الملف

الملف

18/10/2017

وصية النبيّ صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين بالصّبر وكظْم الغيظ

.. كتاباً مسجَّلاً نزلَ به جَبرئيل الأمين

وصية النبيّ صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين بالصّبر وكظْم الغيظ

ـــــــــــــــــــــــ الشيخ حسين كوراني ـــــــــــــــــــــــ

 *هذه المقالة عبارة عن تقرير محاضرة لسماحة العلامة الشيخ حسين كوراني ألقاها في شهر صفر 1438 هجريّة في «المركز الإسلامي»، بمناسبة ذكرى وفاة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، وتناول فيها بالشرح والتعليق واحدةً من وصايا رسول الله التي حفلتْ بها الأيام الأخيرة من حياته الشريفة.

هذه الوصيّة الإلهيّة النبويّة مرويّة عن الإمام الكاظم عليه السلام؛ وهي ممّا أملاه النبيّ صلّى الله عليه وآله على أمير المؤمنين عليه السلام، ومن ثمّ هبطَ جبرئيلُ مع أمناء الله تعالى من الملائكة، وعُقد مجلسٌ لتسليم الوصية لأمير المؤمنين من الله عزّ وجلّ، بواسطة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وشهادة الملائكة، وحضور الصدّيقة الكبرى عليها السلام.

«شعائر»

 

بمقدار الحبّ يكون التفجّعُ على الفقيد الذي نحبّه، وبمقدار الحبّ والتفجّع يكون حرصُ الغائب عن ظروف وفاة الفقيد على معرفة كلّ التفاصيل التي أحاطتْ بوفاته، وعلى معرفة كلّ الملابسات التي تشابكت مع المرحلة الأخيرة من عمره.

والملاحظ أنّ الفترة من بدء التحضير لحجّة الوداع إلى شهادة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم - كما يصرّح الشيخ المفيد والشيخ الطوسي عليهما الرحمة - حصلت فيها أحداث نوعية جِسام على علاقة باستمرار خطّ النبوات على وجه الأرض، وعلى العلاقة بحركة التوحيد منذ بدايتها وإلى قيام الساعة.

واحدة من هذه الأحداث العظيمة التي حصلت في تلك الفترة الزمنية القصيرة وأعظمها «يوم الغدير»، وفيه خطبة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الطويلة جدّاً والمغيَّبة. وقع الخلاف على عبارةٍ فيها: «مَن كنتُ مولاهُ فهذا عليٌّ مولاه..»، وانشغل الكلّ بالخلاف في تفسيرها إلى حدّ أنّ الخطبة نادراً ما تُقرأ، مع أنّ الذي يحبّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويريد أن يكون معه في الدنيا والآخرة، وأن لا يفرّق اللهُ تعالى بينه وبينه، لا بدّ من أن يتتبّع كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من مفردات سيرته صلّى الله عليه وآله وسلّم.

هذه الأحداث النوعية العظيمة، بل العظمى، سجّلتها الوقائع التاريخية، وسجّلها الذين اعتنوا بحفظ سيرة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، لا سيّما الأئمّة المعصومون عليهم السلام، فقد نقلوا إلى الأجيال التفاصيل الطويلة جدّاً حول هذه الفترة بالخصوص. والطابعُ العامّ لهذه النصوص أنّها كلّها كخطبة الغدير مغيّبة.

نجد مثلاً أنّ هناك العديد من الوصايا في تلك الفترة، ربّما تصل إلى العشرين وصية، وربما إذا تتّبعنا نجد أنّها أكثر من ذلك. وصايا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين، وللزهراء عليهما السلام، لأهل البيت عليهم السلام، للصحابة، وفي فترة مرض النبيّ النصوص كثيرة جداً. ماذا حصل بالنسبة لجيش أسامة الذي كان ينبغي أن يخرج من المدينة؟ ماذا قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما ذهب إلى البقيع في زيارة الوداع لأهل البقيع؟ النصوص كثيرة جداً، والطابع العامّ لها أنّها مغيَّبة.

