أعلام

أعلام

25/05/2017

مؤمن قريش


مؤمن قريش

أبو طالب، كافل النبيّ صلّى الله عليه وآله وحاميه

___________ إعداد: سليمان بيضون __________


* عمّ النّبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وكافله صغيراً، وهو ووالده عبد الله بن عبد المطّلب من أمّ واحدة.

* والد أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، وجعفر الطيّار ذي الجناحين في الجنّة، وزوج مَن كانت بمنزلة أمّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، السّيّدة فاطمة بنت أسد رضوان الله تعالى عليها.

* وارث عبد المطّلب في زعامة قريش، والسّيّد الذي حاز الرّئاسة بحكمته وحسن سياسته.

* مَثَلُهُ في قريش كمثل مؤمن آل فرعون، بذَل جاهه وماله، وقدّم أعزّ بنيه فداء للرسول صلّى الله عليه وآله، ودفاعاً عن الرسالة الخاتمة.

 

هو عبد مناف، بن عبد المطّلب، بن هاشم، يُكنّى بأبي طالب، ويلقّب بشيخ البطحاء.

ولد في مكّة قبل عام الفيل بخمس وثلاثين سنة، الموافق 535 ميلادية.

كان والده عبد المطّلب سيّد قريش، فقد أطلقت عليه العرب لقب «إبراهيمَ الثّاني» لخصاله الحميدة، وكان يرفض عبادة الأصنام، وينهى أن يُستقسم بالأزلام، وأن يؤكل ما يُذبح على النُّصُب، ويدعو إلى توحيد الباري عزّ وجلّ.

أمّه فاطمة بنت عائذ المخزومي، تكنّى بأمّ حكيم البيضاء.

إخوته عشرة، منهم عبد الله والد النبي صلّى الله عليه وآله وهما من أمّ واحدة، ومنهم العباس، والشهيد الحمزة رضوان الله عليه.   

ولد لأبي طالب من الذكور طالب، وعقيل، والشهيد جعفر ذو الجناحين، وأمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، ومن الإناث السيدة فاختة وتدعى أم هانئ، و جُمانة، والكلّ من السيّدة الجليلة فاطمة بنت أسد رضوان الله تعالى عليها.

 

 

كافل النبيّ

لم يكن أبو طالب الأكبر من ولد أبيه عبد المطّلب ولكنّه كان مَن ورثه في زعامة قريش، ومن أوصى له بكفالة النّبي صلّى الله عليه وآله وهو في عمر ثمان سنين، جاء في كتاب (الحجّة على الذّاهب إلى تكفير أبي طالب) للسّيّد فخار بن مَعَدّ الموسوي: «لمّا توفّي عبد الله والد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كفله جدّه عبد المطّلب ثماني سنين، ثم احتضر الموت، فدعا ابنه أبا طالب وقال له: يا بني، تسلّم ابن أخيك منّي، فأنت شيخ قومك وعاقلهم، ومن أجِدُ فيه الحِجى دونهم، وهذا الغلام – أي النّبيّ صلّى الله عليه وآله - تحدّثتْ به الكهّان، وقد روينا في الأخبار، أنّه سيظهر من تِهامة نبيّ كريم، ورُوي فيه علامات قد وجدتُها فيه، فأكرم مثواه، واحفظه من اليهود، فإنّهم أعداؤه».

وقد قام أبو طالب بهذه الكفالة خير قيام، حتّى أنّ أهل مكّة كانوا يقولون عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «يتيم أبي طالب».

ومن مظاهر عنايته بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في صغره، ما ذكره الشاكري في كتابه (شيخ البطحاء) ملخّصاً عن مصادر: «وما كان يعنيه [أبو طالب] شيءٌ كما تعنيه رعاية محمّد قطّ، من المحافظة عليه، والحرص على حياته، فإذا اضطرّ إلى سفر لخارج مكّة أو الحجاز أخرجه معه، وكانت أولى سفرات النبي صلّى الله عليه وآله مع عمّه إلى بُصرى [الشام] وله من العمر تسع سنين، فلم تطب نفس أبي طالب يوم ذاك أن يتركه مع أولاده ويمضي في سفرته الطويلة هذه، في حين أنّ زوجته الطّاهرة فاطمة بنت أسد كانت تحرص عليه أكثر ممّا كانت تحرص على أولادها وصِبيتها، وترعاه في ليلها ونهارها».

 

 

أبو طالب يخطب خديجة للنبيّ صلّى الله عليه وآله

هذا ولم يزل أبو طالب راعياً لمحمّد صلى الله عليه وآله حتّى بلغ سنّ الشباب، ولمّا أراد الزواج من خديجة بنت خويلد رضوان الله تعالى عليها مشى معه ليخطبها له من عمّها. عن الإمام الصادق عليه السلام: «لمّا أراد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يتزوّج خديجة بنت خويلد، أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفَر من قريش، حتّى دخل على ورقة بن نوفل عمّ خديجة، فابتدأ أبو طالب بالكلام فقال: الحمد لربّ هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرّية إسماعيل، وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكّام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه، ثمّ إنّ ابن أخي هذا، ممّن لا يوزنُ برجل من قريش إلّا رجح به، ولا يقاس به رجل إلّا عظم عنه، ولا عِدل له في الخُلُق، وإن كان مقلّاً في المال فإنّ المال رفِدٌ جارٍ وظلٌّ زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها، والمهر عليَّ في مالي، الذي سألتموه عاجله وآجله..».

أبو طالب وموقفه من إعلان النبوة

أخرج فقيه الحنابلة إبراهيم بن عليّ بن محمّد الدينوَري في كتابه (نهاية الطّلب وغاية السؤول في مناقب آل الرسول صلّى الله عليه وآله) بإسناده عن طاوس عن ابن عباس أنّ أبا طالب حين علم بنزول الوحي على ابن اخيه قال له: «أخرج يا بن أخي فإنّك الرفيع كعباً، والمنيع حِزباً، والأعلى أباً، والله لا يسلقك لسانٌ إلا سلَقَتْه ألسنٌ حِداد، واجتذبته سيوف حداد، والله لَتذلّنّ لك العرب ذلّ البهم لحاضنها، ولقد كان أبي [عبد المطلب] يقرأ الكتاب جميعاً، ولقد قال: إنّ من صُلبي لنبيّاً، لوددتُ أنّي أدركت ذلك الزمان فآمنتُ به، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به».

ونجد لأبي طالب موقفاً لافتاً له عند دعوة النبي صلّى الله عليه وآله عشيرته للإيمان بنبوته عند نزول قوله تعالى: ﴿وأنذِرْ عشيرتَكَ الأقربِين﴾، فقد طلب رسول الله صلّى الله عليه وآله من عليّ عليه السّلام أن يدعو له بني عبد المطلب، وكانت الدعوة في دار أبي طالب، فأطعمهم وهم كثيرون من طعام قليل حتّى شبعوا، وتكرّرت الدعوة مرّتين، فالتفت أبو طالب لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال: «ما أحبَّ إلينا معاملتك، وأقبلَنا لنصيحتك، وأشدّ تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنّما أنا أحدهم، غير أنّي أسرعُهم إلى ما تحبّ، فامضِ لِما أُمرتَ به، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك..».

حامي الرسالة

في (المعجم الكبير) للطبراني بسنده إلى عقيل بن أبي طالب أنه قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إنّ ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي كعبتنا وفي ديارنا، ويُسمعُنا ما نكره، فإن رأيت أن تكُفّه عنّا فافعل، فقال لي: يا عقيل! التمس ابن عمّك. فأخرجتُه من كبس [بيت صغير] من أكباس أبي طالب، فجاء يمشي معي ".." حتّى انتهى إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي! والله لقد كنتَ لي مطيعاً، جاء قومك يزعمون أنّك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم فتؤذيهم وتُسمعهم ما يكرهون، فإن رأيت أن تكفّ عنهم. فحلّق رسول الله بصره إلى السماء وقال: واللهِ ما أنا بقادرٍ أن أرُدَّ ما بعثني به ربّي، ولو أن يُشعل أحدهم من هذه الشمس ناراً. فقال أبو طالب [لقريش]: والله ما كذَب قط، فارجعوا راشدين.

وجاء في (البداية والنهاية) لابن كثير ومصادر أخرى ما ملخّصه أنّه مشى نفرٌ من قريش إلى أبي طالب وقالوا له: يا أبا طالب! إنّ لك شأناً وشرفاً ومنزلة فينا، وإنّا قد أنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنّا، وإنّا والله لا نصبر على هذا، مِن شتْم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتّى تكفّه عنّا أو ننازله وإيّاك في ذلك حتّى يهلك أحد الفريقَين. فقال أبو طالب لرسول الله صلّى الله عليه وآله (في ذلك) فأجابه النبي صلّى الله عليه وآله: يا عمّاه! لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتّى يُظهره الله أو أهلك فيها.. ما تركتُه.

فقال أبو طالب: إذهب يا ابن أخي فقُل ما أحببتَ، فوالله لا أُسْلمك لشيء أبداً. ثم أنشد:

تالله لن يصلوا إليك بـجمعـِهم                            حتّى أُوسَّد في التـراب دَفـينا

فاصدَعْ بأمرك ما عليك غَضاضةٌ                        وابشِرْ بذاك وقَرَّ مـنـك عيونا

هذا ولم تقتصر مواقف أبي طالب في نصرة النبي صلّى الله عليه وآله على ردّه المشركين بجميل القول، بل كانت له مواقفه الحاسمة في ردّ العدوان عنه، وتأديب مَن ينالُه صلّى الله عليه وآله منهم بسوء، فقد روى السيّد فخار الموسوي بإسناده إلى ابن نباته، قال: سمعتُ أميرَ المؤمنين عليّاً عليه السّلام يقول: «مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بنفر من قريش وقد ذبحوا جزوراً، وكانوا يسمّونها الظهيرة ويذبحونها على النّصب، فلم يسلّم عليهم، فلمّا انتهى إلى دار الندوة قالوا: يمرّ بنا يتيم أبي طالب فلم يسلّم علينا، فأيّكم يأتيه فيُفسد عليه مصلّاه؟ فقال عبد الله بن الزِّبَعْرى السهمي: أنا أفعل. فأخذ الفرث والدم فانتهى إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ساجد فملأ به ثيابه ومظهره، فانصرف النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى أتى عمّه أبا طالب فقال: يا عمّ! مَن أنا؟ فقال: ولمَ يا ابن أخي؟! فقصّ عليه القصّة، فقال: وأين تركتَهم؟ فقال: بالأبطح. فنادى أبو طالب في قومه: يا آل عبدالمطلب! يا آل هاشم! يا آل عبدمناف! فأقبلوا عليه من كلّ مكان مُلبّين، فقال: كم أنتم؟ قالوا نحن أربعون، قال: خذوا سلاحكم. فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتّى انتهى إلى أولئك النّفر، فلمّا رأوه أرادوا أن يتفرّقوا، فقال لهم: وربِّ هذه البنيّة - الكعبة - لا يقومنّ منكم أحد إلا جلّلته بالسيف «..» ثمّ قال: يا محمّد! أيّهم الفاعل بك؟ فأشار النبيّ إلى عبدالله بن الزِّبعرى السّهمي الشاعر، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتّى أدماه، ثمّ أمر بالفرث والدم فأُمِرّ على رؤوس الملأ كلهم..».

الحِصَارُ في الشِّعب

وتوالت مواقف أبي طالب المدافعة عن النّبي صلّى الله عليه وآله، والمانعة من تعرّض قريش له بالأذى حتّى قرّر المشركون أن يكتبوا صحيفة يقاطعون بها أبا طالب وسائر بني هاشم، وقالوا: نُنافي بني هاشم، ونكتب صحيفة ونودعها الكعبة؛ أن لا نُبايعَهم ولا نُشاريهم، ولا نحدّثهم ولا نستحدثهم، ولا نجتمع معهم في مجمع، ولا نقضي لهم حاجة، ولا نقتضيها منهم، ولا نقتبسهم ناراً، حتّى يسلّموا إلينا محمّداً، ويخلّوا بيننا وبينه، أو ينتهي عن تسفيه آلهتنا. وأجمع أهل مكّة على ذلك.

فانتقل أبو طالب برسول الله ومن معه من بني هاشم إلى الشِّعْب الذي يقال له شِعب بني هاشم فحصرتْهم قريش، وأقاموا فيه ثلاث سنين، وكانت أيّاماً صعبة، حتّى أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبا طالب وخديجة أنفقوا أموالهم جميعها ووصلوا إلى حدّ الضرّ...

وفي مدّة الحصار كان أبو طالب يحرص أشدّ الحرص على سلامة النبيّ صلّى الله عليه وآله ويفديه بكلّ عزيز لديه. قال ابن كثير: كان أبو طالب مدّة إقامتهم بالشّعب يأمر النبيَّ صلّى الله عليه وآله فيأتي فراشه كلّ ليلة حتّى يراه مَن أراد به شرّاً وغائلة، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو أخوانه أو بني عمّه أن يضطجع على فراش المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم ويأمره أن يأتي بعض فُرشهم فيرقد عليها.

وفاته

في شهر رمضان من السّنة العاشرة للبعثة – وقيل في شوّال - توفّي أبو طالب عن عمر يناهز خمسة وثمانين عاماً، ودفن في الحجون بمكّة، وبعد مدّة قصيرة توفّيت أمّ المؤمنين خديجة، فحزن النّبيّ صلى الله عليه وآله عليهما حزناً شديداً، وسمّى ذلك العام عام الحزن.

وقال اليعقوبي في (تاريخه): لمّا قيل لرسول الله صلّى الله عليه وآله إنّ أبا طالب قد مات، عظم ذلك في قلبه، واشتدّ له جَزعُه، ثمّ دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرات، وجبينه الأيسر ثلاث مرات، ثمّ قال: يا عمّ! ربّيتَ صغيراً، وكفلت يتيماً، ونصرتَ كبيراً، فجزاك الله عنّي خيراً.

القول في إيمان أبي طالب

إنّ ما تقدّم – على إيجازه الشديد - من سيرة أبي طالب رضوان الله تعالى عليه لا يدلّل على إيمانه بنبوّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله فحسب، بل يُظهره المدافع الذي لا يُبارى عن خاتمة الرسالات، والمجاهد الذي نافح عنها في أشدّ مراحل الدعوة، وبالرغم من ذلك، لم تذكر سيرته العطرة أنّه أشهر إسلامه أمام الملأ من قريش، أو أقام شعائر الدين علانية، وذلك لحكمة دلّت عليها نصوص وردت عن أهل البيت عليهم السلام.

فعن الشّعبي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «كان والله أبو طالب عبد مَناف بن عبد المطلب مؤمناً مسلماً، يكتم إيمانه مخافةً على بني هاشم أن تُنابذها قريش».

وفي التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسوله: إنّي قد أيّدتك بشيعتين: شيعة تنصرك سرّاً وشيعة تنصرك علانية، فأمّا التي تنصرك سرّاً فسيّدهم وأفضلهم أبو طالب، وأمّا التي تنصرك علانية فسيّدهم وأفضلهم ابنه عليّ بن أبي طالب. ثم قال الإمام عليه السلام: إنّ أبا طالب كمؤمن آل فرعون يكتم ايمانه.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

25/05/2017

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات