المصادر المسلمين السنّة تتحدّث عن مثل هذه الغرائب: ففي (مسند أحمد) عن بعض أزواج النبيّ أنّه صلّى الله عليه وآله قال لها: «لقد دخلَ علَيّ البيتَ ملَكٌ لم يدخل علَيَّ قبلها، فقالَ لي إنَّ ابنَكَ هذا.. مقتولٌ، وإنْ شِئتَ أَرَيتُكَ من تُربةِ الأرضِ التي يُقتَل بها.. فأخرَجَ تُربةً حمراء».

وفي (مجمع الزوائد) للهيثمي مثله، وأنّ رجاله رجال الصحيح. وفي (المعجم الكبير) للطبراني أنّ «ملك القَطْر» دخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله، في بيت أمّ سلَمة. إلى أن قال: «..فقبض قبضةً من المكان الذي يُقتل فيه، فأتاه بسهلة حمراء، فأخذتْها أمّ سلَمة فجعلَتْها في ثوبها.

قال ثابت [راوي الحديث عن أنَس بن مالك] كنّا نقول: إنّها كربلاء».

ومن المفيد في الختام الإشارة إلى جملة من التساؤلات تثيرها هذه القصة:

1) أنّ الحديث عن معصية ملَكٍ أمر مستغرب، والحديث عن تأديبه بكسر جناحه أكثر غرابة.

2) لو لم يكن مسموحاً لفُطرس بطلب التوجّه مع جبرئيل لَما طلب.

3) لو لم يكن مأذوناً لجبرئيل عليه السلام أن يصطحبه لَما فعل.

4) لو لم يكن شفاؤه وارتفاعه موكولاً بأمر الله تعالى إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، لَما أُذِن له.

وبناءً على ما تقدّم، فلا بدّ أن تكون ثمّة علاقة بين الإمام الحسين عليه السلام، وبين هذا الملك، كان هو عالماً بها، وكان ينتظر مولدَه عليه السلام، ليعود إلى سيرته الأولى، وكان جبرئيل عليه السلام يعلم بذلك، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله، أعلم منهما معاً بتفاصيل الأمر وحقيقته، وكانت الحلقة الأخيرة في القصة أن يأذن له المصطفى صلّى الله عليه وآله بالتبرّك بالإمام الحسين عليه السلام، بمَهدِه أو به على اختلافٍ في هذه النقطة في المصادر.

 

 

المحور السادس: التوقيع الشريف الذي يتضمّن الدعاء في يوم ولادته عليه السلام

في (إقبال الأعمال) لسيّد العلماء المراقبين، السيّد ابن طاوس قدّس سرّه، قال:

«فصلٌ في ما نذكره من عمل اليوم الثالث من شعبان، وولادة الحسين عليه السلام فيه.. روينا ذلك بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي، فقال عند ذكر شعبان: اليوم الثالث منه: فيه وُلد الحسين بن عليّ عليهما السلام، خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد (العسكري) عليه السلام أنّ مولانا الحسين عليه السلام: وُلد يومَ الخميس لثلاثٍ خَلَونَ من شعبان، فصُمه وادعُ فيه بهذا الدعاء:

 اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ المَوْلُودِ فِي هذا اليَوْمِ، المَوعُودِ بِشَهادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَوِلادَتِهِ، بَكَتْهُ السَّماء وَمَنْ فِيها وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها، ولمَّا يطأ لابَتيها. قتيلُ العَبرة وسيّدُ الأُسرة، المَمدودُ بالنُّصرة يومَ الكرّة. المُعوَّض مِن قتلِه أنَّ الأئمّةَ مِن نسلِه، والشفاءَ في تربَتِه، والفوْزَ معهُ في أوْبَتِه، والأوصياء مِن عترتِه بعد قائمِهم وغَيبتِه، حتّى يُدركُوا الأًوْتارَ، ويَثأروا الثّارَ، ويُرضُوا الجَبّار ويَكونُوا خَيرَ أنصارٍ، صلَّى اللهُ عليهِم مع اختلافِ اللّيلِ والنّهار.

أللّهمَّ فَبِحقّهم إليكَ أتَوسّلُ وأسألُ سُؤالَ مُعتَرفٍ، مُقتَرفٍ، مُسيءٍ إلى نفسِه مِمّا فرّط في يومِه وأمسِه، يَسألُكَ العِصمةَ إلى مَحلِّ رَمْسِه. أللّهمّ وصَلِّ على محمّدٍ وعِترتِه، واحشُرنا في زُمرتِهِ، وبوِّئنا معهُ دارَ الكرامةِ ومَحَلَّ الإقامَة. أللّهمَّ وكما أكرمتَنا بِمعرفتِه، فأكرِمْنا بِزُلفَتِه، وارزُقْنا مرافَقَتَه وسابِقَتَه، واجعلْنا مِمّن يُسلِّمُ لِأمرِه، ويُكثِرُ الصّلاةَ عليهِ عِندَ ذِكرِهِ، وعلى جَميعِ أوصيائِهِ وأهلِ أصْفيائِهِ، المَعدودينَ منكَ بِالعَددِ الاثنَي عَشَرَ، النُّجومِ الزُّهَرِ والحُجَجِ على جميعِ البَشَر. أللّهمّ وَهَبْ لنا في هذا اليومِ خيرَ مَوهبةٍ، وأَنْجِح لنا فيه كلّ طَلِبَة، كما وهبْتَ الحسينَ لمحمّدٍ جدِّه، وعاذَ فُطْرُسُ بمهدِه، فنحن عائِذونَ بِقبرِه مِن بعدِه، نشهدُ تربتَه وننتظر أَوْبَتَه، آمين ربَّ العالمين».

ثمّ قال السيّد ابن طاوس: «قال الشيخ (الطوسي): ثمّ تدعو بعد ذلك بدعاء الحسين عليه السلام، وهو آخر دعاء دعا به عليه السلام يوم كُوثر [أي يوم عاشوراء حين تكاثر عليه الأعداء]: أللّهُمَّ أَنْتَ مُتَعالِي المَكانِ عَظِيمُ الجَبَروتِ شَدِيدُ المِحال غَنِيٌّ عَنِ الخَلائِقِ، عَرِيضُ الكِبْرِياءِ قادِرٌ عَلى ما تَشاءُ، قَرِيبُ الرَّحْمَةِ صادِقُ الوَعْدِ سابِغُ النِّعْمَةِ حَسَنُ البَلاءِ، قَرِيبٌ إِذا دُعِيتَ، مُحيطٌ بِما خَلَقْتَ، قابِلُ التَّوْبَةِ لِمَنْ تابَ إِلَيْكَ، قادِرٌ عَلى ما أَرَدْتَ، وَمُدْرِكٌ ما طَلَبْتَ، وَشَكُورٌ إِذا شُكِرْتَ، وَذَكُورٌ إِذا ذُكِرْتَ؛ أَدْعُوكَ مُحْتاجاً وَأَرْغَبُ إِلَيْكَ فَقِيراً وَأَفْزَعُ إِلَيْكَ خائِفاً وَأَبْكِي إِلَيْكَ مَكْرُوباً وَأَسْتَعِينُ بِكَ ضَعِيفاً وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ كافِياً، أُحْكُمْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا فَإِنَّهُمْ غَرُّونا وَخَدَعُونا وَخَذَلُونا وَغَدَرُوا بِنا وَقَتَلُونا، وَنَحْنُ عِتْرَةُ نَبِيِّكَ وَوُلْدُ حَبِيبِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله، الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ بِالرِّسالَةِ وَائْتَمَنْتَهُ عَلى وَحْيِكَ، فَاجْعَلْ لَنا مِنْ أَمْرِنا فَرَجاً وَمَخْرَجاً بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».

قال العلامة المجلسي رضوان الله عليه في (البحار):

1) «ثمّ الظاهر أنّ الدعاء الأخير إنّما يتلوه الداعي إلى قوله: احكُم بيننا وبين قومنا، ثمّ يذكر بعد ذلك حاجته».

2) «قال ابن عياش: سمعت الحسين بن عليّ بن سفيان البزوفري، يقول: سمعتُ أنّ أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام يدعو به في هذا اليوم، وقال: هو من أدعية اليوم الثالث من شعبان وهو مولد الحسين عليه السلام».