أسباب التغيّيب أحياناً الجهل، وأحياناً عدم الاهتمام بالتتبّع والتدقيق، وأحياناً الخطأ في فهم معنى «الوحدة الإسلامية»، فالوحدة الإسلامية لا تعني أن لا نبحث في شأنٍ من شؤون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل هذا يتناقض مع الوحدة بين المسلمين. فلنتنبّه إلى أنّ كلّ ما يتعلّق بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يدخل ضمن تصحيح العقيدة وفي صُلبها، ويجب أن نتحدّث عنه بروحٍ علمية ودون مسبقات. هذا واجبُ كلٍّ منّا ونحن نرى ضعف العلاقة العامّة برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونرى سوء فهم الإسلام الذي حاول الشيطان وأولياؤه في كلّ وقت أن يقدّموا صورة مغلوطة عنه وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

واجبنا أن نبحث، فنحن نريد أن نعرف ماذا جرى على سيّد النبيّين صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو يريد من كلّ مسلم أن يدقّق في وصاياه.

في هذه الفترة أرسل صلّى الله عليه وآله وسلّم رسائل الى الأجيال، هذه الرسائل دُوّنت في وصايا، بالإضافة إلى ذلك هناك وصيّة إلهيّة نبويّة كما نفهم من رواية عن الإمام الكاظم عليه السلام، يسأل فيها الإمامَ الصادق سلام الله عليه عمّا حصل، وعن تفاصيل في هذه الوصية. في البداية أملى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الوصيّة، وكتبها أمير المؤمنين سلام الله عليه، ثمّ بعد أن كتب الأمير الوصية نزل جبرئيلُ مع أمناء الله تعالى من الملائكة، وعُقد مجلسٌ لتسليم الوصية لأمير المؤمنين من الله عزّ وجلّ، بواسطة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وشهادة جبرئيل وأمناء الله تعالى، عُقد مجلسٌ لهذا التسليم لا نظيرَ له لا من قبلُ ولا من بعد، ولم يكن حاضراً في هذا المجلس إلّا الزهراء عليها السلام بين السّتر والباب، لأنّها على علاقة بهذا الموضوع، على علاقة بـمسؤولية ومهامّ حُجج الله على الخلق. 

 

مجلس تسليم نصّ الوصيّة الإلهيّة النبويّة

هذه الوصية حولها عدّة روايات: رواية عن مجلس تسليمها، تَتْبعها روايات مختلفة عن مضمونها.

قبل أن أبدأ بعرض النصّ سواء من الرواية الأولى حول مجلس التسليم، أو من الروايات الثانية حول مضمون الوصية، أقف عند توثيق هذه النصوص، وهي منقولة «أصلاً»، و«الأصل» عبارة عن كتاب من الكتب الأساسية لأصحاب الأئمّة عليهم السلام، وهي التي أخذ منها علماؤنا؛ كالشيخ الصدوق، والشيخ الطوسي، وسائر العلماء.

هذا «الأصل» لشخصٍ اسمه عيسى بن المستفاد، وكنيته «أبو موسى الضرير». عيسى بن المستفاد يسأل الامام الكاظم عليه السلام، فيُجيبه أنّه سأل الإمامَ الصادق عليه السلام عن مجلس التسليم للوصية.

تحدّث العلّامة المجلسي عن توثيق هذه الرواية في كتاب (البحار)، وتحدّث عنها في (مرآة العقول). يقول في كتاب (البحار) بعد أن ينقل هذه الرواية من كتاب (الطُرَف) الذي يعرف بـ(الطرائف) للسيّد ابن طاوس: «انتهى ما أخرجناه من كتاب (الطُرف) ممّا أخرجه من كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد».

يقول العلّامة المجلسي «أخرجناه»، استخرج النصّ من كتاب (الطّرف)، ومن كتاب (خصائص الأئمّة) للسيّد الرضي جامع (نهج البلاغة)، ثمّ يقول: «وأكثرها مرويٌّ في كتاب (الصراط المستقيم) للشيخ زين الدين البياضي..»، وهو من علماء جبل عامل.

ثمّ يضيف العلّامة المجلسي: «وعيسى وكتابه [أي كتاب الوصية] مذكوران في كتب الرجال، ولي إليه أسانيد جمّة».

إذاً، للعلّامة المجلسي عدّة طرق صحيحة توصله إلى عيسى بن المستفاد. وهو يتحدّث أيضاً عن نفس الموضوع في (مرآة العقول) يقول: «الحديث الرابع... معتبَر، أخذه [الكليني] من كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد، وهو من الأصول المعتبَرة، ذكره النجاشي والشيخ في (فهرستيهما)، وأورد أكثر الكتاب السيّد ابن طاوس قدّس سرّه في كتاب (الطُّرف)، وما ذكره الكليني قدّس سرّه مختصر من حديث طويل قد أوردناه في الكتاب الكبير، وفيه فوائد جليلة وأمور غريبة».

ذكرتُ توثيق الرواية لأنّ في النصّ أموراً مهمّة جداً وعلى صِلة بمسألة الوصية بالصّبر بشكل خاصّ، أي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان مأموراً بالصبر، وجرى الحديث عمّا يجري على الزهراء عليها السلام، ويأتي معنا في الحديث عن مضمون الوصية أنّ كلّ ما فعله الأمير عليه السلام كان مأموراً به.

نصّ الرواية

الرواية كما وردت في الكافي: «عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسْتَفَادِ )أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ( قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (الصادق): ألَيْسَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَاتِبَ الْوَصِيَّةِ ورَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلَّم الْمُمْلِي عَلَيْه وجَبْرَئِيلُ والْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ شُهُودٌ؟»,

فماذا كان جواب الامام الصادق عليه السلام؟

 يقول الامام الكاظم عليه السلام: «فَأَطْرَقَ طَوِيلاً». تذكّرَ الإمام الصادق عليه السلام غربةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يتلوّى تحت وطأة المرض والسمّ، والجرأة التي حصلتْ عليه، حتّى لو  كانت بمستوى «غلَب عليه الوجع»، يتذكّر بدايةَ غربةِ أمير المؤمنين عليه السلام، وغربة الزهراء عليها السلام وأهل البيت وكلَّ ما جرى.

أطرق الإمام الصادق عليه السلام طويلاً، ثمّ قال: «يَا أَبَا الْحَسَنِ [أي الكاظم عليه السلام] قَدْ كَانَ مَا قُلْتَ، ولَكِنْ حِينَ نَزَلَ بِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم الأَمْرُ نَزَلَتِ الْوَصِيَّةُ مِنْ عِنْدِ الله كِتَاباً مُسَجَّلاً، نَزَلَ بِه جَبْرَئِيلُ مَعَ أُمَنَاءِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ..».

هنا يطلب جبرئيل من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يُخرج كلّ من في البيت عدا عليٍّ عليه السلام، ثمّ يأتي في النصّ «وفاطمةُ بين السّتر والباب»: «فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ بِإِخْرَاجِ مَنْ عِنْدَكَ إِلَّا وَصِيَّكَ لِيَقْبِضَهَا مِنَّا، وتُشْهِدَنَا بِدَفْعِكَ إِيَّاهَا إِلَيْه ضَامِناً لَهَا».

لولا التقوى والورع، لو كان أمير المؤمنين عليه السلام يعتمد أسلوبَ الوصول إلى الحكم بالطرق المتّبعة حينها وعبر القرون، وليس من خلال الناس والتأييد الشعبي الجماهيري، وإقبال الناس على الفكرة، لو أنّه عليه السلام جرّد «ذو الفقار» كيف ستكون النتيجة على المستوى العسكري؟ ولكن – في المقابل - كيف ستكون على المستوى الفكري والثقافي؟ ستكون رِدّةً عن الإسلام، فلذلك أُمر بالصبر، لكنّ هذا الصبر كم يحتاج من الاتّصال بالله عزّ وجلّ، بحيث إنّه لو جمعنا كلّ جبال الدنيا وقارنّا وَقْعَها وهولها وثِقلها بلحظة من لحظات صبر الأمير على الهجوم على الدار، لم تكن نِسبة. لذلك منقبتُه في صبره يوم الهجوم على الدار أعظم من منقبة يوم الخندق - وضربةُ عليٍّ يومَ الخندق تعدلُ عبادةَ الثّقلين أو أفضل، بحسب اختلاف الرواية - لكن يوم الهجوم على الدار أعظم بكثير، ولا نسبة.

تثبيت هذا الوضع يحتاج أن يكون الأمرُ به في سجلٍّ نزل من الله عزّ وجلّ، وسلّمه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم للأمير عليه السلام، والملائكة أمناءُ الله شهود.

«فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم بِإِخْرَاجِ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَا خَلَا عَلِيّاً، وفَاطِمَةُ فِي مَا بَيْنَ السِّتْرِ والْبَابِ.

فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ويَقُولُ: هَذَا كِتَابُ مَا كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ وشَرَطْتُ عَلَيْكَ، وشَهِدْتُ بِه عَلَيْكَ وأَشْهَدْتُ بِه عَلَيْكَ مَلَائِكَتِي، وكَفَى بِي يَا مُحَمَّدُ شَهِيداً.

قَالَ: فَارْتَعَدَتْ مَفَاصِلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم. فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ، رَبِّي هُوَ السَّلَامُ ومِنْه السَّلَامُ وإلَيْه يَعُودُ السَّلَامُ، صَدَقَ عَزَّ وجَلَّ وبَرَّ، هَاتِ الْكِتَابَ. فَدَفَعَه إِلَيْه وأَمَرَه بِدَفْعِه إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلامُ، فَقَالَ لَه: اقْرَأْه. فَقَرَأَه حَرْفاً حَرْفاً..»، إلى هنا الرواية تحدّثنا عن مجلس التسليم.

متنُ الوصيّة

ماذا في الوصيةّ؟ تجيبنا عن ذلك روايات أخرى. «فَقَالَ [النبيّ صلّى الله عليه وآله]: يَا عَلِيُّ هَذَا عَهْدُ رَبِّي تَبَارَكَ وتَعَالَى إِلَيَّ وشَرْطُه عَلَيَّ وأَمَانَتُه، وقَدْ بَلَّغْتُ ونَصَحْتُ وأَدَّيْتُ.

فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيهِ السَّلامُ: وأَنَا أَشْهَدُ لَكَ، بِأَبِي وأُمِّي أَنْتَ، بِالْبَلَاغِ والنَّصِيحَةِ والتَّصْدِيقِ عَلَى مَا قُلْتَ، ويَشْهَدُ لَكَ بِه سَمْعِي وبَصَرِي ولَحْمِي ودَمِي.

فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ: وأَنَا لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ.

فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: يَا عَلِيُّ، أَخَذْتَ وَصِيَّتِي وعَرَفْتَهَا وضَمِنْتَ للهِ ولِيَ الْوَفَاءَ بِمَا فِيهَا؟

فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيهِ السَّلامُ: نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي، عَلَيَّ ضَمَانُهَا، وعَلَى اللهِ عَوْنِي وتَوْفِيقِي عَلَى أَدَائِهَا.

فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: يَا عَلِيُّ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُشْهِدَ عَلَيْكَ بِمُوَافَاتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيهِ السَّلامُ: نَعَمْ أَشْهِدْ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: إِنَّ جَبْرَئِيلَ ومِيكَائِيلَ فِيمَا بَيْنِي وبَيْنَكَ الآنَ وهُمَا حَاضِرَانِ مَعَهُمَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ لأُشْهِدَهُمْ عَلَيْكَ.

فَقَالَ: نَعَمْ لِيَشْهَدُوا وأَنَا بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي أُشْهِدُهُمْ. فَأَشْهَدَهُمْ رَسُولُ الله. وكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ عَلَيْه النَّبِيُّ بِأَمْرِ جَبْرَئِيل..».

حقيقةً أكثر ما يفجع عند قراءة هذا النصّ أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام مظلوماً إلى هذا الحدّ، أن يقال: لا يُعقل أن يكون حصل هجومٌ على الدار، أن يتمّ الإنكار لهذا الصبر ولهذه المنقبة وتحويلها إلى مادّة تندُّر...

تتابع الرواية: «وكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ عَلَيْه النَّبِيُّ بِأَمْرِ جَبْرَئِيلَ فِي مَا أَمَرَ الله عَزَّ وجَلَّ أَنْ قَالَ لَه: يَا عَلِيُّ، تَفِي بِمَا فِيهَا مِنْ مُوَالاةِ مَنْ وَالَى اللهَ ورَسُولَه، والْبَرَاءَةِ والْعَدَاوَةِ لِمَنْ عَادَى اللهَ ورَسُولَه، والْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ، عَلَى الصَّبْرِ مِنْكَ وعَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ وعَلَى ذَهَابِ حَقِّي وغَصْبِ خُمُسِكَ وانْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ؟

فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله».

يضيف الإمام الصادق كما ينقل عنه الإمام الكاظم عليهما السلام: «فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ..». هنا يحدّث أمير المؤمنين سلام الله عليه بما سمع جبرئيل يحدّث به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ممّا سيجري على الأمير وعلى الزهراء ومَن بعده: «والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ عليه السلام يَقُولُ لِلنَّبِيِّ: يَا مُحَمَّدُ، عَرِّفْه أَنَّه يُنْتَهَكُ الْحُرْمَةُ، وهِيَ حُرْمَةُ الله وحُرْمَةُ رَسُولِ الله، وعَلَى أَنْ تُخْضَبَ لِحْيَتُه مِنْ رَأْسِه بِدَمٍ عَبِيطٍ.

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلامُ: فَصَعِقْتُ حِينَ فَهِمْتُ الْكَلِمَةَ مِنَ الأَمِينِ جَبْرَئِيلَ حَتَّى سَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي، وقُلْتُ: نَعَمْ قَبِلْتُ ورَضِيتُ وإِنِ انْتُهِكَتِ الْحُرْمَةُ..»، انتهاك الحرمة هنا إشارة إلى ما يجري في الهجوم على الدار، إشارة إلى الزهراء الوديعة، حرمة الله وحرمة رسوله، «.. نَعَمْ قَبِلْتُ ورَضِيتُ وإِنِ انْتُهِكَتِ الْحُرْمَةُ، وعُطِّلَتِ السُّنَنُ، ومُزِّقَ الْكِتَابُ، وهُدِّمَتِ الْكَعْبَةُ، وخُضِبَتْ لِحْيَتِي مِنْ رَأْسِي بِدَمٍ عَبِيطٍ، صَابِراً مُحْتَسِباً أَبَداً حَتَّى أقْدمَ عَلَيْكَ.

ثُمَّ دَعَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم فَاطِمَةَ والْحَسَنَ والْحُسَيْنَ، وأَعْلَمَهُمْ مِثْلَ مَا أَعْلَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِه، فَخُتِمَتِ الْوَصِيَّةُ بِخَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تَمَسَّه النَّارُ، ودُفِعَتْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السّلام».

اخبار مرتبطة

  حدود الله

حدود الله

  دوريات

دوريات

18/10/2017

دوريات

نفحات