حوارات

حوارات

منذ 0 ساعات

العلامة جوادي آملي مجيباً على إشكالات حول ولاية الفقيه


الفقهاء «أُولو أمر» عصر الغَيبة

العلامة جوادي آملي مجيباً على إشكالات حول ولاية الفقيه

ــــــــــــــــــــــــ أعدّه للنشر: سليمان بيضون ــــــــــــــــــــــــ

 

أثار قيام الجمهورية الإسلامية في إيران استناداً إلى مبدأ «ولاية الفقية» النقاش الواسع حوله داخل الحوزات العلمية وخارجها، من الأصدقاء ومن الأعداء، وقد تصدّى العلماء المتبنّون لهذا الطرح النهضويّ للإجابة على التساؤلات والإشكالات المثارة، استناداً لمرجعيتَي العقل والنقل. ومن بين هؤلاء العلماء سماحة العلامة الشيخ عبد الله جوادي آملي.. الذي نجد له بحوثاً شاملة في قضية ولاية الفقيه وتطبيقاتها في نظام الجمهورية الإسلامية.  

في ما يلي أسئلة أجاب عليها سماحته اخترناها – بتصرّف واختصار- من الفصل الثاني من كتاب (ولاية الفقيه - ولاية الفقاهة والعدالة)، وقد جاءت تحت عنوان «ضرورة ولاية الفقيه وموقعه العلمي».

 

* إذا كانت ولاية الفقيه أمراً مسلّماً وقطعياً، فلماذا لم تردْ بشكلٍ صريح في الروايات؟

أوّلاً: إنّ أكثر ما تطرّق له الأئمّة عليهم السلام في زمانهم هو ما كان يمثّل موضع ابتلاء، ولم يكن منهم آنذاك إلّا مَن هو مسمومٌ أو مقتول، فلم يكن هنالك مجالٌ لبحث موضوع «ولاية الفقيه» بالتفصيل.

ثانياً: هناك أدلّة نَقلية معتبرة بما فيه الكفاية حول ولاية الفقيه، وإن لم يدُر حولها بحث فقهيّ واسع وشامل كما هو الحال بالنسبة لسائر المسائل التي يكثر فيها الابتلاء على مدار الساعة..

ثالثاً: لقد وردت نصوص صريحة في ما يتعلّق بـ«قضاء الفقيه»، وفيها تتّضح ولاية الفقيه أيضاً، وذلك لملازمة «القضاء» في كلّ عصر لإقامة الحكومة والولاية. وليس هناك بين فقهاء المسلمين مَن يحمل رأياً مخالفاً في ما يخصّ منصب القضاء للفقيه الجامع للشرائط، وثمّة فارق عميق بين نزاعات اليوم ونزاعات الأمس. فإنّ النزاعات التي تحصل بين الشعوب والدول المتناحرة لا يمكن فضّها إلا عن طريق اللجوء إلى القضاء وتدخّل الخبراء والمتخصّصين والمراكز الحقوقية وسائر المسؤولين وتخصيص الميزانيات وإقامة السجون... إلخ. بناءً على ذلك، فإنّ وجود النصوص الدالّة على منصب القضاء بالنسبة للفقيه تُعدّ كافية لإثبات منصب الولاية للفقيه ولا حاجة لتصريحٍ جديد، ولا بدّ من الانتباه إلى أنّ أصل ضرورة الحكومة يُدركه العقل وقَبِلَه العقلاء بنحوٍ عمليّ، ونظراً لقيام الدليل على ضرورتها، إذ ذاك ستكون شرعية أيضاً، لأنّ الدليل العقلي يُعدّ أحد المصادر الشرعية المعتبرة ولا داعي لدليلٍ نقليّ مستقلّ..

* هل بإمكان غير الفقيه أن يصبح حاكماً إسلامياً ويأخذ المسائل الدينية والفقهية من فقهاء عصره ومراجعهم؟

الحاكم على أيّ بلد، بالإضافة الى تمتّعه بالكفاءة على صعيد الجوانب العلمية، فإنّه لا بدّ من أن يكون محيطاً بقانون ذلك البلد على نحو الدقّة والاطّلاع، ويلتزم به، ولديه القدرة على تطبيقه، ومن الطبيعي أن يكون الحاكم على البلد الإسلامي عالماً بالإسلام ومحيطاً بأحكام الدين وتعاليمه كي يتسنّى له إدارة البلد وفقاً للتعاليم الإسلامية، وهذا هو الفقيه الجامع للشرائط الذي ثبتت ولايته من طريق الأدلّة .. وبخصوص السؤال المثار هنالك فرضان في القضية:

أحدهما: أنّ ذلك الحاكم يكون مُلزَماً بتعلّم المسائل الدينية من الفقيه الجامع للشرائط، وفي مثل هذه الحالة تكون الولاية والحكومة لذلك الفقيه الجامع للشرائط، ويكون ذلك الحاكم منفذّاً للأحكام فقط، لا أنّه يحكم مستقّلاً.

أمّا الفرض الآخر: فهو أن لا يكون الحاكم ملزَماً بأخذ آراء الفقيه وتطبيقها، بل يقوم بذلك متى رأى صلاحاً وتوفّرت لديه الرغبة لذلك، ولا ضمان في هذا الفرض من أن تُدار الحكومة على النهج الإسلامي، وربّما يسوق الحاكمُ الحكومة ويجعلها غير إسلامية بمرور الزمان بعد أن يستولي على السلطة ويستحوذ على زمام القوات المسلحة.

* ما هو مصير الحكم إذا فُقد الفقيه الجامع للشرائط في عصرٍ ما؟

يجب إقامة الحكومة الإسلامية، وإنّ وجود الفقيه والعالِم الذي يُعدّ شرطاً في إقامة الحكومة الإسلامية هو شرطٌ تحصيليّ لا حصوليّ، أي بمثابة الوضوء بالنسبة للصلاة لا بدّ من تحصيله، لا كشرط الاستطاعة بالنسبة للحجّ فهو حصوليّ ولا يجب تحصيله، بل إنّ الحجّ يجب ذاتياً متى ما حصلت الاستطاعة.

إنّ تحصيل الفقاهة يعدّ واجباً كفائياً على من لديهم الكفاءة العالية لتحصيله، ويُصبح واجباً عينيّاً على الذين يمتلكون القدرة على حمل راية الفقاهة ولم يوجد غيرهم، والسرّ في وجوبه عينيّاً على مجموعة من الناس هو عدم كفاية فقيهٍ واحدٍ لسدّ حاجة المجتمع الإسلامي، وإذا لم يُنجز هذا الواجب في ظلّ ظروف خاصّة ولم تحصل الفقاهة التي تُعدّ شرطاً جوهرياً في الحكومة الإسلامية حينها يصل الدور للعدول من المؤمنين، الذين يستلهمون طريقة إدارة البلاد من المصدر الذي يتعلّمون دينهم منه، ويقومون بتشكيل الحكومة.. وإذا توفّر العدول من المؤمنين فمن يعدّون بمستوى المجتهد المتجزّىء من حيث الفقاهة والاجتهاد - أي أنّهم يمتلكون القدرة على استنباط الأحكام الفرعية من مبادئها ومصادرها الأصلية في بعض الأبواب الفقهية - فإنّهم يُقدَّمون على مَن سواهم، وإلاّ فيتولى العدول من المؤمنين العارفين بالمسائل الإسلامية زمام الحكومة الإسلامية.

* لكنّ مسؤولية علماء الدين في القرآن الكريم محصورة بهداية الناس معنوياً، ولم يأتِ على ذكر القيادة السياسية.

القيادة السياسية تُعدّ جزءاً من مسؤوليات الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وهذا ما أبانته الآيات والروايات بجلاء، فالقرآن الكريم يرى بأنّ العلماء هم السائرون على خُطى الأنبياء، من هنا فلا حاجة لأنّ يصرّح القرآن الكريم بجميع المسائل الدينية، إنّ الله سبحانه يوعز للمسلمين - ومن باب أَولى علماءِ الدين - أن يتّخذوا من سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أسوةً وقدوة، ويدعو الجميع للاقتداء بإبراهيم الخليل عليه السلام وسائر الأنبياء في مقاومة الظلم ومقارعة الشرك.

لقد أحال القرآن الكريم الكثير من الأمور إلى السُنّة والأحاديث، ولا داعي لأن يتناولها النصّ القرآنيّ بالذات. أضف إلى ذلك أنّ مسؤولية علماء الدين تتّضح أيضاً من خلال الأمر الوارد باتّباع الأنبياء وبيان سيرتهم السياسية والاجتماعية، وتحمّلهم لمسؤولية تطبيق الدين، وأنّ ذلك لا ينحصر بعصر الرسول وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، وإلاّ فإنّ الظاهر من معنى «أولي الأمر» في قوله تعالى: ﴿..أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..﴾ النساء:59، هم المعصومون عليهم السلام، وهم أولو الأمر بالأصالة.

وإنّ العقل يحكم، كذلك، في ضوء التعاليم الصادرة عن المعصومين عليهم السلام بأنّ نوّابهم في عصر الغَيبة يُعتبرون أيضاً «أُولي الأمر» لكنّهم «أولو أمر بالتَّبَع» كما هو الحال بالنسبة لعصر حضور المعصوم، فقد تولّى نوّابُهم الخاصّون مسؤولية الكثير من الأمور، ولم يكن هناك تدخّل مباشر من قِبل المعصوم فيها، وهكذا في عصر الغَيبة، فإنّ النوّاب العامّين يتولّون مسؤولية إدارة الأمور.

وكما هو مقرّر في محلّه، فإنّ النواب العامّين والمنصوبين من قِبل الأئمّة عليهم السلام للقيادة يتعيّن أن يكونوا علماءَ فقهاء حازوا الشروط الثلاثة: وهي الفقاهة، والعدالة، والقدرة على تدبير شؤون النظام الإسلامي وإدارته، وإلّا فإنّ هنالك من العلماء والفقهاء مَن يصلح للدروس العلمية والتدريس وإقامة الجماعة لا غير، فلا بدّ أن يتوفّر الفقيه العادل المنصوب للقيادة على الرؤية السياسية السليمة أوّلاً، وأن يكون محيطاً بفنّ الإدارة ثانياً، لأنّ الإدارة ليست علماً فحسب، بل هي فنّ وكفاءة متميّزة لا يحظى بها كافّة الناس.

* تدلّ بعض الروايات على حتميّة فشل كلّ حكومة تقوم قبل ظهور الإمام صاحب الزمان عليه السلام، فما قولكم في ذلك؟

لو افترضنا وجود رواية تصرّح، على نحو الإطلاق، بحتميّة فشل وخطأ كلّ نهضة، فإنّ مثل هذه الرواية تُعدّ مرفوضة، ولا يمكن القول بها لتعارضها مع الخطوط العامّة التي يرسمها القرآن الكريم وسنّةُ المعصومين عليهم السلام، لأنّ كلّ ما لدينا من آيات وروايات تأمرنا بالجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحياء الدين، وإقامة الحدود الإلهية، وهي لا تختصّ بزمنٍ معيّن، وتكشف عن خطأ القول بالتقاعس عن إحياء الدين، وإنّ ذلك ممّا لا يُمكن قبوله أبداً. فإذا ما افتُقدتْ الحكومة الدينية في عصر الغَيبة فإنّ لازمة ذلك سيادة القوانين غير الدينية وهيمنة الفاسدين على المسلمين، وهذا ممّا لا يرتضيه الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

* نظراً لاختصاص الفقهاء في الواجبات والمحرّمات فلا قدرة لهم على إدارة المجتمع الإسلامي على كافّة الأصعدة العلمية والتخصّصية، وذلك لاتّساع متطلّبات المجتمع عن مجرّد الواجبات والمحرّمات الفقهية!

تتّضح الإجابة على هذه الشبهة عبر المطالب المتقدّمة، وذلك لتصدّي الفقه لعملية بيان الخطوط العامّة لسائر العلوم وواجباتها ومحرّماتها، وهو بمثابة القانون الأساسي لتلك العلوم، وبوسع الفقيه العارف بهذه الخطوط بيانُ رأي الإسلام في الأمور الفرعية والجزئية على كافّة الأصعدة بعد الرجوع والتشاور مع الخبراء والمتخصّصين في كلّ فنّ، فلا بدّ من أن تتمحور كافّة شؤون البلد الإسلامي الثقافية والاقتصادية والطبّية والسياسية، وكذا السِّلم والحرب حول محور القانون الإلهي، وتتمثّل مهمّة الفقيه وواجبه التنفيذي في مطابقة أعمال الخبراء في مختلف الشؤون مع تعاليم الدين وتقييمها كي يُظهر صحّتها من سقمها وحلالها من حرامها وقبيحها من حسَنها، ومن ثمّ يصدر الإيعازات بتنفيذ المطابق منها ومنع المخالف.

من هنا، فقد جرى تشكيل «مجلس الشورى الإسلامي»، و«مجلس صيانة الدستور»، و«مجلس تشخيص مصلحة النظام»، ومن خلال هذه التشكيلات يتجسّد التخصّص والخبرة بأوسع صورهما من ناحية، مع الأخذ بالاعتبار مسألة انسجام الأمور العلمية والخبروية تماماً مع الدين، وعدم مخالفتها لقوانين الإسلام وتعاليمه من ناحية أخرى.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 0 ساعات

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

منذ 0 ساعات

إصدارات أجنبية

نفحات