وبعد أن أورد المجلسي رحمه الله هذين الدعاءين عن (المصباح) و(الإقبال)، أشار إلى أنّ عبارات «المَمدودُ بالنُّصرة يومَ الكرّة.. والفوْزَ معهُ في أوْبَتِه، والأوصياء مِن عترتِه بعد قائمِهم وغَيبتِه، حتّى يُدركُوا الأًوْتارَ، ويَثأروا الثّارَ، ويُرضُوا الجَبّار ويَكونُوا خَيرَ أنصار.. وننتظر أَوْبَتَه»، الواردة في التوقيع المبارك «تدلّ على رجعة جميع الأئمّة عليهم السلام في الكرّة».

وهذا الدعاء وملحقه، من غُرر الأدعية، لما تضمّنه من إرساء أُسس الإسلام وركائز التوحيد، فالعلاقة بسيّد الشهداء عليه السلام تأخذ موقعها الطبيعي كتجسيدٍ للعلاقة بالعترة قبل الكرّة وبعدها، ليتخذ الحديث عن حركة الدين على وجه الأرض بُعده الشمولي المرتبط جذرياً بأهل البيت عليهم السلام، الذين تشكّل العلاقة بهم بدورها، تجسيد العلاقة برسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو مَن تُبذل المهَج للقرب منه، لإثبات طلب القرب من الله تعالى، فإذا الذوبان في الحسين وأهل البيت عليهم السلام، والتفاني في حبّهم، هو طاعة الله تعالى، والسبيل الذي لا طاعة للمصطفى الحبيب ولا حبّ له ولا اتّباع إلّا به.

وأروع ما في اقتران الدعاء بملحقه الإلفات إلى أنّ هذه المسيرة الموالية قبل الكرّة وبعدها، مسيرة حسينية كربلائية، تردّد فيها القلوب دعاء سيّد الشهداء يوم كُوثر!

وينبغي للقلب الوقوف بعناية عند ركنَين في هذا الدعاء المنهج والمشروع والخطة:

الأول: الرجعة.

الثاني: بكاء السماء ومَن فيها، والأرض ومَن عليها.

* الرجعة

أمّا في الركن الأول: فقد ورد الحديث عن «الرجعة» في هذا الدعاء - على قِصره - ثلاث مرات:

1) «المَمدودُ بالنُّصرة يومَ الكرّة».

2) «والفوْزَ معهُ في أوْبَتِه، والأوصياء مِن عترتِه بعد قائمِهم وغَيبتِه، حتّى يُدركُوا الأًوْتارَ، ويَثأروا الثّارَ، ويُرضُوا الجَبّار ويَكونُوا خَيرَ أنصارٍ».

3) «وننتظر أَوْبَتَه».

ويعتبر الإيمان بالرجعة من خصائص اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعلاماته الفارقة، وقد صرّح علماؤنا بالإجماع على أصل مبدأ الرجعة، إلّا أنّ هناك خلافاً في التفاصيل، وهو أقلّ ممّا يتراءى، فمَن لا يتحدث عن رجوع الأئمّة عليهم السلام جميعاً، لا ينفي ذلك وإنّما يؤكّد الكلّي الذي ينطبق عليه، وهو «رجعة مَن محض الإيمان محضاً».

عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس منّا مَن لم يؤمن برجعتنا..». وعنه عليه السلام: «ليس منّا مَن لم يؤمن بكرّتنا..».

وفي تعريف الرجعة، والإجماع عليها، قال الطريحي في (مجمع البحرين): «والرَّجعة بالفتح هي المرّة في الرجوع بعد الموت بعد ظهور المهديّ عليه السلام، وهي من ضروريات مذهب الإمامية، وعليها من الشواهد القرآنية وأحاديث أهل البيت عليهم السلام ما هو أشهر من أن يذكر..».

وممّن أكّد هذا الإجماع أبو الصلاح الحلبي، من علماء القرن الخامس، في (الكافي في الفقه) حيث يقول: «وأجمعتِ الفرقةُ المحقّة على إعادة من محض الكفر أو الإيمان من أمتنا في دولة المهديّ عليه السلام».

ويجد المتتبّع أنّ الحديث عن الإجماع يرجع إلى ما صرح به العلَمان، الشيخ المفيد والسيّد المرتضى رضوان الله تعالى عليهما.

* بكاء السماء

بكاء السماء: مصطلحٌ مأخوذٌ من القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ الدخان:29.

وفي (كامل الزيارات) لابن قولويه مجموعة من الروايات والأخبار حول بكاء السماء على سيّد الشهداء عليه السلام:

1) «..عن الحسن بن الحكم النخعي، عن رجل، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يقول في الرحبة، وهو يتلو هذه الآية: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾، وخرج عليه الحسين من بعض أبواب المسجد، فقال: أمَا إنّ هذا سيُقتَل وتبكي عليه السّماءُ والأرضُ».

2 ) «..خرج أمير المؤمنين عليه السلام فجلس في المسجد واجتمع أصحابه حوله، وجاء الحسين عليه السلام حتّى قام بين يديه، فوضع يده على رأسه، فقال: يا بنيّ، إنّ اللهَ عَيَّرَ أقواماً بالقرآن، فقال: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾، وأَيْمُ الله لَيقتلنّكَ بعدي ثمّ تبكيكَ السّماءُ والأرضُ».

3) «..عن عبد الله بن هلال، قال: سمعتُ أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: إنّ السّماءَ بكَت على الحسين بن عليّ ويحيى بن زكريا، ولم تبكِ على أحدٍ غيرهما.

قلت: وما بكاؤهما؟

قال: مَكَثوا أربعين يوماً تطلعُ الشمسُ بِحُمرةٍ وتَغربُ بِحُمرة.

قلت: فذاك بكاؤهما؟

قال: نعم».

4) «..عن عليّ بن مسهّر القرشي، قال: حدّثتني جدتي أنّها أدركت الحسين بن عليٍّ حين قُتل، قالت: فمكثنا سنةً وتسعةَ أشهر والسماء مثل العلَقة، مثل الدم، ما تُرى الشمس».

5) «..عن محمّد بن سلمة، عمّن حدّثه، قال: لمّا قُتل الحسين بن عليٍّ عليهما السلام، أمطَرت السماء تراباً أحمر».

إلى غيرها من الروايات المتواترة التي تتحدّث عن بكاء الملائكة وسكّان السماوات على سيّد الشهداء عليه السلام، فضلاً عن بكاء الأنس والجنّ وجميع المخلوقات.

وينبغي التنبّه إلى أنّه لا يمكن للبحث في سيرة الإمام الحسين عليه السلام، إلّا أن يقف طويلاً عند بكاء السماء ومَن فيها والأرض ومَن عليها على سيّد الشهداء عليه صلوات الرحمن، وذلك للأسباب التالية:

1) أنّ الحديث عن ولادته عليه السلام مقترنٌ بما تقدّم في دعاء اليوم الثالث من شعبان، ومن أهمّ محاوره: «بَكَتْهُ السَّماء وَمَنْ فِيها وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها».

2) أنّ السائد هو التعامل مع هذا البكاء، على أساس أنّه مجازيّ!

3) أنّ عدم معالجة هذا الفهم المغلوط والسائد، يحول بين الباحث وبين معرفة الإمام الحسين عليه السلام حقّ المعرفة، بل يحُول بينه وبين معرفة الإمام الحسين عليه السلام، فيجعله أمام مَن يحسبه الإمامَ وليس به.

4) أنّ علاج هذا الخلل يؤسّس لحلٍّ علميّ لـ«ألغاز» كثيرة ورد الحديث عنها في الروايات، من قبيل بكاء الطير والحيوان، ونوح الجنّ، بل بكاء النبات وحتى الجماد.

5) أنّ معالجة هذا الخلل، تتكفّل تلقائياً برسم المنطلق إلى منهجية سليمة للتعامل مع غرائب كربلاء، من قبيل: نُطق الرأس الشريف، وسائر الكرامات التي تُشنّ على أكثرها حرب شرسة بحجّة العقلانية التي هي في الحقيقة وَهْم العقل.

6) أنّ تصحيح هذا الخلل يرقى إلى مستوى المحور الرئيس في باب تصحيح العقيدة ورسم المسار المحمّدي الأصيل، وما أعظمها من بركةٍ حسينية أن يكون هذا التصحيح مرتبطاً بالحديث عن ولادته عليه السلام.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

26/04/2017

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات